قراءة في كتاب “كمال الصليبي الإنسان والمؤرّخ”/المركز العربي للأبحاث، بقلم لويس صليبا
مقالة بقلم أ. د. لويس صليبا نُشرت في مجلة الأمن الصادرة عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي/بيروت. عدد كانون الأول 2022
“كمال الصليبي: الإنسان والمؤرّخ 1929-2011” لمجموعة من المؤلّفين، صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت في 152ص.
كمال الصليبي مؤرّخٌ لبنانيّ رصين وجريء أثارت نظريّاته في التوراة وتاريخ لبنان والمنطقة الكثير من النقاش والجدل، وهو جدير بالتوقّف عند مساهماته، وقد أحسن الناشر الخيار إذ خصّه بكتابٍ يجمع عدداً من البحوث القيّمة عنه.
وتبقى لنا ملاحظات وتساؤلات أوّلية بشأن هذا العمل الجماعي. فكيف جُمعت دراسات هذا المصنَّف، ومن الذي تولّى جمعها؟ هل هي مثلاً نتاج ندوة أو مؤتمر عُقد عن الصليبي؟ ومن الذي عيّن مواضيع هذه الدراسات واختار كتّابها؟ ومن هم هؤلاء الكتّاب؟
لا نجدُ في مقدّمة الكتاب الضافية (من 6ص) أيّ جوابٍ عن أيّ من هذه الأسئلة البديهية. وإضافة إلى ذلك فالمقدّمة نفسها غير موقّعة! فمن الذي كتبها؟ ولماذا هذا الإغفال المتعمَّد؟!
وإلى كلّ ذلك يفتقر الكتاب إلى تعريف موجز بكتّاب الدراسات، وكذلك إلى ثبتٍ بيبليوغرافي موثّق بمؤلّفات كمال الصليبي بالعربية وبالإنكليزية وكذلك بمقالاته العلمية العديدة والدراسات عنه. وذلك رغم تكرار ملحوظة مهمّة وبالغة الدلالة في هذا المجال تقول (ص10، وص56): “لكن الصليبي كتب عشرات الدراسات المهمّة خلال حياته المهنيّة الطويلة وما زال كثير منها دفين كُتب أعمال مؤتمرات نفدت منذ زمن، وسوف يحظى الباحث الذي يعثر عليها صدفة أو قصداً بكنزٍ ثمين”
فإذا كانت هذه حال دراسات الصليبي المهمّة، على ما يرد مراراً وتكراراً في نصوص هذا الكتاب التكريمي له، فأضعف الإيمان أن يورِد بين دفّتيه لائحة بيبليوغرافية مفصّلة بهذه الدراسات!!
ويخلو الكتاب كذلك من فهرس محتويات مفصّل يتضمّن العناوين الفرعية أو عناوين المباحث، واللائحة المقتضبة الواردة ص5 تكتفي بذكر عنوان كلّ دراسة واسم كاتبها. كما يخلو من لائحة بيبليوغرافية في نهاية كلّ دراسة أو أقلّه في آخر الكتاب تجمع المراجع والمصادر المعتمدة وتسهّل العودة إليها. وكلّ هذه الأمور هي اليوم من مستلزمات العمل الأكاديمي الرصين والجدّي!
والفصل الأوّل من الكتاب (ص13-31): “كمال الصليبي سيرة إنسان ومؤرّخ” وهو بقلم عبدالرحيم أبو حسين، يبقى اسماً على غير مسمّى، فنحن لا نعرف منه عن سيرة الصليبي الإنسان ولا حتى المؤرّخ الشيء الكثير: مساره التعلّمي والتعليمي والجامعي، شهاداته وتواريخها، رحلاته العلمية والشخصيّة وحقبات حياته، أبرز أساتذته وطلّابه، سبب مغادرته الطويلة للبنان، وعودته إليه في أواخر حياته، أيّامه الأخيرة ووفاته، إلخ… فالكاتب لا يروي غليلنا ولا يجيب عن أسئلة أساسية كهذه تساعد في الإحاطة بالمنتِج والمنتَج معاً أي المؤرّخ وآثاره!!
ويركّز كاتب ف1 وكاتب المقدّمة كذلك (ص12) على ميزة التواضع التي تحلّى بها الصليبي. ينقل الأوّل عنه (ص15): “التواضع هو أرفع فضيلة تقدَّر بين الباحثين، ولقب الدكتور هو مبعث للسخرية إذا لم يقترن بهذه الفضيلة”. وليته كان أسوة في هذا المجال لبعض مؤلّفي هذا الكتاب الذين يدرسونه. فالياس القطّار مثلاً وتحت عنوان: “ثالثاً: موقع كمال الصليبي في الواقع الحالي للدراسات في تاريخ لبنان الوسيط” أي في الثلث الأخير من دراسته يكتفي بالأحرى بإيراد لائحة موسّعة ومفصّلة وفي أربع صفحات كاملة (ص102-105) بمؤلّفاته هو ومقالاته في هذا المجال والتي (ص105): “تخطّى بعضها ما جاء في بحوث كمال الصليبي”. نرجسيّة واضحة، وفي غير محلّها!!
وممّا استوقفنا في بحوث الكتاب ما سطّره مايكل بروفنس (ص51-67)، فهل هو بحثٌ مترجم؟! ومَن عرّبه؟ نقرأ لهذا الباحث (ص44): “كان للصليبي مساهمته الراسخة في التاريخ التفصيلي المحدّد القائم على المذكّرات. فذلك التاريخ الذي كان الصليبي من روّاده منذ بداية حياته المهنيّة هو العلاج القويّ الناجع لعيوب تأريخ الشرق الأوسط الحديث المعروفة”
ونقرأ كذلك (ص55): “كان الصليبي استثنائيّاً في استعداده لمراجعة بحوثه السابقة بكلّ سرور، وتقبّل الأفكار والنتائج والأدلّة التي قد تأتي عكس ما يتوقّع، دائم التشبّث بالحقيقة وتوخّي الدقّة بدلاً من الميل الشائع إلى الدفاع عن أعماله السابقة”
والخلاصة فالكتاب لبِنة مهمّة ومدماك في دراسة مؤرّخ مميّز يستحقّ كل عناية واهتمام.