“من خبايا التراث اللبناني: صفحات مطوية في الزجل والتاريخ وأدب المهجر”، تأليف د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون، في ط 3، و555ص، وتجليد فاخر

 

“من خبايا التراث اللبناني: صفحات مطوية في الزجل والتاريخ وأدب المهجر”، تأليف د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون، في ط 3، و555ص، وتجليد فاخر

 

وقائع ندوة حول كتاب من خبايا التراث اللبناني

الياس الحويّك في الغربال: وقائع ندوة كتاب من خبايا التراث اللبناني والكلمات والمداخلات التي ألقيت فيها:

 

 

كلمة د أودين سلّوم الحايك([1])

مرةً جديدةً تجمعُنا الثقافة

مرة جديدة يكون محورَ اللقاءِ الكتابُ مصدرُ المعرفة، ويعتلي منبرَ الرابطة مثقّفون أكفّاء مشهودٌ لهم.

“من خبايا التراث اللبناني” للبروفسور لويس صليبا، كتابٌ يتضمّن صفحاتٍ مطويةً في الزجل والتاريخ وأدب المهجر. أبرز فيه المؤلف دور الزجل والشعر المكتوب بالعامّية وخصّص الباب الأوّل من الكتاب للشاعر البتروني الياس الحويك سليلِ عائلةٍ أعطت لبنان رجالات برزوا في الدين والسياسة والفن والأدب.

هذا المُبدع وقّع شعرَه باسم مستعار “ابن البرايا”، عاش متخفّياً، زاهداً بالأضواء والشهرة، ترك نتاجَه مبعثراً ومَشاعاً يغرف منه من يشاءُ ويسرق أفكاره من يريد.

يردّد كلٌّ منا أبياتَ شعرهِ دون أن يعلم أن الياس الحويك هو من نظمها. فكلنا ننشد بخشوع يوم الجمعة العظيمة:

” أنا الأم الحزينة وما من يعزيها

بنتُ صهيونَ قد بكت فأبكت ناظريها”

عاش بتواضع حتى خلّدته أبياتُه وهو القائل:

” ليش الدهب ما بيعمل لأهلو خلود        والشعر أهلو خالدين بلا دهب.

أُغدقت عليه القابٌ عديدة لعلَّ أبرزَها اللقب الذي منحه إياه الأديب طه حسين:” أمير الثلاثة: الزجل والشعر الفصيح واللغة”.

ينساب شعره بعاميّة أنيقة، متجدّدة، تجذب القارئ، وتولّد لديه الفضول للبحث في شخصية وسيرة صاحب الإحساس المرهف الذي نظم الأبيات. تبرز روح الفكاهة والدعابة التي ميّزته في كتاباته.

أسّس جريدة السفير ونشر أشعارَه بالفصحى والعامية، إلا أن أوراقَه لم تُجمع حتى اليوم في ديوان. وكانت هذه المحاولة للدكتور لويس صليبا لتعيد إلى الأذهان بعضاً من نتاج فكر هذا الشاعر الذي تحلّى بذكاء حاد.

هذه الظاهرة دفعتنا لتخصيصِ ندوةٍ تسلّطُ الضوء على الكتاب الذي يحتضنُ سيرتَه وأشعارَه.

 

أولُّ المنتدين رجلُ علمٍ وسياسةٍ، إعلاميٌّ ومستشارٌ لأكثر من مرجع نيابيّ وحكوميّ، وعضو في الجمعيات الأدبية والاجتماعية والرابطة المارونية.

الصحافي الأستاذ أنطوان قسطنطين، ناشطٌ في الشأن العام، وله فيه إنجازاتٌ في الإنماء على الصعد كافة، مقالاتُه الصُحفية تناولت العديد من القضايا، وهو متعدّد النشاطات كتابة وعملاً بيئياً واجتماعياً.

حائز على دبلوم دراسات معمّقة في العلوم الإعلامية من جامعة Paris2.

شارك في العديد من المؤتمرات والمفاوضات كمنسق أو كرئيس لفريق العمل المشارك.

أشرف على إعداد اقتراح قانون جديد للانتخابات النيابية في لبنان، وعلى إعداد اقتراح إلى مجلس النواب حول اللامركزية الإدارية في لبنان.

معلّق سياسي في الفضائيات العربية واللبنانية، تولّى عدةَ مهامٍ اعلاميةٍ كمراسلٍ أو كمشرف على بثّ الأخبار أو كمدير الأخبار والبرامج السياسية وغيرِها.

أستاذ جامعي  لمادة الإعلام المرئي ولمادة العلاقات العامة.

إلى جانب اختصاصاته المتنوّعة، يشغل حيّزُ الثقافة جزءاً وافياً من ميوله. إنه الصحافيّ الأديب أنطوان قسطنطين.

كلمة أنطوان قسطنطين

أمن خبايا التراث أم من خوابيه؟

كتاب يفلش صفحات مطويّة من الزجل، كدّس الزمن فوقها غبار النسيان.

لويس صليبا، يا راهب الكلمة، من أيّ الأبواب ندخل معبد نتاجك الغزير؟

أمِن الفلسفة وعلوم الأديان؟ أم مِن التاريخ والميتولوجيا؟

هذه المرّة أردتَنا أن ندخله من باب الشعر، أو الأصحّ من باب “القول”، وهي التسمية التي أطلقها الوجدان الشعبي على الزجل واستمدّها من كلمة “قولو” التي تعني في السريانية الصوت.

فشعراء العاميّة “قوّالون” ينتمون حُكماً إلى حضارة الصوت، وهي مشرقية بامتياز.

أخي لويس،

لن أدّعي احترافاً في مناقشة مبنى الكتاب ومعناه، لعلّ السادة المنتدين أكثر مهارة في تحليل مقاصد ما كتبت عن الخوري يوسف الحداد وأدب المهجر والشطحات الصوفية.

حسبي أنّك أضأت على الياس الحويك المعروف في الشأن العام والمغمور في عالم الشعر.

لقد أضأت في الحقيقة على مدخل عظيم لفهم لبنان. إنه الزجل الذي لا ينفصل كيانه عن بنية مجتمعنا، ومكوّنات بيئتنا الإنسانية والطبيعية.

إنه مدخل لفهم تاريخ لبنان وما أنتجه تفاعل الإنسان والأرض في بلادنا.

الزجل أو “القول” هو التراث الإرث الذي يختزن عناصر الهوية اللبنانية. وهذا لا ينفي وجوده وأهميّته في بعض مجتمعات سوريا وفلسطين.

“القول” أو الزجل الذي من دونه لا وجود للأغنية اللبنانية ولا للمسرح الغنائي اللبناني. لولا الزجل لما كان فولكور ولا أعراس ولا مآتم كما عرفناها.

لولا الزجل أو “القول” لما كان إبداع الرحابنة وذكي ناصيف ووديع الصافي ونصري شمس الدين كما تعرفنا غليه.

من نافذة الياس الحويك، أُطلُّ على بلاد البترون، أرض الشعراء وحديقة الشعر، فأحيّي مبدعيها: من هم بيننا ومن رحلوا، وأخصّ بعاطفة شخصية حنا موسى وادوار حرب.

يا إخوان،

كتير كبير حجم التفاعل بالحياة اليومية بين الإنسان اللبناني وتراثو وبالتحديد الزجل. بأغاني الأمّ للطفل منسمعو بالفرح. بالحزن منردّدو. بالمواقف الوطنية حاضر. الزجل رفيق الحياة اللبنانية.

مزروع بالوجدان متل حبقة القمح بالتراث والعريشة، بالكروم والتوتة، ع حفافي الجلّ.

من علاقة الإنسان بأرضو، خلق الزجل. من نظام الحياة الزراعية وهاجس الدفاع عن الأرض. من طبيعة العلاقات الاجتماعية والعادات والتقاليد انطلقت مفرداتو.

من طقوس الحزن والعبادة ومن ملاحم المشرق وأساطيرو فرّخت أنغامو.

من زمن الآراميين وحضارات ما بين النهرين. من ألحان مار افرام والملحمة الحسينية. من ابن القلاعي وفخر الدين بلوَر الزجل ألحانو، تا وصلنا بمطلع القرن العشرين للمنبر، ولعبة التحدّي المسرحي.

ارتباط الإنسان بزراعة الأرض ميّز الريف عن المدينة بنعمة الزجل.

علاقة الإنسان بالأرض هيي البيئة الحاضنة للزجل، يلّي تطوّر مع الإيام وساهم بتكوين شخصيتنا المجتمعية.

ما بعرف إذا كان الياس الحويك تخيّل بحياتو إنو رح يجي يوم وينبش لويس صليبا أشعارو. ويلاقي إنو صاحب تجربة وجدانية بتشبه إختبار الحكمة ببلاد الهند، وكتابات الباغاﭬاد غيتا المقدّسة عند الهندوس.

بس بعرف إنو كلّ يلي قال:

“لمين بدّي بعد إحكي واشتكي             راحت الشكوى سدى وضاع الحكي

شكيتك ل الله وللعباد وللهوى               وما بقي غير اشتكي عليكِ لِكِ”.

يلي قال هيدا البيت، شاعر من الطراز الأول.

بيسأل الواحد حالو: كيف الياس الحويك ابن خي البطرك يلي أسّس لبنان الكبير، كيف صاحب العلاقات الدولية ونجم الصحافة والصالونات السياسية والأدبية صار شاعر مغمور؟

هل ضاعت زجليّاتو بفعل الإهمال، أم يا ترى ما كان بدو ينسمى عليه إنو شاعر؟

هل كان صاحب طموح سياسي، والشعر عندو مجرّد نزوة شخصية مش احتراف؟

شو ما كان الجواب ما عاد مسموح بعصر التواصل الإلكتروني إنو يبقى الياس، وكل الياس غيرو مغمور. فضاء المعرفة الرقمية والمساحة الافتراضية بتساع الكلّ.

لذلك أنا من هون. من بلاد البترون، بوجّه دعوة لوزارة الثقافة، للبلديات، للجامعات، لأهل الزجل ومناصرينو، لإطلاق مشروع جمع التراث الزجلي اللبناني العظيم، والمبادرة إلى تأسيس أول مكتبة وطنية للزجل. مكتبة سمعية، بصرية بتحفظ هاللون الحلو، بتنشرو وبتحمي شعرائنا من الغياب القسري ومن النسيان.

بهالخطوة بس منكون عم نلاقي الأمم المتحدة لنصف الطريق. من بعد ما أدرجت الأونيسكو زجل لبنان ع لايحة التراث العالمي، تماماً متل بعلبك وقاديشا. متل عنجر وجبيل وصور.

الشكر لعمل لويس صليبا ومتلو نبيل أبو مراد وجوزف أبي ضاهر وغيرن من العاملين لجمع التراث الزجلي بكتاب.

أما أنا، فأمنيتي ينجمع هالتراث بالصوت والصورة لأن الزجل “قول” يعني نبرة صوتية ولحن وأوزان .

إلقاء الزجل جزء منو، بدّك تسمعو تتعرّف عليه وتتمتّع بجمالاتو، وتميّز القرّادي عن الغزل والشروقي عن العتابا.

الزجّال قوّال. لازم نحتفظ بصوتو تا ما ينقطع خيط الثقافة الوطنية بين الماضي والحاضر. وتا تضلّ الأجيال بعد عشرات السنين تتفاعل مع زجل خليل روكز، ومحمد المصطفى، وموسى زغيب، وطليع حمدان، وتشعر بالانتماء للأرض، وتضلّ تفهم معنى كلمات عم تختفي شوي شوي.

إذا ما حفظنا هالتراث العظيم، كيف رح يفهموا أحفادنا معاني هالقصيدة الرائعة للشاعر مخايل خليفة، عم يوصف إيام طفولتو بالتلاتينات، وبيقول:

“أيام كنا بربيع العمر متل زهور              بعدا براعم بكر للنور عطشاني

نهرج ونلعب بجيرة كوخنا وندور      متل الفراشات اللي بتنقّل الورد حيراني

وتنام ع ضوّ القمر وربابة الناطور      تدبح شروقي وتا يغفا الليل سهراني

ونوعا عاهمس الصمت بالعالم المسحور  وعربدة زحف العطر بمروج سكراني

أيام كانت بساطتها شعر منثور          وأشياءها كانت جميلي كلّها معاني

النبع القنايي البيادر عجقة التنّور           خبار الصبايا غرام فلان بفلاني

والخير طايف من كفوف الرجال يفور جران المعاصر خوابي الطيب طفحاني

وغدويّة الكرم رحله بمقلع البخور       بلوحات موسوعة حلا باتقان رباني

ومشلح الفجر ع حبل الشفق منشور        عم تلمّو بنات الضو حفياني

وحسّون أهوج قبل ما يشقّ جفنو النور     مبكّر يلوّن بقايا الليل بغناني”.

مبروك للويس ولادة خابية من خبايا التراث.

بشكركن وببوّس تراب البترون لأنو حجارة حفافيها وجوه جدودي لعمّروا. ومكلّفتنا كل حاكورة شهيد، والأرض نصّ بنصّ مخلوطة عضام.

صاحبُ نتاجٍ فكري وأدبي وتربوي غزير هو الدكتور طوني يوسف ضو  

أستاذ جامعيّ، مؤرّخ ومؤلّف وإداريّ.

كان عضواً في اللجنة الوطنية لمنهاج مادّة التاريخ في مراحل التعليم ما قبل الجامعي. ومؤلّف في لجنة مادة التاريخ لكتاب التاريخ الوطني الموحّد بحسب المناهج الجديدة. له عددٌ من المؤلفات والمنشورات منها، موسوعة: لبنان الكيان، التاريخية، التي صدر منها خمسة مجلدات.

-معجم لبنان القرن العشرين

كما له مؤلفات قيد الطبع منها:

– ديوان شعري لمخطوطة الشاعر المهجري: جميل خوري

– ومخطوطة تاريخيّة علميّة ودينيّة للأباتي بطرس الحداد الكفاعي الراهب الأنطوني

شارك في العديد من الندوات في مواضيع مختلفة، له دراسات وترجمات ومحاضرات في التربية والمناهج والتدريب المدرسي والاجتماع والآثار والشعر الوطني، اضافة الى مقالات ومداخلات في الفلسفة والتاريخ والسياسة والتربية.  يُقارب المواضيع بتجرّد وعلم وموضوعية. د. ضو الكلام لكم.

كلمة الدكتور طوني ضو

بدايةً تحيّة إلى هذه الوجوه الثقافيّة والأكاديميّة والأمنيّة والدينيّة والاجتماعيّة والإعلاميّة، وإلى رئيسة الرابطة وأعضائها مع الشكر لكم على هذا الّلقاء الثقافيّ البترونيّ الأصيل، حول كتابٍ يبرز خبايا من التراث اللبناني………)

بين فتنةِ البيان شعراً فصيحاً وفتنةِ النّغم شعراً عامّياً، يتصدّرُ الزجل خبايا تراثنا، وكأنّه كنوزٌ طواها الزمانُ، واستبدّ بها التناسي أو النسيان..خبايا قيّمة وضعها الباحث الصديق البروفسّور لويس صليبا في كتابه هذا السابع والخمسين، وجباتٍ من حياتنا الفكريّة والأدبيّة على مائدة حضاريّة باتت مفخرة تراثنا اللبناني.

وتأكيداً لهذا الاعتداد بالذات الحضاريّة، أبرز المؤلّف قرار الأونيسكو الصادر سنة 2014، الذي أنصف هذه الصورة من ثقافتنا، فجعلها من أعلى مؤسّسة دوليّة من التراث العالميّ. إذ أنها تخطّت محلّيتها إلى الرحاب الكونيّ. وتقصّد في هذا الإسناد أن ينصفَ عمارةَ الشعر العامّي، وهو أمر يسجَّل لباحثنا الذي تعمّق بسرد حيثيّات القرار، راصفاً حوله مداميك من استشهاداتٍ نقديّة وصّفت هذا الفنّ الخاص المميّز بعناصره وأبعاده.

وضمّنَ كتابَه دراسةً تمهيديّة وافية بيّن فيها أوجهَ هذا التراث، مخصّصاً القسم الأكبر منه لشاعرَين، غفل كثيرون عن نتاجهم المبعثر، وذهبت أشعارُهم من لسانٍ إلى لسان، وتناثرت من صفحة إلى أخرى، لكنها بقيت، على رغم انتحال بعض الشعراءِ نسبَتها إليهم، صدًى لأفكارٍ اجتماعية وطروحات وطنيّة وحالات عاطفيّة..

وهال الدكتور صليبا أن يرى تغييبَ أصحابها الأصليّين، وقد تلقّفها آخرون، وكأنها لُقياتٌ ضائعةٌ أو كنوزٌ غيرُ مرصودة في بقايا القصور والقلاع، فبنَوا عليها حِكماً وبيّناتٍ شعراً ونثراً…

بهذه الرّوح التحريّة، انبرى الباحث لويس، ليفنّد الأقاويل، ويميطَ الّلثامَ عن حقيقة تلك “الخبايا”، وبجرأة “يوحنا” يقول لكلّ منِ ادّعى حيازةَ السّبقِ بشعرِ أو بقول: لا يحلّ لك ذلك، مدافعاً عن حقّ “فيليب” ب “هيرَوديّا” بوجه الشّقيق “هيرودس” المغتصب.

وإذا بنا  في صفحات هذا القسم من الكتاب، أمام محكمة قاضيها الإثبات والنصُّ والمقاربة والمقارنة، لإظهار أصحاب الحقوق الشرعيّين في كنوز الزجل التي توثّقت فيه. إنهم من أهل المكانة في عالم الإبداع الشعريّ. أوّلهم السياسيّ والصحافيّ وأمير الثلاثة إلياس لاون بك الحويّك ابن شقيق بطريرك لبنان. وقد رام الباحث أن يعيده جنديّاً معروفاً من ساحة وَغى الأزجال والقريض، وكان له الباع الكبير في مضمار هذا التراث اللبناني المشرقيّ، بصنفيه العاميّ والفصيح، على رغم ما تعرّض له أو عرّض نفسَه إلى التجهيل أو التجاهل…باتخاذه أسماءً مستعارة ومنها: “ابن برايا”..

وكان هدف الدكتور صليبا، بعد جلاء الحقّ، التوسّع في الإضاءة على اتصال الشاعر الحلتاوي الياس الحويّك، بأفكار عصره وتحليلها ،وتبيان مدى تأثّره وتأثيره بمناخات الأدب الرّائجة ومحاكاته للمتنبّي وشاتوبريان وغيرهما من الأدباء شرقاً وغرباً. وجمع له من أبحاث ومقالات ومقابلات سيرةً كاملة العناصر وترجمةً تليق بأحد أعمدة تراثنا الزجليّ الأصيل. وقد خصّصنا نبذةً عنه في كتابنا بعنوان “على دروب الأعلام من غلبون إلى بشرّي.. القريب الصدور من منشورات “معاً نجدّد البناء”.

وقد استوقفني الكثير من خبايا هذا الشاعر المغمور، وأذكر من بعضها:

-في الغزل:

غِبن الوفا ما تقدّسي حبّي                يا ساكنه ضلوعي

حبّي شعر منسوج من قلبي              ومكتوب بدموعي…

حبّي فراشه حايمه عالنور                والنار تكويها

من وفاها بترقص وبتدور               عا قلب كاويها…

– وله في الوطنيات بالفصحى كتبها عن الحرب اللبنانية سنة  1986:

ص:   152     أبيات: ( 1—8—17—18).

يا قصورَ الجدودِ ويْحكِ ميدي                 سُمتِ ذلّاً من بعد مجدٍ تليدِ

واهِ لبنانَ ما عهدتُك ترضى                   موقفَ الذلِّ بعد عزِّ فريدِ

كنتَ بالأمسِ فوق هامِ الثريّا                 والبرايا بين سَوقٍ وقودِ

أمرُكَ الأمرُ ما له من عَصِيٍّ                ليس أمرُ المليكِ بالمردودِ

كنتَ للعلمِ والفنون مَناراً                     ما له من مُناظرٍ في الوجودِ

تلك آثارُنا علينا شهودٌ                       يوم لا يسألونَ غيرَ الشّهودِ

أينَ أحفادُ يوسفٍ وبشيرٍ                    أتوارَوا جميعُهم في الّلحودِ؟

أينَ يا مَعنُ مَن تركتَ                       لِيومٍ تتلاقى فيه القَنا بالبُنودِ؟

ذهبوا كلّهم كِراماً وبِتنا                     هدفاً للشّقى وكيدِ الحَسودِ….”

أما المثال الثاني الذي تصدّى الدكتور لويس لإزاحة الستار عن مكنونات نادرة من شعره ونثره، فكان معلّم النوابغ الخورأسقف يوسف الحدّاد. فهو لم يكن مغموراً كسالفه في هذا الكتاب، إنّما أراد المؤلّف أن يبيّن تحليقه في الأدب التصوّفي ،حين غاص في تحليل كتاب ” النجوى” للمترجم له، مركّزاً على ما وُصف به،أنّه” من أفصح أدباء عصره وأشهرهم في الوطن العربيّ”؛ وعلى كونه شاعراً  يضارع سابقيه الكلاسيكيّين، حيث قلمُه سيفٌ ونار، وإيجازه إعجاز في الصناعتَين، ومستشهداً بإقرارٍ رفيع لجبران خليل جبران، بأن الخوري يوسف الحدّاد “هو الرجل الوحيد الذي علّمني شيئاً”

وفي عرضِه لنتاج كلّ من الشاعرَين، الحويك والحدّاد، شدّد الباحث على المنحى التصوّفي، وكأني به بطبعه المستَهنِد، مأخوذاً بعاملَين: فكريّاً من أبحاثه الهندية العديدة وتجاربه، وبيولوجيّاً من أمومة له حملت تسمية “هند”، فبدا يعزو كلَّ تعمّق  في “الأنا” إلى تسامي الصوفيّة والعود إلى الذات مهما تعدّدت الأمكنة وتباعدت. وهكذا أسقط على الشاعرَين شيئاً ممّا يذهب إليه.

ولم ينسَ الكاتب مواقف الشاعرَين الوطنية ومدلولاتها التاريخيّة ،حيث كان لكلّ منهما دورٌ مؤثّر في منعطفات الوطن التاريخيّة مع دولة لبنان الكبير وبداية الجمهوريّة.

وأفرد الكاتب قسماً من مؤلَّفه لكنز ثالثٍ  من خبايا تراثنا اللبناني ،ألا وهو “أدب المهجر”، وفي ذلك إشارة بالغة الأهميّة لضياع كثير منه في المسافات، وما عُرف منه شكّل جسرَ عبور بين الشرق والغرب…ولكن..

ومع تقديري للمجهود القيّم الذي كان وراء إنجاز هذا الكتاب الذي يُنتظَر تصفّحَه من أهل الثقافة وحماة التراث اللبناني، لا بدّ لي من ملاحظتين تصبّان في مصلحة عنوانه وأهدافه:

-الأولى: كنت أفضّل له عدم تبنّي البَوح بتفاصيل القوافي الإباحيّة المرمى، التي لا أحسبها من “الخبايا”،  وإنْ وُجدت في بعض الكتابات والدواوين ،حيث كان يمكن حذف الأحرف المكمّلة للتصريح الفاضح  كما ورد في الصفحات (75–76- 77 )، ليبقى الكتابُ منزّهاً عن أيّ انزلاق، مع تقديري بأنّ الشاعرَ نفسَه حين تخطّى حدود التفكهة الرذيلة، على حدّ وصف الكاتب، لم ينشر تعابيره كتابةً بل ردّدها شفاهة وضمن إطارٍ محدود من الأصدقاء، وبقيت تتناقل بالسّماع لا أكثر.

– الثانية: حبّذا لو اكتفى الكاتب بهذه الخبايا وخبايا أمثالهم من المغمورين في هذا الكتاب، ولم يستطرد في ملحقه الفضفاض، الذي تناول فيه، تعليقاتٍ ودراسات في ندوات حول إصدارات له ولغيره، لكونها لا تتلاءم  مع عنوان كتابه ،الهادف إلى فضّ المكتوم من خبايا التراث.. وبالتالي فمثل هذه الدراسات تستحقّ أن تكون في كتاب آخر أكثر انسجاماً مع توصيفها وغاياتها الدراسيّة والنقديّة، وبذلك نطمع في أن يزيدَنا المؤلفُ الصديق تحفةً على تحفة كما تعوّدنا من نتاجه الغزير.

وعليه، ولأنّنا في حضرة التراث الزجليّ أختم  كلمتي من هذه الصناعة  فأقول:

الخبايا” كنوز وتراث                      نابشها الدكتور لويس

لنخبة شعّار وأبحاث                        وحقّن بالشِعر التكريس..

العلاّمِه الخوري الحدّاد                    من أعلامِك عين كفاع

بْ مخطوطاتو فِكرو زاد                  وِبْ شِعرو ماضي الإبداع

ومن حِلتا الياس حويّك                  عملاق بفنّو المشرور

الوزارة عليها “مْبيّك”                 وكِلماتو شَوْر ودستور

شُعّار تنين بْ هالِه                        للزجل رَسمو عنوان

وكانوا زينِة قوّالي                      كتبوا بْ لا مسرح قصدان

حِكيو قضايا بلادي                     وتاريخا وهموم الناس

ونبضِة قلبْ بقرّادي                    وحكمِه للمنطق مِقياس

وتا يعرّفْ أبناء الجيل                 عا إرث بلادو الأفخر

الدكتور صليبا بتِفصيل                “حاءَين” كتابَك ظهّر

“حويّك” زاهد ” بِ “بْرايا”        “الحدّاد” معلّم جبران

بِ وزناتُن خبايا                        قيمتها لُولو  ومِرجان

وصارو الإسمَين هْدايا                لتاريخ الشِعر بلبنان

كتابك حِكمو وصايا                   لتراث الشِعر الفتّان …..

مبروك هذا الإنجاز الأدبي.. عافاك الله.                            د. طوني ضو-بشلّي-جبيل.

الدكتور نبيل الياس أبو مراد ابن وادي شحرور حائز على دبلوم دراسات عليا في الفن الدرامي من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية عام 1974 وعلى دكتوراه في الدراسات المسرحية من جامعة باريس في العام 1979 وعلى دكتوراه في اللغة العربية وآدابِها من كلية الأداب والعلوم الانسانية في الجامعة اللبنانية عام 1998.

له العديد من المؤلفات أبرزُها: تاريخ المسرح اللبناني.

والأخوان رحباني – حياة ومسرح – خصائص الكتابة الدرامية.

بالإضافة إلى مجموعة من الدراسات والأبحاث في شؤون الفن والادب والثقافة منشورة في الصحف والمجلّات اللبنانية. تتميّز أبحاثُه بالجدية والموضوعية اللتين تشكلان الأساس لأي بحث علمي. وبالشمولية والعمق اللتين تعكسان جدّيةَ الباحث.

يشارك في الحركة المسرحية اللبنانية منذ العام 1966 ممثلاً ومخرجاً وناقداً وباحثاً.

د. نبيل ابو مراد الكلام لكم

كلمة د. نبيل أبو مراد

      لمن يكتب الدكتور لويس صليبا؟

هذا الباحث المغزار، الواسع الثقافة، المتعمّق في شؤون الأديان وتاريخها وفلسفتها وأربابها، والمتضلّع في أمور الأدب والشعر والتراث. لقد كتب في مجال الدراسات الإسلامية والمسيحية واليهودية والهندية والفارسية. ودرس نتاج عددٍ من المؤلفين القدماء محقّقاً فيها كاشفاً عن جوانب منها كانت مغمورة، وعلّق على العديد من الباحثين الجدد، وحلّل وشرَح ونشَرَ ولا يزال آلاف وآلاف الصفحات.

كأني بهذا الرجل يريد بفرح وغبطة توزيع معارفه على الناس. يدرس ويقرأ ويختزن المعارف، ثم يكتب ويدرّس وينشر ولا يكِلّ ولا يمَلّ. يبشّر بدين المعرفة بشغف نبيّ يبشر بديانته.

أرى أن المِتعة عند لويس صليبا ليس في ما يأخذ بل في ما يعطي. إنه رجل سخيّ، بل بالغ السخاء في هذا المجال، ولا يسأل لمن يكتب.

لمن تكتب يا دكتور لويس؟ …أهناك بعدُ من يقرأ؟

في كل مرة أُمسك فيها قلمي لأبدأ ببحث جديد أسال نفسي هذا السؤال، ولكن لا يتملّكني الإحباط. وأعتقد أنك تسأل نفسَك أيضاً هذا السؤال، ورغم أنك ترى انكفاء الناس عن الكتاب، وخصوصاً بين الأجيال الجديدة، فلا يتملكك الإحباط. فقدَر الباحث أن يقول كلمته ويمشي، كما قال أمين الريحاني. ولكن في المسألتين: القول والمشي، يكون الحراك لا الجمود. وأنت دائم الحراك، تقول وتمشي، تكتب وتنشر وتنظم الندوات والمناسبات الأدبية والثقافية حتى لا تبقى ساكناً. فالسكون علامة من علامات العقم.

واليوم، يأتينا الدكتور لويس بكتاب جديد هو: “من خبايا التراث اللبناني، صفحات مطوية في الزجل والتاريخ وأدب المهجر”. ويركّز الكاتب في النصف الأول منه على شخصيتين من عالم الأدب والشعر والدين. الأول هو الياس الحويك، إبن حلتا، قضاء البترون. والثاني هو الخورأسقف يوسف الحداد ابن عين كفاع وقريب مارون عبود. ويقدّم عن كل واحد من الاثنين سيرة موجزة عن حياته ومراحلها، ومسيرة ارتقائه في دنيا الأدب والشعر بالنسبة للاثنين، وفي دنيا الدين بالنسبة إلى الثاني.

وبالنسبة إلى الياس الحويك، الشاعر الذي يثار حوله بعض الجدل، فقد أفرد الباحث فقرة خاصة يتحدّث فيها عن شعريّة هذا الشاعر ومقدرته، وجمالية القول عنده وتفرّده بالصور الرائية الملوّنة أحياناً بمعاناة الشاعر ومرضه الذي أثّر في شعره كما يُظهر الباحث. كما حاول الباحث أن يدرس هذا الشعر في مواضيعه الكبرى مثل الألم والوجدانيات والحب والخمريات وكذلك إنجازاته في عالم الصحافة.

شخصياً، كنتُ أسمع بالياس الحويك وقرأتُ له السنة الماضية مجموعة أشعار أعطاني إيّاها أحد أبناء بلدتي وادي شحرور، ولكنها لم تكن كافية بالطبع لتكوين صورة واضحة عن هذا الشاعر، لكن بعض الُّلمَع أحياناً تؤكّد لك أن وراء ما تقرأ يقف شاعر حقيقي، وليس مجرّد نظّام آلي ومهندس قوافٍ.

واليوم بعد أن قرأت بحث الدكتور لويس عن هذا الشاعر تأكّدت من صدق انطباعي وصحّة حدسي. من جهته، حاول الدكتور لويس أن يقدّم لنا مروحة واسعة عن هذا الشاعر، فجمع ما تيسّر من المعلومات عنه، وهي قليلة كما يقول، وحلّلها وربطها بظرف زمانها، ثم جرّب أن يتوغّل ما أمكن في خبايا حياته الشخصية، والعوامل التي تأثر بها، وهو يفعل ذلك دائماً حسب ما تبين لي بعد أن قرأت بعض مؤلفاته، وهذا أمر محمود في الأبحاث التي تدرس المؤلّفين من شعراء وأدباء بشكل خاص، لأن بين السيرة الشخصية والنتاج الأدبي صلة قوية ومتينة. بل لعلّ الكثير من النصوص لا يُفهَم على وجهه الأفضل إلا في ضوء هذه السيرة والكشف عليها. ونحن لا نعني بالحياة الشخصية التفاصيل الصغرى التي لا تثير تطلعاً ولا تفتح المشاعر للجمال ولا تهزّ العواطف، إنما نعني الحياة الخاصة التي تتصل بالنتاج الشعري وتؤثر فيه وتترك عليه طوابعها التي أشاعت في هذه الحياة حوافز الألم والفرح.

لذا، فقد حاول الباحث أن يتابع الشاعر عن كثب حتى تمكّن من الكشف عن الكثير من هذه الخبايا التي يشير إليها في عنوان كتابه، من خلال المتابعة الحثيثة لكل معلومة، والإشارة إلى مصدرها، ثم التعريف بهذا المصدر سواء كان شخصاً أم كتاباً أم رأياً، فأعطانا صورة على قدر من الوضوح عن هذا الشاعر الذي لم يكن هو نفسه يهتمّ بالشهرة ويهمل إنتاجه، فلم يجمعه في كتاب.

والأكثر من ذلك أهمية أننا تعرّفنا إلى شاعر حقيقي كان يعمل وينظم في زمن الشعراء الكبار في الشعر العامي والزجل، أمثال شحرور الوادي وكروان الوادي (كميل خليفة) الذي لم يأخذ حقه أيضاً من الاهتمام، فهو شاعر القضايا الأزلية بامتياز وقد شكل مع خليل روكز وموسى زغيب جسر الانتقال بالزجل إلى مرحلته الذهبية. ثم خليل روكز، وزغلول الدامور ووليم صعب وأسعد سعيد وإيليا أبو شديد وسعيد عقل وميشال طراد وموسى زغيب وغيرهم من شعراء العصر الذهبي للزجل، وحيث إن الياس الحويك لم يغنِّ على المنبر ولم يأخذ الشعر كمهنة للارتزاق فلم يكن يأبه بمنافسة أحد ولا التفوّق على أحد.

وقد دهشتُ شخصياً كيف أن أبياتاً لهذا الشاعر كانت تتردد في أغاني المطربين ونرددها من بعدهم وعاشت في ذاكرة الناس ولا تزال مثل:

عنـدمــا بساعــة نزاعـي بتسمعــي   لحــدّي تَعِــي وتبسّمـي ولا تدمـعـي

حتى بعيوني صوّرك صورة وداع          وطـبّـق جفـونـي وآخـد الصورة معي

وكنتُ بالفعل أعتقد أن هذه الأبيات هي لشحرور الوادي، وعندما علمتُ أنها للحويك فتحتُ على الفور ديوان الشحرور، الذي كان على مكتبي حيث أعـدّ دراسة عن الزجل، وعن موسى زغيب تحديداً، وتصفّحته برويّة وانتباه، فلم أجد فيه هذه الأبيات.

والأمر نفسه حصل عندما قرأت أن قصيدة، طوينا كتاب الحبّ وخلصنا البكي… هي أيضاً للحويك وليست لرشيد نخله، فتناولتُ ديوان نخله وراجعته فلم أقع فيه على هذه القصيدة.

توضّح لنا أن هذا الشاعر زاهد بالشهرة، قليل العناية بترويج أشعاره، وغير آبه بنشره وتسويقه. فهو كالشعراء الرحَّل يُنشدون أشعارهم في الصحاري ويتابعون المسير ويتولّى الأثير ذرّ هذه الأشعار في مهاوي الريح، فإن وصل إلى أذهان الناس يكون قد وصل، وإن لم يصل يكون الشاعر قـد أفرَغ أهواءه، ونفَث مشاعره، وقال قصيدته عابراً الحدود والأزمنة  “يسبح في الفضا عا كون تاني” كما يقول موسى زغيب.

في الفصل الثاني من الكتاب يتناول الدكتور لويس بالدراسة الخورأسقف يوسف الحداد، وهو كاهن وأديب ومربٍّ، كتب في الرواية والمسرح والمقالة والشعر. وهو مقلّ في إنتاجه.  وهو على غرار الياس الحويك، كان زاهداً على ما يبدو بالمناصب والأضواء، وعندما عُرضت عليه الأسقفية رفضها وقبِل على مضض رتبة الخورأسقف.

قال عنه مارون عبود، وهو ابن خاله: إنه أحد شيوخ الذين أخذتُ عنهم. وكثيراً ما حاولت أن أظهر عبوديتي لهذا الذي علمني حروفاً …ويصفه بالقول: جُبّة سوداء تخفي قلباً نقياً أبيض، عظاته تذكر بيوحنا الذهبي الفم… فتحت جبته السوداء نفس زكية. (الكتاب ص 170) وقال عنه جبران وكان تلميذه في الحكمة: إنه الرجل الوحيد الذي علّمني شيئاً. (ص 223).

كنت أعرف الخوري يوسف وقد ذكرته في كتابي: المسرح اللبناني في القرن العشرين، وهذ الاهتمام به كونه كاتب مسرح وله فيه خمس مسرحيات هي: “آرثور دوق بريطانيا” (طبعت في بيروت سنة 1913) و “اللبنانية” (طبعت في ريو دي جينيرو البرازيل سنة 1933)، و”اللقاء” (1958) و”الشهيدان فريد وفيليب الخازن”، وتحكي عن هذين الأخوين اللذين أعدمهما جمال باشا، و” الأشباح” التي كانت لا تزال مخطوطة عندما أردت أن أدرس مسرحيات الحداد لنشرها في مركز الدراسات اللبنانية في جامعة الروح القدس في الكسليك، لكن أحد أقارب الخوري يوسف عارض، وقال بأنه هو سينشر هذه المسرحيات ولا نعرف ما إذا كانت مسرحية “الأشباح” قد نشرت، لا سيما وأن هذا الشخص قد توفي حسبما علمت منذ سنوات.

والخوري يوسف هو من بين العشرات من رجال الدين الذين كتبوا للمسرح، منهم على سبيل المثال لا الحصر: الخورأسقف يوسف الحايك صاحب الـ 42 مسرحية، والخوري حنا طنوس صاحب الـ 37 مسرحية، والأب نقولا أبي هنا المخلصي صاحب المسرحيات التسع، ونذكر من رجال دين قدماء أيضاً:  الأرشمندريت برتلماوس صليبا، لعلَّ الدكتور لويس يهتمّ به، إذ ربما يكون من أقربائه. والخورأسقف بطرس حبيقه، والخورأسقف الياس زيناتي، والمطران أنطون عريضة البشرّاوي، والخوري المخلّصي يوسف بهيت، والأب حنين الديراني، والأب خليل إده شقيق رئيس الجمهورية إميل إده، والخوري مارون غصن، ومن الأقربين: الأب بولس ضاهر ويوحنا خليفة. وغيرهم ممّن كتبوا للمسرح لاعتبارهم إيّاه مكاناً مناسباً لنشر التعاليم الدينية والمناقب الأخلاقية والخصال الحميدة، وكان لهذه المساهمة في الكتابة للمسرح من رجال الدين الدور العظيم في انتشار المسرح في مدارس لبنان ومن ثمّ على مسارحه.

حاول الدكتور لويس أن يقدّم لنا إضاءة شاملة عن الخوري يوسف، في صفحات قليلة نسبياً، لذا تنوعّت النوافذ التي فتحها على شخصه وأدبه، من الدين الى التربية الى الأخلاق الى العمل. ثم كشْف الأخطاء والعيوب ومحاولة تداركها، ثم تحدّث عن الحداد كشاعر، وتوسّع في الحديث عن علاقته بجبران خليل جبران، كأن الباحث يفتش بنهم عن حلية من هنا وحلية من هناك تليق بالخوري يوسف، فيلحق به من غرفة إلى غرفة ومن زاروب إلى زاروب ومن زاوية إلى زاوية حتى تعب وأتعبنا معه. إنه الشغف بالتفتيش عن المعرفة هو داء مصاب به الدكتور لويس.

يبقى لنا النصف الثاني من الكتاب ولكن الوقت لا يسمح لنا بالتعليق عليه. إنما الانطباع الأول الذي أخذته عن الفصل الثاني هو تنوّع المواضيع فيه ومنها مواضيع آنية وحديثة مثل المقدمات التي وضعها الدكتور لويس لبعض الكتب، والمداخلات التي أدلى بها في بعض الأماكن والمناظرات، ثم إثبات دراسة عن شعره هو وضعها أحد الباحثين، كما وضع كلمات له وكتابات في المناسبات ،فضلاً عن صور لبطاقات دعوات إلى ندوات وما شابه. وصور لموسيه وشاتوبريان ونزهة يونس، برأيي أن هذه الأمور كان يمكن أن توضع في مؤلف على حدة لا صلة له بأمور التراث وخباياه.

على كل حال يعطيك العافية دكتور لويس ونحن دائماً ننتظر جديدك.

 

المؤلف د. لويس صليبا

 هو أستاذ وباحث فـي علوم الأديان لا سيما الأديان المقارنة والدراسات الإسلامية والهندية. درّس هذه الموادّ فـي جامعة السوربون في باريس. وعمل أستاذاً زائراً فـي جامعات باريس وحيدر آباد – الهند وفـي هولندا وإيران والقاهرة وغيرها. تعمّق فـي الدراسات الإسلامية والتصوّف وفـي الهندوسية واليوغا. درس الإسلام فـي الأزهر، وتراث آباء البريّة ومسيحية المشرق والسريانية واللاتينية والسنسكريتية والهندية والعبرية والتصوّف اليهودي. نال لقب بروفسور، وهو اليوم بالاضافة الى كونه يشرف على الاطروحات في الجامعة اليسوعية، منصرف إلى البحث والتأليف، يكتب بالعربية والفرنسية والإنكليزية. غزير الانتاج الفكري في مواضيع مختلفة. من مؤلفاته: الدولة الإسلامية من منظور مسيحي موسوعة الاغتراب اللبناني ملحمة أم مأساة كتاب الصمت في المسيحية  شارك في العديد من المؤتمرات والمحاضرات والندوات في لبنان والخارج. الكلام له فليتفضل.

رحلتي مع الياس بك الحويّك

كلمة د. لويس صليبا في ندوة كتاب “من خبايا التراث اللبناني”([2])

لا بدّ لي بدايةً من أن أردّ على تحية الزملاء المحاضرين والأحبّاء أقلّه بمثلها، وآية الذكر تقول: {وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها} (النساء4/86).

حدس الشاعر يلامس النبوّة

أنطوان قسطنطين يا رفيق الدرب وصديق الطفولة أسميتني “راهب الكلمة”. وقد عاينتَ، ومنذ الصغر، فيّ طبعاً محبّاً لعيشة الأديار والترهّب…ولكن هيهات أن أستحقّ لقباً بهذه القدسية. حسبي أن أكون كاهناً متدرّجاً في معبد الكلمة دأبه الدائم أن يحسن الكهانة.

وقد نوّهتَ صديقي بقراءتي الهندويّة لبعض أشعار الياس بك الحويّك، ولا أخالك استغربتها منّي. وفي الشاعر الأصيل حدس ورهافة حسّ تلامس أحياناً النبوّة. وتلك حال شاعرنا الذي نخاله أحياناً رائياً وبصّاراً Rishi من بصّاري ريك ڤيدا. وطالما قرن الشعراء، ولا سيما الزجّالون منهم بين الوحيَين، واعتبروا الشعر نمطاً من الكشف، تنكشف الحقائق الكونية فيه ومن خلاله للشاعر، فيعرف به الله خالقه، ينشد الشاعر الياس خليل:

قالوا الكبار بمعظم الأديانْ            الله وَحـي للأنبـيا تـجلـّى

وقالوا رجال العلم والبرهان          مطرح لألله العلم ما خلّى

وحتى ما إفقد نعمة الإيمان         وإحتار بين الحلّل وصلّى

بتشجّع وأُطلب من الإنسان        ينظم شعر صافي لأنّو الشعر

أفضل طريقة لمعرفة الله([3])

جدليّة الصراع بين المقدّس والمدنّس عند الحويّك

جاري القديم وصديقي الدائم د. طوني ضو: لُمتَني على إدراج أبيات إباحيّة لِ الياس بك، وتمنّيتَ لو أنني لمّحتُ ولم أصرّح. والأمانة تقتضي، كما تعلم وأعلم، أن لا يكون لمقصّ الرقابة دور ومكان في عملية جمع التراث، ولا في دراسته وتحليله. وكيف لي أن أُظهر جانب التضادّ Contraste في شخصية ابن برايا إذا لم أذكر أشعاره “الرذيلة” هذه، وهي أبرز ما اشتهر له على ألسنة الناس من أبيات؟!

فالياس الحويّك الذي غنّى للعذراء، ورتّل للأمّ الحزينة كما بيّنتُ في الكتاب (ص114-115)، هو نفسه صاحب هذه الأبيات المقذعة…ولا ضير في ذلك…ولن نفهم جدلية الصراع بين المقدّس والمدنّس في شخصيته وشعره، إذا لم نذكر، من غير اجتزاء، أبياتاً له أباح لنفسه فيها أن يصرّح لا، فقط، أن يلمّح…

ونقدتني، د. طوني كذلك، لأنني ضمّنتُ الكتاب ملاحق جمعتْ إصدارات لي وعنّي، وقلتَ إنها تستحقّ أن تكون في كتاب آخر. وأقول لك ببساطة وصراحة: ومن يقتني، أو يشتري، عندها كتاباً كهذا؟!

ما أشرتَ إليه دراسات أدبية، وقلّت كتب النقد الأدبي في مؤلفاتي، لذا تراكم لديّ هذا الكمّ، وخفتُ عليه طول انتظار…ونسيان في الأدراج وغبار…وضياع، فضمّنته هذا الكتاب. وليست مواضيع ب4: “سوريالية وشطحات صوفية في أعمال لبنانية” ببعيدة عن التراث اللبناني موضوع الكتاب، بل هي من صُلبه. والأعمال الأدبية الراهنة التي تناولها جزء من التراث. والملاحق، وإن تعدّدت صفحاتها، تبقى ملاحق، لك أن تقرأها، أو تهملها وتغضّ النظر عنها…وما لا ترى فائدة لك فيه قد يحمل جزيل الفائدة لغيرك. وأنت مؤرخّ وتدرك أهمية الوثائق والأرشيف، ومن هذا الباب والنمط جاءت هذه الملاحق.

أما لفتتك الشعرية الزجلية أيها الزميل الشاعر، فهي خير هديّة لي، وتعبّر عن مشاعر جار الطفولة، وصديق الكهولة.

نكتب في بلدٍ لا يقرأ

نبيل أبو مراد، يا حافظ تراث الزجل والمسرح اللبناني، سألتني لمن أكتب؟! وسؤالك حقّ، وقد يطرحه أي كاتب في زمن قلّ فيه القرّاء، وبلدٍ كثُر فيه الجهلاء. وببساطة أجيب: لمن يريد أن يقرأ اليوم أو غداً. والقرّاء صنف من البشر في طور الانقراض في وطني. ولكن الكلمة باقية، ونحن راحلون. والبحثُ الرصين إن لم يلقَ اليوم ما يستحقّ من اهتمام، فسيجده غداً.

وهاك هذا المثل المعبّر: كنتُ منذ يومين في تلفزيون الميادين أسجّل حلقة ضمن برنامج ألف لام ميم ستعرض يوم الخميس 02/02/2017. وكان المفكّر والكاتب التونسي المعروف يحاورني في كتابي الجديد “زرادشت وأثره في الأديان الخمسة الكبرى”، ويسألني عن بعض طروحاته. فعجبتُ للأمر وسألته بدوري: صدر هذا الكتاب منذ نحو شهر، فهل وصلك واطّلعتَ عليه؟! فأجاب نعم. عندها ذكرتُ أنني في سفرتي الأخيرة إلى تونس حملتُ نسخة منه، وجاءت مكتبة عامّة في العاصمة وابتاعتها منّي، فأمكن لهذا الباحث الرصين أن يطّلع على الكتاب. وبالمقابل، كنتُ آتي بنفسي إلى مكتبة البترون العامة، وأحمل لها كتبي هدية، وإذا بي أجدها منذ فترة قليلة تحت الدعس، تدوسها الأرجل. فتأمل وقارن عزيزي، وكفانا عنجهية وبَطَراً، وقد جعلنا من هذا الوطن الجميل الصغير مكبّ نفايات.

أما قولك د. نبيل أن متعتي هي في العطاء لا في الأخذ، فليتني أصل إلى هذه المكرُمة والمقام!…ولكنّه دأبي.

شاعرٌ يلتقط أدقّ الإشارات الكونيّة

وبعد…هل من جديد أقوله في الياس بك الحويك “ابن برايا” لم أقلْه في هذا الكتاب عنه؟!([4])

رافقتُه شهوراً طوالاً، وكنتُ كأكثر الناس: عرفتُ بديع أشعارِه، قبلَ أن أعرفَه، أو حتى أن أسمعَ به وعنه.

أدهشني حدْسُ هذا الشاعر، ورهافةُ حسّه، وإدراكُه بالفطرة الكثير من القوانين والنواميس الطبيعية التي تحدّثت عنها كبريات كتب الحكمة كالبهغاڤاد غيتا والڤيدا وغيرها. شاعر يلتقطُ أدقّ الإشارات الكونية، ويعبّر عنها بأبيات بسيطة وعميقة في آن.

هالحياة بلا غاية            ما بتحرز أجر الداية

مش منعيشا هالحياة       منقضّيها تقضاية([5])

وهل أبسط من هذه الكلمات، وأعمق منها في آن؟!

سِحتُ طويلاً مع هذا الشاعر الفحل. غزَلُه يُفرح ويشجي في آن:

حبّي غمام فوق الزهر سابح          يقطر ندي ويروح

حبّات لولو يرشّها مسابح              لـلصلا …عـالروح([6])

كم وقفتُ مطرقاً أمام هذين البيتين وأطلتُ التبصّر فيهما وفي أبعادهما الروحية والصوفية والغزلية في آن. هذه الحبيبة التي تذكّره بمسبحةِ العذراء، وبالعشقِ المنكسر، والداعي للرحيل.

وكم تمنّيتُ أن تطولَ رحلتي أكثر مع الياس بك فأُخرجَ له ديواناً، ولكنّي لم أوفّق في العثورِ على المزيدِ من الأشعار والأبيات المبعثرة، ولم أجدْ من يتجاوبُ ويساعد في عمليةِ الجمع الطويلة والمتعبة هذه. فوجدتُني ملزماً بنشر ما التقطتُه، من هنا وهناك وهنالك، ضنّاً عليه من الضياع، وما لا يُدرك كلُّه، لا يُترك جلُّه، يقولُ المثلُ العربي.

الثقافة أمضى سلاحٍ بوجه الحروب

وحدَها مكتبةُ البترون العامّة الشهيدة، من بين سائر المكتبات العامّة ومراكزِ حفظِ التراث وجدتُ فيها شيئاً عنه. وحدَها فتحت لي القلبَ والجناح. وها أنا اليوم أبكيها مع الباكين. مكتبةُ البترون العامّة وأمثالُها كانت بمثابة أمّ لي، ولكلّ باحث من أمثالي. وها أنا بعد إعدامها أشعرُ بالفاجعة واليتم. فقد رأيتُها بأمّ العين تُذبحُ وتُنحر، وترمى كتُبُها على قارعةِ الطريق. وعاينتُ كتباً من مؤلفاتي، كنتُ أهديتُها، لها مرميةً على الأرض تطؤها أرجلُ العابثين.

بترون أيتها الحبيبة، ما عساي أقول؟! أنبكيكِ كما بكى السيّد الربّ متألّماً: {يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين} (متى 23/27)، فنهتفُ متحسّرين: بترون يا قاتلة المثقّفين، وراجمة الباحثين. أيا حلوايةَ الشاطئ، ودرّةَ الساحل، أمنتهى أحلامِك، وأحلامِ من يلي الأمرَ فيكِ، وغايةُ آمالِه أن ترِثي الزيتونة، وتزاحمي المعاملتين؟!

وفي الأمثال الغربية: «من يفتحُ مكتبةً يقفلُ سجناً.» وأنتِ أقفلتِ مكتبةً زاهرةً عامرة، لتفتحي مرقصاً آخر، يُضاف إلى عشراتِ دورِ العربدة الجاسمة على أرضِك.

«الشعبُ الذي ينتخبُ الفاسدين، ويسكتُ عن المرتكبين، ليس ضحيّة، بل هو شريكٌ في الجريمة.» يقول المفكّر جورج أورويل، كما هو مذكور في الكتاب الذي نتدارسه اليوم. ([7]) أفلا نقرأُ، ونصغي ونستعبر، ونهتفُ معاً: أوقفوا هذه المجزرة!  واتّقوا الله، واذكروا أن من يرمي الكتبَ في المزابل، سيرمى بدوره، عاجلاً أم آجلاً في مزبلة التاريخ.

رَغم قناعتِه الراسخة بحتمية الحرب، وعدوانيةِ الإنسان، أوصى سيغموند فرويد قائلاً: «كلُّ ما يعمل على تنميةِ الثقافة ونشرِها يعملُ ضدّ الحرب.» ([8]) ونحن ننحرُ الثقافة كلّ يوم، وكأنّنا لا نشبعُ حروباً، ولا نرتوي من دماء.

ولن أطيلَ أكثر في هذا الشأن.

تسليط الضوء على من عاش في الظلّ

وأعودُ إلى كتابي الموسوعي موضوعِنا. شئتُه أن يحفظَ شيئاً من ذاكرةِ الوطنِ وإرثِه. والأونسكو نفسها جعلَتْ من الزجل جزءاً أساسياً من التراث الثقافي العالمي. وجلُّ ما طمحتُ إليه أن يكون لي سهمٌ في حفظِ هذا التراثِ ونشرِه.

في شخصية الياس بك الحويّك نزعة صوفية إلى الانطواء والبعد عن الأضواء أسرتني وجذبتني، فآثرتُ أن أسلّطَ ضوءاً على من آثر أن يعيش دوماً في الظلّ. والشاعرُ الحقيقي، كما قلتُ في خاتمة دراستي عنه، ليس دوماً ذاك الذي نعرفُه، ونسمعُ عنه، بل هو غالباً ذاك الذي نجهلُه، ولا نعرفُ عنه سوى شعره L’homme inspiré est un homme qui n’a pas d’ouvrages

الإنسانُ الملهم امرؤ لا مؤلَّفَ له، تقول الحكمة الصينية. ([9]) أليست هذه حال يسوع وبوذا وسقراط؟! حسبُ الياس بك، وهو اليوم يرتاحُ في ظلّ زيتونات حلتا العتيقة، قولٌ زجليّ

هونِ اشلحيني ولا تقولي راح        ما تكوّنت لولا الفساد الراح

ولا تخمّنيني بحالتي متعوب         حطّاب نزّل حملتو وارتاح([10])

الخوري الحدّاد مثال المعلّم

ومثلُ الحويك كان الخوري يوسف الحداد. وكلاهُما درسَ في مدرسة مار يوحنا مارون في كفرحي/البترون. فقد زهِدَ هو الآخر بالشهرة، وكان كاهناً ومعلّماً في آن. ولم يؤثِر رسالةً على أُخرى، بل اعتبرَ الاثنتين مقدّستين. وعلاقتُه بجبران نموذجٌ لعلاقة المعلّمِ بتلميذه، والشيخِ بمريده. فاستحقَّ أن يقولَ عنه نابغةُ المهجر: «إنه الرجلُ الوحيد الذي علّمني شيئاً.» ([11])

استهوتني هذه العلاقة، فأطلتُ فيها التأمّل والتبصّر. وأخالُ أن إطراقتي هذه ساهمت في تظهيرِ جوانبَ جديدة من الشخصية الجبرانية ونتاجِها. وكانت لي مع جبران وأدبِ المهجر وقفاتٌ سابقة، لا سيما في كتابيّ أديان الهند وأثرها في جبران([12]) والاغتراب اللبناني ملحمة أم مأساة. ([13])

والتراثُ اللبناني العريق مسؤوليتُنا جميعاً أن نصونَه ونحفظَه ونحافظَ عليه. فهو أداتُنا للبقاء والاستمرار، بل هو سلاحُنا الوحيد كي نواجهَ الحرب، ونتصدّى لجيوش العتمة التي تجتاحُنا من كلّ حدبٍ وصوب، في هذا الشرق البائس الذي يودّع جنازةً ليشيّعَ أخرى.

والبترون، هذه المدينةُ العريقة والغالية التي أنبتت شعراء فحولاً أمثال الياس بك الحويك، آمل أن تبقى منبتاً للمبدعين، لا مكبّاً تُطمر فيه الكتبُ وثمراتُ العقول والأقلام مع النفايات.

[1] -يتضمّن هذا الفصل الكلمات التي ألقيت في ندوة حول كتاب “من خبايا التراث اللبناني” تأليف د. لويس صليبا، نظّمتها رابطة البترون الإنمائية والثقافية، وعُقدت في مركزها في البترون في 20/1/2017. نُشرت هذه الكلمات في: مجلّة الرابطة، رابطة البترون الإنمائية والثقافية، بسبينا-البترون، ع18، نيسان 2018، ص72-90.

[2] – كلمة د. لويس صليبا في ندوة حول كتاب “من خبايا التراث اللبناني”، تأليف د. لويس صليبا، دعت إليها رابطة البترون الإنمائية والثقافية، وعقدت في مركزها في البترون في 20/1/2017

[3] -الخويري، أنطوان بطرس، تاريخ الزجل اللبناني، جونية/لبنان، دار الأبجدية، ط1، 2011، ص476.

[4] -صليبا، د. لويس، من خبايا التراث اللبناني صفحات مطوية في الزجل والتاريخ وأدب المهجر، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2017، ط2، 2017، 555ص.

[5] -صليبا، د. لويس، من خبايا، م. س، ص127.

[6] -صليبا، د. لويس، من خبايا، م. س، ص115.

[7] -صليبا، د. لويس، من خبايا التراث، م. س، ص410.

[8] -صليبا، د. لويس، المسيحية بين البوذية والإسلام مشتركات ومفترقات، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2017، ب1/ف7.

[9] -صليبا، د. لويس، من خبايا التراث، م. س، ص168.

[10] -صليبا، لويس، الهندوسية وأثرها في الفكر اللبناني ميخائيل نعيمه نموذجاً، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2017، ب1/ف2.

[11] -صليبا، د. لويس، من خبايا التراث، م. س، ص223.

[12] -صليبا، د. لويس، أديان الهند وأثرها في جبران قراءة جديدة لأدب نابغة المهجر، تقديم د. بيتسا استيفانو، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2015، 386ص.

[13] -صليبا، د. لويس، الاغتراب اللبناني ملحمة أم مأساة دراسة وتكملة لتاريخ الهجرة اللبنانية-السورية، جبيل/لبنان، درا ومكتبة بيبليون، ط2، 2014، 810ص.

 

شاهد أيضاً

أديان الهند وأثرها في جبران:. قراءة جديدة لأدب نابغة المهجر” للدكتور لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون في 380 ص.

“أديان الهند وأثرها في جبران:. قراءة جديدة لأدب نابغة المهجر” للدكتور لويس صليبا، صدر عن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *