مقدّمة كتاب الماسونية والصهيونية بين سوريا الكبرى ولبنان الكبير/تأليف لويس صليبا
المؤلّف/Auteur: أ. د. م. لويس صليبا Lwiis Saliba
مستهند وأستاذ محاضر ومدير أبحاث في علوم الأديان والدراسات الإسلامية وتاريخ لبنان
السلسلة: من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير2 (1915-1920)
عنوان الكتاب:الماسونية والصهيونية بين سوريا الكبرى ولبنان الكبير
مضبطة حياد لبنان وحادثة مجلس الإدارة 10 تموز 1920 نموذجاً
Titre: Franc-maçonnerie et Sionisme entre la Grande Syrie et le Grand Liban
L’Incident du conseil administratif du Liban (10 juillet 1920)
عدد الصفحات: 370ص
سنة النشر : طبعة أولى: 2025.
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
طريق الفرير، حي مار بطرس، شارع 55، مبنى 53، جبيل/بيبلوس-لبنان
ت: 09540256، 03847633، ف: 09546736
Byblion1@gmail.com www.DarByblion.com
2025©-جميع الحقوق محفوظة، يُمنع تصوير هذا الكتاب، كما يُمنع وضعه للتحميل على الإنترنت تحت طائلة الملاحقة القانونية.
ديباجة الكتاب
مدخل إلى بحوثه ومنهجيّته وطروحاته
عندما وقع خيار المؤلّف، كاتب هذه السطور، وقرّ قراره على دراسة حادثة مجلس إدارة لبنان والمضبطة الصادرة عنه في 10 تموز 1920 لم يدُرْ في خلَده، ولا خطر له أو هو توقّع أن يصل إلى ما توصّل إليه في هذه الدراسة من نتائج وخلاصات وحقائق.
كانت المسألة بداية تنحصر بمجرّد دراسة حادثة من جملة الأحداث وتندرج في السياق العام الذي أودى بالنتيجة أو أدّى إلى إعلان قيام لبنان الكبير في 1 أيلول 1920، وذلك في إطار دراسة موسّعة عنوانها العامّ “من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير”، وقد بلغ مجموع حلقاتها، 46 حلقة نشرت كلّها بوتيرة شهرية في مجلّة الأمن في بيروت ابتداءً من عدد حزيران 2020، وانتهاءً بعدد أذار 2024.
والحلقات ال21 الأولى درس المؤلّف فيها وثائق الدبلوماسي الفرنسي فرنسوا جورج-بيكو موقّع الاتّفاقية المعروفة باسمه، من رسائل وبرقيات وتقارير وخطابات وكلمات وأحاديث محفوظة بغالبيّتها في الأرشيف الفرنسي، وبعض منها محفوظ في الأرشيف البريطاني. وقد جُمعت في كتاب يحمل العنوان العام لهذه الحلقات: “من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير”([1]).
والقسم الثالث من هذه الحلقات جُمع في كتاب سبق نشره بعنوان “سوريا الكبرى أم لبنان الكبير”([2]).
أما القسم الثاني فهو مادّة هذا الكتاب ولُحمته وسداه، ويشمل 21 حلقة نُشرت في المجلّة عينها (مجلة الأمن/بيروت) ابتداءً من ع تموز 2022، وانتهاءً بـ ع أذار 2024، وتفاصيل تاريخ نشر كل حلقة مذكورة في بدايتها. وقد أضيف هنا إلى مجموع هذه الحلقات ال21 حلقة ختامية.
ماذا الآن عن خيار المؤلف بدراسة حادثة مجلس الإدارة ومضبطته تحديداً ضمن سلسلة الحلقات الطويلة هذه؟ إنما يرجع اختيار هذا الموضوع وهذا الحدث بالذات إلى أسباب عديدة أبرزها ما يلي:
1-مع عودة الحديث والمطالبة مجدّداً بحياد لبنان ولا سيما خلال سنة 2022 أعيد الحديث عن مضبطة مجلس الإدارة الصادرة في 10 تموز 1920 فوضع المؤلّف، بناء على طلب العديد من القرّاء، دراسة عنها نُشرت في مجلة الدراسات الأمنية المحكّمة([3]) فأثارت الاهتمام، وطرحت المزيد من التساؤلات، ما دفع الكاتب إلى التوسّع والتعمّق في بحثه عبر هذه الحلقات من سلسلة “من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير”. هذا علماً أنّه اجتهد أن لا يأخذ موقفاً معيّناً من الطروحات السياسية التي دعت ولا تزال إلى حياد لبنان، وذلك حفاظاً على حياده هو في البحث وبالتالي موضوعيّته، وتحاشياً لعمليّات إسقاط الحاضر على الماضي، والتي يقع في فخّها أكثر المؤرّخين العرب، ومن شأنها دوماً أن تذرّ الرماد في العيون، وتحجب الرؤية الواضحة بالتالي.
2-الخلاف الحادّ والمستمرّ بشأن الحُكم على بادرة نوّاب مجلس الإدارة ودوافعهم: من قائل إنّه عمل خياني، إلى زاعمٍ أنّه عمل وطني بامتياز. إشكالية وخلاف عسير جاوز عمره اليوم قرناً كاملاً من الزمن، ولا يزال غير محسوم. وطالما سمع المؤلّف آراءً تأريخية متضاربة ومتناقضة بشأن هذا الحدث. وكان من بين معارفه وأصدقائه وأحبّائه الكاتب الراحل جورج نجم الحويّك (1931-2019) الذي أولى تراث نسيبه الأديب والسياسي الياس طنّوس الحويّك (1872-1957) اهتماماً خاصّاً فعمد إلى تحقيق ونشر ما بقي مخطوطاً منه.([4]) وكان مدافعاً شرساً عنه ويصرّ على تبرئة ساحته ممّا نُسب إليه من دَورٍ مشبوه في حادثة مجلس الإدارة ورفقته لعمّه والد زوجته سعدالله شقيق البطريرك الحويّك. وكم من مرّة حمت النقاشات وعلت الأصوات في الصالونات بينه وبين مؤرّخين أو مهتمّين بتاريخ لبنان يوجّهون أصابع الاتّهام إلى الياس طنّوس الحويّك ويشكّكون بوطنيّته ودوافعه وخلفيّاته. فهذا التضارب في الآراء والأحكام حفز المؤلّف إلى البحث بنفسه عن أجوبة عن تساؤلات عديدة طرحها على نفسه وطرحها عليه العديد من المناقشين، وهكذا وجد نفسه شيئاً فشيئاً مستدرَجاً إلى خوض غمار هذا البحث.
أما منهجيّته في مقاربة الموضوع فهي عينها المعتمدة في سائر حلقات هذه السلسلة “من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير”. وهي العودة إلى الوثائق والمحفوظات ولا سيما في أرشيفَي الخارجية الفرنسية وبكركي. وإذ عرّب غالبية هذه الوثائق عمد إلى استقرائها واستنطاقها واستنباط المعطيات ولا سيما ما بقي خفيّاً أو غير معلنٍ منها.
ولعلّ أبرز ما استطاعت هذه الدراسة تظهيره من معطيات جديدة وغير معروفة جزئياً أو كلّياً هو التالي:
1-حادثة مجلس الإدارة لم تكن مجرّد حدثٍ عادي جاء في سياق تسلسل وتتابع طويلٍ للأحداث، بل كانت محاولة انقلابٍ جدّية على الانتداب الفرنسي وسلطاته، خُطّط لها بعناية ورويّة وسرّية، ولولا تنبّه الجنرال غورو ويقظته وتجربته الطويلة في المجالَين العسكري والاستطلاعي المخابراتي لكان من شأن هذه المحاولة أن تغيّر مسار الأحداث.
2-كانت هذه الحادثة سبباً رئيسيّاً دفع إلى منح الموارنة والمسيحيين عموماً ما كانوا يجهرون به من مطالب، لا سيما وأن الملك فيصل عرض عليهم أن يمنحهم كلّ هذه المطالب إن هم فكّوا ارتباطهم بفرنسا. فلم يعد أمام هذه الأخيرة من خيار سوى إعطائهم ما عرضه فيصل، فكان بالتالي الإعلان الفرنسي عن قيام دولة لبنان الكبير في 1 أيلول 1920.
3-المبلغ المعطى إلى النوّاب موقّعي المضبطة والمسافرين إلى دمشق فأوروبا من المتموّل الثري والماسوني عارف النعماني كان أقرب ما يكون إلى رشوة مقنّعة منه إلى مجرّد دَين يوفى لاحقاً، كما زعم هؤلاء النوّاب.
4-دور المحافل الماسونية في التخطيط والإعداد ومتابعة تنفيذ بادرة النوّاب اللبنانيين يبقى ثابتاً وتؤكّده الوثائق.
5-موقف الحركة الصهيونية من قضيّة النوّاب اللبنانيين، وإن تقاطع لفترة مع الموقف الماسوني الداعم والمؤيّد، يبقى له دوافعه وخلفيّاته ومبرّراته الخاصّة، والتي كانت تحدّدها مطامع هذه الحركة ومخطّطاتها في فلسطين.
6-الرأس المدبّر لحركة النوّاب كان رئيس الحكومة اللبنانية العتيد رياض الصلح. وجاءت بادرته هذه في سياق التفاوض مع أبرز أقلّيتَين في المنطقة أي الموارنة في لبنان واليهود في فلسطين في محاولة لكسبهم إلى جانب حكومة دمشق الفيصلية التي كان والده رضا يتولّى حقيبة وزارة الداخلية فيها.
وكلّ هذه المعطيات ونتائج البحث مذكورة بالتفصيل والقرائن والأدلّة في حلقات هذه الدراسة وبالجملة في خاتمتها، أما الإشارة الموجزة إليها هنا فتأتي على سبيل التذكير ولفت الانتباه، وبالأخصّ لطرح سؤال بشأن عنوان الدراسة. فهل تكفي هذه المعطيات وما تحمله من جديد مبرّراً للعنوان الموضوع للدراسة:
الماسونية والصهيونية بين سوريا الكبرى ولبنان الكبير
مضبطة حياد لبنان وحادثة مجلس الإدارة 10تموز1920 نموذجاً
وهنا يسارع المؤلّف للتأكيد أنّه ليس من الآخذين بنظرية المؤامرة، وقد وضع كتاباً كاملاً لنقضها وتبيان تهافتها([5]) استهلّه بالقول (ص9): “المؤامرة ثالث الغول والعنقاء”. وقد درج المشرقيّون والعرب، وزعماؤهم على الأخصّ، على تحميل وزر فشلهم وأخطائهم وخيباتهم للماسونية العالمية والصهيونية العالمية.
ولكن وبالمقابل فأثر الماسونية الفاعل في التاريخ العربي المعاصر لم يُدرَس بعد كما يجب. وللمؤلّف معادلة في هذا المجال أرساها في خلاصة تقديم كتابه الآنف الذكر، وتقول (ص33): “من أراد أن يقرأ السياسة لا يمكنه تجاهل الماسونية”. ويردف شارحاً موضحاً (ص33-34): الماسونية تعدّدية الطابع والمحافل، ولا ترتبط بسلطة واحدة موحَّدة. وتتّسم في كل بلد بطابع وطني وقوميّ. وقد اختلط تاريخها في المشرق بتاريخ هذه المنطقة بحيث يصعب الفصل بين الاثنين. فهي ليست مجرّد جمعية طارئة ولا هي دخيلة على هذه المنطقة من العالم كما يروّج أعداؤها، بل هي من صُلبها، وكان لها أثر حاسم في أحداثها وسياستها وتاريخها، ولا سيما في مصر وفلسطين ولبنان وسوريا. وكي يقرأ المرء السياسة جيّداً في هذه البقعة يجب أن يعرف هذه الحركة ومبادئها، ولا يمكنه أن يتجاهلها”.
وتأتي دراسة حادثة مجلس الإدارة موضوع هذا الكتاب وتبيان دور الماسونية والصهيونية فيها بمثابة مثل تطبيقي يوضح ويبرهن ما ورد أعلاه. ولا بأس هنا، وحسماً لأي جدل محتمل، من إعادة التأكيد على ما جاء في الكتاب الآنف الذكر، وخلاصته أن المؤلّف ليس بماسوني ولا يبتغي الترويج لطروحات هذه الحركة بأيّ شكلٍ ولا تحت أي مسمّى.
وعسى هذه الدراسة تكون فاتحة للمزيد من البحوث المحايدة والهادئة النبرة في دور الماسونية والصهيونية في التاريخ العربي الحديث والمعاصر.
QJCSTB
اللقلوق/جبيل في 21 أيلول 2024
[1] -صليبا، لويس، من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير (1915-1920): المحفوظات الفرنسية والبريطانية تروي كيف انتزع اللبنانيون وطنهم من أحشاء الاتّفاق الفرنسي البريطاني، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2025.
[2] -صليبا، لويس، سوريا الكبرى أم لبنان الكبير: بحث في الأحداث والمعاهدات التي أسفرت عن سقوط الحكم الفيصلي وقيام لبنان الكبير 1914-1920، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2021، ط2: 2023.
[3] -صليبا، د. لويس، مضبطة حياد لبنان 10 تموز 1920 وأثرها في قيام لبنان الكبير، مقالة في مجلّة الدراسات الأمنية، بيروت، ع84، ت1/2020، ص64-81.
[4] -صليبا، لويس، من خبايا التراث اللبناني: صفحات مطويّة في الزجل والتاريخ وأدب المهجر، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط3، 2017، ص139.
[5] -صليبا، د. لويس، الماسونية وأثرها في الأديان الإبراهيمية: دراسة في جدلية علاقتها باليهودية وموقف المسيحية والإسلام منها، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط3، 2020.