لويس صليبا/بحث مقدّم في ندوة عن كتاب دة فاتن الحاج حسن “فؤاد شهاب: نهج قائد ورئيس”. قاعة البطريرك الحويّك، ثانوية مار يوسف، جبيل 11 أيار 2024
يومَ تُوفّي الجنرال والرئيس الأمير فؤاد شهاب في 25 نيسان 1973، بعد أن انفجر قلبه حسرةً وحزناً على ما كان يَتوقّعُ للبنانَ من مصيرٍ أسود، كتب الصحافي ميشال أبو جوده، وكان هو وجريدة النهار من كبار معارضي الشهابية وحُكمِ رئيسها، مقالةً ظهرت في هذه الجريدة في اليوم التالي وجاء فيها: “يبقى فؤاد شهاب، الجندي والقائد والحاكم والمعتزل، قصّةً لم تُكتَب. قصّةً من حياةِ لبنان حافلةً بالكثير غير المعروف، عسكريّاً وسياسيّاً، وإن يكن الناسُ يتداولونَ القليلَ الشائعَ حتى الآن”([1]).
ورغمَ مُضيّ أكثرَ من نصفِ قرنٍ على نشر هذه الملحوظة اللافتة، فهي لمّا تزل تحاكي الواقعَ إلى حدٍّ بعيد. ومن هنا تأتي أهمّيةُ صدورِ كتاب الدكتورة فاتن الحاج حسن([2]) الذي نتدارسُه في هذه الندوة.
والسؤال البديهي الذي يَطرح نفسَه هنا يبقى لماذا؟
سبقَ لي أن درستُ معظمَ ما صدر من مؤلّفاتٍ وبحوثٍ عن تجربة الأمير اللواء منذ ربعِ قرن، وعساني أجمعُ لاحقاً هذه الدراسات المنشورة في مجلّاتٍ محكّمة بين دفّتين. وقد نوّهتُ بعددٍ من مزايا كتاب دة فاتن في المقدّمة الضافية التي وضعتُها له، ثمّ عدتُ ونشرتُ عنه دراسةً تحليلية مطوّلة في مجلّة الدراسات الأمنية. وها أنا أكرّرُ الآن التنويه، لا سيما وأنّه يجمعُ بين الممتعِ والممتنع، فأنت تقرأُه بانسيابية رواية، في حين أنّه لا يفتقرُ إلى حُسن التوثيق ومتانة السند. ولا أرى ضرورةً للدخول مرّة ثالثة في التفاصيل.
وقد لحظتُ في دراساتي الآنفة الذكر أن العديد من جوانبِ التجربة الشهابية لمّا تزل بحاجةٍ إلى المزيد من الدراسة والتعمّق كمثل بعثة إيرفد ومقترحاتِها وضياع الخطّة الخماسية لتنفيذ هذه المقترحات، وغير ذلك من المواضيع.
ولكن هل هناك إغفالٌ متعمَّد لتجربة الأمير اللواء المهمّة والبالغة الدلالة. تلحظُ باحثةٌ أكاديمية في هذا المجال من ضمن ما واجهت من صعوبات: “إن الكثير من رجالات الشهابية قد تخلّى عنها، ويتمنّى عدم العودة للغوصِ في تفاصيلها”.([3])
ولعلَّ هذا التعتيمَ يعودُ إلى أن الجنرال شهاب بزُهدِه وتعفّفِه ونزاهَتِه وحرصِه على المالِ العامّ وغير ذلك من الخصال مَثَلٌ مضادّ Contre exemple لمعظمِ السياسيّين في لبنان، أكانوا ممّن والى أم عارض. لذا فلا يطيبُ لهم بتاتاً أن يذكروه لا بخيرٍ ولا بشرّ، فذكرُه يعذّب ضميرَهم، بل إنّه بحدّ ذاته إدانةٌ لهم ولأعمالهم، ويوقظ عقدةَ الذنبِ الهاجعة في نفوسِهم!!
ذكرنا أن الأمير مات حسرة وأسفاً، ولعلّه آثرَ أن يرحلَ قبلَ أن يرى كلَّ ما بناه بجهدٍ وإخلاص يتهدّمُ أمامَ عينيه، وقد نقل عنه عارفوه أنّه في الأسبوعَين الأخيرَين من حياته كان غارقاً في التشاؤم والحزن ممّا ينتظرُ لبنان. وكان يكرّر مراراً على مسامعهم: “أرى لبنانَ مُقبلاً على أيّامٍ سود. أرى أمامي بُرَك دمّ. أرجو الله أن لا يجعلني أحضرُ هذه الأيّام”.([4])
وفي 19 أذار 1973 قال لضبّاط جاؤوا لمعايدته في ذكرى ميلاده: “فيما يتراءى لعيني هو توقّع حمّام دم بين اللبنانيين. وهذه المرّة لن يكون ثمّة لا غالب ومغلوب، بل مغلوبان كبيران هما السيادة والاستقلال”. (ناصيف، نقولا، جمهورية، م. س، ص19).
وفي نيسان 1973، وقبل وفاته بثلاثة أيّام قال لمرافقه السابق العميد ميشال ناصيف الذي جاء يزوره: “لربّما بعد أسبوعَين ستعود لزيارتي، لكنّك سوف تتعثّر في طريق عودتك إلى بيروت لأن الواقعة تكون قد وقعت، وبدأ القتال بين الجيش والأطراف المسلّحة”([5])
وصدقَتْ توقّعات الجنرال، ولمّا تزل تصدق حتى يومنا هذا، وهو الذي كان يقول ويكرّر: “إذا لم يُجرَ إصلاحٌ سياسي سينفجرُ البلد”.([6]) وقد اختار طوعاً أن يتوارى نهائياً قبل أن يشهد هذا الانفجار، ويعاينَ الأيّام السود وبُرَكَ الدم.
وما جدوى استحضارْ التجربة الشهابية النزيهة والناجحة على مختلف الصُعد في زمنٍ أقلُّ ما يُقال فيه أنّه نقيضُها إذ تنتشرُ فيه روائح الفساد فتزكمُ الأنوف، وتسودُ الانقسامات حتى تكادُ تجزّئُ الوطنَ الصغير إلى دويلات وأوطان!
سُئل المؤرّخ البريطاني أرنولد توينبي هل صحيحٌ أن التاريخَ يُعيدُ نفسَه مع شعبٍ من الشعوب، فأجاب: نعم، لأن الشعبَ الفاشل مثلُ التلميذِ الفاشل، فكما أن التلميذَ الفاشل يَسقُطُ في الامتحان الأوّل ويسقُطُ في الامتحان الثاني، هكذا يحدثُ للشعب الفاشل، يسقُطُ في امتحان التاريخ مرّةً ومرّتين، وهكذا يُعيد التاريخُ نفسَه”.([7])
فهل نحنُ من طينة هذا الشعبِ الذي يشيرُ إليه توينبي؟! أدخلنا اللاجئين الفلسطينيين عام 1949 على الرحب السعة، فأدخلونا في حروبٍ لا نهاية لها في السنوات 1969، 1973، 1975، و1982 وغيرها. والذين أدخلوهم وقبضوا واستفادوا أعدنا انتخابَهم مثنى وثلاث ورباع!! وعلى مدى سنواتٍ طويلة وعديدة!
والخطأُ عينُه أعدنا تكرارَه مع النازحين السوريين 2011، وأعدنا انتخابَ من أدخلوهم وقبضوا عليهم وفلاسفةَ نظريةِ النأي بالنفس. وهم لا يزالون يقبضون، ويقبضون على العديد من مفاصل السلطة في بلدنا. والله وحدُه يعلمُ في أيّة مصائب سيُدخل هؤلاء النازحون الوطن الصغير السريع النسيان إن على المدى القريب أم الوسيط!! وقد بدأت تباشير كلّ ذلك تظهرُ للعيان.
وقد عبّر الأمير الجنرال لاحقاً عن خيبة أملٍ كبرى من اللبنانيين كشعب. ينقل عنه الأب يعقوب السقيّم في يوميّاته (10 نيسان 1970): “قال لي [أي لشهاب] ضابط فرنسي كبير عن جمال لبنان و… ذلك منذ زمان:
Le Liban est beau, mais sans les libanais
(أي لبنان جميل، ولكن من دون اللبنانيين). فانتفضتُ ضدّه، وعاتبني رئيسي، لأنّي كنتُ قاسياً، ولكن الآن علمتُ أن الحقّ بجانبه”.([8])
إحباطٌ أصاب الأمير في أيّامه الأخيرة، وهو الذي كان يقول ويكرّر لبنان يتألّف من سكّان لا من مواطنين، كما ذُكر في هذا الكتاب. (ص24).
الوطن الصغير سريعُ النسيان وكذلك شعبُه كان الرئيس الأمير يقول ويردّد. “أيش ها الريبيبليك” République أي ما هذه الجمهورية، كان يكرّر خالطاً بين الجدّ والسخرية على طريقة أخواله مشايخ آل حبيش الكسروانيّين. (أبو جودة، الوطن الصغير، م. س، ص332). وينقل عنه الوزير فؤاد بطرس قوله وتكراره: “لحُسنِ الحظّ، لدينا قطار في لبنان، وأظنّه الشيء الوحيد الذي يسير في شكلٍ مستقيم في هذا البلد”.([9]) فهل ألغي القطار في لبنان، وأزيلت سككه بعد زمن فؤاد شهاب لأن الطرق المستقيمة لا يمكن أن تستمرّ في موطن الأرز؟!
وعن اللبنانيين تحديداً كشعب كان يقول: “كيف يمكنُ توحيدُ شعبٍ متعدّدِ الاتّجاهات والانتماءات السياسية والدينية ولا يثقُ بدولته. وكان يضيف: سوف يأتي يومٌ لا شيء فيه يمكنُ أن يوحّدَ اللبنانيين سوى كسرةِ الخبز”.([10])
وواضحٌ أن نبوءته هذه قد صدقت وتحقّقت هي الأخرى، مع الأسف.
ويصدقُ وعدهُ والصدقُ شرٌّ إذا ألقاكَ في الكُرَبِ([11]) العظامِ
ينشد أبو الطيّب المتنبّي.([12])
“شي فعلاً عجيب إنّو يطلع حدا بلبنان متل فؤاد شهاب”، كان الوزير فؤاد بطرس يردّد في مجالسه([13])، ويقصد أنّه كان بنزاهته وتعفّفه وعزلته وتقديسه للمصلحة العامّة بعيد بل نقيض للشخصية النمطية التي عُرف بها اللبناني ولا يزال: فرديّته وإيثاره المصلحة الشخصية على العامّة ومذهبه النفعي والوصولي. وكتب فؤاد بطرس لاحقاً في هذا السياق: “وربّما كان السؤال المثير الذي سيُطرح في المستقبل بخصوص فؤاد شهاب هو التالي: إلى أيّ مدى كان ابن التربة اللبنانية هذا حصيلة عصره، وإلى أيّ مدى سبقه كونه استطاع أن يتجاوزه؟”([14])
والشأن الاجتماعي كان همّ الرئيس الجنرال وشغله الشاغل. وهذا ما ميّزه عن سائر الرؤساء ممّن سبقه أو خلفه في السدّة. وكان أحد أبرز أسباب استدعائه لبعثة إيرفد. وبقي حتى آخر يومٍ له في الحكم يحذّر من هذه القنبلة الموقوتة أي الفوارق الاجتماعية بين اللبنانيين، ففي آخر جلسةٍ لمجلس الوزراء أي جلسة الوداع (3 حزيران 1964) قال الرئيس شهاب: “إن فوارق مستويات المعيشة بين طبقات الأغنياء وطبقات الفقراء ومتوسّطي الدخل تزداد في التباعد، وكذلك الفوارق بين مستويات الاقتصاد والإنماء بين المناطق. (…). والشيوعية وصلت إلى المطار، وصارت موجودة في بيوت الكبار والأغنياء الذين يعيشون بمظاهر البذخ. ولا يجب أن يستغربوا إذا ثار الخدم في يومٍ من الأيّام عليهم، وكسّروا الصواني وزجاجات الشمبانيا على رؤوسهم ورؤوس المدعوّين”. (صافي، م. س، ص376).
وكان تحذيره هذا في محلّه، فهذه الفروقات الاجتماعية والطبقيّة الشاسعة كانت من أبرز أسباب حرب لبنان 1975-1990. وكم كان يحلو له التركيز على ضرورة القيام بإصلاحٍ اجتماعي شامل، فبدونه يبقى أيّ إصلاحٍ آخر غير مجدٍ، ففي رسالة الاستقلال في 21 /11 /1960 تحدّث عن: “عملية إصلاح أضخم وأشدّ ضرورة وخطورة، وأوسع نطاقاً، وأصعب تحقيقاً، لأنّها تتناول حياة المجتمع اللبناني تناولاً مباشراً لتقيمَها على قواعد وأسس تليق بشعبٍ متقدّمٍ راقٍ، في عصرٍ مسألته الكبرى هي المسألة الاجتماعية، إلى جانب مسألة السلام العالمي.” وتابع مؤكّداً، منبّهاً ومحذّراً: “وكلّ إصلاح لأجهزة الدولة يبقى محدود النفع، ولا أقولُ سطحيّاً وتافهاً، إن لم ترافقه جنباً إلى جنب عملية إصلاح اجتماعي شامل”. (شهاب، خطب، م. س، ص71).
وكان يطيبُ له بالمقابل أن يركّز على دور كلّ فردٍ والشعب والقاعدة عموماً في أيّة عملية إصلاحٍ أو تغيير. فيكرّر المثل السائر: “على المواطنين أن يضعوا أيديهم في العجين”([15]).
وفؤاد شهاب ليس أيقونةً نبخّرُها ونترحّمُ عليها كلّما نهشَتْنا أنيابُ الفساد وأوجعتنا، بل هو بالأحرى أسوةٌ تجب محاكاتُها واستخلاصُ العبرة منها وهو القائل في خطبةٍ له في مطلع عهده: “لن يكونَ ثمّةَ إصلاحٌ شامل، قريبُ التحقيق أم بعيده، إن لم يكن مستقرّاً أصلاً في ضمائرِ الأفراد. فليست هناك مساهمة عقيمة، ولا تضحية باطلة، وإنّما فريضة مشتركة تُلزم الجميع من دون استثناء واجبَ الجهدِ الذاتي والتعاونَ الوطني”.([16])
طالما تساءلتُ وتساءل كثيرٌ غيري من الباحثين والمؤرّخين هل كان فؤاد شهاب مُحقّاً في زُهده وتخلّيه الصارم عن رئاسة الجمهورية مرّات ثلاث وكانت معقودةً له ومؤكّدة ومكفولة وذلك في الأعوام والاستحقاقات الثلاثة التالية: 1952، 1964، و1970. فالسنوات الستّ التي قضاها في سُدّة الرئاسة تكادُ لا تكفي ليُصبحَ فيها طالبُ الطبّ طبيباً وطالبُ الحقوقِ محامياً وطالبُ الهندسة مهندساً، فكيف بالانتقالِ بوطنٍ من حربٍ أهلية 1958 إلى برّ الأمان وتنفيذ خطط الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي التي وُضعت له؟
فهل تخلّى الرئيس شهاب عن السفينة في عرض البحر عندما رفض أن يُكمِلَ ما بدأه. وهو في النهاية كان رجلَ ضبط الخلافات والقادرَ على حلّ الأزمات السياسية وجعلِ السياسيّين يتعاونون معه، وفي ما بينهم؟”([17]) كما يزعم البعض؟
بقيتُ ردحاً طويلاً من الزمن أطرحُ هذه التساؤلات حتى سمعتُ وقرأت ما تقولُه الحكيمةُ المعاصرة ومساعدةُ قداسة الدلاي لاما المتصوّفة تنزين بالمو في هذا الصدد: “غالباً ما يكون السياسيّون تجسيداً حقيقيّاً للأفكارِ السلبية والغضبِ والجشعِ وشهوةِ السلطة وما إلى ذلك من عيوب. في حين أن الأشخاصَ الطيّبين الذين يخوضون غمار السياسة سرعان ما يشعرون بالخيبة والإحباط الشديد، حتى أنّهم ينتهون إلى الانسحاب. ولذلك فإن الأشخاص الذين يديرون الحكومات هم في معظمِ الأحيان أشرار”.([18])
ألم تكن هذه حال الأمير مع من كان يرفض حتى أن يسمّيَهم سياسيين Politiciens، فأسماهم بالأحرى Politicards أي دسّاسين وأكلة الجبنة، كما هو مذكور مراراً في كتاب د. فاتن (ص20-21).
والجنرال، هذا الشهاب الذي لمع برهة في سماء موطن الأرز، هل قرأنا كما يجب تجربته الرائدة واستخلصنا منها العِبر ليومنا والغد؟!
يبدو أن الجواب السلبي، ومع الأسف الشديد، هو الذي يفرض نفسه إثر تساؤلنا هذا. لكأن القنصل الفرنسي المعروف هنري غيز كان يستشرف تحديداً هذه التجربة حين أعلن في خطاب في مجلس النوّاب الفرنسي قائلاً: “إنّنا نخطئ حين نجعل المقارنة بين الشرق والغرب أساساً لتفكيرنا. فحين يظهر رجلٌ خطير في الغرب، يكون دائماً عنوان الأمّة التي يحكمها… أمّا في الشرق، حيث لا ثقافات، ولا علوم، ولا أنظمة سياسيّة، بل هناك سيّد وعبيد، فالرجل الخطير ليس إلا كائناً كبيراً، أو حادثاً، أو شهاباً يلمعُ هنيهة في ظلمات بربرية مستقرّة، ولكنّه لا يرفع مستوى أمّته. حتى إنّه يمكننا القول إن عبقريّته تطوى بعده كما تطوى خيمته، تاركاً المكان خالياً خاوياً مقفراً كما كان قبله”.([19])
نخال للوهلة الأولى أن القنصل غيز، ولا سيما في إشارته إلى شهاب يلمع هنيهة، أنّه يتحدّث تحديداً عن تجربة الأمير اللواء!! أو كأنّه في كلامه على الشرق والغرب يقارن بين تجربتَي جنرالَين رائدين: ديغول وشهاب! تطوى عبقريّته كما تطوى خيمته يقول غيز! فهل طويت عبقرية جنرالنا التوافقية محلّياً وإقليميّاً مع طيّ خيمة لقائه بالرئيس جمال عبدالناصر على الحدود اللبنانية السورية في 25 أذار 1959 والذي عُرف ب”لقاء الخيمة”([20])
أياً يكن، ففؤاد شهاب، من ناحيته، لم يتعب يوماً من الدعوة إلى العملِ بجدّ ومقاربة الأمور بتفاؤل، ووصيّته الأخيرة للوزير فؤاد بطرس، وبالتالي لكلّ لبناني، قبل سويعاتٍ من وفاته تجسّد مذهبه العملاني والإيجابي هذا، يروي هذا الأخير في مذكّراته: “اقتربنا من السلالم، فنظر [الرئيس شهاب] إليّ مبتسماً، وقال بما يشبه الوصيّة: “احمله بالطول، مش بالعرض”، في إشارةٍ منه إلى نظرتي المتشائمة حيال مستقبل لبنان” (بطرس، المذكّرات، م. س، ص162).
“مصيرنا إنّما هو صنعُ أيدينا. فنحنُ بأيدينا عرّضنا استقلالنا حتى كاد يضيع. ونحن بأيدينا أنقذناه”، يقول الجنرال مؤكّداً على مذهب العزم والعزيمة هذا. (شهاب، مجموعة خطب، خطاب 22/ 11/ 1958، ص19).
لذا وبناء على كلّ ما سبق، تبقى تجربةُ فؤاد شهاب الرائدة والبنّاءة بارقةَ أملٍ توحي أن الوطن الصغير رغم سرعةِ نسيانه، قادرٌ، كطائر الفينيق، أن ينبعثَ من تحتِ الرماد، بعنايةِ وجَهد الصادقين والمحاسبِين والمخلصين من بنيه. {فحيثُ تكثر الخطيئة هناك تفيض النعمة} يقول الكتاب المقدّس (روما 5/20).
«»«»«»«»«»([21])
[1] -أبو جوده، ميشال (1933-1992)، 207 مقالات وتاريخها 1955-1992، إعداد ميشال هلّيل، مقدّمة غسّان تويني، بيروت، دار النهار للنشر، ط1، 2006، مقالة: الابتعاد الكبير، 26 نيسان 1973، ص389.
[2] -الحاج حسن، دة فاتن، فؤاد شهاب: نهجُ قائدٍ ورئيس، تقديم د. لويس صليبا، جبيل/لبنان، دكّاش برينتينغ هاوس، ط1، 2024، 261ص.
[3] -فيّاض، ندى حسن، الدولة المدنية: تجربة فؤاد شهاب في لبنان، تقديم بسّام ضو، بيروت، منتدى المعارف، ط1، 2011، ص37.
[4] -ناصيف، نقولا، ريمون إده جمهورية الضمير، مقدمة غسّان تويني، بيروت، دار النهار للنشر، ط1، 2002، ص307.
[5] -ريحانا، العميد الركن د. سامي، عهد الجنرالات في لبنان: اللواء الأمير فؤاد شهاب2، بيروت، دار نوبِليس، ط2، 2007، ص337، نقلاً عن مقالة للعميد ميشال ناصيف بعنوان: “الرئيس شهاب كما عرفته” في مجلّة الصيّاد/بيروت، 27 نيسان 2003.
[6] – ناصيف، نقولا، جمهورية فؤاد شهاب، مقدّمة فؤاد بطرس، بيروت، دار النهار للنشر، ط1، 2008، ص429، نقلاً عن مقابلة مع شفيق محرّم.
[7] -أبو جوده، ميشال (1933-1992)، الوطن الصغير والدور الكبير، سلسلة من حقيبة النهار 1، إعداد مهى ياسمين نعمه، تقديم غسّان تويني، بيروت، دار النهار للنشر، ط1، 1993، ص290.
[8] -السقيّم، الأب يعقوب ر. ل. م، بين راهب وأمير: ذكرياتي مع الرئيس فؤاد شهاب، الكسليك/لبنان، منشورات جامعة الروح القدس، ط1، 2014، ص107.
[9] -بطرس، فؤاد، المذكّرات، إعداد أنطوان سعد، تقديم خليل رامز سركيس، بيروت، دار النهار للنشر، ط1، 2009، ص54.
[10] -صافي، عزت، طريق المختارة زمن كمال جنبلاط، بيروت، دار النهار للنشر، ط1، 2006، ص320.
[11] -الكُرَب: جمع كربة أي الحزن يأخذُ في النفس
[12] -أبو الطيّب أحمد بن الحسين الجعفي المعروف بالمتنبّي (303-354هـ/915-965م)، ديوان أبي الطيّب المتنبّي، شرح وتعليق سليم إبراهيم صادر، بيروت، دار صادر، 1985، ص484، من قصيدة في وصف الحمّى.
[13] -ذكرها لنا العميد الركن جان ناصيف خلال حوارنا معه في منزله في قرنة الحمرا/قضاء المتن الشمالي ب ظ 26 أذار 2024.
[14] -بطرس، فؤاد، كتابات في السياسة، بيروت، دار النهار للنشر، ط1، 1997، ص34.
[15] -ناصيف، نقولا، جمهورية فؤاد شهاب، مقدّمة فؤاد بطرس، بيروت، دار النهار للنشر، ط1، 2008، ص407.
[16] -شهاب، فخامة الرئيس الأمير اللواء، مجموعة خطب 1958-1964، بيروت، وزارة الإعلام، [1964]، خطاب الأوّل من كانون الثاني 1959، ص25.
[17] -حرب، مروان، الشهابية حدود التحديث السياسي في لبنان، بيروت، دار سائر المشرق، ط1، 2012، ص157.
[18] -Saliba, Lwiis, L’enseignement de Tenzin Palmo Moniale bouddhiste Expliqué par elle-même, préface de Jacques Vigne, Byblos/Liban, Librairie et Editions Byblion, 2024, pp33-34.
[19] -شديد، طوني إيلي، مذكّرة الأيّام، تقديم وتدقيق الأب لويس خوند ر ل م، بيروت، منشورات تيلي لوميار، د. ت، ص258، نقلاً عن خطبة ألقاها هنري غيز H. Guys قنصل فرنسا طيلة 40 سنة في بيروت وحلب، في مجلس النوّاب الفرنسي عام 1860.
[20] -الحاج، السفير اللواء الركن أحمد (18 /12 /1927-30 /9 /2022)، من الجندية إلى الدبلوماسية، تقديم الرئيس حسين الحسيني، بيروت، دار النهار للنشر، ط1، 2012، فق: لقاء الخيمة التاريخي بين الرئيسيَن شهاب وعبد الناصر، ص85-90.
[21] –