د. لويس صليبا
أستاذ الدراسات الإسلامية والأديان المقارنة
مدير أبحاث فـي كلية العلوم الدينية-الجامعة اليسوعية
هل من حرية معتقد في الإسلام فـي ظل حدّ الرِدّة؟!
حدّ الرِدّة سيف على رقاب المفكّرين
قلة هم أولئك الذين يعرفون أن ابنَ المقفع والحلاّج والسهروردي الإشراقي وغيرهم من روّاد الثقافة الإسلامية وآبائها قتلوا بحدّ الرِدّة.
هذه الثقافة التي لمّا تزل إلى اليوم،وبدفع بل وإرغام من حفنة من المتسلّطين عليها، تدأب على ما ألفته من Parricideجريمة قتل الأب، وتعيد انتاج هذه الجريمة وارتكابها فـي كل عصر من عصورها.
بحثتُ فـي حدّ الرِدّة فـي ثلاثة من مؤلفاتي،وها هي فرصة جديدة تسنح لأنقب فـيه بالعودة إلى أقدم المصادر. أما ما جعلني أهتمّ بدراسته منذ بداية مسيرتي البحثية فعواملُ عديدة أبرزُها حادثةٌ وقعت لي آنذاك.
ففـي علوم الأديان، وهي مجال تخصّصي،اتجهت إلى دراسة الدين من الداخل فـي مقاربة تقول : كي تتعمّق فـي دين ما عليك أن تنتمي َإليه، وتتتلمذَ عليه،وتعيش مع أهله واحداً منهم،وإن لفترة محدودة.
وكانت بدايتي مع الإسلام، وكنتُ يومها فـي سنواتي الجامعيّة الأولى. وأذكر ُتماماً تلك الحادثة، فالإمام الذي كان يعلّمني أصولَ الوضوء والصلاة نبّهني قائلاً: إحذر وأنت تردّد الشهادتين،ولا بدّ من التشهّد فـي الصلاة، فلا تفعل ذلك جهاراً، بل بصمت أو بصوت منخفض. وإذ سألته لماذا أجاب : مخافةَ أن يسمعَك أحد،فـيعتبر َأنك أشهرتَ إسلامَك، وعندها سيصعبُ عليك أن تخرجَ من دين الله،إذ ستعدُّ مرتدّاً. ومن يعلم فقد يدعو بعضهم إلى إقامةِ حدّ الرِدّة عليك.كانت تلك المرّة الأولى التي أسمعُ فـيها بحدّ الرِدة،فسألته عنه،قال إنه يقضي بقتل كل مسلم خرج من دين الإسلام. حسبتَ للوهلةِ الأولى أنه يمزح. ولكنني أخذتُ بنصيحته.وقد حفزتني هذه الحادثة،ومذّاك،على البحث فـي هذا البعبعِ المخيف الذي يقضّ مضاجع الكثير من المفكّرين والمدعو حدّ الرِدّة.
حدّ الرِدّة: عائق أمام حقوق الإنسان
بعد مضيِّ أكثر من نصف قرن على إعلانها غدت الشرعة العالمية لحقوق الإنسان بمثابة دستور عالمي عام عابر للبلدان والثقافات والأديان. وباتت لهذه الشرعة سطوةٌ وسلطة معنوية جعلت من الأكثرية الساحقة للدول تتبنّاها علناً وتزعم احترامها وتطبيقها.
ورغم كل ذلك تبقى الإشكالية التي يطرحها الفقه الإسلامي إزاء هذه الشرعة إياها :
هل يمكن أن تتعايش الشريعة الإسلامية مع حقوق الإنسان وإعلانها العالمي؟!
كرّست الشرعة فـي ديباجتها وفـي عدد من موادّها لا سيما فـي المادتين 1 و16 حقوق المرأة وحرياتها ومساواتها بالرجل أمام القانون. كما كرّست فـي المادة 18 حق كل إنسان فـي حرّية المعتقد والدين وكذلك حقه فـي تغيير دينه والمجاهرة بمعتقداته وممارسة ما يشاء من طقوس إلخ…
فهل تكفل الشريعةُ الإسلامية وفقهُها هذا الحقَّ الطبيعي والأساسيّ للإنسان؟ فـي هذه النقطة تحديداً تكمن الإشكالية التي نودّ أن نبحثها فـي دراستنا هذه.
فأمام حقِّ الإنسان الطبيعي والأساسي فـي اختيار المعتقد الذي يريد، وتغييره عندما يريد، يقفُ ما اصطلحَ الفقهُ الإسلامي على تسميته حدّ الرٍدة عائقاً، بل وسدّاً منيعاً دون ذلك. وهذا الحدّ أو هذه العقوبة تقضي بقتل كل مسلم يشاء أن يغيّر دينه ويعتنق ديناً آخر أياً يكن، وقد توسّع الفقهاء مع الزمن فـي تفسير هذا الحد وتعميم مفهومه، فأنزلوا عقوبتَه بمنكر الصلاة أو الحجّ أوالصوم أو حتى الحجاب. وباختصار، وطبقاً للتعبير الفقهي المتأخر: كلُّ من أنكر أو جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة مرتدّ ٌعقوبته القتل كما سنرى. فسقط ضحية حدّ الرٍدّة ألوفُ الشهداء على مرّ الزمن. ولا يزال هذا الحد إلى اليوم سيفَ ديموقليس المسلّط على رقابِ المفكّرين الأحرار فـي العالمين العربي والإسلامي.
حدّ الرِدّة يجعل من الإسلام مصيدة فئران
وهذا ما دفع الكثير من المفكّرين، لا سيما المسلمين منهم، إلى رفع الصوت مطالبين باسقاط هذه العقوبة المشينة التي تضرب حقوق الإنسان وحرّياته عرض الحائط، فقال فـيه العالم المسلم غلام أحمد بارمير مثلاً:» حدّ الردة يجعل من الإسلام مصيدة فئران، حالما يدخلها أحد فإنه لا يستطيع الخروج منها»([1]).
ويقول المفكر المصري سليم نجيب: «حدّ الردّة يجعل من الحرّية الدينية فـي الإسلام وفـي البلدان العربية والإسلاميةطريقا فـي اتجاه واحد لا رجوع فـيه»([2]).
ويقول الكاتب الفرنسي بيرونسيل هوغوز-Hugoz Péroncel :« حرية الدخول فـي الإسلام مطلقة، أما حرّية الخروج منه فمعدومة تماماً ومستحيلة»[3])
وحدّ الردّة جعل أكثر الدساتير العربية تكتفـي بالتأكيد على الحق فـي حرّية الاعتقاد، وتحجم عن ذكر الحق فـي تغيير الدين. وهذه أيضاً حال المواثيق الإقليمية، وعلى رأسها الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عن الجامعة العربية فـي 15/9/1997 فهو يؤكد على حرية المعتقد ويمتنع عن اي ذكر للحق فـي تغيير الدين.([4])
واللافت فـي حدّ الرٍدّة أن ما زُعم من إجماع ظاهري عليه وعلى إقامته يبدو واهياً عند أول تفحّص له. فليس لعقوبة قتل المرتدّ أساسٌ لا فـي القرآن ولا فـي السيرة النبوية أو السنّة القولية. أما ما سمّي إجماعُ الفقهاء عليه فتنقضُه آثارٌ ورواياتٌ صحيحة عن كبار الصحابة والتابعين والعلماء. فقد ثبُت مثلاً عن الخليفة عمر بن الخطاب رفضُه لقتل المرتدّ. كما ثبتَ ذلك عن الخليفة عمر بن عبد العزيز. ومن رافضي هذا الحدّ من العلماء والفقهاء سفـيان الثوري وإبراهيم النخعي. فهذه العوامل وكثير غيرها تبيّن أن حدّ الرٍدّة مجرّد صناعة فقهية لاحقة ومتأخّرة. وهو ما سنعرض له ونتفحّصه فـي دراستنا هذه
لا حد للردة فـي القرآن
حرّية المعتقد والدين مبدأ أساسي فـي القرآن كرّسته آيات محكمة لا لبس فـيها ولا تشابه ولا نسخ. ونكتفـي هنا بذكر بعض منها: أول هذه الآيات وأشهرها آية سورة البقرة 2/256: «لا إكراه فـي الدين قد تبين الرشد من الغيّ»
وقد احتجّ بعض الداعين إلى حد الردة بأن هذه الآية منسوخة وحكمُها بالتالي معطّل. وليست حجّتُهم هذه سوى زعمٍ واهٍ تنقضُه أسبابُ نزولِ الآية وعلمُ الناسخ والمنسوخ فـي القرآن.
يقول الطبري فـي شرحها وأسباب نزولها: « نزلت هذه الآية فـي قوم من الأنصار كان لهم أولاد قد هوّدوهم أوأو نصّروهم فلمّا جاء الله بالاسلام أرادوا إكراههم عليه فنهاهم الله عن ذلك حتى يكونوا هم يختارون الدخول فـي الإسلام»([5])
وعن دعوى نسخ هذه الآية يردّ الطبري بالقول : « وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخاً. (…) ولا معنى لقول من زعم ان الآية منسوخة الحكم بالإذن بالمحاربة»([6])
ومن الآيات الأخرى التي التي تكرّس حرّية المعتقد فـي القرآن:
ولو شاء ربك لآمن من فـي الأرض كلّهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” يونس/100
“قل الحق من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” الكهف/30
وبكلمة فحرّية العقيدة فـي القرآن أُحيطت بضمانات تجعلها مطلقة. ففـي ظل هذه الحرّية المطلقة، ما موقع الردّة وحكمها وحدّها قرآنياً؟
آيات الردة فـي القرآن
آيات الردة عديدة فـي القرآن نكتفـي بذكر بعضها :
_ يا أيها الذين آمنوا من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه (المائدة 5/45)
وقارئ هذه الآية،ولا سيما ذاك الذي حُشيَ رأسُه بأخبار الردّة وأحكامِ ما قرّر الفقهاءُ فـيها من جرائمِ قتل، يخال للوهلة الأولى أنها ستُنزل العقوبة الدنيوية القصوى فـي ذاك الذي يرتدّ عن دينه، أو تهدّده بها على الأقل. فإذا بها تكتفـي بالقول بأن الله سيعوّض عن المرتدين بمن هم خير ٌمنهم…فلو كان ثمة َعقوبة ٍدنيوية على الردة، أما كان حريٌّ بهذه الآية بالذات ان تنصَّ عليها، أو أقلّه تشيرَ إليها؟!
_ إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثمّ ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً(النساء3/137)
لنلاحظ هنا كيف تذكر هذه الآية صراحة تتابع ظاهرة الإرتداد وتتاليها، ومع ذلك فهي لا تنصّ على أية عقوبة زمنية عليها.
_ أما العقوبة القرآنية القصوى التي يواجهها المرتدّون فهي عدم قبول توبتهم:
إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفراً لن تُقبل توبتُهم وأولئك هم الضالّون ” آل عمران 3/90
وجاء فـي تفسير هذه الآية:« إن الذين كفروا بمحمد بعد إيمانهم بصفاته، ثمّ ازدادوا كفراً بمحاربته وإيذائه والصدّ عن دينه والكيد للإسلام وأهله، لن تقبل توبتُهم عن ذنب ما داموا كفّاراً، أو ماتوا كفّاراً،وأولئك هم الضالّون الحائدون عن طريق الإيمان»([7])
وواضح أن تهديد الآية ووعيدها يقتصر على الآخرة وعذابها، وهي تخلو من أية إشارة إلى أي عقوبة دنيوية.
_ إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالّون إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يـقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين. (آل عمران 3/90-91)
واللافت ان هذه الآيات المتتابعة من سورة آل عمران ورغم ما أوردت من تفاصيل عن مصير المرتدّين التعس فـي الآخرة، فهي لم تذكر او حتى تهدّد بأي عقوبة دنيوية.
والخلاصة فحتى أكثر الداعين حماساً إلى تطبيق حدّ الردّة وقتل المرتدّ يقرون بأن ليس فـي القرآن أي اساس أو حتى إشارة إلى عقوبة من هذا النوع. يقول الداعية الإسلامي المصري أكرم رضا مرسي فـي ذلك: « أما فـي الردّة فلم تأتِ آيات تنصّ على عقوبة هذه الجريمة،جريمة الإرتداد عن الدين بأي شكل من أشكالها، سواء بتبديل الدين أو ارتكاب فعل أو قول يدلّ على الخروج من الدين»([8])
ويقول الفقيه المعاصر محمد سليم العوا: « وممّا يدعو إلى الحيرة أن فـي القرآن إشارات كثيرة تدلّ على أن عقاب المرتدّ موكول إلى الله فـي الآخرة. أما فـي الحياة الدنيا فلا عقاب عليه لمجرّد ارتداده« وينهي العوا وقفته الحائرة بسؤال منطقي: « ولا ندري لمَ لم يلاحظ كثير من الفقهاء دلالة هذه الإشارات.»([9])
والخلاصة فمسألة الإيمان والكفر والارتداد عن الإسلام هي قضية شخصية بين المرء وربه. وليست من قضايا النظام العام والحكّام. فحتى الرسل والأنبياء لا سلطة لهم فـيها سوى التبليغ.
لا حدّ للرِدّة فـي السيرة النبوية
من المعروف أن الأصول فـي الإسلام اثنان : القرآن والسنّة. والسنّة قسمان : فعل وقول. فهل لحدّ الرِدّة أثر فـي أفعال الرسول أو فـي سيرته أو ما يسمّى السنّة الفعلية؟
لم يثبت عن الرسول أنه قتل مرتدّا فـي حياته، أو أنه عاقب على الرِدّة بالقتل. وقد نقل العيني فـي عمدة القاري عن ابن الطلاّع فـي أحكامه:«لمم يقع فـي شيء من المصنفات المشهورة أنه،ص، قتل مرتدّاً»([10]
وتفحّص الإمام الشوكاني (ت 1250 هـ) فـي موسوعته الحديثية نيل الأوطار كل ما ورد من أحاديث تنسب إلى الرسول قتل المرتدّ فبيّن أنها كلّها ضعيفة السند.([11])
وبالمقابل نجد أحاديث وسنن عن الرسول تنقض تماماً حدّ الردّة، كالحديث التالي الذي أخرجه البخاري عن جابر بن عبدالله «أن إعرابياً بايع رسول الله على الإسلام. فأصاب الإعرابي وعك بالمدينة، فأتى رسول الله فقال : يا رسول الله أقلني بيعتي، فأبى رسولُ الله. ثمّ جاءه فقال : أقلني بيعتي فأبى. ثمّ جاءه فقال : أقلني بيعتي فأبى. فخرج الإعرابي. فقال رسول الله : إنما المدينة كالكير تنفـي خبثها، وينصع طيبها»([12])
فهذا الإعرابي خرج على الإسلام ورسوله من دون أن يأمر هذا الأخير بإقامة أي دّ عليه. ولو كان للرِدّة حد لما جرؤ إعرابيّ بسيط عليها مثنى وثلاث. ولما تهاون نبي المسلمين فـي إقامته عليه. وقد عرف عنه كراهيته حتى الشفاعة فـي الحدّ. وحديثه لاسامة «أتشفع فـي حدّ من حدود الله؟ »معروف وقد أخرجه البخاري وغيره. ([13])
وحديث الإع برابي المرتدّبوضوحه ووروده مراراً فـي صحيح البخاري وذكر التابعين له كافٍ لوحده لنقض حدّ الرٍّدّة. وقد أربك هذا الحديث الفقهاء والحفّاظ لنقضه صراحة حدّ الردّة وحاولوا تأويله على غير ما يحتمل من دون نتيجة.
و أخرج البخاري ومسلم وغيرهما أحاديث أخرى كحديث النصراني من بني النجار الذي أسلم وكان كاتباً للوحي ثمّ ارتدّ ولم يلقى أي عقاب.
وفـي سيرة الرسول وكتب الحديث أخبار الكثيرين ممّن ارتد عن الإسلام ولم يلقوا أي عقاب مثل عبدالله بن سعد بن أبي سرح كاتب الوحي وعبيدالله بن جحش الذي تنصّر وغيرهما.
فهذه الأحاديث والروايات الصحيحة عن الرسول والمرتدّين فـي زمنه ليست سوى نذر يسير وغيض من فـيض من أحداث ردّة زمن البعثة لم تلقَ أي عقاب.
وهكذا،وباختصار واستناداً إلى ما سبق، فلا حدّ ردّة فـي القرآن ولا أثر لهذا الحد فـي السنّة الفعلية. لذا فالسنّة القولية هي مدار البحث وهي ما سنتناوله فـي عرضنا التالي.
الردّة فـي الحديث النبوي
تكاد الأحاديث النبوية فـي الردّة وحدّها تنحصر فـي حديث آحاد واحد،هو الأشهر وهو الذي استند إليه الفقهاء فـي تأسيس حدّ الردّة. وقد أخرجه البخاري سنداً ومتناً كما يلي:
«حدّثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عِكرمة قال: أتى عليّ،ر، بزنادقة فأحرقهم. فبلغ ذلك ابن عبّاس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله،ص، لا تعذّبوا بعذاب الله. ولقتلتهم لقول رسول الله : من بدّل دينه فاقتلوه.»([14])
ومن أبرز مساهمات بحثنا هذا هي الدراسة النقدية لهذا الحديث سنداً ومتناً.
ومعلوم أن المحدّثين يصحّحون الحديث أو يضعّفونه على أساس سنده أي الرجال الذين نقلوه. فماذا عن حديث البخاري هذا من حيث السند؟
رأس سند الحديث عِكرِمة (ت105هـ) مولى ابن عباس أي عبده. وقد جرّح عِكرمة عدد من المحدّثين والمؤرخين وضعّفوه. روى ابن سعد عن طاووس وعن سعيد بن جبير تجريحاً واضحاً لعِكرمة وتضعيفاً له.([15])
وجمع الذهبي فـي سير أعلام النبلاء سيلاً من الروايات والأحكام والآراء فـي عِكرمة أكثرها يجرّحه ويضعّفه. وقد اتفقت مصادر السنّة والشيعة فـي الحديث ورجاله على أنه كان من الخوارج. ومن هذه الروايات سنقتصر على أكثرها دلالة.
روى الذهبي عن ابي الأسود :« كان [عكرمة] قليل العقل خفـيفاً، كان قد سمع الحديث من رجلين، وكان إذا سئل حدّث عن واحد ثمّ يُسأل عنه فـيحدّث به عن الآخر. فكانوا يقولون ما أكذبه»([16])
واضح من الرواية أن عِكرمة كان يخلط فـي الحديث. أما قول ابي الأسود عنه :” كان قليل العقل” فتضعيف لا لبس فـيه
ونتابع الرواية:»وكان يحدّث برأي نِجدة الحروري، وأتاه فأقام عنده ستة أشهر. ثمّ أتى ابن عبّاس، فسلّم، فقال ابن عبّاس : قد جاء الخبيث»
عِكرمة إذاً من الخوارج من أصحاب نِجدة الحروري ويستوقفنا ملياً قول سيّده ابن عباس عنه :” قد جاء الخبيث”
وعن نجدة الحروري يروي أبو الحسين الملطي(ت377هـ): «خرج نِجدة الحروري من جبال عمان فقتل الأطفال وسبى النساء وأهرق الدماء واستحلّ الفروج والأموال. وكان يكفّر السلف والخلف، ويتولّى ويتبرّأ. وكان رديئاً مردئاً حتى قتل»([17])
وينقل الذهبي روايات أخرى تؤكد أن عِكرمة سار بسيرة صاحبه نِجدة : فكفّر كل من فـي المسجد وودّ لو أن بيده حربة ليقتل الحجيج فـي الموسم، فهو واحد من الخوارج الذين يرون كفر ما عداهم ويستحلّون دماء المسلمين جميعاً بمن فـي ذلك النساء والأطفال.
وروى الذهبي وغيره عن عبدالله بن عمر بن الخطّاب انه قال لمولاه نافع لا تكذب عليّ كما كذب عِكرمة على ابن عباس. كما روى رواية مماثلة عن سعيد ابن المسيّب وغلامه بُرد. وعن ابن سيرين قوله عن عكرمة :” إنه كذّاب”
كما يروي الذهبي أن الإمام مالك بن أنس لم يحدّث عن عِكرمة([18])
ويؤكّد أن مسلماً لم يُخرج فـي صحيحه له([19])
وقد انتقد علماء الحديث البخاري لأخذه بأحاديث عِكرمة. ومنهم ابن الصلاّح فـي كتابه علوم الحديث إذ قال:« احتجّ البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس»([20])
وبعد كل هذه التضعيفات وما عرفنا عن أهواء عِكرمة التكفـيرية والدموية أنعجب ان يصدر عنه حديث “من بدّل دينه فاقتلوه” وهو الحديث الذي أسّس لأكثر حركات التكفـير وأحداثه فـي الإسلام من الأمس الى اليوم؟!
نقد متن حديث الردة
1-أول ما يفضح وضع حديث الردة لفظة زنادقة الواردة فـيه. فهي ليست عربية ولم تدخل لغة الضاد إلاّ فـي أواخر العصر الأمويّ. ولم تكن بالتالي معروفة زمن خلافة عليّ. وقد قمنا بدراسة ألسنية إتيمولوجية Etymologique لهذه اللفظة نقلاً عن المسعودي(ت346هـ) وأبي حاتم السجستاني وابن حجر العسقلاني وثعلب وابن تيمية وغيرهم. وخلاصتها تؤكد ما نقوله هنا.
2-وثمة إشكالية ثانية فـي هذا الحديث. فهو من حيث المبدأ يروي حادثة تاريخية هي حرق الخليفة علي مجموعة من الناس: إنها إذاً واقعة عظيمة غير مسبوقة ولا بدّ أن يشهدها ويرويها الألوف من شهود العيان. والمفارقة الكبرى هي أننا لا نجد لها أثراً فـي المصادر التاريخية كالطبري وغيره. أما كتب الأحاديث والسنن فتتضارب رواياتها عنها حتى التناقض: بعضها يقول إنهم عبدة أوثان، وآخر من غلاة الشيعة مؤلهي عليّ وثالث من المرتدين إلخ…
ورغم تعدّد روايات هذا الخبر فما من واحدة تذكر لنا عناصر تاريخية عنها: مثل من هم هؤلاء القوم؟! أين كانوا يقطنون؟! فـي أي زمن حصل ذلك؟! وأين اقتصّ منهم عليّ؟! لا شيء من ذلك نقلته الروايات،رغم أن الحادثة،لو وقعت فلا بدّ بمقتضى الشرع أن تكون على رؤوس الأشهاد!! فما من معطى تاريخي واحد فـي كل الروايات الحديثية. وهذا ما يؤكّد أن مسألة تحريق علي قوماً ليست واقعة تاريخية بل رواية ملفقة وواقعة لم تقع.
وهذا التلفـيق الواضح يطعن فـي حديث عِكرمة “من بدّل دينه فاقتلوه” ويفضح وضعه.
3-وإذا تابعنا تفحّص متن هذا الحديث والتدقيق فـيه، لوجدنا أن عِكرمة فصّله على قياسه ووفق أهوائه وعقائده الخوارجية. فقد عرف عن الخوارج كراهيتهم لعلي بن أبي طالب. وفـي الحديث طعن واضح فـيه إذ يصوّره يعمل خلاف سنّة الرسول ابن عمّه الذي نهى عن التعذيب بعذاب الله. فـيبدو أنه لا يعرف هذه السنّة،فـيأتي تلميذه ابن عبّاس ليعلّمه ما يجهل.
4-ومن آثار نزعة عكرمة التكفـيرية الخوارجية وانعكاساتها على حديثه النزعة التعميمية فـيه: من بدّل دينه فاقتلوه. لذا تساءل عدد من العلماء المسلمين :« كيف يمكن أن نقبل بهذا الحديث على عمومه الذي يفـيد شموله لكل من غيّر دينه؟!»([21])
ولخّص شيخ الأزهر محمود شلتوت الإشكالية التي طرحتها صيغة التعميم فـي هذا الحديث فذكر اختلافهم فـي اذا ما كان يقتصر على من بدّل دينه من المسلمين أم يشمل اليهوديّ الذي تنصّر مثلاً؟ وهل يشمل هذا العموم المرأة فتقتل إذا ارتدّت كما الرجل؟
وكانت اجابات الفقهاء متضاربة بعضهم قال بقتل المرأة المرتدّة وآخر برفض تبديل الذمّي دينه إلا للإسلام، إلخ…
وهذا التضارب يبين إشكالية كبرى فـي بناء حكم شرعي على حديث ملتبس اللفظ كهذا.
5-قمنا بدراسة مقارنة لحديث عكرمة كما ورد فـي الكتب الستة وغيرها من مصادر الحديث. فتبيّن لنا أنه باستثناء مسلم الذي رفضه فثمة اتجاه واضح، مع تأخر الزمن وضعف صحّة المجاميع،الى تجريد الحديث من سياقه ومن الرواية التي حوته وحملته،واطلاقه على عموم لفظه. وهذا ما نجده كذلك واضحاً فـي كتب الفقه. وتجريد حديث كهذا من سياقه وبتره وجعله مقتصراً على أربع كلمات: من بدّل دينه فاقتلوه أشبه بقولك لا إله وتوقّفك عن قول الباقي. وفـي ذلك يقول الشيخ حسن الترابي:« من بدّل دينه فاقتلوه حديث قصير جاء فـي سياق العلاقات الحربية(…) ولكن الناس انتزعوا الحديث من أسبابه الخاصّة ونسخوا به أصلاً من أصول الدين هو حرّية العقيدة»([22])
ويقول الإمام محمود شلتوت فـي نقده لهذا الحديث:«قد يتغيّر وجه النظر فـي هذه المسألة [الردة] إذ لوحظ أن كثيراً من العلماء أن الحدود لا تثبت بحديث الآحاد. وأن الكفر نفسه ليس مبيحاً للدمّ. وإنما المبيح للدمّ هو محاربة المسلمين»([23])
وفـي المحصّلة هل من العدل أن تبنى عقوبة قتل على حديث آحاد كحديث عكرمة؟! وهل من المنطق أن تسفك دماء الناس استناداً إلى حديث آحاد لا يفـيد إلاّ الظنّ؟!
الإجماع التدليسي على حدّ الرِدّة
إن دعوى الإجماع على قتل المرتدّ تسقط بسهولة عند أول تدقيق وتفحّص لها: فلا الصحابة أجمعوا على ذلك ولا التابعون ولا حتى الفقهاء.
فقد صحّ عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب أنه رفض قتل المرتدّ كما صحّ ذلك عن حفـيده الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أو عمر الثاني. وكذلك عن المحدثين الفقيهين سفـيان الثوري وابراهيم النخعي.
وابن حزم (ت465هـ) رغم تشدّده فـي حكم المرتدّ ينقض الزعم بالإجماع على وجوب قتله، فهو فـي بداية كتاب الرِدّة من موسوعته الفقهية المحلّى يعرض لشتّى الآراء فـيقول :«إن الناس اختلفوا فـي حكم المرتدّ ومنهم طائفة قالت نستتيبه مئة مرّة وطائفة قالت يستتاب أبداً ولا يقتل.»([24])
وأول من يذكر ابن حزم من الطائفة الأخيرة الخليفة عمر بن الخطاب(ت23هـ). ويخرج روايتين صحيحتين عن عمر تؤكّدان ذلك.
الأولى :«عن أنس بن مالك أن أبا موسى الأشعري قتل حجّية الكذّاب وأصحابه. قال أنس فقدمت على عمر بن الخطاب فقال: ما فعل حجّية وأصحابه؟ قال فتغافلت عنه ثلاث مرّات. فقلت يا أمير المؤمنين هل كان سبيل إلاّ القتل؟ فقال عمر: لو أتيتُ بهم لعرضتُ عليهم الإسلام، فإن تابوا، وإلاّ استودعتُهم السجن»([25])
فهذا أثرٌ واضح عن الخليفة الثاني لا يحتمل لبساً ولا تأويلاً ويفـيد أنه كان ضدّ قتل المرتدّ.
ومن أبرز التابعين الذين ساروا فـي الردة سيرةَ عمر بن الخطّاب حفـيدُه الخليفة عمر بن عبد العزيز (60-101هـ)، عُرف بعمر الثاني لعدالته وتشبّهه بجدّه لأمه عمر بن الخطّاب. وممّا أثر عنه فـي الرِدّة ما أخرجه عبد الرزّاق فـي المصنّف عن معمّر قال:«أخبرني قوم من أهل الجزيرة أن قوماً أسلموا فلم يمكثوا إلاّ قليلاً حتى ارتدّوا. فكتب فـيهم ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز، فكتب إليه عمر: أن ردّ عليهم الجزية ودعهم»([26])
ومن أبرز المحدّثين والفقهاء الذين قالوا بعدم قتل المرتدّ سفـيان الثوري(ت161هـ) وإبراهيم النخعي(ت196هـ). والمأثورات عنهما كثيرة فـي هذا الشأن وتجمع على أن المرتد يستتاب ابداً أي لا يقتل، ذكرها البيهقي (ت458هـ)فـي سننه وابن أبي شيبة فـي المصنّف وابن قدامة فـي المغني وابن تيمية فـي الصارم المسلول وغيرهم.»([27])
وأبرز من أنكر مزاعم الإجماع على قتل المرتدّ فـي الزمن المعاصر الشيخ الأزهري عبد المتعال الصعيدي(1894-1966) فـي كتابه الشهير الحرّية الدينية فـي الإسلام 1955. وممّا جاء فـيه: « برفضنا قتل المرتدّ لا نكون قد خالفنا إجماعاً صحيحاً،بل إجماعاً مدلّساً. ولا قيمة لإجماع يتمّ بذلك التدليس ويُتَستّر عليه حتى لا يظهر أنه قد خولف فعلاً من بعض السلف»([28])
وبعد سيل من الحجج والأدلّة خلُص الشيخ الصعيدي إلى أن: «حجّية الإجماع على قتل المرتدّ غير صحيحة وغير قاطعة. فضلاً عن أنها تتعارض مع صريح المنقول لا إكراه فـي الدين (البقرة 2/256). وأن عدم الإكراه فـي يكون فـي الابتداء كما يكون فـي الانتهاء(…)»([29])
الردة ليست حداً
كلمة حدّ فـي الفقه الإسلامي تطلق على الجرائم وتطلق كذلك عى عقوباتها.([30] (وللحدود ميزات أبرزها أنها مقرّرة بنصوص الشرع من قرآن أو سنّة. وأنه لا عفو ولا شفاعة فـيها ولا رجوع عن تنفـيذ العقوبة لأي سبب كان. يقول ابن تيمية فـي الصارم المسلول :« القاتل والزاني لا يسقط عنهما القتل بالتوبة(…) والحدود لا تسقط بالتوبة»([31]) والحال أن الردة يسقط القتل فـيها بالتوبة. فهل يخرجها ذلك من دائرة الحدود؟
فـي كتابنا عن الردّة الآنف الذكر عقدنا فصلاً كاملاً بينّا فـيه استناداً إلى مصادر الفقه فـي المذاهب الأربعة أن الردة ليست بحدّ. وقد تفحّصنا بنية وعمارة وتصاميم أبرز وأشهر موسوعات الفقه وأوردنا جداول مفصّلة لأبوابها وكتبها،وأهمّ ما استوقفنا فـيها أن أي منها لا يدرج الردّة ضمن كتاب الحدود. لا بل أكثر من ذلك فهي لا تسمّي الرِدّة حدّاً. ومثل على ذلك ابن قدامة المقدسي فرغم أنه من أكثر المتشدّدين فـي مسألة الردّة فهو لا يعتبرها حدّاً ولا يدرجها ضمن كتاب الحدود. وهو يعتمد الترتيب التالي: يورد أولاً كتاب المرتد وبعد أن ينتهي من عرض أحكامه يورد كتاب الحدود ويذكر فـيه الحدود الأربعة : الزنا والقذف والسرقة والحرابة. ثم حدّ السكر فـي كتاب الأشربة([32])
ويبقى موقف القدماء هذا محيّراً ويثير العديد من التساؤلات فحتى القائلين أن عقوبة الردة هي القتل لم يدرجوها ضمن الحدود بل وأحجموا عن تسمية الردّة حدّاً! فمن أين تسمية حدّ الرِدّة إذاً؟!
والمسألة أبعد من أن تكون مجرّد طريقة فـي التقسيم والتبويب. وبعض الباحثين مثل إبراهيم فوزي فـي كتابه تدوين السنّة استنتج من هذه الظاهرة اللاّفتة أن الرِدّة ليست حدّاً ولا جرماً ولا تستوجب بالتالي أية عقوبة دنيوية. أما نحن فنقول إن القدماء أحجموا عن اعتبار الرِدّة حدّاً لأسباب عديدة أبرزها اثنان:
1-الشفعة ممكنة فـي الرِدّة والتوبة تُسقط العقوبة كلّياً. وليست هذه حال الحدود كما أسلفنا.
2-الخلط الواضح بين الرِدّة وحدّ الحرابة(محاربة المسلمين). فكثيراً ما ترافقت الرِدّة بالحرابة وجاءت العقوبة على الثانية دون الأولى. فالبخاري مثلاً بوّب أبواب الحرابة مقترنة بالردّة. والخلاصة أن العقوبة الواضحة فـي السنّة أنزلت بالمرتدّ المحارب لحرابته لا لرِدّته.أمّا الفقهاء فتوسّعوا فـيها غالباً،وأنزلوها فـي كلّ مرتدّ محارباً كان أم مسالماً، ومن دون تمييز بين خارج من الجماعة وخارج عليها!! إنها شبهة واضحة فـي الرِدّة. والحدود تدرأ بالشبهات طبق المبدأ الفقهي المعروف.
وبكلمة توجز وتكثف ما سبق، فمقابل الإجماع التدليسي المشبوه على أن عقوبة الرِدّة هي القتل، ثمّة إجماع واضح لا شبهة فـيه وهو أن الرِدّة ليست حدّاً. وهو إجماع يتجاوز الاتفاق على الشكل والتبويب، ليؤشر إلى ذهنية وخلفـية ومسوّغات قرآنية وشرعية تمنع من تسمية بل حتى من اعتبار الرِدّة حدّاً.
حدّ الردة ركن التكفـير
عرف مصطلح الردة وبالتالي المرتدّ المشتقّ عنه تحوّلاً عبر الزمن بدّل مفهومه وقلب معناه. ولا يمكن فهم الرِدة وما آل إليه حدّها من دون فقه هذا الانقلاب فـي معنى هذا المصطلح. فالرِدّة فـي الاستخدام المعاصر شيء وكما عُرفت وفُهمت فـي الاسلام الباكر شيء آخر ومختلف.
وقد توسّع الفقهاء مع الزمن فـي مفهوم الرّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّدة وتحديد المرتدّ فجعلوهما يتضمنان ما لم يكن فـي أصل الكلمة ولا فـي مدلولها. وجاءت الأصوليات المعاصرة لتلبس تهمة الردّة كل من لا يتفق معها فـي الرأي والرؤية، وعمدت إلى إقامة الحدّ وتنفـيذه فـي كلّ هؤلاء. وحوّلت حدّ الرِدة من عقوبة لها ضوابطها إلى مذبحة دائمة ومتواصلة هي ما نشهده اليوم فـي الإرهاب الذي يرتدي ثوب الإسلام.
وسنعمد فـي التالي إلى دراسة نشوء مفهوم الردّة وتطوّره وتحوّله. وتداعيات كلّ ذلك وآثاره فـي تاريخ الإسلام منذ البدء وحتى يومنا هذا.
الردة فـي اللغة
يشرح لنا الراغب الأصفهاني (ت502هـ) فـي قاموسه المفردات فـي غريب القرآن:«الردّ رجوع إلى الخلف أو إلى الحالة الأصلية. والارتداد والردّة الرجوع فـي الطريق الذي جاء منه. لكن الردة تختصّ بالكفر والارتداد يستعمل فـيه وفـي غيره.»([33]) ما يعني أن الردّة لا تنطبق على من ولد مسلماً وخرج من الإسلام إذ لا رِدّة ولا رجوع فـي فعله هذا.ويتأكّد معنى الرِدّة هذا فـي الفروق لأبي هلال العسكري(ت395هـ)حيث جاء:«الفرق بين الردّ والدفع: الدفع قد يكون إلى جهة القدّام والخلف. والردّ لا يكون إلا لجهة الخلف. ويدلّ على ذلك قوله تعالى وإنهم آتيهم عذاب غير مردود(هود11/16)»([34])
والدقيقة هذه من دقائق معنى الرِدّة والمرتدّ بالمفهوم القرآني تبدو جدّ مهمّة. فهي تخرج كل مسلم ولد على الإسلام وخرج منه من دائرة الرِدّة والمرتدّين. وقد أغفلها الفقهاء سهواً،أو على الأرجح عمداً،فطبّقوا على هذه الفئة أحكام الرِدّة،وهي أصلاً لا تنطبق عليها بأية حال.وهكذا سنجد توسّعاً تدريجياً مبرمجاً فـي الغالب لمفهوم الرِدّة لجعلها تشمل شرائح من المسلمين لم تكن تتناولهم فـي الأساس.
الردة فـي الفقه
يقول الإمام الشافعي (150-204هـ) فـي موسوعته الفقهية الأمّ معرّفاً: «المرتدّ عن الإسلام من انتقل من الشرك الى الإيمان، ثم انتقل من الإيمان إلى الشرك من بالغي الرجال والنساء»([35])
تبدو مسألة الرجوع التي رأيناها واضحة فـي التحديدات اللغوية شرطاً شارطاً فـي تحديد الشافعي للمرتدّ.فهو حصراً من يدخل فـي الإسلام ثمّ يرجع عنه. وبالتالي فمن ولد على الإسلام ثمّ خرج منه لا تصحّ فـيه صفة المرتدّ.
ولعلّ من أقدم من عبّر عن التحوّل الخطير فـي مفهوم الردّة قول ابن تيمية الجدّ عبد السلام(ت652هـ) محدّداً ومنزلاً حكمه المبرم:«المرتدّ بعد إسلامه، فمن أشرك بالله أو رسوله فقد كفر. ومن جحد وجوب عبادة من الخمس أو تحريم الزنا أو الخمر أو أحلّ لحم الخنزير ونحوه من الأحكام الظاهرة المجمع عليها لجهل عرف ذلك كفر. ومن ترك الحجّ تهاوناً فـي فرضه أو الصلاة أو الصوم بأن عزم ألاّ يفعله أبداً استتيب كالمرتدّ، فإن أصرّ قُتل حدّاً»([36])
وهكذا نصل حتى إلى أن من ترك الصلاة أو الصوم أو الحجّ فقد ارتدّ ووجبت إقامة الحدّ عليه.
كيف ولمَ حصل هذا التحوّل الخطير فـي مفهوم الردة والمرتدّ؟ نكتفـي بالقول أن هذا التحوّل تزامن مع تعدّد الفرق الإسلامية وتراشقها بتهم الكفر والارتداد وبداية انحطاط الحضارة الإسلامية أو بالحري جاء نتيجة لهذا الانحطاط وكان أحد تداعياته.
وقد توسّع الفقهاء أيما توسّع فـي أحكام تارك الصلاة والصوم والحجّ وغيرها من الفرائض. ولا يتسع البحث لذكر هذه الأحكام. فقال بعضهم إن تارك الصلاة جحداً أو إهمالاً مرتدّ يقتل،وكذا قيل فـي تارك الصوم أو الحجّ. ليصلوا إلى تحديد مـتأخر مطّاطي خطير يقول “المرتدّ من انكر ما هومعلوم من الدين بالضرورة”!! فحتى إنكار الحجاب صار ردّة. جاء فـي حيثيات الحكم بالقتل ردّة على المفكّر محمود محمد طه فـي السودان :« أنه أنكر الحجاب وهو معلوم من الدين بالضرورة»([37])
ونصل مع الشيخ عبد القادر عودة فقيه الإخوان المسلمين إلى أن الحاكم الذي لا يحكم بقطع يد السارق ورجم الزاني كافر ونظامه نظام ردّة([38]). فـيكون هو وأمثاله قدمهّد الطريق للأصوليات لتكفـير كل الأنظمة العربية والإسلامية والحكم بردّتها. وبالتالي محاربتها بشتى الوسائل لقلبها.
وغدت الردّة سيفاً مسلّطاّ على رقاب المفكّرين والمجدّدين والمصلحين والحكّام والعلمانيين، لا سيما وأن عبارة “إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة “جدّ مطّاطية وتحتمل ما يشاء الفقهاء تحميلها. فالعمل بالقوانين وتشريعها كفر وردّة واللائحة لا تنتهي.
وحدّ الردّة هو حقاً اليوم محكمة تفتيش ومقصلة دائمة وجاهزة لقطع الرؤوس. وكلّ من يحيد عن الخطّ أولا يمشي فـي صفّ الفقهاء فعقابه معروف سلفاً. وحدّ الردة أساس كلّ تكفـير وأداة طيّعة بيد الحركات الأصولية والسلفـية الجهادية التي تزرع دنيانا جرائم وإرهاباً وتروّع المسلمين وغير المسلمين وتذبحهم فعلاً لا مجازاً بتهمة الكفر والردّة. وهو ما سنعرض له فـي الفقرة الأخيرة التالية من بحثنا.
عندما يصير القتل عبادة: الردّة عند السلفـية الجهاديّة
يكمن جوهر الخلاف الإيديولوجي بين القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية المنشق عنها فـي أولوية الجهاد. تعطي القاعدة الأولوية للعدو الأبعد أو الأنظمة الصليبية: أميركا وأخواتها، فـي حين يعطي التنظيم الأولوية للعدوّ الأقرب أو الأنظمة والفرق المرتدّة. وهكذا تدخل الرِدّة وحدُّها فـي جوهر استراتيجية الحركات الأصولية وأيديولوجيتها وأهدافها. ويعود أحد أسباب تقدّم الدولة الإسلامية على القاعدة إلى أنها نجحت فـي تعبئة المجاهدين وتجييشهم ضدّ المرتدّة من أنظمة كالعراق وسوريا وفرق كالشيعة والعلويين. فتلوح الرِدّة ومجاهدتُها وإقامةُ حدّ جماعيّ عليها شعاراً يستهوي المغرَّرين،أكثر ممّا تجذبهم محاربة الكفّار
وما يلحظه أي مراقب او قارئ لأدبيات التنظيمات الأصولية هو أنها تبني معظم فقهها ونظرياتها ومسوّغات نشاطاتها وارتكاباتها على مصطلحين : الحربيّ أو الكافر الحربيّ والمرتدّ. وهي تعمد إلى تكفـير أكثر المسلمين بل وحتى كلّ مسلم لا ينتمي إليها بدعوى الرِدّة زاعمة أنه ينكر معلوماً من الدين بالضرورة. وتكفّر كل الأنظمة الإسلامية والعربية، وتعتبرها مرتدّة لأنها لا تقيم الشريعة الإسلامية فتمتنع مثلاً عن قطع يد السارق ورجم الزاني وفرض الحجاب على النساء إلخ… فـيحلّ بالتالي إقامة الحدّ أي القتل عليهم فرادى وجماعات.
أما الكفار الأصليون من غير المسلمين فما من واحد منهم أو من أنظمتهم قد وقّع عهد ذمّة أو أمان مع المسلمين فهم كلّهم بالتالي كفّار حربيّون لا عصمة لهم، ولا أمان ويجوز إذاً،بل حتى يجب، قتلُهم واستباحةُ دمهم وذبحُهم. وهذا ما يحصل تحديداً للفئتين: الكفار الحربيّين والمرتدّين.
يستند تنظيم الدولة فـي أيديولوجيته وفكره السلفـي إلى كاتبين وكتابين. فمن الناحية الديماغوجية والإستراتيجية فهو يعتمد طروحات أبي بكر ناجي فـي كتاب ” إدارة التوحّش:أخطر مرحلة تمرّ بها الأمّة»([39])
أمّا على الصعيد الفقهي فـيعتمد على مرجعية ابي عبدالله المهاجر، شيخ أبي مصعب الزرقاوي. وللمهاجر كتاب عنوانه “مسائل فـي فقه الجهاد”. وهو الأساس الفقهي المعتمد ودليل العمل الإرشادي لتنظيم الدولة الإسلامية وروحه تسري فـي جميع خطابات زعماء التنظيم. ولهذا الكتاب تسمية أخرى رائجة ومتداولة وهي “فقه الدماء”.([40])
وفـي كتابنا عن حدّ الردة الآنف الذكر درسنا كتابي ناجي والمهاجر لا سيما من زاوية علاقتهما ونظرياتهما فـي حدّ الرِدّة. والخلاصة الآنفة من وحي ذلك.
يستند أبو عبدالله المهاجر فـي مرجعيته إلى الفقه السنّي بمذاهبه الأربعة ولا سيما الفقه الحنبلي وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهّاب والوهّابية([41])
وتقوم منظومةُ المهاجر الفقهية،بمجملها وكما أسلفنا، على مصطلحين: الكافر الحربيّ والمرتدّ.
فعن الأول يؤكّد المهاجر ويعيد: «كل دار ليس بينها وبين أهل الإسلام عهد : فهي دار حرب، وكلّ فرد من أهلها فهو كافر حربيّ. وإن لم يتعرّض للأسلام وأهله من قريب أو بعيد بأي أذى أو سوء حتى بمجرّد قول»([42]) وينقل المهاجر عن ابن تيمية وابن قدامة المقدسي:« كل من لم يتديّن بالإسلام فهو مباح الدمّ والمال إلاّ ان يؤمنه أهل الإسلام، ودون ذلك فلا عصمة»([43]). وينقل المهاجر حرفـياً عن ابن قدامة المقدسي فـي الكافـي فـي الفقه 1/492: «وإن وجد المسلم آدمياً مباح الدمّ : فله قتله وأكله لأن إتلافه مباح»([44])
ويختم المهاجر بنقل حرفـي عن فقيه آخر هو الخطيب الشربيني الشافعي(ت977هـ) فـي كتابه مغني المحتاج(بيروت،دار الفكر،ص4/16):
«فمن المسلّمات أنه لا يقتل المسلم إذا قتل كافراً حربياً. ومعلوم أن قتلَه عبادة، فكيف يعقل أنه يقتل به؟!»([45])
وهكذا يصير القتل عبادة يتقرّب بها القاتل إلى الله. وكأن الخطيب الشربيني وأبا عبدالله المهاجر الآخذ عنه يأبيان إلاّ أن يحقّقا للناصريّ نبوءته إذ قال :« بل ستأتي ساعةٌ يظنّ فـيها من يقتلُكم أنه يؤدّي لله عبادة»(يوحنا 16/6).
فإذا كان كلّ من ليس مسلماً كافراً حربياً فـي تحديد المهاجر، فمن هو المرتدّ؟ وفقهه يستند أساساً إلى هذين المصطلحين: الكافر والمرتدّ كما أسلفنا.
فـي هذا الفقه التعميمي للتكفـير وإباحة دماء الناس يأتي حدّ الرِدّة ركناً أساسياً. وتعميم القتل يقوم على سيبة(سلّم ثنائي الأرجل) ركناها الكافر والمرتدّ. فكل مسلم يقيم فـي دار الردّة أو دار الحرب عليه أن يهاجر إلى دار الإسلام (خلافة التنظيم) وإلاّ اعتبر مرتدّاً وجب قتالُه. وهنا ينقل المهاجر عن ابن قدامة فـي المغني:«ومتى ارتدّ أهل بلد وجرت فـيه أحكامهم، صاروا دار حرب فـي اغتنام أموالهم وسبي ذراريهم الحادثين بعد الرِدّة، وعلى الإمام قتالهم(…)لأن الله تعالى قد أمر بقتال الكفّار فـي مواضع من كتابه وهؤلاء احقّهم بالقتال، لأن تركَهم ربما اغرى أمثالَهم بالتشبّه بهم والارتداد معهم: فـيكثر الضرر بهم. وإذا قاتلهم : يقتل من قدر عليه، ويتبع مدبّرهم،ويجهز على جريحهم، ويغنم أموالهم»([46])
ومن نصّ ابن قدامة هذا نستنتج أولوية مركزية فـي تنظيم الدولة ميّزته عن القاعدة وهي أولوية قتال أنظمة الرِدّة والفرق المرتدّة كالشيعة والعلويين على قتال الأنظمة الصليبية وسائر أنظمة الكفر.
وينقل المهاجر عن المبدع لابن مفلح وكشاف القناع للبهوتي أن الكافر والمرتدّ كلّ مباح الدمّ على الإطلاق كالخنزير([47]) ويطرب لعبارة الخنزير ويعيد استخراجها من مصدر فقهي آخر هو موسوعة المغني لابن قدامة ويصفه بالإمام الكبير لحسن اختياره عباراته ربما فـيقول: «وقد قال الإمام الكبير ابن قدامة ولا يقتل ذمّي بحربيّ لا نعلم فـيه خلافاً لأنه مباح الدمّ على الإطلاق أشبه بالخنزير، ولا دية فـيه لذلك ولا كفّارة ولا يجب بقتل المرتدّ قصاص ولا ديّة ولا كفّارة سواء قتله مسلم أو ذمّي.» ([48])
وبكلمة توجز وتكثف فما استخلصناه بعد جولة طويلة فـي مصادر أيديولوجيا تنظيم الدولة ولا سيما مؤلفات أبي عبدالله المهاجر وأبي بكر ناجي هو التالي:
1-الأرض داران : دار إسلام ودار حرب.
2-والناس فئتان : مسلمون وكفّار.
3-وأخطر أصناف الكفّار المرتدّون من فرق وأنظمة. وأنظمة الدول العربية والإسلامية كلّها أنظمة رِدّة. فعلى المقيمين فـي ظلّها أن يهاجروا إلى أرض الخلافة وإلاّ كان الغالب فـيهم حكم المرتدّين. ودم الكفّار من أصليين حربيين ومرتدّين كدم الكلاب والخنازير لا قيمة له البتّة. ويجب قتال كل اصناف الكفّار هذه كلّها بدءاً بالأقرب والأخطر أي المرتدّين. وفـي قتل أيٍّ من هؤلاء عبادة يتقرّب بها المؤمن إلى ربّه.
خاتمة
وهكذا تأخذ الردّة بعدها الحقيقي الواضح، فهي ليست مجرد سيف مسلّط على رقاب المفكرين والكتّاب،بل ان التعميم فـي تحديدها سلّطها على رؤوس سائر العباد مسلمين كانوا أم لا. ونحن جميعاً اليوم ندفع غالياً جدّاً ومن دمائنا ثمن بطش الفقهاء وابتداعهم اجتهادات وأحكام وحدود ما من أساس واضح لها لا فـي الكتاب ولا فـي السنّة..
فـي المأثور عن الإمام علي قول جاء فـيه:« العرب لا ترى القتل شيئاً»([49]) وفـي الأمثال الشعبية العربية قول مماثل: « اللي بتعرف ديّتو قتلو» اي من تستطيع دفع ديّته اقتله دون تردّد.
نحن نعيش فـي ثقافة تعتبر القتل أمراً شبه عادي وليس امراً جللاً وعقوبة قصوى. وتفتخر إن لم تعذّب قبل القتل وتمثل بعد، وتعتبر ذلك منتهى الرحمة والأخلاق. وتتباهى بالحديث القائل : «إن قتلتم فأحسنوا القتل.» ونحتاج إاى أزمنة طويلة لنتربّى على ثقافة احترام الحياة: حياة أي كائن حيّ عاقلاً كان أم ممّا لا يعقل. نحن نقدّس كلّ شيء من بشر وحجر وعقائد جامدة فتّاكة فنضحّي فـي سبيلها بالأرواح. أما الحياة نفسها وهي أغلى ما وُهبنا فلا قداسة لها ولا حرمة.
فإذا كانت هذه حال الحياة فـي نظرنا وعرفنا، فماذا ستكون حال حرّية التفكير؟!
ما نشهده في أيامنا هو بالأحرى ،ومع الأسف حرية التكفير ، أو بتعبير أدقّ فوضى التكفير، إنها الفوضى الخلاّقة بالتعبير الأميركيّ او بالحريّ فوضى عصر التوحّش.
[1] -صليبا،د. لويس،عابر يلبس كهنوت المسيح،سيرة الأب عفـيف عسيران وروحانيته،جبيل/لبنان،دار ومكتبة بيبليون،ط3، 2014،ص305-306. [2] – نجيب، سليم،حرية العقيدة فـي الإسلام،موقع إيلاف،11/12/2004، www.elaph.com [3] -Péroncel-Hugos،Jean Pierre،le radeau de Mhomet،Paris،Flammarion،1984،p24. [4] -أبو،زاهر،نادية،الحق فـي تغيير الدين بين الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان،مقالة على موقعwww.maaber.org [5] -الطبري، أبوجعفرمحمدبن جرير(ت310هـ)، جامع البيان عن تأويل آي القرآن،تحقيق صدقي جميل العطّار،بيروت،دار الفكر،ط1،2005،ج3، ص18
[6] -الطبري، م..س، ج3،ص20. [7] -الزحيلي، د. وهبة، الموسوعة القرأنية الميسّرة، دمشق، دار الفكر،ط2،1423هـ،ص62. [8] -مرسي، أكرم رضا، الردّة والحرية الدينية، القاهرة، دار الوفاء، طبعة أولى، 2006، ص 42 [9] -العوا، محمد سليم،فـي أصول النظام الجنائي الإسلامي دراسة مقارنة،القاهرة،دار نهضة مصر،ط1،2006،ص204. [10]-العيني،بدر الدين محمود بن أحمد،عمدة القاري فـي شرح صحيح البخاري، تحقيق محمد أمين،بيروت،دار الفكر،ط1، 1979، ج11ص235 [11] -الشوكاني،محمد بن علي بن محمد بن عبدالله(ت1250هـ)،نيل الأوطار فـي شرح منتقى الأخبار،القاهرة،د ت،ص7/217 [12]-البخاري،الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل(194-256هـ)،صحيح البخاري،تحقيق خليل مأمون شيحا،بيروت،دار المعرفة،ط1، 2004،ص1748،ح7211. [13] -البخاري،م. س،كتاب الحدود،باب كراهية الشفاعة فـي الحدّ،ص1654-1655، ح6788 [14]- البخاري،م. س،ص1684،ح6922،و ص773 ح3017 [15] -ابن سعد،الطبقات الكبرى،تقديم إحسان عباس،بيروت،دار صادر،ط2، 1998،ص2/358. [16]- الذهبي،الإمام أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز(673-748هـ)،سير أعلام النبلاء،تحقيق حسّان عبد المنّان،ط1، 2004،ص2705. [17] -الملطي،أبو الحسين محمد بن أحمد(377هـ)،التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع،تحقيق س. ديدرينغ،بيروت،المعهد الألماني،ط جديدة،2009، ص42. [18] -الذهبي،م.س،ص2705. [19] -الذهبي،م.س،ص2787 [20] -نقلاً عن منصور،أحمد صبحي،م.س،ص54. [21] -العوا،م.س،ص188. [22] -الخشن،الشيخ حسين،الفقه الجنائي فـي الإسلام الردّة نموذجاً،بيروت،مؤسسة الإنتشار العربي،ط1، 2015، ص218 [23] -شلتوت،الإمام الأكبر محمود،الإسلام عقيدة وشريعة،القاهرة،دار الشروق،ط18، 2001، ص281. [24] -ابن حزم،العلامةابو محمد علي بن أحمد بن سعيد(384-456هـ)،المحلّى فـي شرح المجلّى بالحجج والآثار،تحقيق حسّان عبد المنّان،عمّان،بيت الأفكار الدولية،ط1، 2003، ص2100. [25] -م. ن. [26] -قلعة جي،محمد رواس،موسوعة فقه عمر بن عبدالعزيز،الكويت،جامعة الكويت،ط1، 2001،ص439-440.نقلاً عن مصنّف عبدالرزّاق ص10/171. [27]-ابن تيمية،تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحرّاني،الصارم المسلول على شاتم الرسول،الهند،دائرة المعارف العثمانية،ط1، 1322هـ،ص318. [28]-الصعيدي،الشيخ عبد المتعال،الحرية الدينية فـي الإسلام،تقديم عصمت نصّار،القاهرة،دار الكتاب المصري،ط2، 2012،ص178.
4-م.ن،ص60
-[30] العوا،م.س،.ص.53.
[31] -ابن تيمية، الصارم المسلول، م. س، ص310-311 [32] -ابن قدامة المقدسي، ابو محمد عبدالله بن أحمد، المغني فـي فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، بيروت،دار الفكر،ط1، 1405هـ، ص135-136. [33] -الراغب الأصفهاني،أبو القاسم الحسين بن محمد(ت502هـ)،المفردات فـي غريب القرآن،تحقيق محمد سيد كيلاني،بيروت،دار المعرفة،د.ت، ص192. [34] -أبو هلال العسكري،حسن بن عبدالله،معجم الفروق اللغوية،تحقيق بيت الله بيات،قمّ/إيران،مؤسسة النشر الإسلامي،ط6، 1433هـ، ص253. [35] -الشافعي،الإمام أبو عبدالله محمد بن إدريس،الأمّ،تحقيق حسّان عبدالمنّان،عمّان،بيت الأفكار الدولية،د. ت،ص196. [36] -ابن تيمية،عبد السلام بن عبدالله بنأبي القاسم أمجد الديت أبو البركات بن تيمية الحرّاني(نحو590-652هـ)، المحرّر فـي الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل،الرياض،مكتبة المعارف،ط2، 1404هـ، ج2،ص167. [37] -البنّا،جمال، تفنيد حدّ الردّة، القاهرة، د. ت،ص77. [38] -عودة،عبد القادر، التشريع الجنائي فـي الإسلام مقارناً بالقانون الوضعي،بيروت،دار الكاتب العربي، ط1، 1960، ج2، ص706. [39] -أبو رمّان،محمد،السلفـية الجهادية:داعش والنصرة من إدارة التوحّش إلى فقه الدماء، مقالة فـي مجلّة الدراسات الفلسطينية،بيروت،عدد101، شتاء2015،ص59. [40] -أبو رمّان،م. س،ص61. [41] -م.ن. [42] -المهاجر،أبو عبدالله،مسائل من فقه الجهاد،د. ت، د. ط،ص44. [43] -م.ن. [44] -م.ن، ص42. [45] -المهاجر، م.س، ص44. [46] -المهاجر،م. س،ص19،نقلاً عن ابن قدامة، المغني،9/25-26. [47] -المهاجر، م. س، ص40. نقلاً عن المبدع8/6 ونحوه تماماً فـي كشاف القناع 5/521. [48] -المهاجر، م. س، نقلاً عن المغني لابن قدامة 8/221. [49] -البرقي، أحمد بن محمد بن خالد(ت 274هـ)، المحاسن،تحقيق السيد جلال الدين الحسيني،إيران، دار الكتب الإسلامية،د. ت،ص112.