قاموس الفلسفة المسيحية

{vsig}Library/chris/kamous{/vsig}

ل

ا نغالي إذا قلنا إن قاموساً للتوماوية مصادرها وأثرها وفلاسفتها هو فعلاً لا مجازاً قاموس للفلسفة المسيحيّة بحدّ ذاتها وبمختلف تياراتها.
فالقدّيس توما الأكويني، المعلّم الجامع ومعلّم معلّمي الكنيسة علامة فارقة ونقطة محوريّة في تاريخ هذه الفلسفة. فمصادره شملت كل الفلاسفة قبله إغريقاً ورومان ومسيحيين. عرف فلاسفة اليونان وأدباءهم واستشهد بهم. وعرف شعراء الرومان ومفكّريهم ورجع إلى مؤلّفاتهم. أما آباء الكنيسة فقد عرفهم جميعاً معرفته لنفسه حتى عُدّ واحداً منهم. ولم تقتصر معرفته على الآباء والمجامع الكنسية بل عرف كل الهراطقة والمنشقّين عن الكنيسة وردّ على أكثرهم مفنّداً آراءهم. وبكلمة لم يستثنِ أحداً من السابقين ولا المعاصرين. أما اللاحقون، فما من لاهوتي أو فيلسوف مسيحي أتى بعد الأكويني واستطاع أن يتجاهله. فقد كان حضوره قويّاً لدرجة أن إغفاله بات أمراً غير ممكن. فمَن أتى بعده إما وافقه أو عارضه أو نقضه. ولكنه في أية حال لم يستطع إلاّ أن يذكره. ومَن وافقه ودافع عن فلسفته دخل بطريقة أو بأخرى حلقة الفلسفة التوماوية. ومَن عارضه أو نقضه فقد تفاعل معه، ولا بدّ أن يذكر عند ذكر الفلسفة التوماوية وفي دائرة إشعاعها.
ومن هنا واستناداً إلى كل ما سبق فقاموسنا في التوماوية في تأثراتها وتأثيراتها، في مصادرها والفلاسفة الذين تفاعلوا معها سلباً أم إيجاباً هو بالفعل قاموس للفلسفة المسيحية بمختلف عصورها.
بدأ التحضير لهذا القاموس منذ أوّل كتاب لنا في مكتبة توما الأكويني وعنوانه: توما الأكويني وأثره عبر العصور”. فقد سعينا في ذلك الكتاب إلى التعريف في الهوامش بالأعلام من الفلاسفة والآباء والأدباء الذين سبقوا القدّيس توما أو عاصروه وتفاعل معهم. والذين أتوا بعده وتفاعلوا معه. وشيئاً فشيئاً تضخّم حجم الهوامش حتى جاوز نصف حجم المتن، فارتأينا أن نفصل الهوامش تخفيفاً لحجم الكتاب. ولم نشأ أن نستغني عن هذا الجهد، فنرميه في المحفوظات أو مع المهملات. فاستأنفنا تدوين التعريفات بالفلاسفة والمفكّرين في الكتب التالية من مكتبة الأكويني الثاني والثالث والرابع والخامس فتوفّرت لدينا مادّة تصلح لنشرها على حدة، فكانت قاعدة هذا القاموس وركيزته. وقد أضفنا إليها الكثير لتصلح أن تكون قاموساً للفلسفة المسيحيّة عموماً والتوماوية خصوصاً. وأبرز ما أضفناه نبذات التعريف بفلاسفة التوماوية المحدثة وروّادها ومفكّريها. ولم نكُن في الحقيقة نتوقّع أن تكون التوماوية قد كوّنت تياراً فلسفيّاً بهذا الحجم والضخامة. ولا نبالغ إذا قلنا إنها تفوق الماركسية عتاداً وعديداً. فما من بلد أوروبي أو أميركي وحتى آسيوي أحياناً إلا وعرف تياراً توماوياً نشأ وازدهر. ونكاد نقول حيث وجد كاثوليكي أو اثنين كانت التوماوية ثالثهما.
هنا وإظهاراً لهذا الإشعاع الذي طال مختلف البلدان فقد حرصنا على أن يكون لكل بلد أقلّه ممثل أو أكثر في قاموسنا.
فبلدان مثل هنغاريا والمكسيك والأرجنتين وغيرها نجدها حاضرة وممثلة بمفكّرين توماويين في هذا القاموس. فكم بالحري أقطار الكاثوليكية الأساسية أمثال إيطاليا وفرنسا وألمانيا وكندا وبلجيكا وغيرها.
وحتى أرض الإسلام لم تغب عنها التوماوية. فقد عرف لبنان وسوريا ومصر والعراق وغيرها تيارات توماويته ومفكّرين ولاهوتيين توماويين. وسبق وخصّصنا كتاباً كاملاً لدراسة التوماوية في أرض الإسلام. وقد نقلنا نبذات منه في قاموسنا هذا لتكون توماوية بلاد المشرق حاضرة فيه إلى جانب توماوية الغرب.
ماذا الآن عن منهجيتنا في تحرير موادّ هذا القاموس؟ العمل المعجمي هو في الأساس عمل تقميشي تجميعي فتأليفي,. يجمع الموادّ والمعلومات ويؤلّف بينها, وقد حرصنا أن نوسّع دائرة مراجعنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. فما من قاموس أو مرجع في الفلسفة وتاريخها باللغة العربية إلاّ ودخل في مكتبة البحث. لكن المراجع العربية بدت غير كافية بل ومقصّرة أحياناً، لا سيما في مجال التوماوية المحدثة، إذ نكاد لا نجد عنها شيئاً بالعربية، ولعلّ في هذا الجانب تبرز المساهمة الكبرى لقاموسنا، فهو المرجع العربي الوحيد، على الأرجح، الذي يعرّف بفلاسفة التوماوية المحدثة Néothomisme ويعرض أبرز أفكارهم ونظرياتهم ومؤلّفاتهم. ولتغطية ذلك عدنا إلى موسوعات الفلسفة الحديثة بالإنكليزية والفرنسية وإلى الموسوعة الكاثوليكية وبعض الموسوعات والمراجع على مواقع الانترنت.
ومهما اتّسعت دائرة بحثنا وتقميشنا فنحن ندرك أن العمل المعجمي لا نهاية له, فمهما توسّعنا فيه عمقاً وأفقاً، كمّاً ونوعاً نبقى مقصّرين, أو هكذا نشعر. هذا بصورة عامّة، فكم بالحري في موضوع واسع يطرق للمرّة الأولى بالعربية: التوماوية والتوماوية المحدثة. ولم يسبق أن خصّص له قاموس لا بالعربية ولا بغيرها من اللغات.
قُل لِمَن يدّعي في العِلم فلسفة        عرفت شيئاً وغابت عنك أشياء
يقول الشاعر العربي أبو نواس,. وهي حكمة أستذكرناها ونحن في الطور الأخير من إعداد هذا القاموس، فكثيراً ما انتابنا شعور بأننا قد نكون نسينا مفكّراً هنا أو فيلسوفاً هناك. لذ آلينا على نفسنا أن نرفد عملنا المعجمي هذا في طبعاته اللاحقة بما يكون قد فاتنا في هذه الطبعة.
مداخل القاموس عربية وفق الترتيب الألفبائي، وقد أردفنا كل مدخل عربي بما يوازيه بالفرنسية منعاً لأي التباس قد تحدثه طريقة كتابة أسماء العلم الأجنبية. ووضعنا في آخر القاموس فهرساً فرنسياً – عربياً وآخر عربياً – فرنسياً تسهيلاً للبحث.

وختاماً… ها أنا عندما أدفع بهذا القاموس إلى الطبع أدفع عني أيضاً موضوعاً شغلني سنوات وذلك من دون سابق تصوّر أو تصميم. فما كنت أحسب أن المشروع البسيط الذي اقترح عليّ بداية سيمتدّ ويتشعّب إلى هذه الدرجة، كانت الفكرة الأساسية جمع ما توفّر بالعربية من بحوث عن القدّيس توما والتقديم لها بدراسة وإصدارها في كتاب يتزامن مع إعادة طبع الترجمة العربية للخلاصة اللاهوتية. ولكنني انزلقت من جمع كتاب إلى تأليف ستة كتب آخرها هذا القاموس. وها إنني بإصداره آخذ إجازة من هذا الموضوع لأعود إلى مشاريع كتب في الدراسات الإسلامية سبق وخطّطت لها ووعدت القارئ بها مثل أجزاء جديدة من سلسلة المعراج/النص والواقع والخيال وأجزاء من سلسلة المسيحية والإسلام بين الجدل والحوار وغيرها.
أملي أن تأخذ مكتبة توما الأكويني معلّم معلّمي الكنيسة التي صدر منها مع هذا القاموس ثمانية كتب مكانة تليق بها في المكتبة العربية.
والله من وراء القصد.
      Q.J.C.S.T.B
    لويس صليبا
باريس في 14/06/2011

شاهد أيضاً

توما الأكويني وأثره عبر العصور بحوث في سيرته وفلسفته الإلهية والاجتماعية

نبذة:بين لاهوتيي المسيحيّة وفلاسفتها يحتل توما الأكويني (1225 – 1275) أبرز مقام، وهذا الكتاب يجمع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *