“المعراج من منظور الأديان المقارنة: دراسة لمصادره السابقة للإسلام ولأبحاث المستشرقين فيه”، تأليف د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون في ط4، في 410ص، وتجليد فاخر.

“المعراج من منظور الأديان المقارنة: دراسة لمصادره السابقة للإسلام ولأبحاث المستشرقين فيه”، تأليف د. لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون في ط4، في 410ص، وتجليد فاخر.

الكتاب هو الجزء الرابع من سلسلة للمؤلّف بعنوان: “المعراج/النصّ والواقع والخيال”. ويركّز الكاتب في مقدّمته على أهمّية علم الأديان المقارنة وافتقار المكتبة العربية إلى بحوث رصينة في هذا المجال، لا سيما وأن أكثر ما تخرجه المطابع في العالم العربي تحت هذا الاسم هو في الغالب جزء من آداب الدفاع والمحاججة ليس إلا”. (ص16). فبين المقارنة والمفاضلة بون شاسع، وأكثر الباحثين العرب لم يعتد بعد على التمييز بينهما. فعلم مقارنة الأديان، يضيف المؤلّف، ليس مطيّة لأي دين، لإظهار تفوّق مذهب أو عقيدة على أخرى. فهذا ليس من العلم بشيء. فالأديان المقارنة بمقاربتها ومنهجيّتها الهادئة المحايدة أبعد ما تكون عن غائيّة أن تنصر أي دينٍ على آخر. (ص22). وهنا يبدي الكاتب أسفه لأن هذا العلم لا يزال في طوره البدائي الأول في دنيا العرب، رغم أن كبار علمائهم من أمثال البيروني (ت1048م) كانوا من أبرز روّاده والسبّاقين إلى وضع أسسه (ص22).

وهو يرى أن الأسطورة عنصر أساسي في الدين إلى جانب الشعيرة، ويطرح إشكالية البحث التالية (ص17): “قد يجد القارئ في ما يلي من صفحات الكثير من الأساطير. ولكن إذا جرّدنا الأديان من أساطيرها، فما الذي يبقى من الأديان؟ وأين تنتهي الأسطورة في الدين ليبدأ التاريخ”. وهو يؤكّد على حقيقة استخلصها من مجمل بحوثه في تاريخ الأديان وعلومها، ألا وهي أن الديانات لا تموت، وما يختفي منها يتقمّص في الديانات التالية. (ص25). وبشأن موضوع الكتاب تحديداً، يطرح الباحث إشكاليّته كما يلي (ص21): “صحيح أن المعراج لم يشغل في النصّ القرآني سوى آية واحدة هي على الأرجح آية الإسراء 17/1 كما يقول الكثيرون، لكن ذلك لم يمنعه من أن يملأ الوجدان الإسلامي والمخيّلة والفنون ويشغلها منذ قرون وإلى اليوم. والتوسّع والتعمّق في دراسته ونشر نصوصه مدخلٌ لفهم تطوّر العقيدة والتفسير وعلوم الحديث وغيرها في الإسلام”

ويعرض المؤلّف لمنهجيّته، وتتلخّص في إعطاء الأولوية للنصّ ونشره وتقديمه وأحياناً ترجمته على إبداء الرأي وإطلاق الأحكام، والمقارنة بين النصوص من مختلف التقاليد والأديان وما يماثلها في روايات المعراج. (ص29). مؤكّداً: “لم نسعَ إلى الحطّ من شأن أي دين وقدره ومنزلته، عبر القول إنّه أخذ عن دينٍ آخر. فتفاعل الأديان وأخذ اللاحق عن السابق أمرٌ غدا اليوم حقيقة لا يرقى إليها الشكّ. وواقعة تاريخية أكّدتها الأبحاث، بل هي أكثر من واقعة: إنها سنّة الحياة وناموس التطوّر” وهنا يلحظ التالي (ص99): “ليس من الجائز أن يطرب الباحث لنظرية الأثر الإسلامي في كوميديا دانتي المقبولة والواقعية، ويتعامى عن الأثر الأجنبي في روايات المعراج”، وهنا يخلص إلى تشبيه يلخّص نظريّته في هذا المجال (ص101): “كما المسجد يحتفظ بعناصره الأولى الأساسية، لكنّه يعكس أيضاً الحضارة التي بُني فيها وفنونها. كذلك روايات المعراج تعكس التنوّع التاريخي والثقافي والتفاعلات والتداخلات في العالم الإسلامي القديم والوسيط”

ويتناول الباحث بالتسلسل والتفصيل نظريّات المستشرقين وآراء علماء الإسلاميّات الغربيين في الإسراء والمعراج أمثال نولدكه وهوروفتس وسلز وغيرهم، وهنا ينبّه (ص348): “نظرة الآخر إلى تراثنا الفكري والديني باختلافها ومغايرتها تضيء جوانب أخرى من هذا التراث، وتساعد على فهم أعمق له من ناحية. ولا جدوى، من ناحية أخرى، من الاستمرار في تجاهلها. فالأجدر بنا أن نعيها ونتعامل معها، وإلا كنّا كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال”.

ويؤكّد الباحث على الطابع الحواري لعمله وما استخلص منه (ص258): “على الرغم من هذا الاختلاف الأساسي في طابع الجنّة، فإن التصوّرَين المسيحي والإسلامي لها يتشابهان في أمورٍ عديدة. فجغرافية الجنّة في روايات المعراج مطابقة لما نجده في الكتب اليهودية والمسيحية”

والخلاصة، فهو مصنّف يضيف جديداً ومفيداً إلى المكتبة العربية.

شاهد أيضاً

أديان الهند وأثرها في جبران:. قراءة جديدة لأدب نابغة المهجر” للدكتور لويس صليبا، صدر عن دار ومكتبة بيبليون في 380 ص.

“أديان الهند وأثرها في جبران:. قراءة جديدة لأدب نابغة المهجر” للدكتور لويس صليبا، صدر عن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *