توما الأكويني وأثره عبر العصور بحوث في سيرته وفلسفته الإلهية والاجتماعية

  كان من البديهي أن يتناول المحور الأوّل في كتابنا سيرة الأكويني ومآثره. ولكننا، كما سنرى، لم نقصره على سيرة “المعلّم الملائكي”، بل توقفنا كذلك عند سيَر أبرز معلّميه مِمَّن أثروا في فلسفته وروحانيّته. من هنا عنوان الباب الأوّل: الأكويني وأساتذته.
وفي الفصل الأوّل، اخترنا نصّاً يروي سيرة الأكويني القدّيس بقلم الأب بطرس فرماج اليسوعي، وهو واحد من أبرز كتّاب سيَر القدّيسين بالعربيّة في القرن الثامن عشر. والنص منتزع من كتاب “مروج الأخيار” الذي كان يستخدم “سنكساراً” أي جامع سيَر القدّيسين يتلى في الكنائس. وواضح أن المصدر الأوّل للراوي هو الراهب الدومنيكي غيليوم دي توكّو،  Guillaume de Tocco. وكان هذا الأخير أبرز الساعين لتطويب الأكويني وإعلان قداسته. والسيرة التي دوّنهما تعود إلى عام تقديس توما 1323.
نصّ فرماج اليسوعي هو في الغالب تلخيص لرواية دي توكّو، ولمّا كانت هذه الرواية قد كتبت في سبيل دعوى تطويب توما، فمِن الطبيعي أن تركّز على الطابع العجائبي والمعجز Merveilleux et miraculeux في سيرة هذا القدّيس. وهذا ما يُعرف بِزHagiographie أدب سيَر الأولياء والقدّيسين الذي تدخله الحكايات وأحياناً الأساطير. فهو أدب يبحث عن العجيب والغريب ويضخّمه ليكون عبرة في التقوى للسامعين والقرّاء. وفي هذا الإطار تندرج حكاية الطفل توما مع الورقة التي كتب عليها اسم العذراء مريم. وقصّة توما السجين مع الملاكين اللذين ظهرا له وشدّا وسطه بحزام العفّة. وارتفاع جسده عن الأرض بعد تأمّله أمام المصلوب. لا نقول إنّ هذه الحكايات لا أصل لها، وهي من نسج الخيال. فظاهرة ارتفاع الجسد مثلاً، ما يعرف بالفرنسيّة والإنكليزيّة بِز Levitation (استرفاع)، عرفت عند الكثيرين من الأولياء والقدّيسين. والقدّيسة تريزيا الأﭬـيليّة تتحدث، في سيرتها، عن اختبارات مماثلة أثناء التأمّل. وتحاول تريزيا تفسير هذه الظاهرة استناداً إلى اختبارها فتقول إن ظاهرة الارتفاع المفاجئ واللاإرادي عن الأرض تحصل بفعل قوّة تحت الأقدام لا يمكن مقارنتها بأيّة قوّة أو شيء آخر معروف، ترفع الجسم على الرغم من أيّة مقاومة، مهما كان نوعها( ). والاسترفاع ظاهرة منتشرة عند يوغيي الهند، وقد راقبها العديد من الباحثين وأكّدوا حصولها وحاولوا تقديم تفسير علمي لها. فلا يستغرب أن يكون القدّيس توما قد عرف اختباراً مماثلاً.
جلّ ما نلحظه أن بعض هذه الروايات، يصعب التحقّق من واقعيّتها. لذا لا يجب أن يصرفنا طابعها العجيب عن مدلولاتها الرمزيّة والعبرة التي تحمل كعمق تعلّق توما بفضيلة الطهارة وتشبّثه بنذر العفّة الرهباني. وهو ما يمكن أن نستخلصه من رواية الملاكين اللذين شدّا وسطه بحزام الطهارة، من دون التوقّف عند حرفيّة أحداثها.
وتستوقفنا في اللوحة التي يرسمها الأب فرماج لهذا القدّيس بعض المناقب والفضائل، نذكر منها اثنتَين.
    

شاهد أيضاً

قاموس الفلسفة المسيحية

قاموس الفلسفة المسيحية بقيت التوماوية الفلسفة الرسيمة المعتمدة في الكنيسة الكاثوليكيةمدة قرون ولا تزال ابرز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *