مراجعة لكتاب وجيه كوثراني “في المسألة اللبنانية: الطائفية والزبونية السياسية” بقلم لويس صليبا
مقالة بقلم أ. د. لويس صليبا نُشرت في مجلة الأمن الصادرة عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي/بيروت. عدد تشرين الثاني 2021
“في المسألة اللبنانية: الطائفية والزبونية السياسية وأزمة الديموقراطية”، تأليف د. وجيه كوثراني، صدر عن منتدى المعارف/بيروت، في 416ص.
هي مجموعة أبحاث ومقالات في تاريخ لبنان نشرت في مجّلات وصحفٍ بيروتية عديدة 1977-2008، شاء المؤرّخ كوثراني أن تضمّها دفّتا كتاب، وحسناً فعل إذ أنهى بذلك شتاتها، وصانها من الضياع. بعضها من نمط الكتابة الحرّة طبقاً لتعبير المؤلّف وبعضها الآخر كتابة أكاديمية، وكلاهما بنظره أداة لإيصال رأي أو موقف أو تحصيل. (صIII).
ويروي كوثراني في مقدّمته حكايته مع تاريخ لبنان، وهي تجربة مراقب وناشط اتّسمت بالمعاناة (صIX): “أن تعاصر مرحلة طويلة من تاريخ لبنان وأنت تراقب بوعي متدرّج من مدارك صبيّ وهو ينظر ما يدور حوله من معارك سنة 1958 في منطقة سكنية في بيروت (…) يعني أن بدايات وعي الشابّ كانت منذ الصبا مشوبة بذكريات انقسامٍ في الاجتماع السياسي اللبناني”.
ومع هذه المراقبة الدؤوبة للأحداث وما تخلّلها من أزماتٍ ومآسٍ قرّر مؤرّخ الغد أن يوظّف معرفته الإبيستمولوجية لفهم ما يحدث في وطنه وصولاً إلى التأثير في الحدث واستشراف الآتي (صX): “ماذا يفعل طالبُ تاريخ في جامعة لبنانيّة ما لبث أن تخرّج ليدرّس أيضاً مادّة التاريخ في التعليم الثانوي غير أن يتعلّم ممّا يقرأ ويدرّس، أي أن يحصّل معرفة تاريخيّة يوظّفها في فهم ما يحدث، وفي تصوّر أو تخيّل ما سيحدث”.
ويحدّد كوثراني الحقبة التي تدرس مقالاته أحداثها وتداعياتها، إنّها التاريخ الحديث والمعاصر الممتدّ إلى اليوم (صX): “تبدأ محاولات فهم المسألة اللبنانية من الكتابة عن خلفيّات الصراع في ق19، إلى تفكيك المسار المتغيّر للاجتماع السياسي اللبناني وتكويناته من الميثاق الوطني 1943، إلى ميثاق الطائف 1898، إلى مرحلة ما بعد الطائف”.
ويرى المؤلّف أن صيغة دولة لبنان الكبير 1920: “جاءت حصيلة توازن دولي بين السياستَين الاستعماريّتين البريطانية والفرنسية. (…) وقد شكّلت في سياق تكوّن الجمهورية ابتداء من 1926 حقل تكوّن “الطوائف الملبننة” أي حقل تحوّل المجموعات الإسلامية المذهبية في المناطق التي ضُمّت إلى جبل لبنان إلى طوائف/مؤسّسات كيانية”
وفي دراسته للمتصرّفية وظروفها يرى الباحث (ص63): “هذا التشديد على الجانب الاقتصادي والحياتي في توسيع حدود لبنان باتّجاهي المرافئ والسهول يلخّص المأزق الوجودي لكيان سياسي خُلق تحت وطأة ظروف حوادث 1860”.
وهو يعتبر كتاب بولس نجيم 1908 “المسألة اللبنانية” (ص59): “أوّل محاولة للتنظير المتكامل للوجهة التي ستستقرّ عليها صيغة لبنان 1920”
ويستوقفنا ما يولي الكاتب من عناية لتظهير خلفية نشأة الميثاق الوطني ودوافعه. فالعامل الاقتصادي والمالي بنظره كان حاسماً في هذا المجال. والعنوان العامّ تراجع فرنسا اقتصاديّاً مقابل تقدّم بريطانيا: “كان التجّار المسلمون خصوصاً في بيروت ينخرطون تدريجيّاً في تجارة الوارد والصادر مع بريطانيا (…) في الوقت نفسه كانت شرائح من البرجوازية المارونية والمسيحية عموماً تنخرط في هذه العلاقات الرأسمالية العالمية طارحة تناقضاتها مع السيطرة الفرنسية المباشرة ومتذمّرة من التعامل مع الفرنك الفرنسي، ومتطلّعة إلى إقامة علاقات مع سوق الجنيه الإسترليني”
الميثاق انبثق إذاً من تقاطع مصالح اقتصاديّة (ص52): “هنا بالذات تشكّلت نقطة الالتقاء المسيحي الإسلامي بدءاً من 1936، ووصولاً إلى صيغة الميثاق الوطني 1943”. ويمضي كوثراني في تحليله مؤكّداً على هذه الحيثيّات والاقتصادية والتجارية التي أفضت إلى الميثاق، فيخلص إلى (ص53): “كانت معارضة الانتداب الفرنسي من الفئات المسيحية والمارونية ذات الارتباطات الاقتصادية الغربية الأوسع، ومن الزعامات الإسلامية التي كانت قد بدأت بالترسمل والانخراط بالاقتصاد الغربي هي أساس قاعدة اللقاء اللبناني، وأساس مضمون معركة الاستقلال والميثاق”. إنها وجهة نظرٍ ثاقبة وجديرة بالتفكّر والنقاش.
وقد يخالف القارئ المؤرّخ كوثراني في الكثير ممّا ذهب إليه من تحليلات، بيد أنّه غالباً ما لن ينكر أن كتابه مساهمة قيّمة في الكشف عن خلفيّات الكثير من أحداث التاريخ اللبناني.