قراءة نقدية لكتاب “مئة عام على الحرب العالمية الأولى، ج2″، المركز العربي للأبحاث/بقلم لويس صليبا.

قراءة نقدية لكتاب “مئة عام على الحرب العالمية الأولى، ج2″، المركز العربي للأبحاث/بقلم لويس صليبا.

مقالة بقلم أ. د. لويس صليبا نُشرت في مجلة الأمن الصادرة عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي/بيروت. عدد كانون الثاني 2023

مئة عامٍ على الحرب العالمية الأولى: مقاربات عربية”، ج2: مجتمعات البلدان العربية: الأحوال والتحوّلات”، مجموعة من 24 دراسة لعدد من الباحثين، صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، في 703.

ونتوقّف بداية عند دراسة سيمون عبدالمسيح (ف2، ص63-115): “المجاعة الكبرى والاقتصاد الطرفي”. وفيها عاد الباحث إلى أرقام وإحصاءات عاصرت الحدث وواكبت تلك الفاجعة. يقول (ص68): “استثمرت سجلّات كنسيّة عدّة منها دفتر الكتب الخمسة (العماد، التثبيت، الخطبة، الزواج والوفاة) في كنائس البترون وحدتون في البترون، وعمشيت وبجّة في جبيل وغيرها”

ويضيف شارحاً منهجية عمله (ص68-69): “تسمح العيّنات المدروسة باستنتاجات دقيقة جدّاً، إن لجهة تحليل جداول الوفيات داخل كلّ بلدة ومدينة، أو لجهة المقارنات في ما بينها، أي العمل على المتغيّرات المتعلّقة بالموقع الجغرافي وسماته الطبيعية، أو التمييز بين المدينة والريف”

وفي محصّلة دراسته للمجاعة وأرقامها وضحاياها في البترون خلال الحرب 1914-1918 (ص77): “يتبيّن من خلال جدول الوفيات أن عام 1917 شهد النسبة الأعلى من وفيات المدينة خلال أعوام الحرب بلغت 45.63% من عدد الوفيات الإجمالي. لكن مؤشّرات المجاعة والموت بدأت 1916 حين توفّي 116 شخصاً. هذا يعني أن المأساة حدثت فعلاً خلال هذين العامين توفّي خلالهما 325 شخصاً من أصل 458 بنسبة 70.95%”.

ويقارن عبدالمسيح بين ما توصّل إليه من نتائج وبين ما ورد في عدد من المصادر والكتب المدرسية عن المجاعة، وممّا يذكر (ص92): “انتشرت معلومة غير محقّقة، أثبتها فيليب حتّي، عن مدينة البترون في الأوساط البحثية وعبر كتب التاريخ المدرسي تقول إن البترون فقدت 60% من سكّانها خلال الحرب العالمية الأولى. وبيّنت الإحصاءات والتقديرات والسجلّات الكنسية أن هذه المعلومة لا ترتكز على أيّ مرجعية علمية، وأنّها كانت أقرب إلى الإعلان التضخيمي”.

والفئات التي كانت الأكثر تعرّضاً للمجاعة والموت كانت الفقراء وأهل القرى، ففي محصّلة بحثه في بلدة عمشيت/قضاء جبيل مقارنة بسائر البلدات والمدن (ص90): “لا يختلف الوضع في عمشيت حيث يتبيّن أن الفقراء كانوا الضحيّة التي وقعت في براثن الجوع وافترسها الموت. ويتبيّن من القيود أن نسبة كبيرة من المتوفّين تنتسب إلى القرى الريفية في بلاد جبيل التي وفدوا منها خلال القرن 19”

 

ويبقى السؤال: هل تكفي سجلّات الكنائس مصدراً شبه وحيد للوصول إلى استنتاجات مماثلة، لا سيما وأن الكثير من الجياع الذين ماتوا على الطرقات وغيرها كانوا يُدفنون حيث ماتوا أو في مقابر جماعية دون أيّ طقوس ولا تسجيل؟!

ويحلّل الفصل 18 مذكّرات ضابط من بيروت في الجيش العثماني هو عبدالله دبّوس. فلماذا كان مخلصاً في انتمائه إلى جيش السلطنة، وتطوّع فيه بملء إرادته؟ ولماذا رفض الهرب كما رفض الانضمام إلى جيش الثورة العربية حتى بعد أن وقع أسيراً في أيدي الحلفاء؟ يروي دبّوس أنه أجاب الضابط البريطاني الذي اقترح عليه ذلك (ص484): “كلّا يا حضرة القائد، أنا لا أستطيع أن أحارب الجيش العثماني بعد أن حاربتُ في صفوفه، وأخلصتُ له رغم الآلام التي لاقيتها والشقاء الذي عانيته في خدمته”.

ويطرح مالك شريف كاتب هذه الدراسة سؤالاً بديهيّاً عن سبب إخلاص هذا الضابط البيروتي للدولة العثمانية وجيشها رغم كلّ ما عاناه من أهوال ومن تمييز عنصري في هذا الجيش لمجرّد أنّه عربي؟! فيرى أن تربيته المدرسية كان لها الأثر الحاسم في ذلك. إذ تعلّم في دار العلوم في بيروت التي أسّسها في 3/4/1909 الأخوان الهنديّان عبدالجبّار وعبد الستّار خيري. وكان عبد الجبّار طِبقاً لتعبير دبّوس (ص473): “يحمل فكرة كبيرة ويسعى إلى تحقيقها، وهي جمع كلمة المسلمين تحت راية الخلافة في اسطنبول”. وكان الكشّاف العثماني الذي أسّسه خيري في دار العلوم 1910 وانتمى إليه دبّوس تطبيقاً عمليّاً لأفكاره عن الوحدة الإسلامية ودور الخلافة العثمانية فيها. (ص475).

والخلاصة فهو كتابٌ موسوعيّ جامعٌ وقيّم يسلّط أضواء جديدة على حدثٍ مركزي لا نزال إلى اليوم في مشرقنا العربي والمغرب نعيش تداعياته.

شاهد أيضاً

인지 행동 치료(CBT)와 영적 심리학. 20/11/2024 수요일, Zoom에서 진행된 Lwiis Saliba의 화상 회의 노트

인지 행동 치료(CBT)와 영적 심리학. 20/11/2024 수요일, Zoom에서 진행된 Lwiis Saliba의 화상 회의 노트 이 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *