مراجعة لكتاب “أثر الإسلام في الثقافة الهندية“، منشورات مؤسسة الفكر العربي ومنتدى المعارف، بقلم لويس صليبا
مقالة بقلم أ. د. لويس صليبا نُشرت في مجلة الأمن الصادرة عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي/بيروت. عدد كانون الأوّل 2021
“أثر الإسلام في الثقافة الهندية” تأليف تارا تشاند، ترجمة محمد أيوب الندوي، صدر عن مؤسّسة الفكر العربي، ومنتدى المعارف/بيروت في 398ص.
العلاقة بين الإسلام والهند قديمة وتعود إلى زمن البدايات، يروي المؤلّف (ص63): “في عهد الخليفة عمر بن الخطّاب تمّ استكشاف الطريق البرّي إلى أرض الهند، وجُمعت معلومات كثيرة عنها أدّت في نهاية المطاف إلى غزو السند في القرن 8م”
ويتوقّف الكاتب عند التفاعل القويّ بين التصوّف الإسلامي والثقافة الهندية، فيرى أن (ص109): “المصدر الأجنبي الثالث للتصوّف كان الهند”. أمّا قنوات الاتّصال فيعيدها إلى الحضور الهندي الفاعل في الدولة الإسلامية منذ العصر الأموي (ص109): “شغل الكثير من الهنود مناصب مهمّة في إدارة الشؤون المالية في البصرة في العهد الأوّل للأمويين”.
وإلى ذلك عرف العرب الفكر الديني والصوفي الهندي بوجهَيه الهندوسي والبوذي (ص110): “وكان العرب قد اطّلعوا منذ زمن مبكر على الأدب الهندي والعلوم الهندية. وقاموا بترجمة الأعمال البوذيّة في القرن 2هـ ومنها بلوهر وبوذاسيف”.
ومن كبار المفكّرين العرب الذين تأثروا بالبوذية المعرّي (ت1057)، وينقل الكاتب عن المستشرق هنري بارلين (ص103): “كان أبو العلاء يؤمن بالتناسخ، وكان نباتيّاً صارماً، حتى إنّه حرّم على نفسه الحليب والعسل واستخدام الجلود، واختار العزلة والعزوبيّة، وآثر البساطة والتقشّف في المأكل والملبس، وقد تأثّر ببوذا”.
ومن المتصوّفين الذين أخذوا عن الهند الحلّاج. ينقل المؤلف عن المستشرق ماسينيون (ص84): “في القرن 10م قام الحلّاج برحلته إلى الهند عن طريق البحر، وعاد برّاً عن طريق شمال الهند وتركستان”. وكما تأثّر الحلّاج بالهند، عاد وأثّر فيها (ص116): “إن القدّيسين الهنود أمثال كبير وناناك وغيرهما استخدموا المصطلحات الصوفية المسلمة، وقد انتشرت مصطلحات الحلّاج الصوفية في الهند على نطاق واسع”.
ومن المتصوّفة المتأثرين بالهند عبدالكريم الجيلي (ص126): “كان موحّداً مثاليّاً، وكانت جميع المعتقدات في نظره أفكاراً حول حقيقة واحدة، وكانت جميع أشكال العبادة تعبيراً عن بعض جوانب تلك الحقيقة. وكان الجيلي مطّلعاً على الديانة الهندوسية. (…) وقال عن فلسفة الفيدانتا إنها لا تختلف بتاتاً عن الإسلام”.
ويشير المؤلّف مراراً إلى أن الإسلام لقي ترحيباً ورعاية من حكّام الهند وذلك قبل الغزو العسكري (ص83): “وقبل قيام محمود الغزنوي بغزو الهند كان المسلمون قد حصلوا على مكانة مرموقة ومؤثرة في غربي الهند. وكانوا ينشرون دينهم بين الناس يشجّعهم كثيراً على تحقيق أهدافهم رعاية الحكّام الهندوس”.
وتَركّز الأثر الإسلامي خصوصاً في جنوب الهند، ويضرب الباحث مذهب شانكارا ومن أتى بعده أي الفيدانتا مثلاً على ذلك، وممّا يقول (ص173): “إن أوجه التشابه بين الديانات الهنديّة التي طوّرها شانكارا وخلفاؤه في الجنوب، وبين المدارس الإسلامية الخاصّة باللاهوت والتصوّف جدّ مذهلة. ويبدو أن المذهبَين الفكريّين قد خضعا لتطوّر مستمرّ على خطوط مماثلة”.
ويضيف الكاتب مستقصيّاً مصادر شانكارا (ص176): “تلقّت عملية ترسيخ هذه النزعة التوحيديّة دفعة قويّة بظهور دين توحيدي مكين مثل الإسلام. وكان شانكارا قد ولد ونشأ قرب مكان تكثر فيه زيارات السفن القادمة من الجزيرة العربية. ولا عجب إذا ما كانت عقيدته التوحيديّة المتشدّدة ومحاولته لتجريد التوحيد من كلّ مظاهر الازدواجية بمثابة صدى خافت للأصوات الجديدة القادمة من الخارج”.
ومن المذاهب المتأثّرة بالإسلام “السيدهاريّون”. وممّا يقول عنهم (ص197-200): “كانوا من أشدّ الموحّدين، ورفضوا نظرية التناسخ، (…) وشجبهم لمن لا يتّفقون معهم يبدو إسلاميّاً في شدّته الصارمة. وتصوّراتهم عن الله والاستغراق فيه تشبه تعاليم الصوفيّة المسلمين (…) إنّهم تلاميذ المسلمين”
ويخلص المؤلّف (ص201): “باختصار يدلّ تطوّر الفكر الديني في الجنوب على التسرّب المتزايد للأفكار الإسلامية إلى المذاهب الهندوسية”.
وتطول الوقفة عند تحليلات تارا تشاند ومقارناته بين الهندوسية والإسلام وتفاعلهما على الأرض الهندية. وهو يظهر انفتاحاً وحياداً وموضوعيّة في طروحاته، ما يجعل كتابه مرجعاً أكاديميّاً في موضوعه. وبالتالي فإن تعريبه يضيف جديداً نفيساً إلى المكتبة العربية.