لويس صليبا في كربلاء؟
الدكتور لويس صليبا الأستاذ اللبناني والباحث في الدراسات الإسلامية ، والأديان والمقارنة– في باريس وبيروت ، كاتب غني عن التعريف فهو خريج جامعة السوربون بباريس باحث وكاتب غزير النتاج منقب عن النصوص القديمة والتراث الإسلامي ، ويطرحها بإسلوب عصري وحديث ، ويعد هو أول من تجاوزت كتاباته الخمسة كتب في المعراج من عدة جوانب ولحاظات ، وقد أبدع في كل ما كتب ، وتصدرت دار بيبليون للنشر والطباعة مكانة مرموقة في مجال النشر بفضل إصداراته الرصينة ،… .
تربطني بالدكتور لويس علاقة قديمة كانت من طرف واحد لكوني مغرم في علم مقارنة الاديان ، وتخصصي في البكالوريوس اصول دين وتاريخ أديان ومقارناتها منذ أن طالعت بحوثه وكتبه وتتبعتها ، حتى توطدت بعض الشي حين راسلته على الايميل أو اتصلت به عن طريق الموبايل ، واتصلت به في العام الماضي أطرح عليه زيارة العراق ، وقبل أن يباشر مهرجان ربيع الشهادة الثامن فعالياته بقليل عرضت عليه إمكانية المجيء للعراق فرحب بها ، وتكلمت مع الأخوة الأعزاء في العتبتين المقدستين سددهم الله وشرحت لهم مكانة لويس العلمية واني وعدته بدعوة للمجيء ، فاستجابوا لي جزاهم الله خيرا مبدين تعاونهم من اجل اثراء الفكر وتحريك العقول، وحملوني جميل لن أنساه لهم .
قبل أيام وطئت أقدام الدكتور صليبا أرض العراق ولأول مرة وتشرف أن يلثم أعتاب أبي عبدالله الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام ، جاء صليبا وهو يحمل شعار أن الباحث في الأديان يجب عليه أن يفهم لا أن يحكم ، وأن الباحث في الأديان يجب أن لا يكون داعية لدينه ولا مبشراً بعقيدته وإلا أنه سيفشل لا محاله في مجاله وتخصصه ، جاء صليبا برؤية عن التشيع وعن العراق وعن كربلاء ، ورأيت بمحياه الإنبهار والإعجاب بالتشيع والعراق وكربلاء ، رأيته يحمل الروح الشيعية الطيبه والإنسانية ، رأيت تلك الدموع المنسابه منه على ضريح أبي الفضل العباس ، وكأنه يستنجد بي ويقول إنقذني وساعدني من هذه الروحانية التي سلبت لبي وتمكنت من كياني وكل مشاعري في ضريح ابي الفضل ، مالي لا أتحكم في دموعي مالها تنساب بغزارة دون إرادتي ، يحدثني عنها والدمعة تتألق بعينيه ، وكأنه يريد أن يستنطقني ليعرف سر قمر بني هاشم ، طلب مني مرة أخرى بعد وقت أن أعود به لزيارة العباس ، فاستغربت والله وأنا أراه ينحني بخشوع على أعتاب الضريح في مدخل المرقد بهيئة الراكع وقد لامست أكف يديه عتبة باب الحضرة ، وتركني ليدخل يزاحم الزائرين ليلمس الشباك الطاهر ، ويمسح بعدها يديه بوجهه ، وعاد لي ليقول ما أعطرها من رائحة ، ولم يخرج حتى جلس يرتل ويقرأ بقلبه زيارة أبي الفضل من كتاب الزيارة المنتشر بالمرقد . تجولت معه في رحاب العتبتين ، وهو يهمس لي: كأنما أحمل روحاً شيعية بينكم !، سيدي إني أكاد لا أصدق أن هذا الكرم وهذه الحفاوة هي موجودة في بلاد العرب ، أخبرته عن مضيف الحسين ومضيف أبي الفضل ، وكيف توفر وجبات الطعام اليوميه لزوار كربلاء وبخدمة تصل إلى أعلى مستوياتها ، فرأيت هذا الشيء كان غريباً على أسماعه أو لم يصدقه ، فقال أو مجاناً تأكل هذه الناس !؟ فقلت له نعم ، أنهم في ضيافة الحسين وأخيه . قال والله أن هذه الأمور في فهمنا أنها مبادئ الأخلاق المسيحية ، ولكني أعجب أني لم أجد لها تطبيقاً عند المسيحيين ، ووجدت الشيعة في كربلاء هم رعاتها وسادة هذه المبادئ .
جنازة في صحن المرقد : أستوقفته جنازة وضعت في الصحن الشريف حام حولها ذووها يتقدمهم أحد خدمة المرقد الطاهر وهويقرأ لهم الزيارة ، فقال ما يصنعون بهذا النعش في هذا المكان فأخبرته في عقيدتنا قبل أن يوارى جسد المتوفى الثرى يكون آخر عهده في الدنيا زيارة إئمة الهدى فيودع دنياه بزيارة الحسين وابي الفضل ويختمها بزيارة أمير المؤمنين في النجف الاشرف ليرقد رقدته الأخيره بجواره ، والنجف اليوم تضم أكبر مقبرة في العالم وهي التي يطمع ويتمنى كل شيعي أن يدفن بها ليحضى بجوار الامام علي عليه السلام فغادرني ليجلس مع تلك الجنازة ويقرا معهم الدعاء ويلتقط صورة ليعود لي لأحدثه عن النجف ومراجع النجف ، وهل أن النجف لنا كما هي مدينة بينارس أو فارانسي الهندية وهي المدينة المقدسة لدى الهنود مثل مكة عند المسلمين والنجف عند الشيعة وعقيدتهم اذا ماتوا فيها وصلوا للخلاص وخاصة عندما يصلون لسن الكهوله والشيخوخة فيشدون الرحال إليها ليتوفوا هناك ، واذا مات أحدهم في بلدته ينقل جسده اليها وكما تعلمون أن الهنود لا يدفنون موتاهم بل يحرقونهم ، فتوجد فيها أكبر محرقة للموتى في الهند تقصدها الهنود يحملون جنائزهم إليها … فبينت له مفهوم جوار علي عند الشيعة والدفن قرب مرقده الطاهر ، وما يعني وادي السلام في الروايات كمسكن للأرواح الطاهرة .
وكم رأيت التأثر بادياً عليه وهو يرى حفاوة الاستقبال في مكتبة الروضة العباسية ، وعرضوا عليه ما يقرب من عشر كتب من مؤلفاته ، فقال أكتبي تقرأ هنا ؟!، فقالوا له نعم ، فتأثر غاية التأثر من ذلك ، فجلس على الكرسي ، ونهض قال أني أرى مجموعة كبيرة من الشباب تجلس على الأرض بقاعة المطالعة في المكتبة وهي تقرأ وتبحث دعني أجلس معهم ، ما هذا أهكذا هو القارئ العراقي ؟! ، ثم قدم مجموعة من كتبه كان قد جلبها من لبنان هدية لمكتبة الروضة العباسية ، وأذهله ما سمعه من شرح على طريقة فهرسة المخطوطات وصيانتها وحفظها ، وكيف توفر المخطوطة على ورق مستنسخ لكل باحث يرغب بها ، ومن أراد أخذها فتنسخ له على قرص ليحققها ويقرأها ، وحين سأل عن المبالغ التي تؤخذ من الباحث قبالتها ، وكانت الصدمة عنده كبيرة حين علم أنها مجاناً ، فقال سادتي : في باريس بالسوربون المكتبات تُنَفّر الباحث من الحصول على المخطوطة فنحن في الدكتوراه أذا أحتجنا مخطوطة ، فعليك تقديم طلب ، وان ترفق مع الطلب قيمة المخطوطة كاملاً فكل ورقة يكون سعرها حدود 2 يورو فإذا كانت المخطوطة من 200 ورقة فلابد تدفع 400 يورو ، وتنتظر الموافقة وحين يأتيك الرد سواء برفض طلبك أو بالموافقة فليس لك الحق بإسترداد المبلغ ، ما عندكم شيء لا يمكن تصديقه ، خرج منهم صليبا وهو يقول: سأكتب بحثاً عن هذا ليعلم العالم بذلك كم هي عظيمة الخدمات التي تقدمها الروضة العباسية للباحثين ، ودخلنا معرض الكتاب ، والذي أتعبتني رفقة الدكتور صليبا كما أسعدتني بنفس الوقت لكثرة تأمله في الكتب وبحثه بين الرفوف عن كتاب يتيم أو نادر يتعلق بالتراث الاسلامي القديم ونحن نسير همس في أذني سأكتب عن الحسين نعم سأكتب عن الحسين ، كتاباً أشرح به رؤيتي للإمام الحسين بعد هذه الزيارة وسأطلق عليه أسم قراءة مسيحية للشهادة الحسينية .