مقدّمة كتاب فؤاد شهاب ما له وما عليه/تأليف لويس صليبا

مقدّمة كتاب فؤاد شهاب ما له وما عليه/تأليف لويس صليبا

 

لويس صليبا

فؤاد شهاب: ما له وما عليه

قراءة في تجربة حكم رائدة في تاريخ لبنان المعاصر

دار ومكتبة بيبليون

جبيل/لبنان

المؤلّف/Author: أ. د. م. لويس صليبا Lwiis Saliba

مستهند وأستاذ محاضر ومدير أبحاث في علوم الأديان والدراسات الإسلامية

عنوان الكتاب: فؤاد شهاب (1902-1973): ما له وما عليه

قراءة في تجربة حكم رائدة في تاريخ لبنان المعاصر

Fouad Chehab (1902-1973): Pros and cons                                           :Title

A reading of a pioneering governance experience in the contemporary history of Lebanon

عدد الصفحات: 525ص

سنة النشر: 2025،

الناشر:            دار  ومكتبة بيبليون

طريق الفرير، حي مار بطرس، شارع 55، مبنى 53، جبيل/بيبلوس-لبنان

ت: 09540256،        03847633،     ف: 09546736

Byblion1@gmail.com            www.DarByblion.com

2025©-جميع الحقوق محفوظة، يُمنع تصوير هذا الكتاب، كما يُمنع وضعه للتحميل على الإنترنت تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

ديباجة الكتاب

مدخل إلى بحوثه وطروحاته

إذا كانت الأمم تنزعُ تلقائياً إلى أسطرة أبطالها، فنحن في لبنان نؤسطر الأبطال في حياتهم، ولا ننتظر رحيلهم كي نباشر ممارسة هوايتنا المحبّبة هذه في الأسطرة. ولا يُبنى على الأسطورة تاريخٌ ولا علم، بل لا بدّ من إعادة تفكيك الأساطير إذا شاءت أمّة أن تكون لها مكانة في التاريخ، أو حتى أن يروى لها تاريخ. وكان الرئيس الجنرال فؤاد شهاب مدركاً تماماً لتفشّي نزعة الأسطرة وتفاقمها عند اللبناني وخطورتها، فمن أواخر كلماته قوله قبل رحيله بشهرين (28 شباط 1973): “الشعب اللبناني يهوى الأساطير، ويصدّقها لأنّه لم يسمع سواها. يؤخذ بأشياء كثيرة، لكنه لا يعرفُ ماذا يريد”.([1])

لذا، فمن حقّ الأمير علينا، ومن واجبنا نحوه أن نقرأ تجربته الرائدة في الحكم وبناء المؤسّسات وغير ذلك بروح تحليلية ونقدية بعيدة عن نزعة الأسطرة والبكاء على أطلال ما شاده بإخلاص ودأب.

وهل الشهابية هي فعلاً فردوسٌ مفقود كما يصوّرها أهلها ومن بقي من أنصارها ومحبّيها؟! وهل نحن من خرج بإرادته وعيشه العشوائي الفوضوي من ذاك الفردوس، خروج آدم من الجنّة بفعل خطيئته؟

قد يختلفُ اللبنانيون حتى التناقض في الإجابة، لكنّهم سيجمعون، بلا ريب، على أنّها فرصة ضاعت، وضياعها أودى إلى حرب ضروس، أو أقلّه كان أحد أبرز أسباب هذه الحرب! وحسب هذا المصنّف أن يدرس الشهابية لا من موقع مؤيّدٍ أو متحمّس متحسّر، ولا من موقع ناقدٍ معارض. بل بما تيسّر من حياد واستواء Equanimité وهو في ذلك يتمثّل قول غوتاما بوذا: “الانحياز مع أو ضد تعابير يجهلها الحكيم”.([2])

فإذا كانت هذه الفرصة قد ضاعت، فما لم يضع بعد هو فرصة استخلاص العبر منها واستبانة أسباب هذا الضياع واستلهام الدروس ليومنا والغد. فمن حقّ الرئيس شهاب علينا، ومن واجبنا كلبنانيين أن نستلهمه لا كأيقونة أو أسطورة، بل كتجربة حكم ناجحة ونهج اعتدال أوقف الوطن الصغير على رجليه بعد أحداثٍ دامية ودموية، وخطى به نحو الأمام، وكاد يرسّخ السلم الأهلي فيه لو أتيح له متّسعٌ من الوقت!

طالما طرح المؤلّف، كاتب هذه السطور، على نفسه السؤال التالي: لماذا نحن اللبنانيين لا نُحسن المحافظة على المؤسّسات والمكتسبات؟ الانتداب الفرنسي (1919-1943) أنشأ لنا إدارات فعبثنا بها! وعهد الرئيس شهاب شيّد العديد من المؤسّسات فقوّضنا معظمها، وما تبقّى أفرغناه من جوهره بل ومن محتواه! فهل لأنّنا لمّا نزل مجرّد شعب، أو حتى شعوب، ولم نصر مواطنين؟! ذلك أن الوطن يحتاج إلى مواطنين، أما الدولة فلا تحتاج إلا إلى شعب. ولطالما استوقف المؤلف قول الجنرال: “في لبنان سكّان، وليس فيه مواطنون”، وكذلك طلبه عند إعداد بيانه الأوّل الذي سيذاع في 4 آب 1958 إثر انتخابه رئيساً للجمهورية استبدال كلمة مواطنين بالشعب اللبناني.([3]) فقد كان راسخ القناعة بأنّنا لم ننجح بعد في التحوّل من شعب في دولة إلى مواطنين في وطن! شعب سرعان ما يتنكّر للدعوات التي تستنهض عزمه قبل عطفه، وعقله أكثر من غريزته، شعب يتبع غالباً من يبهره، ويدير ظهره لمن ينيره، ويكوّع عنه عند أوّل منعطف!!

وُضعت بحوث هذا الكتاب على مدى عدّة سنوات، كان المؤلّف يطّلع فيها ويطالع ما يصدر من مؤلّفات تدرس التجربة الشهابية ويكتب عنها ناقداً ومحلّلاً. فخطر له بداية أن يجمع هذه المراجعات، وهي التي تكوّن مادّة الباب السابع (ب7)، بين دفّتي كتاب. ثم أتيحت للمؤلّف فرصٌ أخرى من مشاركة في ندوات وغير ذلك ما وسّع إطار البحث، وجعله يطرح على نفسه السؤال الإشكالي التالي: إذا كانت الشهابية كتيّار ونهج قد انحسرت لدرجة الانقراض، فهل يعود السبب في ذلك حصراً إلى خصومها الذين ناصبوها العداء ونكّلوا برجالاتها ولا سيما عسكريي المكتب الثاني؟! أفلم تحوي هي من داخلها بذوراً ونقاط ضعفٍ أسهمت في الإجهاز عليها؟

“حَسْبُ المرء أن تُعَدَّ عيوبُه”، يقول مثلٌ عربي قديم، أي حَسْبُه أن تكون تلك العيوب أو السيّئات معدودة على أصابع اليدَين، فالكمال لله، لا لمخلوقاته. وهذا لا يعني، بالطبع، أن نبحث للأمير الجنرال عن عيوبه ونضعها في الواجهة، بيد أنّه لا يعني بالمقابل التغاضي عنها والتعتيم عليها كما نجد في الكثير من المؤلّفات الموالية! فقد كان للمعارضة المتنامية التي واجهت الشهابية مواقف ووجهات نظر يحسن التفكّر فيها والتأمّل واستخلاص الدروس والعِبر، ومن هنا تخصيص باب كامل لها: ب6، وباب آخر ب5 للحدث الذي انطلقت منه هذه المعارضة، والذي وُجّهت إلى حكم الرئيس شهاب الكثير من الانتقادات بسببه، ألا وهو اغتيال النائب نعيم مغبغب وتداعياته على مختلف الصعُد.

ومن هذه الإشكالية عينها أي البحث في أخطاء الشهابية أو أقلّه هفواتها انطلقت البحوث في جدلية علاقات الأمير بالسياسيين والزعماء من حلفاء وخصوم: علاقته بالبطريرك الماروني (ب3)، وبخلفه شارل حلو، وبالحلفاء ولا سيما أولئك الذين انقلبوا خصوماً (ب4) وأسباب وخلفيّات كلّ ذلك. فوجد الباحثُ الأميرَ عنيفاً في خصومته، ينسب لأخصامه أمثال العميد ريمون إدّه والرئيس كميل شمعون والبطريرك بولس المعوشي أفعالاً لا دليل عليها ولا بيّنات، وهي على المدّعي، بحسب القاعدة القانونيّة المعروفة. فللأوّل نسب أنّه يقبض من اليهود للمطالبة بالقبّعات الزرق (ب4/ف2)، ونسب للثاني الاتّجار بالسلاح شراء وبيعاً وتحقيق أرباح طائلة من ذلك (ب4/ف2)، ونسب للثالث والأخير أنّه كان بصدد أن يُعزل (ب3/ف2)، ولم نعثر على دليل واحدٍ يثبت هذه التُهم، أو أقلّه يعزّزها، وإذا جاء في يومنا هذا أو في الغد القريب أو البعيد من يقدّم الأدلّة على ذلك، أو بعضاً منها فسنكون له من الشاكرين!

وكي نكون واضحين، ومنعاً لأي التباس فالأمير، وهو المعروف بلسانه الدافئ، بل بالحري بصمته، لم يشهّر بالخصوم ولا هو صرّح بهذه التهم، بل ذكرها في مجالسه الخاصّة، ولا سيما في جلسات المصارحات مع جاره وصديقه الأب يعقوب السقيّم كما نقلنا في ب3/ف2 وب4/ف2، ونحن لم نستخلص منها سوى عنفه في الخصومة وصرامته في العداء خلافاً للرئيس شمعون مثلاً الذي كان براغماتيّاً وما من عداوة دائمة في عرفه وفي قاموسه السياسي وفي ممارسته! فهل كان لهذه العداوة اللدودة والقاطعة من مبرّر، لا سيما وأنّها انتهت إلى توحيد الخصوم وتوحّدهم بوجهه في انتخابات 1970 رغم ما كان بينهم من نزاعاتٍ وعداوات؟!

وأيّة جدوى كانت للخطّة الإنمائية التي اقترحتها ووضعتها بعثة إيرفد بعد مسحٍ دقيق وتحقيقات والعهد الشهابي كان قد أشرف على نهايته، وما من ضمانة اتُّخذت للمضي قُدماً بها في العهد التالي؟ ورئيس البعثة نفسها الأب لوبريه عبّر عن قلقه هذا في رسائله إلى الأمير راجياً إيّاه تجديد الولاية ضمانة لتنفيذ الخطّة. وكانت مخاوفه في محلّهاً.

جاء الرئيس شهاب ليقوم بإنماء ريفي معتبراً أن ليس القلب الذي يحتاج إلى الدمّ بل الأطراف التي إذا منع الدم عنها تضعف وتهزل وتيبس. ولكنّه، وكما يرى الوزير السابق شربل نحّاس، أغفل كلّياً أن الريفي إذا علّمته وأسّست له المدارس، ولم تُقِمْ له ما يجعله يبقى في أرضه، فسينتهي بالنزوح إلى المدينة.([4]) فإلى أي مدى كان الإنماء الشهابي متكاملاً وبعيد الرؤيا؟!

ويبقى أن ستّ سنواتٍ، وكما ذُكر في ب7/ف1، تكاد لا تكفي كي يصير طالب الطبّ طبيباً، وطالب الحقوق محامياً!! فهل يمكن أن تكفي كي تصير الدولة وطناً، والشعب مجموعة مواطنين؟! وكلّ كبار الزعماء والرؤساء والملوك الذين كان لهم أثرٌ حاسم في تاريخ أوطانهم وشعوبهم حكموا عشرات السنين حتى تمكّنوا من تحقيق الأثر الذي سعوا إليه.

وبحوث هذا الكتاب، على اختلاف نبرتها وأزمنتها، وإن كانت قد كُتبت بشيء من الحياد تتطلّبه المقاربة الأكاديمية والتاريخية، فقد كُتبت أيضاً بحبّ وإعجابٍ يكنّه المؤلّف لشخصية الأمير الجنرال المفعمة بالنزاهة والإخلاص والوطنية والتجرّد وحب العزلة ممّا ندر أن يتوفّر مجتمعاً فيمن ولى الأحكام إن على الصعيد المحلّي أو الدولي. ومن هنا فهي جديرة بأن تكون وتبقى موضع اهتمام وتبصّر وتأمّل.

وختاماً نأبى إلا أن نكون متفائلين، فكما خرج من لدن هذا الشعب رجالات كانوا منارات وأسوة في الترويّ والتعقّل والاعتدال والتجرّد وبُعد النظر وبكلمة كانوا قدوة في الحكمة أمثال فؤاد شهاب والياس سركيس وفؤاد بطرس وسائر أفراد هذا الرعيل المبارك لا بدّ أن يُقيَّض لهذا الوطن الصغير أناسٌ من طينة هؤلاء وخامتهم ينتشلونه من كبوته ويخرجونه من الأزمة التي أوقعه فيها الطامعون والجشعون من أهله.

QJCSTB

اللقلوق/جبيل في 12/8/2024

[1] -كفوري، توفيق، الشهابية وسياسة الموقف، بيروت، ط1، 1980، مقابلة أجراها المؤلف مع الأمير الرئيس فؤاد شهاب في 28 شباط 1973، ص57.

[2]-Percheron, Maurice, Le Bouddha et le bouddhisme, Collection Maîtres Spirituels 6, Paris, Seuil, 1980, p113.

[3] -عبّوشي، صلاح، تاريخ لبنان الحديث من خلال 10 رؤساء حكومة، بيروت، دار العلم للملايين، ط1، 1989، ص183.

[4] -مقابلة أجراها المؤلّف مع الوزير السابق شربل نحّاس في منزله الصيفي في اللقلوق/قضاء جبيل، في 29/7/2024.

 

شاهد أيضاً

تمارين ونصائح عملية لمعالجة نوبات الغضب/محاضرة لويس صليبا على Zoom، الأربعاء 16 نيسان 2025

تمارين ونصائح عملية لمعالجة نوبات الغضب/محاضرة لويس صليبا على Zoom، الأربعاء 16 نيسان 2025 الغضب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *