غلاف ومقدّمة كتاب “مشهد العيان بحوادث سورية ولبنان/ تحقيق ودراسة لويس صليبا
عنوان الكتاب: مشهد العيان بحوادث سوريّة ولبنان
المؤلف : الدكتور ميخائيل مُشاقة (1799-1888)
أعاد صياغة الكتاب: ملحم خليل عبده و أندراوس حنا شَخاشيري
المحقّق وكاتب الدراسة: أ. د. لويس صليبا Lwiis Saliba
مستهند وأستاذ في الدراسات الإسلامية والأديان المقارنة
عنـوان المدخل/الدراسة : صدام الأديان والمذاهب في لبنان: شهادة من الماضي…عِبرة للآتي
عدد الصفحات : 625ص
لوحة الغلاف: فيلق التدخّل الفرنسي يصل بيروت 16/8/1860
والغلاف الخلفي: دارعات ألمانية في مرفأ بيروت 1899
سنة النشر : طبعة رابعة 2022، طبعة ثالثة2019 ، ط2: 2013، ط1: 2007
الـنـاشــــــر : دار ومكتبة بيبليون
طريق الفرير – حي مار بطرس- جبيل/ بيبلوس ، لبنان
ت: 540256/09-خليوي: 03/847633 ف: 546736/09
Byblion1@gmail.com www.DarByblion.com
2022©- جميع الحقوق محفوظة. يُمنع تصوير هذا الكتاب، كما يُمنع وضعه للتحميل على الإنترنت تحت طائلة الملاحقة القانونية
مقدّمة الطبعة الثانية
حوى هذا الكتاب في طيّاته الكثير من الحقائق والوقائع… والدروس والعِبر… ولا مَن يعتبر.
ويبدو أننا في هذا الشرق لم نتعلّم بعد أن نستخلص أمثولة ودروساً من الماضي. وقد احترفنا إعادة إنتاج أزماته ومصائبه. ما الذي تغيّر من يوم أحداث كتابنا هذا إلى اليوم؟! لم يتغيّر الكثير في الذهنيات… وإن تغيّرت طريقة العيش والمأكل… ولا سيما الملبس. ومتى كنّا في لبنان نعرف دين المرء والمرأة من اللباس والمظهر الخارجي؟ نحن قادرون اليوم أن نعرف دين المرء بل ومذهبه من سيّارته حتى وما على زجاجها من شعارات. أليس هذا إنجازاً حضارياً لم يصل إليه الغرب، ولم يفكّر فيه؟!
ونعرف دين المرء، وبالأخصّ المرأة، قلنا من الثياب. ونساؤنا بارعات في تقليد الغرب وبل وسعدنته في أزيائه.
لا بل هن ببراعتهن قادرات أن يسبقنه ويفقنه في الخلاعة والتعرّي… وإذا كان الجسد العاري دليل حضارة… فهنيئاً للحيوانات فهي أكثرنا حضارة.
مبالغة في التستّر والتحجّب من جانب، تقابلها أو تردّ عليها مغالاة في هتك أستار الحشمة عند الجانب الآخر. والزيّ أصبح جزءاً أساسياً من الهوية والشخصية الأساسية Personnalité de base.
أحداث هذا الكتاب… مذابح طائفية قيل عنها: كنا نتأفّف ونأسف للطائفية وما تجرّ من ويلات فها نحن أضفنا اليوم إليها…المذهبية. أمسينا بشرّ واحد وأصبحنا باثنين. والشرق العربي كلّه يكاد ينفجر ويتفتت تحت وطأة الشحن الطائفي والمذهبي.
وأحداث سورية اليوم ذكّرت الكثيرين بهذا الكتاب، ولفتت الانتباه إليه, فنفد ما تبقّى منه من نسخ مع بداياتها.
والناس تربط الماضي بالحاضر، وتخشى أن يقع اليوم… ما وقع بالأمس. ومخاوفها هذه ليست مجرّد أوهام..
حتى إن البعض بات يخشى فعلاً من أن يعود أهل ذمّة، ومواطناً درجة ثانية. وما يحصل للمسيحيين في مصر بعد الثورة والعراق، وبعض ما حصل في ليبيا يزيد من هذه المخاوف. وما يعيشه المسيحيّون في لبنان من استلاب واغتراب عن تراثهم واستيراد متواصل لقيَم الغرب لا لبضائعه فقط وتغرّب وهجرة وبيع أراضٍ… يزيد من احتمال عودة الذمّية.
ويتحدّث كتابنا عن دور سلبي للإكليروس والكنيسة في التسبّب بمجاز عام 1860. والغريب أن محرّري مشهد العيان ملحم عبده وأندراوس شخاشيري وهما مسيحيّان ملتزمان يؤكّدان رأي الدكتور مشاقة ومؤلّف كتاب حسر اللثام في دور الإكليروس السلبي هذا. أليس هذا الدور هو هو يعاد لعبه اليوم؟
الإكليروس رهباناً وكهنة ورؤساء هم قادة الجماعة المسيحية وموجهو خطاها نحو العودة… إلى الذمّية. يكثرون الوعظ والتحذير… ولو اتعظ الواعظون بما يعظون لتغيّر وجه الأرض… فماذا يقدّمون عملياً لهذه الجماعة من مقوّمات الصمود… والبقاء؟ لا شيء مجاناً عندهم وأي فرد من الجماعة هو بمفهومهم مستهلِك وزبون:
طالب في مدارسهم وجامعاتهم، مريض في مستشفياتهم الخ… يأخذون دائماً منه… يفرغون جيوبه… ولا يعطونه شيئاً إلاّ بأغلى الأسعار.
وفي الفرنسية قول شائع تناولناه في كتابنا ”الإسلام في مرآة الاستشراق المسيحي“([1]) وهو التالي:
Les communautés chrétiennes commencent à aller mal quand le monachisme va mal.
«الجماعات المسيحية يبدأ حالها يسوء عندما يسوء حال الرهبانيات فيها».
ورهبان لبنان هم في غالبيتهم في حال واضح من ضياع الهوية. نظامهم الرهباني هجين، فلا هم مرسلون يعيشون في المجتمع ويقاسمون الناس أحوال معيشتهم وهمومهم، ولا هم متوحّدون ديريّون ينعزلون في أديارهم. إنهم في الحقيقة لا هذا ولا ذاك. وهم يتنافسون اليوم ويتسابقون على تأسيس الجامعات وتشييد المستشفيات.. فعند الموارنة فقط أربع جامعات تابعة لرهبنات تتنافس في استقطاب ”الزبائن“ الطلاّب… أهذه هي الحياة الرهبانية؟!
وقد تناولنا الوضع الرهباني ودور الرهبنات في لبنان في اثنين من سابق مؤلفاتنا([2])([3]). وصرخاتنا هذه ذهبت كما كثير غيرها صيحة في واد. فإذا كان للجدران آذان في بعض الدول المجاورة، فعندنا للآذان جدران…
تخلّفنا في هذا الشرق هو في الأساس تخلّف ذهنيات. ذهنيات أصولية تودّ أن ترجعنا إلى الوراء إلى زمن البدايات المباركة وأن تجمّد حركة التاريخ. والمؤسسة الدينية، ورجال الدين بمختلف انتماءاتهم ومذاهبهم لا يزالون يتحكّمون بمراكز التأثير في المجتمع. ولن ينفع معهم إلاّ ما جرى في الغرب مع بداية الثورة الصناعية والزمن المعاصر: فصل الدين عن الدولة… وهو أمر لا يزال مجرّد حلم بل أضغاث أحلام… فنحن طائفيون… ومذهبيون… ومتعصّبون حتى العظم. لذا فستبقى المسألة الدينية عامل تأخر وعائقاً بوجه كل تحوّل أو تقدّم.
يبقى فعل ندامة وتوبة أودّ أن أتلوه هنا عن إهداء كتاب لِمَن يتعاطى الشأن العام، فأكثر هؤلاء لا يجد في برنامجه وجدول مواعيده متّسعاً لربع ساعة يلقى فيه كاتباً أو مفكّراً يقدّم له كتاباً أو يناقشه في رأي…
ولا يحتمل حجم هذا الكتاب الضخم زيادات في الفصول والنصوص. لذا انحصر عملنا في إعدد هذه الطبعة الثانية على تنقيح الأخطاء وإضافة عدد من الخرائط التوضيحية والرسوم آملين أن تفي بالغرض الذي وضعت له.
وختاماً: لقد كانت لي في العودة إلى ما كتبت وما حققت ونشرت من نصوص في هذا المصنّف فرصة لإطراقة وتأمل في أحداث الماضي الصعب هذا… وعسانا جميعاً نعمل على تفادي ما شابه من مآسي.
Q.J.C.S.T.B
د. لويس صليبا
باريس 15/08/2012
[1] – صليبا، د. لويس، الإسلام في مرآة الاستشراق المسيحي، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2012، باب 2/فصل 3.
[2] – صليبا، د. لويس، الاغتراب اللبناني ملحمة أم مأساة، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2008، فصل 9، الإكليروس والهجرة، ص 199 – 209.
[3] – صليبا، د. لويس، الصمت في الهندوسية واليوغا، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط2، 2011، ملحق رابع، الصمت بين رهبان الهند ورهبان المسيحية، ص 271 – 280.