مراجعة لكتاب بدر الحاج/دار كتب”بيروت ضوء على ورق 1850-1915“، بقلم لويس صليبا
مقالة بقلم أ. د. لويس صليبا نُشرت في مجلة الأمن الصادرة عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي/بيروت. عدد تموز 2021
“بيروت ضوء على ورق 1850-1915” تأليف بدر الحاج، صدر عن دار كتب للنشر في 169ص من القطع الكبير مزدانة بالصور.
هو في الأساس مجموعة صور فوتوغرافية لبيروت. بيد أن المؤلّف لم يشأ أن يكون كتابه الفاخر هذا مجرّد ألبوم للصور، فمهّد له بدراسة تاريخيّة قيّمة قسمها إلى فصلين. فقدّم في الأوّل نبذة تاريخية للمدينة في الفترة التي يدرسها ويعرض صورها. أما في الثاني فتناول فن التصوير الفوتوغرافي ونشأته وتطوّره في بيروت في تلك الحقبة، وأبرز استديوهات التصوير التي ظهرت فيها وإنتاجها وما نُشر منه في الأدلّة السياحية والألبومات المطبوعة والصحف وغيرها.
يقول المؤلّف معرّفاً (ص7): “راودتني فكرة إصدار هذا الكتاب بعد أن تراكمت في مجموعتي الخاصّة صوَر غير معروفة سابقاً جرى التقاطها في بيروت منذ مطلع خمسينيّات ق19 وحتى 1915. وخلال تلك المرحلة حدثت تطوّرات جذريّة في المدينة على الأصعدة كافّة. لذلك رأيت ضرورة نشر ما توافر لديّ من وثائق مرئية (…) بهدف إلقاء مزيد من الأضواء على تطوّر المدينة العمراني”
ويضيف الحاج بشأن القسم الدراسي من كتابه (ص7): “رأيتُ أن نشر هذه الصور لا بدّ أن يرافقه تقييم لها، وتحليل لبنيتها. لذلك قمتُ بشرح مختصر للإطار التاريخي والاقتصادي الذي أُنتجت من خلاله”.
ونقرأ في النبذة التاريخية لتطوّر المدينة ودور موقعها الجغرافي (ص11): “كانت بيروت في مطلع ق19 عبارة عن بلدة صغيرة… ومع مرور السنين تحوّلت إلى مدينة. وفي الأعوام 1820-1830 افتُتحت فيها القنصليّات الأوروبية فارتبطت تدريجيّاً بحركة التجارة الأوروبية. كما أصبحت مركزاً تجاريّاً وثقافيّاً هو الأهمّ في سوريّة”
وعن مرفأها يقول (ص13): “كان مرفأ بيروت ممرّاً إلزاميّاً للبواخر التي تقصد شرق المتوسّط (…) وتمّ بناء محجر صحّي سنة 1934 شمال المرفأ”.
وينقل الحاج عن تقرير نشر 1918، وتضمّن مسحاً اقتصادياً شاملاً للمنطقة، وأظهر تفوّق بيروت على سائر المدن (ص20): “حتى عام 1910 بلغ عدد السفن التي دخلت مرفأ بيروت 1143 سفينة بخارية، في حين دخل مرفأ يافا 707 سفينة، وطرابلس 620 سفينة، وحيفا 555 سفينة، واسكندرون 472، اللاذقية 137، وصيدا 109”.
بيد أن هذه الحركة التجارية الناشطة كان لها أثر سلبي على الاقتصاد المحلّي إذ ضربت الكثير من الصناعات والحِرَف (ص20): “عام 1885 استوردت فرنسا فقط من مرفأ بيروت بنحو 3.5 ملايين فرنك، بينما كانت صادراتها إليه نحو 12.5 مليون فرنك. وعام 1897 استوردت فرنسا بنحو 3 ملايين فرنك، وصدّرت إلى مرفأ بيروت بنحو 15.5 مليون فرنك”
إنّها المعضلة إيّاها والتي لا نزال نعاني منها إلى اليوم: عجز واضح في الميزان التجاري، وسياسة الاستيراد التي تقضي على الصناعات المحلّية!
ويرسم الحاج مسار تطوّر حرفة التصوير الفوتوغرافي في بيروت والذي واكب بسرعة ملحوظة هذا الاختراع في مختلف مراحل تقدّم تقنّياته. (ص39): “تمّ الإعلان عن اختراع لويس داغير للتصوير الشمسي في باريس في آب 1939 وبعد نحو خمسة أشهر أي في 30/1/1840 التقط الفرنسي فريدريك فيسكه أول صورة في بيروت”
ومذّاك ازدهرت صناعة التصوير الفوتوغرافي (ص40): “منذ 1840 بدأت بيروت بالتحوّل إلى مركز تجاري ومالي لولاية ساحلية. وموقع المدينة الجغرافي جعلها في المرتبة الأولى من حيث إنتاج الصور الشمسية ومركزاً دائماً لأبرز المصوّرين الفوتوغرافيين العاملين في المشرق. (…). وعددٌ كبير من المصوّرين الفوتوغرافيين الأجانب سجّلوا بعدساتهم مناظر لمدينة بيروت، وبعضهم أقام فيها، وأسّس استديو خاصّاً به”
وفي تقييم للثروة الفوتوغرافية التي يعرضها كتابه، مقارنة بالوضع الراهن للعاصمة اللبنانية يقول المؤلّف (ص8): “إذا أنعمنا النظر الآن في هذه الصور يتبيّن لنا أن بيروت الأمس انتهت ولا علاقة لها بما هي عليه اليوم. لقد تمّ بنجاح تدمير النسيج العمراني المتناسق للمدينة بشكلٍ شبه كامل”
كتابٌ فخمٌ ممتعٌ ومفيد، ينعش الذاكرة الثقافية والاجتماعية ويلهب الحنين إلى الزمن الذي كان.