مقابلة مع د. جاك فينيو/حاوره وترجم الحوار إلى العربية د. لويس صليبا/ مجلّة الأمن، حزيران 2024
البروفسور جاك فينيو Vigne محاضراً في لبنان:
العلاج الأيضي أملٌ جديد لمرضى السرطان
الصفحة الأولى من مقابلة مجلة الأمن مع البروفسور فينيو
البروفسور جاك فينيو Prof Jacques Vigne الطبيب والعالِم والكاتب الفرنسي الشهير يبقى دوماً رسول معرفة وسلامٍ حتى في أزمنة الحرب الدامسة. عَلِقت طائرته في الفضاء عندما كان في طريقه إلى بيروت صباح الأحد 14 نيسان 2024، إذ أقفل مطار بيروت الدولي وسائر مطارات المنطقة إثر استعار حرب غزّة. فحطّت هذه الطائرة في مطار القاهرة، لتعود بعدها من حيث أتت. وفقدنا الاتّصال به لساعات طويلة كنّا نجهل فيها مصيره. بيد أن هذه الحادثة المؤسفة لم ترهبه، فما أن أعيد فتح مطار عاصمتنا حتى أشرق وجهه في بيروت مع إشراقة نور صبيحة الإثنين 15 نيسان 2024. ومحاضرته العلمية الأولى، والتي كان من المقرّر أن يلقيها في جبيل يوم وصوله في 14 نيسان عاد وألقاها يوم الأربعاء في 17 نيسان.
لماذا يصرّ البروفسور فينيو على العودة إلى لبنان في هذه الأيّام السوداء فيضفي عليها شيئاً من بياض ردائه التقليدي وقلبه المحبّ، في حين يتحاشى فيها حتى المغتربون المجيء إلى الوطن الأمّ؟!
لعلّه ورث عن معلّمه الطبيب والعالِم والحكيم الفرنسي سوامي فيجاينندا (1914-2010) Swami Vijayananda حبّ هذا الوطن الصغير. عاش سوامي جي ستّين عاماً في الهند، وتوفّي في مقام معلّمته حكيمة الهند الكبرى مآ أنندا مايي (1896-1982) Ma Ananda Mayi بالقرب من هاريدوار المدينة الهندية المقدّسة على ضفاف الغانج.
وأذكر أنّني التقيتُه للمرّة الأولى في شباط 2000 في ذاك المقام المقدّس عند الهنود، فبادرني فوراً بالسؤال التالي:
-من أين أنت آتٍ؟ D’où tu viens
فأجبتُ: من فرنسا.
فقال: ليس هذا الرأس رأس فرنسي Ce n’est pas la tête d’un français!
أفلا تكون لبنانيّاً؟ Ne serais-tu pas un libanais?
فقلت متعجّباً: وكيف يمكنك أن تعرف ذلك سوامي جي! فما أكثر زوّار هذا المقام المقدّس، وهم يتقاطرون إليه من مختلف أصقاع الأرض، وبلدان العالم!!
فقال لي عندها: ولكن تبقى لكم أنتم اللبنانيين سماتٌ تميّزكم عن الآخرين
فينيو Vigne وفيجاينندا في مجلّة الأمن
وطفق عندها سوامي فيجاينندا يسألني عن الوطن الصغير ويلحّ في السؤال: هل ترسّخ السلم الأهلي بعد هذه الحرب الطاحنة؟ وكيف حال هذا البلد الحبيب؟
فعجبتُ من هذين الحبّ والاهتمام يأتيان من مفكّر وحكيمٍ يعيش في وسطٍ يكاد يجهل كلّ شيء عن لبنان بما في ذلك الاسم! فالأكثرية الساحقة من الهنود الذين يعيشون في تلك الأرجاء المقدّسة لم يكونوا حتى قد سمعوا بلبنان!!
والبروفسور جاك فينيو في حبّه للبنان واهتمامه به، وزياراته الدورية له يستأنف ما باشره معلّمه سوامي فيجاينندا ويتمّه.
ومحاضرته الأولى في 17 نيسان 2024 كان عنوانها: “آخر الاكتشافات الطبّية في العلاجات الطبيعية للأمراض المزمنة والوقاية منها”.
وقد تناول فيها بالأخصّ: “العلاج الأيضي Traitement Métabolique للسرطان للدكتور لوران شوارتز Laurent Schwartz
التقيناه إثر محاضرته هذه، وجرى بيننا الحوار التالي:
-العلاج الأيضي للسرطان الذي تحدّثتَ عنه في محاضرتك القيّمة، ما هي المراجع والمؤلّفات العلمية التي يستندُ إليها؟
كتب الطبيب والباحث الفرنسي لوران شوارتز كتابين علميّين مرجعيين هما:
1-السرطان مرض قابل للشفاء، منشورات تيري سوكار Soucar، 2016 مع مقدمة بقلم مونتانييه Montagnier، الحائز على جائزة نوبل في الطب لاكتشافاته حول مرض الإيدز.
2-نهاية الأمراض-نهج ثوري في الطب. الروابط التي تحرر، 2019 مع مقدمة بقلم جويل دو روزناي De Rosnay، وهي كاتبة معروفة في الطب وعلم الأحياء منذ حوالي خمسين عاماً.
-من أيّة خلفية علمية ينطلق شوارتز؟
-والد شوارتز كان عميد كلية الطب في ستراسبورغ، وزوجته عضو في أكاديمية العلوم. وكان هو نفسه يعمل في مختبر البوليتكنيك في بيولوجيا الخلية. ومن هذا المختبر، نال مؤخّراً آلان أسبكت Alain Aspect آخر جائزة نوبل فرنسية في الفيزياء. وهذا دليل إضافي على المستوى العلمي للبروفسور لوران شوارتز.
-ماذا تنصح الراغب في التعرّف على المزيد من بحوث هذا العالِم الفرنسي؟
لمزيد من المعلومات عن لوران شوارتز يمكن العودة إلى الروابط التالية ولا سيما على ويكيبيديا:
https://fr.wikipedia.org/wiki/Laurent_Schwartz_ (أخصائي الأورام)
البروفسور شوارتز في مجلة الأمن
–عرفنا من محاضرتك أن البروفسور لوران شوارتز هو طبيب متخصّص في الأمراض السرطانية Oncologue، فما الذي جعله يخالف زملاءه في ما يعتمد من علاج؟
-أظنّ أنّه اتّخذ قاعدة آينشتاين شعاراً له، فقد أبرز شوارتز في كتابه السرطان مرض قابل للشفاء قول هذا العالِم الفيزيائي الشهير: “الجنون هو أن تتصرّف دائماً بالطريقة عينها، وتتوقّع بالمقابل نتيجة مختلفة.”
-لو طلبنا منك أن تلخّص ميزة علاج زميلك البروفسّور شوارتز بعبارة موجزة، فماذا تقول؟
يعتبر شوارتز السرطان مرضاً أيضياً métabolique، ويعالجه بناءً على هذا المفهوم.
–ألا يستخدم العلاج الأيضي الطرق المعتمدة ويستفيد منها؟
-يتلاقى النهجان، الكلاسيكي والتكاملي (بما في ذلك العلاج الأيضي)، على الحدّ من إمداد الخلية السرطانية بالغذاء من خلال علاجات معيّنة مستهدِفة. والآخر، بفضل المكمّلات الغذائية، يسمح للخليّة بحرق هذا السكّر الزائد على نحوٍ مفيد. هناك مصالحة كبيرة جارية، وتكمن في دمج هذين النهجين.
-العلاج الكيميائي للسرطان المتداول اليوم، ألا تجد ميّزاتٍ له؟!
-إن سبب الفشل الهائل الذي ظلّ يعاني منه علم السرطان الحديث لفترة طويلة يرجع، على نحوٍ تناقضي، إلى النجاحات الأولى للعلاج الكيميائي في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، حيث أصبح السرطان عدواً يجب قتله.
-ولكن ألم تساهم هذه العلاجات في الحدّ من انتشار هذا المرض، وفي معالجته كذلك؟!
لقد فتح هذا المسار الخاطئ الطريق أمام كلّ التجاوزات. ففي غضون النصف قرن الأخير بالأخصّ بين عامي 1960 و 2010 أُنفقت مئات المليارات من الدولارات في أبحاث مكافحة السرطان، وهو ما أصبح مسعى حقيقياً لنيل الكأس المقدسة. والولايات المتّحدة الأميركية لوحدها أنفقت 100 مليار دولار على هذه البحوث، ومع ذلك، فإن عدد الأشخاص الذين يموتون بسبب السرطان اليوم يقارب عدد الذين كانوا يموتون منه في عام 1900.
-هل ترى أن هذه العلاجات قد فشلت عموماً في تحقيق أهدافها؟ ولماذا؟
-من الواضح أننا أضعنا الطريق… ومن يجرؤ على الاعتراف بأننا عاجزون عن علاج المرض بكلّ بساطة لأننا نرفض أن نعي أن السرطان ليس سوى مرض في الهضم الخلوي digestion cellulaire؟
-لماذا الإصرار برأيك إذاً على هذا الاتّجاه تحديداً في مقاربة السرطان؟
إن وهم النصر الوشيك يساهم في المقام الأول في بناء فُقاعة اقتصادية جديدة. فسوقُ السرطان يتضاعف كل خمس سنوات، فهو أكبر سوق للأدوية في العالم. إنه اندفاعٌ يقودنا مباشرة نحو حائطٍ مسدود. فالضمان الصحّي الفرنسي وحده أنفق سنة 2017 ما يقرب من 28 مليار يورو “لمعالجات” السرطان وهو ينفق اليوم نحو 30 مليار يورو سنويّاً على هذه العلاجات!! إنها معطياتٌ إحصائية دقيقة، يمكن التأكّد منها على المواقع الرسمية، وهي في الوقت عينه أرقامٌ ضخمة. ووسائل الإعلام تتحمّل قسطاً كبيراً من المسؤولية في هذا التنافر المعرفي الجماعي، لا سيما وأنّها تغفل الكثير من هذه الحقائق، وتتغاضى عن تسليط الأضواء عليها!!
-هل تشكو من تعتيمٍ معيّن مقصود يواجَه به هذا العلاج؟
لا يتوقّف الأمر على وسائل الإعلام وحسب! فالجمعيّات والمنظّمات غير الحكومية تبدو غائبة تماماً عن النقاش الدائر حول العلاجات المضادّة للسرطان. ومع ذلك، فنحن قادرون اليوم على توفير أنماطٍ جديدة من التقدّم للمرضى، والتي يمكن أن تكون فعاليّتها أكبر من فعالية العلاج الكيميائي، في حين أن آثارها الجانبية أقلّ بكثير. وأدعو المؤسسات إلى تحفيز إجراء التجارب العلاجية على نطاق واسع. فالعلم يتقدّم في كثير من الأحيان عبر قفزات.
-ما الذي يجعل برأيك زملاءك الأطّباء يُحجمون عن اعتماد هذا العلاج؟
-زملائي يخافون من ريح الحرية، ويختبئون وراء معايير معيّنة خوفاً من محاكمات لن تحدث أبداً. والعلاجات الناجحة ستبقى فقط بمتناول أولئك الذين بمقدورهم الوصول إلى المعلومات أو يجرؤون على التشكيك في العلاجات المعتادة… ويجب إتاحة الفرصة أمام الأطبّاء لمتابعة معالجة مرضاهم دون المخاطرة بحياتهم المهنية أو سمعتهم.
-ذكرتَ أن نسبة الوفيات بالسرطان لم تتدنَّ رغم تطوّر العلاجات! فهل لك أن توضح ذلك؟
لم تتغيّر معدّلات الوفيات بسبب السرطان إلا قليلاً منذ عام 1960 (ناقص13%). إنها كارثة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لنلقي نظرةً فاحصة على سرطان البروستات. لم يتغيّر معدّل الوفيات إلا قليلاً خلال 50 عاماً. وذلك على الرغم من ظهور طرق علاجٍ جديدة وعديدة خلال هذه السنوات الخمسين مثل العلاج الإشعاعي العميق، وتصغير حُجرة البروستات، والكشف المبكر والعلاجات الهرمونيّة الحديثة.
ويبلغ معدّل الوفيات بسبب السرطان حوالي 300 لكل 100 ألف شخص سنوياً للنساء، ونحو 500 للرجال. السرطان لا يتمّ الشفاء منه، بل هو أبعد ما يكون عن ذلك. وبين عامي 1960 و2010، بلغت ميزانية المعهد الوطني الأمريكي للسرطان وحده أكثر من 100 مليار دولار. ويؤكّد د. شوارتز أنّه وعلى مدى 50 عاماً، عرفت حالات السرطان الجديدة ارتفاعاً هائلاً في عددها. أما معدل الوفيات فلم يشهد سوى تغيّرٍ طفيف. فهل كان للكشف المبكر أية فائدة؟!
-ما تقوله وتنقله عن زميلك شوارتز يخالف الكثير ممّا يُروى عن هذا المرض الخبيث، ألا يعرّضك ذلك ويعرّضه للانتقاد؟
تعرّض د. شوارتز لحملات عديدة لمجرّد أن له قناعات مختلفة في هذا المجال. إنها نسخة مستحدثة من مطاردة الساحرات مع محاضر ودعاوى لا نهاية لها ونتيجتها الطبيعية: الإرهاق البشري والمخاوف المالية. علاوةً على ذلك، هناك مقال واحد فقط لم يتمكّن من نشره في المجلّات الطبّية: ولسبب وجيه، إذ عمد هذا المقال مباشرة إلى التشكيك بنتائج علم السرطان والأورام الحديث، فهو يُظهر أن إحصائيات الوفيات بسبب السرطان بحسب العمر لم تشهد أيّ تغيّرٍ فعلي.
-ولكن الأخبار والإحصائيات المتداولة عن السرطان تُظهر الكثير من النجاحات!!
إن الإشاعة القائلة بأن آلاف حالات السرطان تظهر كلَّ يوم ويتمُّ القضاء عليها بواسطة جهاز المناعة هي مجرّد أسطورة. وإن تعميم تقنيات الفحص لسرطان الثدي أو سرطان البروستات لم يقدّم فوائد واضحة للمرضى. والفحص الروتيني يثير المزيد من الجدل والاعتراض. والواقع أن الفحص يعني اكتشاف الأورام الصغيرة. ومع ذلك، نادراً ما تكون هذه السرطانات الصغيرة عدوانية. ومن الممكن أن تبقى نائمة لعقود من الزمن، أو حتى طيلة حياة المريض.
–ألا ترى للفحص المنهجي والروتيني أثراً في الحدّ من انتشار السرطان؟
منذ سنة 2016، اتّخذت الحكومة الأمريكية قراراً بإيقاف الفحص المنهجي لسرطان البروستات. في الواقع، حتى الآن، لم تكن فاعلية الفحص في إطالة الحياة مقنعة. وكان لحملات الفحص المنهجي هذه أيضًا تأثير ضارّ: فقد تُمَّ تشخيص إصابة العديد من المرضى بالسرطان في حين لم يكن ذلك سرطاناً حقيقياً. ومن ثم فقد زادوا من عدد “الناجين” من السرطان، ممّا أدّى إلى إخفاء مدى الفشل. أقول مرة أخرى وأؤكّد، أن عدد الأشخاص الذين يموتون بسبب سرطان الثدي أو البروستات اليوم يعادل ما كان عليه الوضع قبل 50 عاماً.
-ماذا برأيك عن العلاج المناعي للسرطان الذي يروَّج له اليوم؟
السرطان ليس مرضاً يصيب جهاز المناعة، ولكنه مرض الأيض métabolisme. وحتى عام 2019، كان هناك أكثر من 500.000 مقالة تناقش استقلاب الورم métabolisme tumoral. وفي عام 2019 عُقدت عشرات المؤتمرات للبحث في استقلاب الورم. لا يتعلّق الأمر بالاستشهاد بجميع المختبرات التي تعمل في هذا الموضوع، بل بركب موجة صاعدة من المحتمل أن تصبح قريباً تيّاراً عارماً. أما العلاج المناعي immunothérapie فلفشله المتوقّع سببٌ واضح: فالسرطان ليس مرضاً يصيب جهاز المناعة. على سبيل المثال “أطفال الفُقاعة” الذين ليس لديهم دفاعات مناعية، إذا استطاعوا البقاء على قيد الحياة بفضل حماية كبيرة، فإن خطر الإصابة بالورم يكاد لا يتجاوز المعدّل الوسطي. ومن ناحية أخرى، يمكننا أن نتحدّث عن التخمّر السرطاني، أي التمثيل الغذائي اللاهوائي للجلوكوز métabolisation anaérobie du glucose. حيث يوجد احتيال واضح عندما يدّعي العلماء مداواة السرطان بالعلاج المناعي. وهذا يكلّف أكثر من 100 ألف يورو لمريض واحد، ولا تُظهر البيانات السريرية التي تمّ تحليلها سوى تحسينات هامشية في البقاء على قيد الحياة. وفي يوم من الأيام، سوف يتبيّن، بلا ريب، أن هذه التحسينات كانت هي الأخرى وهمية.
-تتحدّث عن المسار المرضي للسرطان والمسار المضادّ له، فهل يمكنك أن توجز لنا ذلك؟
إن الغذاء الموجود في الخلية إما أن يتمَّ تخزينه أو حرقه في الميتوكوندريا أيّاً كانت طبيعته. هذا هو المكان الذي نعمل فيه، في أعقاب العلاجات المستهدفَة. والميتوكوندريا، عندما يتمَّ دمجها في بدائيات النوى، تزداد إنتاجية الطاقة بأكثر من 10 مرّات! وعندما تكتسب الخلية البدائية نواة وميتوكوندريا، تصبح حقيقية النواة . eucaryote
تقوم الميتوكوندريات، عن طريق حرق الجلوكوز، بإطلاق الماء وثاني أوكسيد الكربون، اللذين سيُنتجان معاً حامض الكربونيك. والوسط الداخلي للخليّة حمضي بدرجة كافية (مع درجة حموضة أقل من 7.2) بحيث لا يمكن للخلية أن تتفتح، ناهيك عن الانقسام إلى قسمين. عندما تحترق الميتوكوندريا دون أن تضعف، تظلّ الخلية في حموضة ويظلّ الحامض النووي ADN في حالة راحة، أي أنه لا يبدأ بالتكاثر عن طريق التسبّب بانقسام الخلايا: وهذا نقيض السرطان. وهنا سيفهم القارئ أن الفارق الكبير بين الخلية السرطانية والخلية الطبيعية يتعلّق بالأداء الضعيف أو الجيد للميتوكوندريا. وفي زمن الفراعنة، كان الناس بالفعل يرزحون تحت نير هذه الآفة.
-ما هي الميتوكوندريا تحديداً؟
إنّها عويدات bâtonnets تحرق الغلوكوز وتعطي الطاقة للخلايا، وشيخوخة هذا العويدات هي سبب أساسي في الإصابة بالألزهايمر والسرطان وسائر أمراض الشيخوخة.
-هل تعتبر أن شراهة الإنسان من أسباب إصابته بالسرطان؟
إن كلاب الصيد عندنا، والتي تأكل حتى الشبع وتهرم بقربنا متمتّعةً بوسائل الرفاهية الحديثة، هي ضحايا تماماً مثل الحيوانات البرّية والأسود والفيلة. والحقيقة البديهية أن السرطان ليس ابن البارحة، وليس بمقدور أحدٍ أن يشرح أسبابه على وجه التحديد. والمرض الشائع جداً بين البشر والحيوانات هو حتماً مرض بسيط. بيد أن عجزَنا عن الشفاء منه هو ما يجعلنا نراه معقّداً.
–ما هي إذاً نصيحتك للوقاية من هذا المرض الخبيث؟
العيش “ببطء” من خلال تناول كمّيات أقلّ من الطعام والتقليل من العمل، هذا هو مفتاح تبطئة الشيخوخة. ومن الواضح أن أولئك الذين يكدحون في العمل، مثل العمّال اليدويين، يموتون عمومًا في سن أصغر. ويقعون أكثر من غيرهم فريسة أمراض السرطان والألزهايمر والباركنسون، وهي أمراض الشيخوخة النموذجية. وبهذا المعنى، فإن العمل البدني المفرط هو مادة مسرطنة.
-وبالمقابل فالتنبلة أي الامتناع عن القيام بعمل، أليست هي الأخرى ذا أثرٍ سيّئ؟
الأطراف تتلامس، ونمط الحياة الذي يخلو من أيّ عمل هو أيضاً مادّة مسرطنة.
-أليس السرطان مرضاً من أمراض الشيخوخة كما يشاع؟
للعملية السرطانية نتيجة أخرى: فهي تخنق. والشيخوخة تعني الاختناق على مستوى الخلايا. يبدو الأمر كما لو أنه يتجمّد تدريجياً. ويتوافق الانزلاق مع انخفاض في إنتاج الطاقة بعد الاختناق التدريجي. عندما ينهار هذا الأداء، سيحلّ مرض السرطان و/أو مرض الألزهايمر.
–كيف تساهم الشيخوخة في الإصابة بالسرطان؟!
تموت بعض الخلايا لأن نقص الطاقة لم يعد يسمح لها بالأخصّ بضخّ السكّر. وهكذا تحصل الإصابة بأمراض التنكّس العصبي neurodégénératives، مثل مرض الألزهايمر ومرض باركنسون، وهي التي تحوّل الدماغ إلى صحراء. وسيحاول آخرون التعويض عن نقص الطاقة من خلال فتح الباب على مصراعَيه أمام السكّر، وهذا ما يؤدّي إلى السرطان.
-هل السرطان إذاً مرضٌ من أمراض الشيخوخة؟ وهل من فرق بين النساء والرجال من ناحية الإصابة بالسرطان؟
كل هذه السموم التي تسرطن الإنسان والحيوان على حدّ سواء تسبّب كذلك الالتهابات. ومع ذلك، فإن العامل الأقوى المسبّب للسرطان يبقى العمر. والعامل الأكثر تحديدًا هو الجنس. إن المجتمع الذي يرفض الشيخوخة ويدعو إلى المساواة بين الجنسين تصعب عليه مواجهة هذه الحقائق التي يمكن التحقق منها والتي كثيراً ما يتمّ إنكارها: من الواضح أن السرطان مرض يصيب الرجال وقد نجت النساء منه لبعض الوقت.
–ما هي إذاً أبرز وسيلة للوقاية من السرطان؟
وتبقى الوقاية الحقيقية العيش ببطء؛ الفكرة الكبيرة للوقاية من السرطان لا تنجح، على سبيل المثال يمكننا الحد من سرطان البروستات ولكن وبالمقابل فسرطان الرئة سيزداد. والوقاية الحقيقية هي العيش ببطء: لا يبدو الأمر ملهِماً، ولكن هذا ما علينا القيام به: إبطاء الشيخوخة.
-كيف نستطيع إبطاء الشيخوخة؟
لإبطاء الشيخوخة تكفي تبطئة الأيض Métabolisme. وإذا كنّا قد كسبنا أكثر من عشرين عاماً من متوسّط العمر المتوقّع espérance de vie فلا يعود الفضل في ذلك إلى التقدّم في الطبّ وحسب. فنحن نعمل بجهد بدني أقلّ من أسلافنا. ونقوم بتدفئة أنفسنا في الشتاء وننامُ في أسرّةٍ مريحة. باختصار، ننقذ أنفسنا وبالمقارنة، فنحن نعيش في حركة بطيئة!
-هل تعني تبطئة الأيض التخفيف من تناول الطعام؟
بالطبع، ومثلاً على ذلك فإن الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية، عندما يتعافون من مرضهم، يكونون أيضاً أقلّ عُرضة للإصابة بالسرطان. هناك أيضاً مجموعة عرقية في العالم بمنأى تماماً عن السرطان. إنهم سكّان أقزام يعيشون في الإكوادور (أمريكا الجنوبية). وبمحض الصدفة الوراثية، فإن هؤلاء الهنود الصغار لا يمتصّون السكّر. وهؤلاء السكان لا يعانون من مرض السكري ولا السرطان ولا مرض الألزهايمر. إنها حجّة قويّة لصالح المسار الأيضي!
-هل توافق شوارتز تماماً في فرضيّته في العلاج الأيضي للسرطان؟
يمكننا أن نقدّم نمط الحياة المستقرّ sédentarité كحجّة مضادة لفرضية شوارتز. وقد ثبت أنه سامّ مثل التدخين. ومع ذلك، فإنه يقلّل من عملية الأيض Métabolisme. ربما، هنا مرة أخرى، يتعلّق الأمر بإيجاد حلّ وسط: عدم الانتقال من الإجهاد الهرموني البسيط (مع بذل جهد مكثف أو التعرض للبرد على سبيل المثال)، وهو أمر جيد، إلى الإرهاق الذي يجعلك مريضاً.
–قيل الكثير ولا يزال يقال عن أثر السكّر واستهلاك السكّريّات في نموّ مرض السرطان وتفاقمه، فماذا تقول في ذلك؟
وفي أوائل عشرينات القرن العشرين، أثبت العالِم واربورغ Warbourg أن الخلية السرطانية امتصّت كمّيات كبيرة من السكّر ولم تتمكّن من حرقها. ومن ثم استخرجت حامض اللاكتيك، أي العصير المتحلّل جزئياً. ونلاحظ الظاهرة عينها في العضلة الخاضعة للتمرين: تحتوي العضلة على الغلوكوز، لكنها لا تحتوي على ما يكفي من الأوكسجين لحرقه، فيطلَق حامض اللاكتيك في الدم، والذي يشتبه بعض العلماء بأنه مسؤول أيضًا عن التشنّجات.
ومع ذلك، وخلافاً للعضلات، فإن إمداد الأوكسجين أثناء الراحة لن يقلّل من إفراز حامض اللاكتيك بواسطة الخلايا السرطانية. فالآلية متوقّفة ولا تعمل الميتوكوندريا على نحوٍ طبيعي. ولا يستطيع السرطان حرق السكر ويُفرز حامض اللاكتيك حتى في وجود الأوكسجين. وحامض اللبنيك هو نوع من أنواع الانهيار الجزئي للجلوكوز.
-هل يعني ذلك أن ازدياد استهلاك الإنسان المعاصر للسكّر قد أدّى إلى تفاقم انتشار السرطان؟!
تناول الدهون لا يزيد الوزن. أما أكل السكّريّات فيزيده. وبالنسبة للسكر، يستهلك إنسان اليوم في المتوسط سنوياً 40 كلغ للشخص الواحد في حين لم يكن هذا الاستهلاك يتعدّى 2 كلغ سنويّاً للشخص الواحد منذ قرن!!
وقبل 100 عام، لم يكن الأثرياء الذين يستطيعون تناول الطعام دون قيدٍ أو شرط يعانون من السمنة المفرطة. لأنهم لم يكونوا يأكلون الفركتوز fructose. فالفركتوز (سكّر الفواكه) الموجود في المشروبات الغازيّة أو الوجبات الخفيفة snacks هو فخّ حقيقي: يتسبّب بزيادة نشاط الجهاز الأيضي la machine métabolique. وتختلف كيمياء الفركتوز عن كيمياء الغلوكوز، فهو لا يمنع الشعور بالجوع. والفركتوز هو المسؤول عن السمنة ومن ثم السرطان الناتج عنها.
-كيف يمكن توصيف التفاعل بين الخلايا السليمة والخلايا السرطانية طبقاً للبحوث الأخيرة؟
ثمّة تجربة مثيرة جداً للاهتمام: إذا وضعنا نواة سرطانية في خلية سليمة، فستبقى الخلية سليمة، وبالعكس، إذا وضعنا نواة سليمة في خلية سرطانية، فستبقى الخلية سرطانية. لذا، فمن الواضح أن السرطان ليس مرض الجينوم وحده. علاوة على ذلك، إذا تمّ حقن الميتوكوندريا من الخلايا الطبيعية في الخلايا السرطانية، فإن الطبيعة السرطانية تختفي. إذ تبدأ الخلية بالتنفّس مرة أخرى وتتوقّف عن التكاثر. وأحد العوامل المساعدة لبيروفيت ديس هيدروجيناز، PDH، هو حامض ألفا ليبويك. تصف العشرات من المنشورات العلمية فعالية هذا الدواء ضد الأورام.
-ماذا عن البحوث التي أثبتت فاعليّة العلاج الأيضي؟
استغرقت هذه البحوث عند فريق د. شوارتز 10 سنوات أو أكثر: استغلال البيانات للتحقّق من هذه التأثيرات، والتضحية بـ 15000 فأر. وقد تبيّن أنّه إذا تمّ تناول حمض ليبويك أو هيدروسيترات من جارسينيا كامبوجيا Garcinia Cambodgia بشكل منفصل، فإن تأثيرهما ضئيل. ومن ناحية أخرى، أثبت الجمع بين المنتجين أنه فعّال للغاية في إبطاء نموّ السرطانات بجميع أنواعها. لقد تمّ اكتشاف متغيّر جديد، وقد أكّد باحثون آخرون صحّة هذا الاستنتاج لاحقاً. على سبيل المثال، أدّى الجمع بين حامض ليبويك وهيدروكسي سيترات إلى مضاعفة وقت بقاء الفئران على قيد الحياة مقارنة بالعلاج الكيميائي.
-وما هي النتيجة العملية والعلاجية لهذه البحوث؟
إن الوصفة الأساسية للعلاج الأيضي للسرطان بسيطة:
حمض ليبويك Acide lipoïque: 800 ملغ صباحاً ومساءً
هيدروكسي سترات Hydroxy-citrate: أقراص 500 ملغ في الصباح والظهيرة والمساء.
-وما مدى فاعليّة هذا العلاج؟
يؤكّد د. شوارتز: في البداية، حاولتُ مداواة هذه الأمراض المستعصية بالعلاج الأيضي وحده. تباطأ المرض، لكن لسوء الحظ انتكس المرضى. لذلك قُمت بدمج هذا مع العلاج الكيميائي المعتاد أو العلاج الإشعاعي.
السترات هيدروكسي النقي hydroxy-citrate غير متوفّر في السوق. واضطر المرضى إلى استخدام مكمّلات غذائية غنيّة بنسبة 60% من هيدروكسي سترات، والـ 40% المتبقية مكوّنة من سواغات، كما أن الجمع مع النظام الغذائي الكيتوني فعّال أيضاً.
-وما رأيك أنت كطبيب بالعلاج الأيضي؟
وفقًا للباحث الطبيب غينغر Genger وموقعه على النت المحدَّث بانتظام، لم يتمّ إثبات تأثير النظام الغذائي الكيتوني وحده على السرطان. واستناداً إلى الدكتور دوناتيني Dr Donatini، فمن الصعب جداً أيضاً الحصول على نظام غذائي حقيقي للكيتون cétogène. فخلال حياته المهنية بأكملها كطبيب أمراض الجهاز الهضمي، رأى مريضاً واحداً فقط حقّق ذلك. بيد أن كلّ هذه التحفّظات والملاحظات لا تقلّل من أهمّية هذا العلاج، وضرورة المضيّ في استخدامه وإحصاء المزيد من النتائج ودراستها علميّاً وتحليلها.
-ما هي برأيك العوائق التي تحول دون اعتماد العلاج الأيضي؟
تبلغ التكلفة السنوية لهذا العلاج نحو 300 يورو لكل مريض، بينما تبلغ تكلفة علاج سانوفي 150 ألف يورو سنوياً. والشركات المصنّعة للأدوية تتّجه دوماً لتطوير ونشر العلاجات المكلفة لما تؤمّن من أرباح مرتفعة! ومن المؤسف حقّاً أن هؤلاء المرضى وجدوا أنفسهم في وضعٍ حساس، بما يتعلّق بالحصول على الأدوية التي كانوا يعلمون أنها يمكن أن تنقذ حياتهم. كما لو أن السرطان لم يكن تحدّياً كافياً.
-ما هي أبرز العوامل التي تؤدّي إلى تكاثر الخلايا السرطانيّة؟
لاستيعاب هذه العوامل، دعنا نبدأ بتطوير فكرة أساسية: الخلية السرطانية قَلَوية فهذا ما يجعلها تنقسم باستمرار. من ناحية أخرى، يستحمّ السرطان في وسط حمضي milieu acide. إنه السائل الحمضي الذي يسمح للسرطان المتوسِّع “بهضم” الأنسجة المحيطة وغزوها. في الطهي، نعلم أنه يمكننا طهي اللحوم أو الأسماك بالحمض. وبالمثل، فإن التحمّض الذي يغمر السرطان سيسمح له “بالطهي” وهضم الأنسجة السليمة المجاورة. سيكون قادرًا مع نموّه على تمزيقها بسهولة أكبر ونمو شجيراته فيها. وهذا جزء كبير من خطورته.
بروفسور جاك فينيو Jacques Vigne، لا نستطيع إلا أن نحيّي اهتمامك وحبّك لهذا الوطن الصغير، وقد دأبت على زيارته وإطلاع العامّة والخاصّة فيه على آخر المستجدّات في البحوث الطبّية والسيكولوجية. ونحن وإن كنّا وفي حدود المتاح لنا لا نملك أن نؤكّد ولا أن ننفي ما ذهبتَ إليه وما آلت إليه بحوثك ودراسات وتجارب زملائك من أطبّاء متخصّصين، فإنّنا نلحظ بالمقابل أنّها جديرة بكلّ عناية وتأمّلٍ واهتمام.