قراءة نقدية لكتاب سيّار الجميل “الملك فيصل الأوّل 1883-1933″، بقلم لويس صليبا
مقالة بقلم أ. د. لويس صليبا نُشرت في مجلة الأمن الصادرة عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي/بيروت. عدد تشرين الثاني 2022
“الملك فيصل الأوّل 1883-1933 أدواره التاريخية ومشروعاته النهضوية”، تأليف سيّار الجميل، صدر مؤخّراً عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت في 432ص.
بذل المؤلّف جهداً مشكوراً في التوثيق والتقميش واستنطاق المصادر لكتابة سيرة شخصية كان لها أثر بعيد في التاريخ العربي الحديث. ورغم ذلك بقيت كتابته في الكثير من الأحيان ديماغوجية ومفعمة بالأحكام المسبقة والإسقاطات المعدّة سلفاً، فبدا وكأنّه يكتب لا ليبحث بل ليدافع، وكمحامٍ يسطّر مرافعة عن وكيله. وكلّ شخصية تاريخية لها وعليها والبيوغرافيا (كتابة السيرة) الرزينة والمتوازنة هي التي تُظهّر المناقب دون أن تغفل أو تتستّر على المثالب. وتبدو مرافعات الكاتب أحياناً واهية ولا تقف على قدمَيها. وسنضرب على ذلك بعض الأمثلة ممّا سبق لنا وبحثنا فيه. فعن اتّفاقية سايكس-بيكو التي لنا دراسة موسّعة فيها يقول سيّار الجميل مدافعاً عن فيصل وأبيه (ص96): “فوجئ العرب بتوقيع اتّفاقيّات منفصلة ولا وجود لهم فيها، وهي تخصّ مصيرهم التاريخي، إذ كشفت اتّفاقية سايكس-بيكو بين البريطانيين والفرنسيين عن أسوأ عملية غادرة للعرب في نهاية المطاف، وهو ما أدّى إلى تقويض وتدمير كيان فيصل السياسي”. ويضيف متابعاً مرافعته الدفاعية (ص97): ولكن فيصل [فيصلاً] اصطدم بأللنبي الذي دخل بقوّاته إلى دمشق أيضاً، وتمّ إبلاغ فيصل باتّفاقية سايكس-بيكو التي صدمته وصدمت والده” فهذه المزاعم التي درج المؤرّخون العرب في دفاعهم عن الشريف حسين وأبنائه على تكرارها لم تعد مقبولة ولا مُقنعة لأحد، لا سيّما وأن الوثائق والوقائع تنقضها تماماً. وقد أوردنا في دراستنا “من سايكس-بيكو إلى لبنان الكبير”، نقلاً عن وثائق الأرشيف الفرنسي وقائع زيارة مارك سايكس وجورج بيكو إلى الحجاز لاطلاع الشريف حسين على مضمون الاتّفاقية المعقودة بينهما، ووصولهما إلى جدّة في 18 أذار 1917، واجتماعهما في اليوم التالي بالشريف حسين. وقد تبع هذا اللقاء لقاءات أخرى شارك في معظمها الأمير فيصل. وإضافة إلى ذلك فقد فُضح أمر هذه الاتّفاقية بعد الثورة البولشيفية ونشرِ زعمائها نصوصها 1917، فعقد جمال باشا مؤتمراً صحافياً إثر ذلك في بيروت 30/11/1917 تحدّث فيه بالتفصيل عن بنود اتّفاقية سايكس-بيكو ودعا الشريف حسين وابناءه إلى التعاون لجبهها، وتلا ذلك رمي منشورات نص الاتّفاقية على معسكرات الجيش العربي، ممّا تبسّطنا بعرضه في دراستنا المذكورة.
وممّا يؤخذ على هذا الكتاب أيضاً اختلال واضح في توازن بنيته ومخطّطته العام. فالكاتب مثلاً يخصّص فصلاً كاملاً (ف4، ص119-153) لاتّفاقية فيصل-وايزمان 1919 في مرافعة مستميتة تسعى لتبيّن أن فيصلاً (ص119): “وقّعها تحت الضغوط وأفشلها شرطه التعجيزي”. وأيّة ضغوط هذه التي يمكن أن تبرّر لزعيمٍ عربي كفيصل أن يوقّع اتّفاقية مع زعيم الصهاينة كُتبت حصراً باللغة الإنكليزية دون أيّة ترجمة ولا مترجم، وهو لا يعرف من هذه اللغة حرفاً واحداً؟!!
وبالمقابل كانت لفيصل اتّفاقات عديدة مع رئيس الحكومة الفرنسية كليمنصو كان لها أثرٌ حاسم في تطوّر الأحداث والتي آلت في نهاية إلى سقوط مملكة فيصل في سوريا في تمّوز 1920. ورغم هذه الأهمّية البالغة نجد المؤلّف لا يخصّها إلا بسطرين يكتنفهما الكثير من اللبس إذ يقول (ص100): “في كانون الثاني 1920 أُجبر فيصل على إبرام اتّفاقٍ مع فرنسا ينصّ على أن تحافظ فرنسا على وجود الدولة السورية”. وهذا الاتّفاق الذي يجهل الجميل اسمه وتاريخه المحدّد (اتّفاق فيصل-كليمنصو 6/1/1920) خصّينا له كتاباً “سوريا الكبرى أم لبنان الكبير” من 500ص، بينّا فيه أن فيصلاً وقّعه توقيعاً كاملاً وبكامل قناعته وإرادته، ومن المعيب بحقّه أن يقال أنّه أُجبر على التوقيع!!
ويتوقّف المؤلّف عند فريق الملك فيصل في حكمه للعراق، فيتحدّث عن (ص296) “أبرز شخصيّتين عربيّتين في تكوين العراق المعاصر”. وأوّلهما مرافق فيصل الدائم ووزيره اللبناني وابن بعلبك رستم حيدر. وممّا يقوله (ص298): كان هذا المثقّف أحد أفضل الرجال التكنوقراط بكفاءته في موسوعيّته العلمية والفنّية وخبرته ومراسه وابتكاراته إذ يقف وراء تشريع العديد من القوانين والأنظمة العراقية”.
والخلاصة فهو كتابٌ يفتح مجالاتٍ لمواصلة البحث والنقاش.