مقدّمة وغلاف كتاب “ثوّار من الجيش الأسود: رهبان لبنانيّون مشوا عكس السير”/ تأليف لويس صليبا

مقدّمة وغلاف كتاب “ثوّار من الجيش الأسود: رهبان لبنانيّون مشوا عكس السير”/ تأليف لويس صليبا

 

المؤلّف/Auteur: أ. د. م. لويس صليبا Lwiis Saliba

مستهند وأستاذ محاضر ومدير أبحاث في علوم الأديان والدراسات الإسلامية

عنوان الكتاب: ثوّار من الجيش الأسود: رهبان لبنانيّون مشوا عكس السير

سيَر وآراء مخالفة في المسيحية والإسلام والمرأة والأديان وغيرها للآباء أمبروسيوس الحاج ولويس خليفة وجوزف قزي

:Titre (o.l.m) Des moines libanais :Révolutionnaires de l’Armée Noire

عدد الصفحات: 364ص

سنة النشر: طبعة ثالثة 2024، طبعة ثانية 2023: صدرت إثر وفاة الأب جوزف قزّي في 30/5/2022، ط 1: 2021

الناشر:            دار  ومكتبة بيبليون

طريق الفرير، حي مار بطرس، شارع 55، مبنى 53، جبيل/بيبلوس-لبنان

ت: 09540256،        03847633،     ف: 09546736

Byblion1@gmail.com            www.DarByblion.com

2024©-جميع الحقوق محفوظة، يمنع تصوير هذا الكتاب، كما يمنع وضعه للتحميل على الإنترنت تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

ديباجة الكتاب

مدخل إلى بحوثه وطروحاته

 

هي مجموعة دراسات وانطباعات وذكريات عن آباء ورهبان لبنانيين كانوا للمؤلّف، كاتب هذه السطور، أساتذة وبمثابة معلّمين. رافقهم ورافقوه كلٌّ في حقلٍ من حقول المعرفة والروحانيّة، وفي مرحلةٍ ما، وكلّ ترك فيه بصمة مهمّة ووسماً. ومن هنا فالكتابة عنهم، وسبر أغوار سيَرهم وفكرهم وتعليمهم، هي في الحقيقة عودة إلى الجذور، وعهد الصبا. والعلم في الصغر كالنقش في الحجر، يقول المثل العربي. والكاتب، ومنذ طفولته وتدرّجه على يد عمّه الخوري فرنسيس صليبا (1918-1996) معلّمه الأوّل، كان معنيّاً، كلّ العناية، بالمطلق والبحث عنه. وهل يبحث المرء عن الحقيقة، أم هو يربى عليها، ومنذ نعومة أظفاره؟! سؤال لا يزال يطرح نفسه بإلحاح في وجدان المؤلّف، ولن يحاول هنا أن يقدّم إجاباتٍ عنه، حسبه الاكتفاء بأن الآباء هؤلاء موضوع هذا السفر كانوا ممّن ساهم وعمل على تربيته على هذه الحقيقة المنشودة! ومن هنا جمْعُهم في مصنّف واحد. بيد أن ذلك ليس السبب الوحيد لجمع الثلاثة هؤلاء بين دفّتي كتابٍ واحد، فقد جمعتهم مشتركات عديدة أوّلها انتماؤهم إلى رهبانية واحدة هي الرهبانية اللبنانية المارونية([1])، وزمالة وأخوّة امتدّت سحابة حياةٍ كاملة، كما سيُذكر في الآتي من الصفحات والفصول، ورؤيا مشتركة للأوضاع في لبنان وكنيسة لبنان والمشرق، وللعلاقات بين الأديان والمجموعات المنتمية إليها في هذه المنطقة، وخلاصتها أن الأمور لا تسير فيها على ما يرام، ولا بدّ من إصلاحٍ وعودةٍ صادقة إلى الجذور والأصول، يطالان مختلف الجوانب والأصعدة.

وهكذا ففي وجوه هؤلاء الآباء الثلاثة المعلّمين: أمبروسيوس الحاج (1930-2003)، لويس خليفة (1930-1997)، وجوزف قزّي (1937-…) ولا سيما الاثنين الأوّلين منهما، يلمح الباحث نذراً من سمات تكوّن وجه فكري وروحي له يستبينه من تطوّر فكرهم وتعاليمهم في الله والدين والإنسان، وغير ذلك من مواضيع، من دون أن يعني ذلك أنّه التزم، سابقاً أو راهناً، بما عبّروا عنه من آراء وطروحات.

وغالباً ما أُخذ هؤلاء الثلاثة، في هذا المصنّف، لا لشخصهم وفكرهم تحديداً وحصراً، بل بالأحرى نموذجاً ومثالاً للثورة على الأفكار والتقاليد البالية والمعلّبة، وعلى طريقة التعامل معها. ومن هنا عنوان الكتاب، وهو التالي:

ثوّار من الجيش الأسود: رهبان لبنانيّون مشوا عكس السير

سيَر وآراء مخالفة في المسيحية والإسلام والمرأة والأديان وغيرها للآباء أمبروسيوس الحاج ولويس خليفة وجوزف قزّي

وقد جاء هذا العنوان مؤثراً التعميم على التخصيص، أو بالحريّ متجاوزاً الثاني إلى الأوّل، وساعياً أن يبرز المنتَج على حساب المنتِج. فما الذي من شأن ثورة كلّ من هؤلاء الثلاثة أن تحمله إلى إنسان القرن الواحد والعشرين عموماً، والإنسان المشرقي خصوصاً؟ هذا هو الأهمّ، وهو ما يعني هذا الإنسان أوّلاً، وقبل الغوص في التفاصيل والنُبَذ والسيَر والأحداث اليوميّة والتواريخ.

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن هؤلاء الرهبان والزملاء الثلاثة: الحاج وخليفة وقزّي قوربوا بطرق ومنهجيّات مختلفة تعود إلى اختلاف أدوارهم ومواقفهم ومجالات اختصاصهم واهتماماتهم.

فأوّل ما يخطر للمرء أو يطالعه في الأب أمبروسيوس الحاج قداسة سيرته وفرَحه الدائم وحبّه اللامتناهي لكلّ إنسان، بل ولكلّ كائن عموماً. لذا تمّ التركيز، استثنائياً، وخلافاً لزميلَيه، على سيرته، ورويت (ب1/ف1) بكلّ ما تيسّر من تفاصيل وحكايات.

ومن معالم روحانية هذا الأب الرئيسية دعوته إلى قبول الآخر بضعفه وسائر سيّئاته، وإلى اللاعنف. وآراؤه الرائدة في التربية وفي العلاقات المسيحية الإسلامية والمسيحية اليهودية، لذا وضعت كلّ هذه المحاور في رقعة الضوء. وممّا يؤسف له، في هذا الصدد، عدم توفّر أكثر نصوصه، وكان أبونا أمبروسيوس شحيحاً في الكتابة، ومعظم تعاليمه كانت شفويّة عبر محاضرات شبه ارتجالية وسهرات إنجيلية وغيرها، وما لا يدوّن يضيع، أو كما يقول الشاعر العربي جميل بن معمر:

كلّ علمٍ ليس في القرطاس ضاع([2])

وقُسّم الباب الأول الذي يتناول هذا الراهب/الوليّ إلى سبعة فصول روى الأوّل (ب1/ف1) سيرته، وعرض الثاني (ب1/ف2) شهادة المؤلّف في معلّمه أمبروسيوس وأبرز ما يذكره عنه من تعاليم وحكايات. في حين ركّز الفصل الثالث (ب1/ف3) على نهج هذا الأب البارّ في عيش نذوره: عفّته الملائكية، وفقره الاختياري الصادق، وطاعته وتواضعه النموذجي الملهِم. أما الفصل الرابع (ب1/ف4) فيعرض لتجربته الرائدة وآرائه التقدّمية في التربية. ويتوقّف الفصل الخامس (ب1/ف5) مليّاً عند موقفه من الأديان الأخرى، ولا سيما الإسلام واليهوديّة: “لا تقسُ على المسلمين، إنهم طيّبون. كتاباتك قاسية، وهي بعيدة عن روح المارونية. ما يمكن أن نوصله للآخر عبر الحبّ أهمّ وأعظم ممّا نوصله إليه عبر إشعارنا له بالقساوة”، يقول أبونا أمبروسيوس لتلميذه الكاتب والباحث في الإسلاميّات نبيل فيّاض. ونصيحته هذه مَعلَمٌ أساسيّ من معالم روحانيّته. وهي بالنسبة إلى كاتب هذه السطور حجر الزاوية في دراساته الإسلامية. وسبق له أن توقّف عند أسلوب ابن كمّونة الراقي في عرض عقائد الغير ونقدها([3]). فمقاربة منظومة الآخر الدينية بودّ واحترام، لكن دون مسايرة ولا محاباة، كانت دوماً القاعدة الأساسية في دراساته، وهو ما تعلّم شيئاً منه من أمبروسيوس، وبَلوَره مع الزمن في بحوثه. أمّا دعوة الأب الحاج الملحّة والمتكرّرة إلى اللاعنف، وريّ الأرض الحبيبة بالدموع لا بالدماء، فكانت للمؤلّف واحدة من أوائل خطواته في رحلة الألف ميل التي بدأها مع غوتاما بوذا والمهاتما غاندي، ولمّا يزل ناشطاً في متابعتها والسير في ركابها.

وأمبروسيوس بضحكته الفريدة، والتي لا يشبهها شيء، وبقداسته شخصيّة هزّت المؤلّف بعمق. وكلام هذا الأب الجليل يقطر صدقاً، ومنه تفوح عطور الودّ والحبّ الحقيقي. والقصيدتان موضوعا الفصلين الأخيرين 6 و7 (ب1/ف6، ب1/ف7) من الباب الأوّل كُتبتا إثر مشاهدة الكاتب شريطَي تسجيل فيديو لمحاضرتَين لهذا الراهب البارّ، ما ذكّره بأيّام الماضي الجميلة، وبحرارة تعابير هذا الأب/المعلّم الذي طالما حرّكت كلماته فيه المشاعر والوجدان. وها هو في هاتَين المحاولتَين يتغزّل بمعلّمه الراهب تغزّل مريدي الصوفية بمشايخهم.

وكلمة أبونا أمبروسيوس الأخيرة قبل وفاته والتي قالها مودّعاً رفيقه الراهب: “ضلّك صلّيلي وكون راهب قدّيس” تبقى أصدق تعبير يوجز ويختصر مسيرته الحياتية اليوميّة نحو القداسة: الصلاة كانت أداته الأولى والمميّزة لتقديس الذات، وهي كانت وصيّته الأخيرة وخاتمة أفعاله.

وثاني هؤلاء الرهبان الثوّار والمعلّمين هو الأب لويس خليفة، وكان مثالاً للراهب المثقّف والناشط في تنظيم الفعاليّات الثقافية والروحية من محاضرات وخلوات وغيرها، وكان كذلك نموذجاً للراهب المنفتح. منه تعلّم الكاتب أن المسيحية في جوهرها انفتاح على الآخر، ونزعة إنسانية عميقة تترجَم أفكاراً وأقوالاً وأفعالاً. وثورة أبونا لويس الهادئة والبيضاء تجلّت في نواحٍ عديدة أبرزها في الانفتاح المذكور والدعوة إلى أن يكون هو القاعدة في المسيحية، وهو يقول في ذلك: “كلّما تطوّرت العلوم الإنسانية تطوّرت معها علاقتنا بالله وبالعالم وبالمادّة. وبقدر ما ننفتح على الشعوب وأديانها وحضاراتها نشعر أكثر بضرورة تطوير مقوّمات إيماننا. فالإيمان حدثٌ تاريخي صيغ بمفرداتٍ بشرية، وذهنيّاتٍ بشرية في أزمنة مختلفة. إنّنا بحاجة ماسّة اليوم إلى قفزة نوعيّة في اتّجاه إيمان عميق. وهذا لن يتحقّق إلا عندما ينبني على ثلاث: الحركة والروح والتجدّد” (جريدة بيبليا، ع23، أيلول 1993، ص1).

علاقتنا بالله تتطوّر بتطوّر العلوم الإنسانية، أمّا إيماننا فيتطوّر بقدر انفتاحنا على الأديان الأخرى: قاعدة جديرة بالتبصّر والتفكّر والتدبّر أيضاً، وهو ما فعله الباحث في عدد من المباحث والفصول من الباب الثاني المخصّص لهذا الراهب المميّز.

كان لويس خليفة ثائراً على كلّ بالٍ وكلّ ما تجاوزه الزمن، وداعية لا يكلّ إلى التأوين إن في تفسير البيبليا، أو في بُنى الكنيسة الاجتماعية والطقسية والدينية، أو في الإيمان والنظرة إلى الله والكون والإنسان. وتأوينه لم يوفّر مجالاً يحتاج إلى فهمٍ جديد متجدّد ودمٍ جديد. فالمسيحية في عُرفة حركة تجديد وتأوين دائمٍ ومستمرّ، وممّا يقوله في ذلك هاتفاً بالفمِ الملآن: “هل تطمئنّ الرهبانيّات، في عنادها على ترسيخ الحياة الرهبانية، على ما سبق من تقاليد وأعراف، فنرمّمها ونجمّلها، ونضبطها، بينما الروح العاصف يشقلب العالم وإيديولوجيّاته. فحتّى الماركسية ترجع إلى أصالة الإنجيل، ونحن نصنع القداسة والسلام خارج الإنجيل” (بيبليا، ع9، أيار 1991، ص7).

فهذا الروح العاصف المشقلِب جعل له أبونا لويس من قلبه ووجدانه مسكناً ومقرّاً دائماً. وبه واجه المعارضين لثورته البيضاء والمعترضين. فلم يسترح ولم يُرح، لكن، وكما يقول المتنبّي:

وإذا كانت النفوسُ كباراً         تعِبَتْ في مرادها الأجسامُ([4])

فهذه النفس الكبيرة التوّاقة أتعبت الجسد، بل أرهقته وأسقمته، فسقط فريسة لطموحاتها الكبيرة والبعيدة المنال:

في سبيل العُلى قتالُك والسلْ      مُ وهذا المقامُ والإجذامُ

ينشد المتنبّي في القصيدة عينها، وأبونا لويس كان مناضلاً حقيقيّاً في سبيل سلام راسخ في الفكر والمجتمع. وإذ يُذكر اليوم، يلوحُ وجهه المستدير مع بسمته الودودة كبدرٍ طلُع في كبد الفلك، ولم يطُل شروقه، ويبقى الاستهداء به ميسوراً لمن شاء:

وكذا تطلُعُ البدورُ علينا          وكذا تقلَقُ البحورُ العظامُ

يضيف المتنبّي منشداً في القصيدة عينها.

وما كان أبونا لويس يقوله ويعلنه في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ها هو البابا فرنسيس يردّده على طريقته وبأسلوبه، ويسعى إلى وضعه موضع التطبيق اليوم!

والباب الثاني المخصّص لهذا الراهب الثائر ينقسم إلى ستّة فصول، يعرض الأوّل منها (ب2/ف1) سيرة موجزة ومعبّرة له، في حين يتناول الثاني (ب1/ف2) مفهومه لله الأب وهو مفتاح روحانيّته وتعليمه اللاهوتي، وكذلك نظرته إلى المسيح الإنسان والابن وما تعنيه إنسانية يسوع وتحمله من عِبرٍ وتعاليم لإنسان اليوم الضائع بين الروحانيّة والمادّة. وتجسّد المسيح وتأنّسه أضفى على هذه الأخيرة مُسحة من قداسة. وأبونا لويس ينبّه ويحذّر، وممّا يقول: “لعلّ أجسم خطيئة يرتكبها الإنسان المعاصر تجاه المادّة: هو أن يعطيها قيمة أقلّ أو أكثر ممّا هي على حقيقتها. هذا هو جوهر الخطيئة الأصلية، وجوهر خطيئتنا كلّ يوم. المادّة قيمة خيّرة بحدّ ذاتها. خُلقت لتكون أداة خيرٍ بين يديّ الإنسان. إنها إيجابية من طبيعتها. إنها هنا ليبدع الإنسان منها جمالاً وحبّاً. وليتمتّع بها، فينمو من خلالها وبها حتى يصبّ في الله، كما يصبّ النهرُ في البحر”([5])

وانطلاقاً من هذه الروحانيّة المميّزة يرفض أبونا لويس نظرة الفلسفة اليونانية الأفلاطونية المتسلّلة إلى اللاهوت المسيحي والتي تَعتبِر الإنسان كائناً يتألّف من عنصرَين مستقلّين: النفس والجسد”. وهذا ما يتوسعّ في عرضه الفصل الثالث من الباب الثاني (ب2/ف3): “الإنسان جسدٌ وروحٌ معاً”. ويستتبع ذلك نظرة جديدة إلى المرأة تراها مساوية جوهريّاً للرجل. وأخرى إلى الحبّ الجسدي تعيد إليه كرامته المنسية بتأثير الفلسفة اليونانية الآنفة الذكر.

ويبقى أن أبرز إسهامات الأب خليفة تتجلّى في مفهومه للتأوين ودعوته الملحّة إليه. والفصل الرابع من الباب الثاني (ب2/ف4) يتبسّط في عرض مفهومه لتأوين البيبليا، وتوافُق هذا المفهوم مع الدعوة المستجدّة في الكنيسة والتي عبّرت عنها وثيقة اللجنة البيبلية الحبرية، ويعرض نماذج عديدة من تأوينات أبونا لويس للكتاب. أما الفصل الخامس (ب2/ف5) فيدرس دعوة الأب خليفة إلى تأوين الكنيسة في لبنان لتواكب العصر. “كنيسة تتطوّر ببطء السلحفاة”، يقول هذا الراهب الثائر، وهو يهتف بالفم الملآن متوجّهاً إلى السلطات الكنسيّة والإكليروس والعلمانيين: “اخلعوا ثوب شاوول والبسوا ثوب بولس“.

وفي الفصل السادس والأخير من الباب الثاني (ب2/ف6) يدلي الكاتب بشهادة شخصية عن الأب خليفة وعلاقته به، وما تعلّمه منه. ثم يستعرض جملة شهادات لعدد من عارفيه ويحلّلها: البطريرك بشارة الراعي، الشاعر سعيد عقل، الأب جوزف قزّي كاتب سيرته وغيرهم، ليخلص إلى تقييم عامّ لثورة هذا الراهب البيضاء وأصدائها وتأثيرها.

وتبقى كلمة أبونا لويس الأخيرة على فراش الموت: “نحن لا نفتّش عن الله، إنّه بالتأكيد في قلبنا“، فهذا اليقين الجازم يظهّر حرارة الإيمان الذي كان يزخر به قلبه ووجدانه، وهو خير تعبير يختصر مسيرته نحو القداسة التي فهمها على طريقته، وحمّلها من المعاني والأبعاد ما لم يسبق لغيره أن فعل.

وثالث الثوّار وآخرهم راهبٌ أثار عاصفة من النقاش والجدل ولا يزال. إنّه القسّ جوزف قزّي مؤلّف “قسّ ونبي”، وصاحب سلسلة الحقيقة الصعبة، وغيرها من المؤلّفات في الإسلام والتاريخ الرهباني والماروني. والمؤلّف، ببساطة وصراحة، لا يشاركه نظرته إلى الإسلام، ولا موقفه منه، ولا أسلوبه الجدلي الحجاجي في مقاربته. نظرة قزّي من منظور زميله وأخيه أمبروسيوس الحاج تُعتبر قاسية. والمؤلّف يؤثر روحيّة النهج الأمبروسيوسي الودود في مقاربة الإسلام ودراسته، كما ذكر آنفاً في هذه المقدّمة. ولكن قزّي، هذا الراهب المقلِق، كان بكتاباته المثيرة للجدل أوّل من لفت انتباه كاتب هذه السطور إلى أهمّية الدراسات الإسلامية، ومن أبرز من حفزه بالتالي على المضيّ قُدماً في هذا المجال. وجوزف قزّي الإنسان والراهب أولاً، والباحث تالياً، تبقى له في نفس المؤلّف مودّة واحترام مميّزَين. مودّة تثيرها شخصيّته المُحبّة الودودة بطبعها، والمتواضعة، والقريبة من القلب. واحترام يفرضه صدقه وتقديسه للكلمة وحرّية الإنسان، أياً يكن هذا الأخير، إيماناً ومعتقداً وانتماءً.

وقزّي هو صديق أمبروسيوس الحاج وزميله، ورفيق درب لويس خليفة، وراوي سيرته، ودارس فكره، وواضع أوّل كتابٍ عنه، وله في الشأن الرهباني صولات وجولات، وآراء جديرة بالعرض والمناقشة. عاش ولا يزال منزوياً بعيداً عن الأضواء، يتخفّى غالباً خلف اسمٍ مستعار. ولعلّ هذا الكتاب أوّل ما يعرض صوراً قديمة وحديثة له استُلّ أكثرها من أرشيفه، ولا بدّ للكاتب هنا من أن ينوّه بتعاونه الدائم واستجابته لطلباته.

أما منهجية مقاربة هذا الراهب الثائر فتختلف عن تلك التي اعتُمدت في دراسة زميلَيه. فلمّا كان لمّا يزل حيّاً يرزق، أطال الله بعمره، شاء المؤلّف أن يجعله يروي سيرته بنفسه، فطرح عليه مجموعة من الأسئلة في هذا الصدد، ودُوّنت مع أجوبته في الفصل الأوّل من الباب الثالث المخصّص له (ب3/ف1): جوزف قزّي يروي سيرته. وهي بذلك ستكون مصدراً أوّلياً في رواية هذه السيرة وما اكتنفها من جدلٍ ونقاش مع فِرَقٍ ومِلل.

وللمؤلّف جلسات حوارٍ ونقاشٍ عديدة مدوّنة مع الأب قزّي، تصلح مادّة لكتاب أو أكثر، وعساها تظهر مطبوعة في الآتي القريب من الأيّام.

والفصل الثاني من الباب الثالث (ب3/ف2) حوار آخر مع الأب قزّي يتناول الشأن الرهباني ومؤلّفاته وتحقيقاته وطروحاته في هذا المجال.

وفي الشأن الروحي يقول أبونا قزّي في هذا الفصل: “لا قداسة من دون الروح القدس”، و”القداسة حِكرٌ على المسيحية”. لكأنّه نسي هنا قول السيّد في إنجيله: {إن الروح يهبّ حيث يشاء} (يوحنا3/8)، والروح القدس بالتالي ليس حِكراً على المسيحية، وإن كانت هي حصراً من آمن به تحت هذا الاسم. فلا الروح القدس إذاً، ولا القداسة بالتالي، حكراً على أحدٍ من الناس، ولا من الأديان، أيّاً كان!

ويناقش قزّي في هذا الفصل ب3/ف2 العديد من طروحات لويس خليفة في الزواج والحياة الرهبانية والعلاقات الجنسية المعروضة في الباب الثاني من هذا الكتاب. وبنقاشه هذا تُستكمل اللوحة المرسومة لهذه الآراء والطروحات. علماً أن المؤلّف آثر أن يتحاشى إبداء رأي في الطرح والطرح المضادّ.

أما بحوث الفصول الثالث والرابع والخامس والسادس من الباب الثالث فسبق أن نُشرت في كتاب “الثائر لله”، كما ذُكر في مستهلّ كلّ فصل.

وهذا “الثائر لله” يستحقّ وقفةً أمام مجمل آثاره المثيرة بأكثرها للجدل، ونقاشاً لطروحاته، وهو ما تقوم به هذه الفصول الأخيرة. أما ثورته فهي في صُلب موضوع هذا المصنّف واهتماماته.

والراهب في عُرف قزّي ومفهومه هو تحديداً الثائر الدائم، يقول: “الراهب هو الرافض مطلقاً. المعترض الدائم على وضعٍ قائم. المنتفض الغيور الذي لا يعجبه عجب. الثائر الملتهب على كلّ أمرٍ عادي مبتذل. الجريء القويّ الذي يفضح سخافات العالم”([6])

ويُقرّ قزي بما في الحياة الرهبانية من ذرى ووهاد، أو “طلعات ونزلات” طبقاً للتعبير اللبناني، فهي صالحة للصالحين، وخطِرة لغير الصالحين، كما يقول مؤسّس رهبنته المطران قراعلي، وهي معادلة وردت في النبذة الآنفة عن هذه الرهبنة، يقول قزّي في هذا الصدد: “وبسبب هذا الطموح اللامحدود نفسه، تتعرّض الحياة الرهبانية للفشل والسقوط، بل ما من حياةٍ تتعرّض للفشل والسقوط مثلما تتعرّض له الحياة الرهبانية. إنها سريعة العطب، وتسقط سقوطاً عظيماً بسبب شموخها. وقد ينحطّ معتنقوها انحطاطاً مشيناً وينكسرون، ويُفسدون العالم”([7])

يفسدون العالم، يقول هذا القسّ الجليل ويقرّ، وكم أفسد الرهبان ولا يزالون يفسدون في الأرض، وقد ندّد القرآن بفسادهم وإفسادهم هذا: {يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدّون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذابٍ أليم} (التوبة/34)

وخير ما يعقَّب به على هذه الآية الجليلة، آيةٌ من الإنجيل يقول السيّد فيها: {ومن له أذنان سامعتان فليسمع} (متى11/15).

وفي مقاربته للشأن الرهباني يبدو قزّي صريحاً جريئاً، ويضع الإصبع على الجرح، وشأنه في ذلك شأن زميلَيه الآنفين أمبروسيوس الحاج ولويس خليفة، كلّ من منظوره وبأسلوبه الخاصّ. وما تطرّق هذا السفر ومؤلِّفُه إلى الحياة الرهبانية وميّزاتها ومشكلاتها إلا في محاولة دؤوبة من هذا الأخير لفهم دوافع ثورة القساوسة الثلاثة هؤلاء وأسبابها وخلفيّاتها. يقول قزّي مشخّصاً الداء، محاولاً وصف الدواء: “ولكن، وفيما نحن نتطلّع نحو ذلك التاريخ المجيد، نرانا مطأطئي الرأس أمام بعض ما جرى ويجري. فالرهبانية بكونها بشرية هي أيضاً خاضعة لنزوات البشر الضعفاء. ولن نخجل لنسكت عمّا يُخجل منه: فالمسيرة تباطأت، والسلوك انحرف، وشعلة الإيمان شحّت، والفتوحات توقّفت، والقداسة خبت، والشهادة استكنت، والأديار فرغت، والفردية استحكمت، والمسؤولون مسترخون” (قزي، بدايات الرهبانية، م. س، ص16).

وليت الحلول المقترحة، والأدوية الموصوفة أتت بحجم خطورة الداء المشخّص، فأبونا قزّي يكتفي بإلقاء اللوم على الرؤساء، ويطالب بتغييرهم، يقول مستأنفاً: “وبات لا بدّ من تنظيمٍ جديد، ومن روحٍ جديدة، من اندفاعٍ فيه حياة وبركة، من مسؤولين جديرين، واعين، صريحين، جريئين، صادقين، رائين، يعملون في سبيل الحقيقة والقداسة وملء قامة المسيح… لا نُخدعنّ! إن كلّ نجاح في الحياة الرهبانية، كما في كلّ حياة مرهون بوعي المسؤولون والرؤساء” (م. ن).

ولعلّ أوجز ما يردّ به على هذا الحلّ المقترح آية الذكر الحكيم القائلة: {إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم} (الرعد/11).

والقول المأثور للقدّيس نعمةالله الحرديني (1810-1858) والذي يحلو للأب قزّي ترداده في هذا المجال، يؤكّد أن العمل التغييري يجب أن يكون، في الأساس وقبل كلّ شيء على الذات، لتغييرها وتقديسها، ينقل قزّي عن الحرديني قوله: “الشاطر اللي بيخلّص نفسو”([8])

وليس في هذه الديباجة/المقدّمة متّسعٌ لمناقشة طروحات القساوسة الثلاثة في الحياة الرهبانية، واقتراحاتهم لتطويرها. لذا يكتفي الباحث بما أورد، نموذجاً لثورة كلّ منهم، ومدخلاً لفهمها وتدبّر خلفيّاتها وتجلّياتها.

وتبقى كلمة سريعة في الصوَر التي تزيّن العديد من صفحات الكتاب، وأكثرها كما ذُكر، مأخوذ من أرشيف الأب جوزف قزّي، في حين أن بعضاً منها بعدسة المؤلّف. “ديانتي ديانة وجوه“، يقول الأب لويس خليفة، وينقل عنه ب2/ف6. والنظر إلى وجوه هؤلاء القساوسة/المعلّمين الثلاثة قد يختصر فصولاً ومجلّدات ممّا يمكن أن يُكتب عنهم. ومن هنا تركيز المؤلّف على إيراد أكثر ما تيسّر له من صور لهؤلاء الآباء. فصدق المفكّر قد يستخلصه القارئ ويستنتجه من وجهه وتعابيره، في حين قد يخفى عليه في نصّه. وما اختار الكاتب الآباء الثلاثة الذين يدرسهم في هذا السفر إلا لصدقهم، وجهدهم الدؤوب لعيش ما يقولون وقول ما يعيشون.

وختاماً، “أخذتم علمكم عن القيل والقال، وأخذناه من صدور الرجال“، قولة لكاتب هذا السفر يحلو له تردادها. ويطيبُ له أن يقدّم في هذا الكتاب ثلاثة آباء أجلّاء مميّزين وثائرين، ممّن أخذ عنهم العلم، فعساهم يحملون إلى القارئ رسالةً تُعمل فيه الفكر، وتثير التساؤلات، فهي الخطوة الأولى نحو المعرفة المطوِّرة للإنسان والعالم.

Q.J.C.S.T.B.

جبيل في 19/2/2021

[1] -الرهبانية اللبنانية المارونية: تأسّست على يد الآباء: عبدالله قراعلي (1674-1742)، جبرائيل حوّا، ويوسف البتن سنة 1695، وانضمّ إليهم الأب جبرائيل فرحات. وقد أتوا من مدينة حلب مسقط رأسهم عام 1694، إلى الوادي المقدّس بقنّوبين مركز البطاركة الموارنة، بعد أن زاروا أورشليم القدس وتباركوا من قبر المخلّص، وعرضوا رغبتهم في تأسيس رهبنة جديدة على البطريرك أسطفان الدويهي في قنّوبين. فقبلهم بعطف، واستبقاهم لديه مدّة لكي يختبروا أنفسهم، مقدِّماً لهم التوجيهات والمساعدات اللازمة. وإذ سنحت لهم الفرَص بالتعرّف جيّداً على الحياة الرهبانية، ورأوا أنها صالحة للصالحين، وخطرة لغير الصالحين على حدّ قول الأب المؤسّس قراعلي، اجتمعوا في دير مارت موره بإهدن سنة 1695، وكان البطريرك الدويهي قد وهبهم إيّاه لسكناهم، وقرّروا بعد التأمّل والبحث وأخذ المشورات المتنوّعة أن ينشئوا رهبنة شرقية منتظمة دون أن يهملوا القديمة المعروفة برهبان مار أنطونيوس كوكب البرّية. أي أن تكون مؤلَّفة من رئيس عام واحد، وأربعة مدبّرين، ورؤساء أديار ومراكز يخضعون بمجموعهم للرئيس العامّ بقوّة نذر الطاعة أحد النذور الثلاثة: طاعة، وعفّة وفقر، بحيث يقدر الرئيس العامّ أن ينقل رهبانه من دير إلى آخر، وأن يتدبّر شؤونهم ويوجّههم من بعيد التوجيهات العامّة، لكون الأديار جميعها مستقلّة. وأوّل دير للرهبانية كان دير مارت مورا في إهدن كما أشرنا، وسمّيت أولاً الرهبانية الحلبية المارونية، ثم سمّيت سنة 1706 الرهبانية اللبنانية نسبة إلى جبل لبنان الذي نشأت فيه. أثبت قوانين الرهبانية البطريرك أسطفان الدويهي سنة 1700، وجدّد تثبيتها، مع ما زيد عليها، البطريك يعقوب عوّاد سنة 1725. ثم أصدر البابا أكليمنضوس الثاني عشر براءة يثبت فيها هذه القوانين عام 1732، فصارت نقطة الانطلاق لقوانين سائر الرهبانيّات الشرقية اللاحقة. انقسمت هذه الرهبانية سنة 1770، بأمر من المجمع المقدّس، إلى فرعين: الرهبانية اللبنانية والرهبانية الحلبية، وذلك إثر خلاف حول تسميتها وغايتها. وتجاوباً مع فكرة المؤسّس عبدالله قراعلي وأنصاره تحدّدت الغاية الأولى للرهبانية بالنسك والانقطاع عن العالم والزهد والصلاة والتعبّد لله، كما تقرّر أن تكون الرسالة والتبشير غاية ثانويّة، يقوم بها الرهبان عند الاقتضاء، وذلك انسجاماً مع بيئتها. تطوّرت هذه الغاية المزدوجة مع مطلع القرن 20، فحوّلت الرهبانية قسماً من أديارها إلى معاهد علم وثقافة كدير سيدة ميفوق وسيدة مشموشة، وابتدأت الحياة الرسولية تسيطر على الحياة الديرية-التأمّلية. ووصل عدد رهبانها الناذرين في الثمانينات من القرن 20 إلى 305، من بينهم 270 كاهناً. ويمكن تقسيم أعمال هذه الرهبانية ومشاريعها إلى ثلاثة أقسام: 1-النشاطات الثقافية: حرصت الرهبانية منذ نشأتها على القيام برسالة التعليم وتثقيف النشء اللبناني، ابتداءً من مدارس “تحت السنديانة” المجّانية. وتسهيلاً لنشر الثقافة في البلاد اشترت مطبعتَين: مطبعة دير قزحيا سنة 1789 التي واصلت رسالة مطبعة الدير القديمة والأولى في الشرق سنة 1610. ومطبعة دير طاميش 1855. ويدير أبناء هذه الرهبانية حالياً عدداً من المدارس الابتدائية والتكميلية والثانوية أبرزها المدرسة المركزية في جونية، ومدارس في أفريقيا وبلدان أخرى من المهجر، فضلاً عن جامعة الروح القدس في الكسليك، وهي من أبرز الصروح الجامعيّة والأكاديمية في لبنان، وتضمّ كلّيات للّاهوت والإنسانيات والآداب والفلسفة والطبّ والهندسة والموسيقى والليتورجيا وإدارة الأعمال والحقوق وغيرها، ومكتبة الجامعة المركزية عامرة يقصدها الباحثون من مختلف الجهات. 2-النشاطات الرعائية: ينتشر أبناء الرهبانية اللبنانية في 76 ديراً وأنطشاً ومركزاً. ويقوم هؤلاء الرهبان بنشاط رعائي ملموس، فيؤمّنون الخدمة الرعائية والرياضات الروحية والتعليم الديني والاهتمام بحركات الشبيبة المسيحية. 3-النشاطات الاجتماعية: اهتمّت الرهبانية أولاً بحراثة الأرض ومساعدة المزارعين حتى أصبحت الأديار تعاونيّات ناجحة. وفتحت المياتم والمآوي والمستشفيات وعلى رأس هذه الأخيرة مستشفى سيدة المعونات الجامعي/جبيل. واشتهرت هذه الرهبانية بقدّيسيها الذين رُفعوا على المذابح: القدّيس شربل مخلوف (ت1898)، والقدّيس نعمةالله الحرديني (ت1858)، والأخ الطوباوي أسطفان نعمة (ت1938).

[2] -صليبا، د. لويس، عنف الأديان الإبراهيمية حتمية أم خيار؟ جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط2، 2018، ص8.

[3] -صليبا، د. لويس، كتاب قتل كاتبه: دراسة وتحقيق لتنقيح الأبحاث للملل الثلاث لسعد بن منصور بن كمّونة (ت683هـ)، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط4، 2016، 590ص.

[4] -المتنبّي، أبو الطيّب أحمد بن الحسين الجعفي (303-354هـ/915-965م)، ديوان أبي الطيّب المتنبّي، شرح وتعليق سليم إبراهيم صادر، بيروت، دار صادر، 1985، ص261، من قصيدة في مدح سيف الدولة مطلعها:

أين أزمعتَ أيّهذا الهُمامُ         نحن نَبتُ الربى وأنتَ الغمامُ

[5] -خليفة، لويس، روحانية شربل روحانية العصر، مقالة في مجلّة نور وحياة، عدد خاص شربل والتراث الرهباني في الشرق، بيروت، ع33، ت1 /1977، ص54.

[6] -قزّي، الأب جوزف (تحقيق)، بدايات الرهبانية اللبنانية، الكسليك/لبنان، منشورات جامعة الروح القدس، ط1، 1988، ص9.

[7] -قزّي، الأب جوزف، كتاب الحياة الرهبانية، الكسليك/لبنان، منشورات أوراق رهبانية، ط1، 2008، ج1، ص8.

[8] -قزّي، جوزف، القداسة في الرهبانية اللبنانية المارونية، مقالة ضمن كتاب: نعمةالله كسّاب الحرديني قديس كفيفان 1810-1858، نسبيه/لبنان، ط1، 1998، ص56.

شاهد أيضاً

Comment contrôler nos émotions/ VisioConférence de Lwiis Saliba sur Zoom, Mercredi 22 Janvier 2025

Comment contrôler nos émotions/ VisioConférence de Lwiis Saliba sur Zoom, Mercredi 22 Janvier 2025 La …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *