الإسلاموفوبيا بين الشرق والغرب/مقابلة مع د. لويس صليبا في 21/8/2016، برنامج أحسن الحديث على قناة المنار، حاوره د. خضر نبها
يمكن متابعة هذه المقابلة بكامل تسجيلها على اليوتيوب على الرابط التالي:
https://youtu.be/qgk8ukjTGzs
إيران ومواجهة الإسلاموفوبيا([1])
المقدمة:
في الثالث من حزيران، توفّي الملاكم الأميركي المشهور محمد علي كلاي، إنه صورة مشرقة، سفير عن الإسلام المتسامح. لكن ما هي إلا أيام بعد وفاته، مسلم أميركي آخر يُدعى عمر متين ارتكب مجزرة في ولاية فلوريدا الأميركية وبايع داعش قبل انتحاره. فوراً اتُّهم الإسلام، وراج مصطلح الإسلاموفوبيا أي الخوف من الإسلام، الخطر من الإسلام، الخطر الأخضر الإسلامي بعد موت الخطر الأحمر الشيوعي؛ لماذا هذا التعميم؟ ونسأل هل أن جورج بوش المسيحي الذي ادّعى الحرب المقدّسة باسم المسيح وقتل أكثر من مليون عراقي، هل يصحّ أن نطلق عليه مصطلح مسيحيوفوبيا، لأنه مسيحي؟ أبداً، المسيحية براءٌ منه ومن أمثاله، هو مجرم وإرهابي وكذلك الدواعش هم مجرمون وإرهابيّون. يتحدّث الغرب عن أنّ الإسلام هو الخطر، لكن نسأل العالم الإسلامي اليوم، مقارنة بالغرب، أضعف بكثير اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً؛ فكيف يكون الإسلام خطراً يهدّد الغرب؟ الإسلاموفوبيا فكرة ملفّقة، عنصرية تريد أن تحقّق أهدافاً سياسية للغرب السياسي وتضع الإسلام ككل في خطر. لن أتحدّث عن الإسلاموفوبيا كمنشأ وتطور ومآلات بل ما أريد مناقشته هو دور إيران في مواجهة هذه الظاهرة على ضوء ثلاث وثائق، اثنتان للسيد القائد علي الخامنئي موجّهتان إلى شباب الغرب والوثيقة الثالثة للبابا يوحنا بولس الثاني موجّهة إلى الشباب المسلم.
أسماء الضيوف:
- د. لويس صليبا / مُستهند وأستاذ ومدير أبحاث في الجامعة اليسوعية في بيروت وفي السوربون – باريس
- د. محمد مهدي شريعتمدار / المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان
المقابلة:
وجّه السيد علي الخامنئي خطابه الأوّل لشباب الغرب في 21/01/2015، وضّح فيه صورة الإسلام في الغرب وكيفية وجوب أخذ المعلومات من قبلهم عن الإسلام. لماذا وجه السيد القائد هذه الرسالة إلى الشباب وليس إلى السياسيين؟
د. شريعتمدار: إجابةً على السؤال الذي طرحته، يذكر السيد القائد في رسالتَيه الأولى والثانية لماذا يوجّه هذا الخطاب إلى الشباب الغربي ولا يوجّهه إلى القادة السياسيين، وهو إجمالاً يعقد الأمل على الشباب الذي يمكن أن يُحدث تغييراً في هذه العلاقة الموجودة بين الطرفَين، وبالعكس هو يعتقد بأنّ هذه السياسة، سياسة التخويف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا، إنما هي ناتجة عن السياسات التي يتّخذها القادة السياسيّون في الغرب، ولذلك إنه يوجّه الخطاب إلى الشباب.
أراد السيد القائد أن يركّز في خطابه الأول على صورة الإسلام المشوّهة أمام الشباب الغربي؛ من الذي قام بهذا التشويه – وإذا كان السياسيون، كيف ؟
د. شريعتمدار: أعتقد أن هناك ثلاث نقاط في هذا الموضوع، قد يتصوّر الإنسان، وهذا صحيح، بأنّ الموضوع موضوع سياسي ويرتبط بالعلاقة السياسية وبما يجري من أحداث بين الطرفَين؛ لكن أتصوّر بأن هناك جانب آخر وهو الجانب المعرفي أيضاً. لا أريد أن أقول أنا لا أؤمن بالنظريّات التي تتحدّث عن صراع الأديان والحضارات وما إلى ذلك، لكن هناك جانب معرفي في هذا المجال وهو أنه بعد الثورة الصناعية في الغرب وبعد المحاولة لما حصل بالنسبة للطبيعيين ومحاولات العلمنة في المجتمعات الغربية وإلغاء دور الكنيسة في المجتمعات الغربية الذي يعني بشكل غير مباشر إلغاء دور الله سبحانه وتعالى في المجتمع وفي السياسة وفي الحكم، لذلك هناك بَون وفوارق معرفية بين الخطاب الغربي في هذا المجال والخطاب الإسلامي، هذا لا يرتبط بالدين مباشرةً بل بالعكس حتى في المجتمعات الغربية كانت هناك محاولات لإقصاء وإلغاء الدين عن المجتمع وعن السياسة والحكم. هذا الجانب المعرفي ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار. بالإضافة إلى ذلك، النقطة الثانية هي ما يرتبط بالتاريخ، تاريخ العلاقة بين المسلمين وبين الغرب، هناك تاريخ طويل من العمليات الاستعمارية التي تمّت في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية أيضاً، في البلدان الشرقية وفي ما يسمّى اليوم بالعالم الثالث أو البلدان الفقيرة، وما ترتّب على ذلك من عمليات استرقاق وعمليات نهب ثروات وعمليات تدمير وكل ما حصل في الفترة الاستعمارية وما تلى هذه الفترة الاستعمارية المباشرة من ما يسمّى بالاستعمار الجديد أو الاستعمار الحديث؛ إذاً الجانب التاريخي أيضاً يشكّل إشكالية أساسية في العلاقة بين الطرفَين والغرب، إلى حدّ الآن لم يبرز أية نية لتحسين هذه العلاقة لتقديم اعتذار إلى المجتمعات المنكوبة من جرّاء العمليات الاستعمارية بل ونرى أحياناً هذه العمليات متواصلة. النقطة الثالثة هي النقطة السياسية التي ترتبط بما يجري في تاريخ الواقع المعاصر إذ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبعد نهاية الحرب الباردة وبعد ملاحظة نوع من النهوض، ممّا يسمّى بالصحوة الإسلامية والنهضة في الأمّة الإسلامية، وبعد شعور العالم الغربي بأنه بحاجة إلى مارد جديد ليستطيع أن يفرض من خلال تسويق هذا المارد وهذه العلاقة، أن يفرض سيطرته الأحادية والقطبية الأحادية، لذلك نرى ما نراه اليوم، ولهذا جاءت تسمية الاستكبار، ويمكن أن نقول بأن مصطلح الاستكبار أدقّ من مصطلح الغرب لأن في الغرب يمكن وجود اتّجاهات مختلفة.
في الخطاب الذي ألقاه البابا يوحنّا بولس الثاني في العام 1985 أمام الشباب المسلم في المغرب لأول مرة، قال: نحن مسيحيون ومسلمون أسأنا غالباً فهم بعضنا البعض وتصادمنا في الماضي، بل استنفدنا بعضنا بعضاً في سجالات وحروب. هل يمكن الخروج بصيغة جديدة؟ هل يمكن للغرب أن يتوقّف عن الإسلاموفوبيا وكيف؟
د. صليبا: الإسلاموفوبيا، هل الغرب سيتوقّف عنها؟ علينا أن نرى من يدفع الإسلاموفوبيا نحو ذروتها ويؤجّجها بهذه الطريقة؛ داعش بطريقة مبرمجة تعمل على تأجيج الإسلاموفوبيا وبصورة استفزازية؛ إذاً هل يتجاوز الغرب الإسلاموفوبيا، أعتقد أن المجهود يجب أن يكون من الطرفَين، أن نتفهّم مخاوف الغرب وهواجسه من جهة، وأن نحاول أن نجيب على هذه الهواجس من جهة أخرى.
ما هي مخاوف الغرب؟
د. صليبا: مخاوف الغرب عديدة، أولاً لأعطي مثلاً ما قام به داعش، داعش يدرس الأمور بطريقة عميقة منهجية، آخر حدث حصل هو ذبح الكاهن على المذبح في فرنسا، هذا يرتبط بالوجدان المسيحي العميق، لم أكن هناك لكني اتّصلت بكثير من الأصدقاء وقالوا لي بالرغم من أنه سقط شهيد واحد ولكن فظاعة الحدث في الوجدان الأوروبي كانت أسوأ، لماذا؟ لأن هذا يرتبط أساساً، كما قلت، بالطقس المسيحي، يقال لمكان الاحتفال المذبح، والكاهن هو الذي يقيم الذبيحة يذكر آية من سفر أشعيا (53/7) التي تقول «كشاة سيق إلى الذبح، وكالخروف أمام الجزار لم يفتح فاه» هذه الآية تعتبرها المسيحية نبوءة تُمّت في المسيح، فأتى داعش يذبح من يقيم الذبيحة.
«الإسلاموفوبيا» هي ظاهرة موجودة. هل تدرك إيران خطورة الإسلاموفوبيا؟
د. صليبا: إيران رادارها لاقط بامتياز، هذه ملاحظة جدّ مهمة، وليس فقط على الصعيد العسكري، وإنما على الصعيد السياسي كذلك، وهي نجحت عسكرياً لأن راداراتها لاقطة؛ وعلى الصعيد الديني رادارها لاقط وبسرعة؛ الوحيدون، يعني لم نشهد زعماء دينيين مسيحيّين اهتمّوا بظاهرة الإسلاموفوبيا كما كرّس لها الإمام الخامنئي رسالتَين واهتمّ بها. لماذا؟ هذا يعود برأيي إلى تاريخ إيران، أنا أعود دائماً لأن هذا اختصاصي، إلى تاريخ إيران، وعندما أحاول أن ألخّصه أجد أربع لحظات أساسية لتاريخ إيران الديني [أتكلّم] وتسمّى بالفرنسية Les moments historiques اللحظات التاريخية: اللحظة الأولى هي زرادشت، زرادشت رجل، نبيّ إيران القديم، كان له أثر حاسم في الأديان الخمسة الكبرى [وهذا موضوع أطروحة وكتاب سيصدر قريباً لي: زرادشت وأثره في الأديان الخمسة الكبرى العالمية، وفيه عنوان فرعي: إيران جسر عبور بين أديان الشرقَين الأقصى والأوسط]؛ اللحظة الثانية هي الإمام الرضا(ع) وهو الذي أعطى لإيران وجهها الحالي من الناحية الروحية والدينية؛ اللحظة الثالثة هي أبو يزيد البسطامي مع كل ما يعني ذلك من تصوّف، كل المتصوّفين بعده الحلاج، الرومي، العطار.. كلهم كانوا يعودون إليه؛ اللحظة الرابعة هي الإمام الخميني أكيد مع الثورة الإيرانية. هنا أعتقد أن الإيراني والإمام الخمانئي التقط أنّ ثمة لحظة خامسة لا تقلّ خطورة وأهمّية عن اللحظات الأربعة هي الإسلاموفوبيا، أنا هكذا أفهم تدخّل الإمام الخامنئي في مسألة الإسلاموفوبيا.
هل لهذا السبب كان الخطاب الثاني أيضاً؟
د. شريعتمدار: عندي ملاحظتَين، الملاحظة الأولى هي شتّان بين الغرب وبين المسيحية، لذلك أنا أرجّح وأفضّل الاستكبار بدل الغرب لأن الغرب عبارة عن منظومة عقائدية سياسية تاريخية معرفية حضارية لأنه قد يتمّ الخلط بين الأمور؛ الملاحظة الثانية فيما يرتبط بداعش وكلام الدكتور صليبا كان دقيقاً جداً ومن هنا أنتقل إلى السؤال، كما عبّر الإمام الخامنئي خاصة في رسالته الثانية، عدة نقاط أولاً من الذي أنتج وخلق داعش؟ ثانياً من يدعم اليوم أو على الأقلّ من يسكت عن الجرائم التي ترتكبها داعش، يعني نحن نرى أن الدول التي تدعم داعش هي مدعومة من قبل الغرب وهنا يشير الإمام الخامنئي إشارة ظريفة جداً إلى التلاقح بين الغرب وبين المجتمع القبلي هناك حالة استغراب أنه من أين يأتي هذا التحالف بين هذَين الطرفين، وبالمقابل نرى هذه المجتمعات التي تعيش حالة ديمقراطية مقبولة أو أكثر من مقبولة هي مرفوضة من قبل العالم الغربي.
مداخلة من د. خضر لعرض عبارة السيد الخامنئي بالكلمة [كيف أن التقاء الاستعمار بفكر متطرّف منبوذ نشأ في كبد قبيلة بدوية، زرع بذور التطرّف في هذه المنطقة ]
النقطة الأخرى التي يشير إليها الإمام الخامنئي، أيضاً في رسالته الثانية التي هي متقدّمة بالنسبة للرسالة الأولى، هي عن إرهاب الدولة وبالتحديد إرهاب الكيان الإسرائيلي الذي يفصّل فيه وأيضاً هذا الإرهاب مدعوم من الاستكبار الغربي. لذلك لا يمكننا أن نتحدّث، مع احترامي لرأي الدكتور الذي كان دقيقاً بمحلّه وأنا أرى أنّ أحد أوجه الإسلاموفوبيا هو الإسلاموفوبيا الناتج والنابع من المجتمع الإسلامي ولا ينحصر بداعش، أي محاولة لتشويه الصورة الإسلامية الناصعة إن كانت في أي جانب أو في أي من أتباع أيّ من المذاهب هي، إن لم نقل أنها تعبّر عن حالة من الإسلاموفوبيا، على الأقلّ يمكن أن نقول أنها تعطي فرصة ثمينة للطرف الآخر لاستغلالها لتمرير عمليات الإسلاموفوبيا ضد المجتمع الإسلامي؛ هذا صحيح لكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذه العناصر، والغرب اليوم مدعو للإجابة عن هذه الأسئلة: لماذا كانت السياسة لتأسيس داعش؟ لماذا هذه السياسات التي نراها لدعم داعش أو الصمت على عمليات داعش أو دعم من يدعم داعش؟ لماذا الدعم لإرهاب الدولة المتمثّل بالكيان الإسرائيلي؟ هذه الأسئلة مطروحة.
تحدّث السيد القائد عن «ازدواجية المعايير»؛ إذا ما تمّ تفهّم هواجس هذا الغرب، لماذا الخوف من الإسلام؟ هل لأن الغرب يعتبر أن الإسلام يشكّل عليه خطراً استراتيجياً [مع الأخذ بالاعتبار الوضع الحالي الذي لا يشكّل أي خطر لا بالوضع الاقتصادي ولا بالوضع السياسي ولا حتى بالعسكري] هل يشعر بأمر مستقبلي، لماذا هواجس الغرب من الإسلام؟
د. صليبا: أولاً هواجس الغرب من الإسلام أعتقد أنها تنتج عن أن هناك مجتمع إسلامي نامٍ ويتكاثر في الغرب، يعني إذا أخذنا فرنسا كمثال، يقال إن الإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا، إذاً مَن يقوم بهذه العمليات هم من الفرنسيين، ويذكرها الخطاب في قوله: هل إن زيارة سفر واحدة أو زيارتَين تستطيع إحداث كل هذا، هو يتحدث عن التربية؛ وهذا ما عشته واستفاق الغربيون عليه مؤخّراً؛ أنا عشتُ في فرنسا فترة طويلة، أكثر من اثنتي عشر عاماً وكنتُ أذهب إلى المدارس القرآنية والجوامع التي تُبنى، أول فكرة، وهذه من المعطيات الإحصائية أنّ 95% من الأموال الخليجية التي تذهب إلى فرنسا تُخصّص فقط، حصرياً، لبناء مساجد وبناء Ecoles Coraniques أي مدارس قرآنية ولا أكثر من 5% لدعم الجالية الإسلامية الفقيرة، وهذه مدارس قرآنية تعلّم الوهّابية، سبق لي أن تحاورتُ مع أساتذة في هذه المدارس وطلاب، هم يدرسون بصورة أساسية الفكر الذي يموّل هذه المدارس لا أكثر ولا أقلّ وهذه حقيقة واقعة، وكنت دائماً أحذّر في مؤتمرات حوار مع فرنسيين أن ماذا تفعلون؟! فهذه الأموال التي تدخل خطيرة على أمن المجتمع الفرنسي!! وكان الجواب دائماً: c’est de l’argent qui rentre أي أنه مال يدخل وأهلاً وسهلاً به، وعندما تلحّ عليهم أكثر يجيبون أنتم المسيحيون في الشرق متعصّبون ونحن بلد علماني وليس لدينا هذه المشكلة. إذاً لم يستفيقوا إلا مؤخّراً لأن هذه التربية هي التي أجّجت ظاهرة الإسلاموفوبيا.
لماذا تعدّ إيران هي المعنية الأولى بمحاربة الإسلاموفوبيا أو أقلّه بإيجاد حلّ لهذه الظاهرة؟
د. صليبا: إيران معنية لأنها، كما نقول باللهجة اللبنانية، «أمّ الصبي». درستُ الإسلام في مدرسة المستشرق هنري كوربان (1903-1978) Henry Corbin([2])، وكان مدير أطروحتي البروفيسور بيير لوري الذي تابع عمل كوربان. كنا مرة في المدرسة الاستشراقية في séminaire أي لقاء محاضرات، وفيه يحاضر أستاذ مستشرق ويقول: الشيعي الاثنَي عشري هو إسلام إيراني [وهنري كوربان له كتاب بعنوان «الإسلام الإيراني»]؛ الإسلام الصوفي، أبو يزيد البسطامي وكل هذه المدرسة التي أتت من بعده هو إسلام إيراني؛ الإسلام الثالث هو الإسلام الباطني أو المذاهب الباطنية الإسماعيلية وغيرها هو إسلام إيراني؛ رابعاً قال الإسلام الفلسفي الذي يضمّ إبن سينا، الفارابي، الرازي، البيروني هو إسلام إيراني؛ خامساً الإسلام السني كتّاب الصحاح الستة وهم البخاري، مسلم النيسابوري، الترمذي، أبن ماجة، وأبو داود والنَسائي كلّهم فرس ومن إيران، وأيضاً علماء الكلام كالفخر الرازي والغزالي حتى هم إيرانيون؛ هنا ثارت فيَّ الحمية العربية، رفعتُ يدي وطلبتُ الكلام، فقلتُ له: إذا كان كل هؤلاء الأشخاص وهذه المذاهب إسلام إيراني فماذا بقي من الإسلام غير إيراني، فقال لي: بقيت الوهابية هي الوحيدة غير إيرانية؛ إذاً الآن عندما أفكّر بما قاله لم يكن يوصّف واقعاً تاريخياً أو آنياً وحسب، وكأنه كان يستشرف المستقبل. إذاً ماذا تعني الإسلاموفوبيا ومن يؤجّج الإسلاموفوبيا؟ الوهّابية بصورة أساسية وكأن كل شرائح هذا الإسلام هو سمّاها بشيء من التعميم الإسلام الإيراني أو إذا صحّ القول أن الشرائح الخمسة هي كلّها ليست فقط معادية للإسلاموفوبيا بل هي تمتصّ الإسلاموفوبيا وتتصدّى لها. ولكن فقط هذا المكوّن السادس هو الذي يؤجّج، إذاً نستخلص هنا أنّ إيران معنية لأنها «أمّ الصبي»، ولأنها تدرك مدى خطورة الظاهرة.
هل يمكن أن تنجح إيران في هذه المهمة؟
د. صليبا: إذا لم تنجح إيران، لنفترض العكس، ما البديل؟ البديل، عدنا لنظرية هنتنغتون «صدام حضارات» وتصادم قاسٍ هذه المرة. إيران لديها كل المقوّمات كي تنجح؛ أولاً دراستها المتأنّية للغرب، وهذا ما خبرته شخصياً مع الإيرانيين.
اعتبر د. لويس صليبا أن الوهابية هي العنصر المؤجّج للإسلاموفوبيا التي قد تصبح خطراً إذا ما باتت ظاهرة منتشرة في العالم. ما المطلوب من إيران اليوم باعتبار أنها المعنية بمواجهة هذه الظاهرة التي لا تهدد مذهباً معيناً أو طائفة دون أخرى إنما تهدّد الإسلام ككل؟ ما هي الخطوات التي يجب على إيران تنسيقها مع النخب، مع الناس العاديين، ومع السياسيين؟
د. شريعتمدار: اسمح أن أسجّل ملاحظة أيضاً هنا، أنا لستُ مع هذه القراءة المتزمّتة حول العرب والإيرانيين والشيعة والسنّة، في الحقيقة عنصر العقل والعقلانية، الفلسفة، التصوّف، وما إلى ذلك من العناصر التي ذكرت موجودة لدى الطرفَين بنِسب متفاوتة في الفترات التاريخية المختلفة، هذا أمر آخر. [مداخلة من د. صليبا: أنا نقلت في ذلك مجرّد رأي مسشترق]
هذه النقطة الأولى، وأضيف طبعاً، برأيي على الأقل في عصرنا الحاضر والأهمّ، أضيف موضوع الإسلام السياسي؛ قد يقال بأن الإسلام السياسي ينتِج العنف، قد يقال بأن الإسلام السياسي أثبت فشله بهذه الحالة التي حصلت هنا وهناك، وحتى من بعض القريبين لنا ولأجوائنا ولأجواء المقاومة وإيران وما إلى ذلك قد يطرحون هذه الأقوال، أنا أودّ أن أقول بأن الإسلام السياسي لا ينتج العنف بالضرورة ولم يفشل وإنما هناك نوع من الإسلام السياسي أثبتَ فشله وثبُت فشله لأنه أنتج العنف، هناك نوع من الإسلام السياسي أو أنواع من الإسلام السياسي التي أثبتت نجاحها وجدارتها في إدارة المجتمع والدولة وعلى الصعيد الدولي والنموذج الإيراني هو أحد النماذج، لا أقول أنه النموذج الوحيد [مداخلة من د. نبها: ولو أتحفّظ من مصطلح الإسلام السياسي، أنا أحبّ الحركات الإسلامية السياسية وليس الإسلام السياسي] ليس لدي مشكلة ولكن لأن الإسلام السياسي يُطرح كإسلام يُنتج العنف أو كإسلام قد ثبُت فشله، ومن هنا أنطلق؛ إيران تحاول طبعاً من خلال هذا الإرث الثقافي المعرفي الذي أشار إليه الدكتور، وأنا أتفق معه في ذلك ومع ما نقله عن هنري كوربان والآخرين، إلى إنتاج خطاب إسلامي، فلنقل بتسامح، موحَّد وموحِّد؛ يعني لا نريد خطاباً موحَّداً يُفرض على الجميع طبعاً لكن ضرورة الوصول إلى الخطاب الإسلامي الذي يمكن أن يكون وسيلةً لمواجهة الإسلاموفوبيا، يمكن أن يكون وسيلةً لمواجهة ما نسمّيه الاستكبار الغربي، ينبغي للمسلمين أن يصلوا إلى خطاب إسلامي شبه موحَّد على الأقل يمكن أن يقف بوجه التحدّيات الحالية وأن يتساير مع مقتضيات العصر الحاضر وصولاً إلى مستقبل الأمة الإسلامية وإلى صناعة الحضارة الإسلامية الحديثة، وبالمناسبة هذا المصطلح من المصطلحات التي يؤكّد عليها الإمام الخامنئي؛ هذا الخطاب الإسلامي الموحَّد ينبغي أن يكون موحِّد أيضاً، يعني تذوب فيه هذه الفروق الطائفية والقومية وهذا ما سعت إليه الجمهورية الإسلامية وأيضاً خطاب الإمام الخميني السياسي الذي دعا دائماً إلى لوحدة الإسلامية. ومن منطلق الخطاب الإسلامي الموحَّد الموحِّد الذي تمظهر بموضوعات الوحدة الإسلامية ننطلق إلى مواجهة مخطّطات الاستكبار في المنطقة، إلى دعم قضية فلسطين والقضايا العادلة في المنطقة، إلى مواجهة جرائم الكيان الصهيوني والإسرائيلي لأن هذه العناصر هي التي تشكّل التهديدات والتحدّيات لمستقبل أمتنا الإسلامية وللتوصّل إلى هذا الخطاب الإسلامي الموحَّد الموحِّد، لا يمكن أن إلى هذا الخطاب إلا عبر توحيد الصف الداخلي ومعرفة العدو ومواجهته.
د. صليبا: المسألة ليست مسألة إيراني أي مسألة عرقية، هناك ذهنية، سأعطي مثلاً من تجاربي، لديّ خمسين كتاب من مؤلّفاتي، من هذا العدد ثلاثون عنوان ممنوعون من الدخول إلى السعودية، 25 عنوان ممنوع في الكويت، وفي معرض النجف هذا العام [أي 2016] منعوا كل الكتب، في وقت، شهادة ليست لإيران، لم يُمنع كتاب منذ العام 2005 وحتى حيننا هذا في معرض إيران، هذه هي الذهنية، وسأعقّب على ذلك من خلال تجربتي أيضاً، وهذا ما يؤكّد ما قلته حول مسألة لماذا إيران مهيّأة أكثر من غيرها، عندما كنتُ أستاذاً زائراً في جامعة «أديان ومذاهب» في قم، في بداية الزيارة، أتى إليّ وفد من أساتذة الجامعة وطلّابها، وطلبوا مني أن ألقي محاضرة عن حقوق الإنسان في الإسلام من منظور الغرب فقلتُ لهم إن هذا موضوع يُحرجني، أنتم هنا أكرمتموني وأنفقتم أموالاً على إقامتي وكنتم لطفاء معي، لذا يحرجني أن ألقي محاضرة قد لا تُسمع أو قد لا تلقى آذاناً صاغية أو قد لا تسرّ من يستمع إليها، ومن ناحية ثانية لا أستطيع أن أسخّر ضميري وأدوّر الزوايا وأقول لكم ما قد يسرّكم، فقالوا لي لا نحن جئناك لنستمع بالتحديد، أنتَ أستاذ جامعي وغير مسلم ومقيم في الغرب، أنتَ أكثر شخص يمكن أن ينقل إلينا دحض الغرب أو نقض الغرب أو اعتراضاته على حقوق الإنسان في الإسلام، وألقيتُ المحاضرة وهي موجودة في كتابي «الديانات الإبراهيمية بين العنف والجدل والحوار» وحضرها – هم دعوا خصّيصاً، مشايخ ومراجع من الحوزة العلمية [مدخلة د. شريعتمدار: وفي قمّ أي حاضرة الفكر الديني] وممّا لاحظته أنهم ليس فقط استمعوا بل حتى الأسئلة بالآخر لم تكن أسئلة حجاجية للردّ على ما طُرح وإنما استفهامية؛ الإيراني مستمع وهذه ملاحظة مهمّة، العربي ينفعل، العرب ظاهرة صوتية بحسب قول القُصيبي وهو عنوان أحد كتبه، ونحن عرب ولا أشتم ذاتي، الإيراني يستمع ويستمع بأعصاب باردة يعني لا يُستفَزّ.
وهذه مؤهّلات قد تساعده في أن يواجه الإسلاموفوبيا.
ألقى البابا يوحنا بولس الثاني خطاباً في العام 1985 في المغرب أمام شباب مسلم، لأول مرة، وحقيقةً كان فيه قيم سامية جداً وتركيز على الشباب، كخطاب السيد القائد الموجه للشباب. ألا يمكن لهذه الخطوات أن تساهم في محاربة الإسلاموفوبيا؟ وما الذي يجب أن تقوم به إيران مع البابا الحالي من خطوات؟
د. شريعتمدار: بالتأكيد مبادرة البابا الراحل في مخاطبة الشباب المسلم في المغرب كانت مبادرة قيّمة جداً لكن مع الأسف لم تُتابع هذه المبادرة، قد تكون هذه الإشكالية من الطرفَين. البابا الراحل يؤكّد على مجموعة من القيم: الإيمان بالله، الكرامة الإنسانية، الإنسانية أصلاً، التعددية والتضامن، الاجتهاد الفكري، القيم الروحية ومكارم الأخلاق. هذه أهمّ القيَم التي أذكرها؛ لكن حتى نصل إلى صياغة: أولاً خطاب يمكن أن يكون مشتركاً ﴿كَلِمَةٍ سَوَاءٍ﴾ (آل عمران/64) التي يذكرها القرآن الكريم، أو التعارف ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ (الحجرات/13) أو ما يقوله الإمام علي(ع)«إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخَلق» وما إلى ذلك من التعاليم الموجودة في الدين الإسلامي وأيضاً في الدين المسيحي، ومن ثم ترتيب مبادرات عملية على أساس هذا الخطاب وصولاً إلى حوار إسلامي مسيحي جاد بل وأبعد من الحوار، إلى تعاون بين الطرفين، أتصور بأن علينا أن نخطو خطوتَين، الخطوة الأولى التشخيص الدقيق لعلل وأسباب لما نعاني منه في هذا العصر، والنقطة الثانية الآليات التي يمكن من خلالها أن نعالج هذا الداء الذي نعاني منه في يومنا هذا، على مستوى المجتمع الإسلامي والمجتمع المسيحي والعلاقة الثنائية بين الطرفَين؛ هاتان النقطتان، برأيي، نلاحظهما في رسالتَي السيد القائد الإمام الخامنئي بشكل أقوى، يركّز على العلل والأسباب والجذور لما نشهده اليوم وأيضاً يطرح حلول، من خلال هاتين النقطتين يمكن أن نؤسس لمواجهة الإسلاموفوبيا.
د. صليبا: نقطة أثارها زميلي المستشار، يقول إن خطوة البابا يوحنا بولس الثاني لم تُتابَع، وهذه هي المفارقة الكبرى، في كتاب من كتبي «الحوار المسيحي الإمامي»([3]) أقول وأشرح، استناداً إلى محاورين مسلمين، مثلاً الدكتور أحميدة النيفر([4])، وهو تونسي، يقول إن المفارقة الكبرى أن الفريق الأكثر حاجة إلى الحوار هو الأكثر زهداً فيه يعني الفريق الإسلامي، إذاً، إذا كانت الخطوة لم تُتابع فذلك لأنه كانت هناك يدٌ ممدودة، فهل مُدّت اليد الثانية للمصافحة؟ هنا السؤال الكبير؛ لا يزال رجال الدين المسلمون عموماً زاهدين يعني غير مكترثين كثيراً بالحوار المسيحي الإسلامي، من يطرح الحوار المسيحي الإسلامي، هو دائماً الطرف المسيحي مع الأسف حتى اليوم.
كيف يمكن المقارنة بين خطاب البابا يوحنا بولس الثاني ورسالتَي السيد القائد؟ وهل يمكن الاستفادة؟ وما العبرة؟
د. صليبا: أجريتُ دراسة بسيطة مقارنة بين الاثنين؛ ثمة نقاط عديدة أحبّ أن أذكرها: أولاً البابا يحدّد إلى من يتوجّه هو يتوجّه إلى مسلمين وهم مؤمنون، الإمام لا يذكر إلى من يتوجّه [ما هي هويّتهم] ولا يعطي موقفاً منهم [تعليق من د.نبها: الشباب هو يتوجّه للشباب] نعم ولكن ما هي ثقافتهم؟ وما هي هويّتهم؟ البابا أيضاً توجّه إلى شباب المغرب ولكنه لم يقل شباب المغرب فقط بل قال الشباب المسلم في المغرب المؤمنون، أنتم المؤمنون – هذه نقطة مهمّة بينما الإمام لا يحدّد ولا يسمّي وبالتالي يتحاشى أن يعلن موقفاً ممّن يتوجّه إليهم هل هم مؤمنون، أم ماذا؟!؛ النقطة الثانية: البابا يقرّ بالعنف في المسيحية، بالعنف بين المسيحية والإسلام ويقول تعالوا لنجد مخرجاً، الإمام لا يذكر حتى أي عنف في تاريخ الإسلام وهذه مشكلة دائماً تعترضنا في الحوارات المسيحية الإسلامية وكأن فقط رجل الدين المسلم يأتي ليبرّر هذا العنف، ولا يقرأ تاريخه قراءة نقدية. لم أجد حتى الآن رجل دين مسلم يقرّ ويحاول أن يقول كان هناك عنف ولكن سنحاول أن نتجاوزه، هذا ما فعله البابا واستغفر فقال يوجد عنف، أي أقرّ به، وأنا أستغفر ممّن أسأنا لهم؛ ثالثاً البابا يمتدح الحضارة الإسلامية يقول أنتم أبناء العلماء، أنتم أبناء تراث روحي عريق، بينما الإمام القائد لا يفعل سوى أن يطعن بالحضارة الغربية ويقول: إن التاريخ يطأطئ رأسه خجلاً من اضطهاد غير المسيحيين من الرقّ يعني لا يفعل سوى أن يطعن في هذا التاريخ وكأنّه لم يجد أي عنصر إيجابي واحد في هذا التاريخ؛ رابعاً البابا يرى أن سبب العنف والإرهاب هو التكفير وعدم قبول الآخر، وحتى الإمام الخامنئي يقول الإرهاب التكفيري ولكنّنا نجده صامتاً لا يعطي أي فكرة لا يقول أن هذا التكفير هو الأساس، عدم قبول الآخر هو أساس هذا الإرهاب إذاً هنا حلقة ضائعة. [مداخلة من د. نبها: لذلك حتى في خطاب السيد القائد الثاني كان يؤكّد على التواصل الثقافي، وأنه ضدّ التواصل الهجيني الذي أنتج فكراً تكفيرياً اسمه داعش] درستُ الرسالتين ووجدت تطوّراً مهماًّ ونوعياً في الرسالة الثانية، من هذه الناحية ومن ناحية محاولة تفهّم الغرب أكثر.
د. شريعتمدار: قلتُ سابقاً، إذا لم نشخّص الجذور والأسباب، وإذا لم نضع الحلول لا نصل؛ إذا تحدّثنا فقط عن القيَم الروحية من دون التطرّق إلى المعاناة اليومية لشعوبنا، لا يمكن أن نتحدّث عن قيم روحية وعن عدالة وعما إلى ذلك والشعب الفلسطيني يعاني ما يعاني منه، ولا أحد في العالم يقوم بدعم هذا الشعب أو يستنكر الجرائم التي يقوم بها الكيان الصهيوني بل والأمرّ من ذلك نرى أن الكيان الصهيوني يُدعم، حتى بشكل بسيط، ما جرى بالنسبة لإدانة الحملات العسكرية السعودية على اليمن، حتى ما يسمّى مع الأسف بالمجتمع الدولي لم يتقبّل أن يصدر إدانة للجرائم التي ارتُكبت خلال الحرب العسكرية على اليمن [مداخلة د. نبها: هذه هي مشكلة إيران مع الغرب السياسي] يتحدّث السيد القائد في رسالته الأولى عن الكتابات التاريخية والأعمال الكاذبة والمزيّفة للدول الغربية لا يتحدّث عن المسيحية لا يتحدّث عن المجتمع والحضارة «إنّ تاريخ أوروبا وأميركا يطأطئ رأسه أمام السلوك الاسترقاقي والاستعماري والظلم تجاه الملوّنين وغير المسيحيين» [مداخلة من د. صليبا: التاريخ الإسلامي لا يحوي هذه الأمور؟ متى ألغي الرقّ في العالم الإسلامي؟] هو الآن بصدد مخاطبة الشباب الغربي «ثم إنّ المؤرخين والباحثين عندما يمرّون على عمليات سفك الدماء باسم الدين، بين البروتستانتيين[حتى هو يتوجّه في الداخل المسيحي الأوروبي] والكاثوليك أو باسم القومية والوطنية إبّان الحربين العالميتين الأولى والثانية» والتي كانت حروب غربية وليست مسيحية، حتى الحروب الصليبية لم تكن حروباً بين الإسلامية والمسيحية، حينما يتحدّث بوش عن حرب صليبية وعن حرب مقدسة لا يتحدّث باسمه كمسيحي؛ حتى في موضوع الإرهاب، يتحدّث عن أنّ العالم الإسلامي هو ضحية الإرهاب، صحيح أن هناك من يقوم بعمليات إرهابية في العالم الإسلامي كما أن ذلك حصل في العالم الغربي وأنا لا أقول المسيحي كما لا أقول بأن المسلمين هم الذين يقومون بالإرهاب؛ أولاً العالم الإسلامي هو ضحية الإرهاب والعنف على مدى التاريخ ولنرى من أين جاء هذا العنف ضد العالم الإسلامي، داعش بدأت من ستة سنوات لكن العالم الإسلامي يعاني من الإرهاب منذ قرون، دعم القوى الكبرى للعنف أيضاً يتحدّث عنه السيد القائد، إرهاب الدولة كما قلت وما يجري في الكيان الإسرائيلي، الحملات العسكرية ضدّ العالم الإسلامي وما أنتجت من دمار وعدم تنمية وخسائر إنسانية، طبعاً هي ليست حملات مسيحية أبداً ولذلك أنا قلت أننا نرجح الاستكبار حتى على الغرب، ومن ثم وبعد ذلك يقال للمسلمين عليكم ألا تشعروا بالمظلومية..! يعني حتى على مستوى الشعور.
د. صليبا: يتحدّث عن الحروب بين البروتستانت والكاثوليك، الإمام الحسين من قتله في كربلاء؟ حملة صليبية؟ هذه نقطة مهمّة، وكأنك ترى النثرة في عين الآخر ولا ترى الخشبة التي في عينك، هذا العنف موجود في داخل كل دين.
د. شريعتمدار: الإمام الخامنئي له الكثير من البيانات والخطب ويتحدّث فيها عن كل هذه الأمور التي تطرحها، لكن نحن الآن بصدد دراسة رسالة موجّهة إلى الشباب الغربي، إذا أردتَ أن نتحدّث عن رأي السيد القائد فيما جرى على مدى التاريخ الإسلامي وفي العالم الإسلامي وما يجري اليوم، كلمات الإمام الخامنئي اليوم عن داعش بالعشرات.
د. صليبا: أنا أقول وأعيدها لا نجد قراءة نقدية ذاتية، دائماً نبرّر ما حدث في التاريخ الإسلامي ولا نقرأه قراءة نقدية [مداخلة من د. نبها: سمّيتَ الرسالتين باللحظة الخامسة] عندما وجدتُ أن الرسالة الثانية أكثر تفهّماً قلتُ أنتظر رسالة ثالثة، لماذا ننتظر رسالة ثالثة؟ بالدرجة الأولى بسبب الأحداث؛ فالرسالة الأولى كانت مع الحدث الأول في شارلي إيبدو، والرسالة الثانية كانت مع الأحداث مجزرة باريس ونيس؛ إذاً أنتظر رسالة ثالثة وليس فقط أتمنّى بل أشعر أن الإمام القائد سيكون أكثر فأكثر تفهّماً لهذه الهواجس.
كلمة أخيرة:
د. شريعتمدار: أولاً الأمل بالشباب وليس بالسياسيين، وهناك أيضاً فرق بين الشعوب وبين الدول وما تحدّثنا عنهم، ثانياً ضرورة القراءة المعرفية لكل منظومة معرفية من مصادرها الأصلية، وهذا ما يدعو إليه أيضاً الإمام الخامنئي، أتصوّر أنه إذا تمّت هذه القراءة المعرفية للمنظومة الإسلامية وفق مصادرها الأصلية والأصيلة وليس وفق ما يقال عبر داعش سنكون قد أنتجنا حواراً إسلامياً مسيحياً أو حواراً حضارياً يجعلنا نتقدّم خطوات إلى الأمام.
د. صليبا: أختار فقط مشهد من حياة الإمام الأشعري وهو إمام أهل السنة وأغلبية أهل السنة أشعريين، عندما كان على فراش الموت يقول لتلميذه: أدرني نحو القبلة. فأداره نحو القبلة، قال الإمام الأشعري قبل أن يلفظ النفس الأخير: إشهد عليّ أني لا أكفّر أحداً من أهل القبلة فالكلّ يشير إلى معبودٍ واحد، وإنما هذا هو اختلاف الألفاظ. نحن نذهب ضحية، نموت، نستشهد، نُقتل بسبب اختلاف ألفاظ، فعسانا نستفيد ونأخذ العبرة
الخاتمة: الإسلام بريء من التكفيريين والدواعش، هم صناعة غربية وهّابية؛ كذلك يجب على الغرب أن يتخلّى عن مصطلح الإسلاموفوبيا ويتحدّث عن مصطلح جديد هو الخطر الحقيقي عليه «الوهّابيوفوبيا» هي الخطر.
-1الحلقة رقم 178 من برنامج أحسن الحديث؛ تمّ تسجيلها في 21/08/2016؛إخراج: علاء علاءالدين / المنتج: محمد علاءالدين / فريق الإعداد: د.خضر نبها وحسن محمد الزين وزينب عقيل.
[2]-المستشرق هنري كوربان (1903-1978) Henry Corbin، ترجمنا له في كتابنا زرادشت وأثره في الأديان الخمسة الكبرى، م. س، ص283-284.
[3]-صليبا، د. لويس، الحوار المسيحي الإمامي، م. س، ص105-106.
[4]-د. أحميدة النيفر: كاتب ومفكّر تونسي وأستاذ جامعي متخصّص في أصول الدين والفكر الإسلامي المعاصر. ولد في 1/1/1942 في تونس العاصمة وهو ينتمي إلى إحدى أبرز العائلات العلمية والدينية في تونس العاصمة آل النيفر الحسيني التي تعود بأصولها إلى الإمام الحسين بن عليّ. حصل على إجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق 1966، ثم انتقل إلى باريس لينال الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة السوربون 1970. كما حاز على دكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة الزيتونة/تونس، 1990. شارك النيفر في أواخر الستّينات راشد الغنوشي وعبدالفتّاح مورو في تأسيس حركة الجماعة الإسلامية في تونس والتي عُرفت لاحقاً بحركة النهضة، بيد أنّه غادرها في أواخر السبعينات ليشارك بعد ذلك في تأسيس تيّار “الإسلاميّون التقدّميّون في تونس”. أسّس 1982 مجلّة “15-21” والتي اهتمّت بمدّ الجسور بين الحركة الإسلامية والغرب، وبالفكر الإسلامي المستقبلي. وانضمّ 1985 إلى فريق البحث الإسلامي المسيحي في باريس، ثم تولّى رئاسته لاحقاً. وعيّن مستشاراً في ديوان الوزير محمّد الشرفي في وزارة التربية والتعليم 1989-1990. وأسّس 1990 منتدى الجاحظ للحوار الثقافي والفكري وهو يضمّ شخصيّات تنتمي إلى مختلف ألوان الطيف الفكري والسياسي في تونس والعالم العربي، وعُيّن في منتصف التسعينات أستاذاً للتعليم العالي في المعهد الأعلى لأصول الدين في جامعة الزيتونة. وهو عضو في مجلس أمانة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث” منذ تأسيسها 2013، ورئيس رابطة تونس للثقافة والتعدّد. وعضو بالمجمّع التونسي “بيت الحكمة”. من مؤلّفاته: 1-مستقبل الحوار المسيحي الإسلامي، دمشق، دار الفكر، 2005. 2-مختصر تفسير المراغي. 3-الإنسان والقرآن وجهاً لوجه: التفاسير القرآنية الحديثة، قراءة في المنهج، دمشق، دار الفكر. 4-بين القصر والجامع: إضاءة على المؤسّسة الدينية الأندلسية. 5-الشريعة والتاريخ والأخلاق، المراجعات التجديدية للداخل الثقافي: نموذجا إقبال وحلّاق. 6-النصّ الديني والتراث الإسلامي: قراءة نقدية، بيروت، دار الهادي.