تعريف وغلاف ومقدمة وفهارس كتاب “لبنان الكبير أم لبنان خطأ تاريخي”/ تأليف لويس صليبا، تقديم عبدالرؤوف سنّو
المؤلف/Auteur : أ. د. لويس صليبا Prof Lwiis Saliba
أستاذ محاضر ومدير أبحاث في علوم الأديان وتاريخ المشرق ولبنان
عنوان الكتاب : لبنان الكبير أم لبنان خطأ تاريخيّ؟!
نزاعات على الكيان نشأة وهويّة
Titre : Grand Liban ou Liban faute historique?!
تقديم : أ.د. عبدالرؤوف سنّو
أستاذ التاريخ وعميد سابق لكلّية التربية/الجامعة اللبنانية، ورئيس جامعة المقاصد
عدد الصفحات : 421 ص.
سنة النشر :طبعة عاشرة: 2025، ط9: 2024، ط8: 2022،
ط7: 2020، صدرت بمناسبة الاحتفال بالمئوية الأولى للبنان الكبير 1920-2020
ط6: 2019، ط5: 2019، ط4: 2018، ط3: 2017، ط2: 2016، ط1: 2015
الناشر : دار ومكتبة بيبليون
طريق الفرير-حي مار بطرس-جبيل/بيبلوس، لبنان.
Tel: 09/540256 M: 03/847633 F: 009619546736
Byblion1@gmail.com www.DarByblion.com
2025©-جميع الحقوق محفوظة، يمنع تصوير هذا الكتاب، كما يمنع وضعه للتحميل على الإنترنت تحت طائلة الملاحقة القانونية.
تقديم المؤرّخ والباحث
الدكتور عبدالرؤوف سنو
كثيرة هي الكتب والدراسات التي تناولت نشأة ”دولة لبنان الكبير“ في العام 1920. وقد لا يستطيع أي باحث أن يكتب في تاريخ لبنان الحديث، من دون البحث في الخلافات السياسية والجدال الأيديولوجي الذي صاحب الإعلان عن الدولة اللبنانية الوليدة. ففيما عرفت البلاد مرحلة استقرار سياسي، منذ الإعلان عن قيام ”متصرفية جبل لبنان“ في العام 1861، كحيّز يسود فيه المسيحيّون بنسبة 80% من سكانها، بقيت المقاطعات اللبنانية خارج الجبل ذات الغالبية الإسلامية على ولائها للسلطنة العثمانية. ومع ”لبنان الكبير“، انخرطت الطوائف اللبنانية مع بعضها البعض في نزاعات على أساس انقسام طائفي – سياسي – ثقافي حول مواقفها من ”لبنان الكبير“ – فأيّده المسيحيون بصفة عامة، لأنه يحقّق أمانيهم في كيان مستقلّ عن محيطه، بينما رفضه المسلمون، لأنه نزعهم من عمقهم العربي-الإسلامي، وشكّل تحدّياً لطموحاتهم.
الأكاديمي والباحث لويس صليبا يغوص بعمق في كتابه الجديد حول نزاعات اللبنانيين في شأن ”لبنان الكبير“. فيتجاوز المقولة الكلاسيكية المتداولة حول الانقسام العمودي المسيحي الإسلامي، ليشرّح بموضوعية المواقف المؤيدة للبنان الكبير وتلك الرافضة له داخل المعسكر المسيحي، وتحديداً بين الموارنة الداعمين للمشروع، والروم الأرثوذكس الرافضين له. ولا يكتفي بذلك، بل يدرس تباين المواقف من ”لبنان الكبير“ داخل الطائفة المارونية نفسها وأسباب ذلك، فضلاً عن التضارب الذي وقعت فيه السياسة الفرنسية إزاء الدولة الوليدة بين الأعوام 1920 و1926، والتي تسبّبت ببلبلة مارونية، ليخلص إلى طرح سؤال مركزي جريء محق:”لبنان الكبير أم لبنان خطأ تاريخي“؟
صحيح أن كتاب الدكتور صليبا ينحصر بمرحلة تأسيس ”لبنان الكبير“ وتداعياته المباشرة، إلا أن هذا ”الخطأ التاريخي“ شمل كل الطوائف: الموارنة لأنهم أرادوا كسب الأرض، فخسروا الديموغرافيا؛ والمسلمون لأنهم شعروا أنهم انتُزعوا من عمقهم العربي الإسلامي؛ والأرثوذكس الذين كانوا يخشون التسلّط الماروني عليهم. وقد انسحب هذا ”الخطأ“، منذ ذلك الحين، على كل تاريخ لبنان المعاصر، وتحوّل إلى كرة ثلج أطاحت بأية ”تفاهمات وطنية“ حول تعايش طوائفي بين اللبنانيين أو عيش مشترك. فكان تاريخ لبنان منذ إنشاء ”لبنان الكبير“ عبارة عن فسيفساء طوائفية ونزاعات طائفية ومذهبية أنتجت اضطرابات وتوترات وحروب، من دون أن تلجمها تسويتان شهيرتان هما ”الميثاق الوطني“ و”اتفاق الطائف“. فـ”الخطأ التاريخي“ في الأساس، الذي اتفق فيه مع الباحث صليبا، هو في تجميع سكّان غير متجانسين دينياً وبخصوصيات ثقافية وتجارب ماضوية متنافرة (القومية اللبنانية والعروبة) في حيّز جغرافي أُطلق عليه اسم لبنان. في العالم الغربي، أمكن حلّ هذه المعضلة بالإبقاء على التعددية، لكن بالتحوّل إلى المجتمع العلماني أو المجتمع المدني، في حين أن بقاء لبنان على حاله الطائفي، أفرز المزيد من التعقيدات والمشكلات، سياسياً ومجتمعياً وعلاقات خارجية.
يخبرنا د. لويس صليبا أن نهاية الحرب العالمية الأولى حملت معها مشاريع كيانية متضاربة للبنان: مشروع الأمير فيصل لإنشاء دولة عربية تضمّ لبنان، رحّب بها المسلمون الذين لم يروا تناقضاً في الانتقال من الرابطة العثمانية إلى العروبة. والمشروع الماروني الذي يريد تكبير ”لبنان الصغير“ (المتصرفية) إلى دولة لها مقوماتها الاقتصادية من سهول ومنافذ، عبر ضمّ أجزاء من بلاد الشام (بيروت وطرابلس بشكل خاص)، ومشروع الروم الأرثوذكس الذي كان يتلاقى مع الموقف الإسلامي السنّي المؤيد للحكم الفيصلي، على أن يبقى وضع المسيحيين في الدولة العربية كما كان عليه في العهد العثماني (أهل ذمة).
إن رفض الروم الأرثوذكس ”لبنان الكبير“ له اعتباراته التاريخية، ويكمن في علاقة التنافس والغيرة بينهم وبين الموارنة منذ الحروب الصليبية، ثم بعد ذلك خوفهم في العام 1842 من ”الذوبان“ في قائمقامية ذات أكثرية مارونية، وفي متصرفية ”مارونية“ في العام 1861، وبالتأكيد بدعم من روسيا القيصرية. ويعرض صليبا في هذا الصدد موقفين مسيحيين كنسيين إستراتيجيين متعارضين: اعتبار بطريرك الموارنة الياس الحويك أن لبنان هو ”الوطن“ المستقلّ الذي يجب توسيع حدوده الجغرافية إلى حد ”الاكتفاء الاقتصادي الذاتي“، ووجهة نظر غريمه بطريرك الروم الأرثوذكس غريغوريوس حداد بأن ”الوطن“ هو سورية الخاضعة للحكم العربي في دمشق، وليس ”لبنان الكبير“. وموقف الأرثوذكس هذا، برأينا، ليس توجّهاً سياسياً ابن ساعته، بل يعود إلى إجهارهم بعروبتهم وبأن لبنان لا ينفصل عن محيطه العربي. وبرأي صليبا، فإن علاقات الأرثوذكس التجارية الواسعة مع الداخل السوري منذ العهد العثماني، حتّمت عليهم تغليب مصالحهم الاقتصادية مع سورية على حساب ”هويتهم المسيحية“ اللبنانية. في المقابل، روّج الفكر الماروني مقولة خصوصية لبنان لتبرير فصله عن محيطه العربي. فالدولة الشريفية، بنظر الموارنة، هي دولة إسلامية مهما جرى تغليفها بقناع العروبة، على حد تعبير الدكتور صليبا (ص 165-7). وبإنشاء ”لبنان الكبير“، وصل النزاع بين الطائفتين المسيحيتين المارونية والأرثوذكسية حول الكيان الجديد إلى حد ”الاستشراس“، على حد وصف الزميل صليبا.
يسلّط الدكتور صليبا الضوء بقوة على التمايز في المواقف من ”لبنان الكبير“ داخل الطائفة المارونية. وكما هو معروف، كان البطريرك الحويك رأس الكنيسة المارونية و”السياسي“ الأول صاحب القرار في شأن الطائفة، يرى وجوب توسيع المتصرفية إلى حدود طبيعية لتوفير ”الأمن الغذائي“ للسكّان، بعدما عانى سكّانها من ويلات المجاعة خلال الحرب العالمية الأولى، وأن يكون ذلك متلازماً مع قيام لبنان مستقلّ تحت الحماية أو الانتداب الفرنسي. إلا أن هذا وضع البطريرك أمام معادلة صعبة سوف تنسحب على تاريخ لبنان المعاصر حتى اليوم، جرى التعبير عنها في حينه بقول يوسف السودا:«لبنان الصغير موت اقتصادي، الاتحاد مع سورية موت سياسي، نريد لبنان الكبير ليحيا، ونريده بلا وحدة ليكون مستقلاً» (ص 54).
أمام تلك المعادلة، يطرح صليبا سؤالاً مركزياً: عما إذا كان الموارنة وبطريركهم قد فطنوا إلى التداعيات والنتائج الخطيرة الناجمة عن خيار ”لبنان الكبير“، الذي كان سيحوّل المسيحيين من أكثرية إلى أغلبية ”على الحفة“، وقد تنقلب هذه إلى أقلية بعد زمن يسير؟ فيرى أن البطريرك ومؤيّدي ”لبنان الكبير“ لم يستمعوا إلى التحذيرات من مخاطر الديموغرافيا الإسلامية على ”لبنان الكبير“، التي ”ستأكل“ الديموغرافيا المسيحية خلال نصف قرن، ما يحوّل لبنان إلى دولة إسلامية، وربما إلى خلافة إسلامية، وفق ما ينقل صليبا عن مراقبين معاصرين. صحيح أن تحذيرات سليمان البستاني والمطران عبدالله خوري وإميل إده ثبتت صحتها بعد نصف قرن، عندما أخذ المسلمون بُعيد الاستقلال يدّعون أنهم أصبحوا الأكثرية، ويطالبون بناء على ذلك بـ ”حقوق“ ضنّ الموارنة عليهم بها. من هنا، تصاعدت مخاوف الموارنة ونبراتهم من الذوبان في الأكثرية الإسلامية. فما أنجزوه من لبنان الكبير بمسلميه، أضحى فضفاضاً عليهم من الناحية الديموغرافية، ومن الناحية السياسية بعد ذلك، على حدّ قول المؤرخ الراحل كمال صليبي. إنها من دون شك ”الديموغرافيا المشاغبة“ التي تخيف الطوائف بعضها من بعض، من دون استثناء، وتتردّد في كل صفحات كتاب لويس صليبا.
ولإثبات وجهة نظره حول ”خطأ“ البطريرك في تجاهله للديموغرافيا الإسلامية، أو في عدم فهمه مخاطرها المستقبلية، يقتبس الباحث صليبا قولاً يسخر فيه المفكر جورج سمنة من ”لبنان الكبير“ حين قال:«أي وطن قومي مسيحي هو هذا الذي نصف سكانه من غير المسيحيين» (ص 119). إن اتكاء الحويك على دعم فرنسا لطائفته وحمايتها لهم، وبأن لبنان ”صنع“ من أجلهم، جعل رأس الكنيسة المارونية لا يرى أو لا يفسّر المستقبل الذي يتربّص بأبناء ملته، من دون أن يكون ذلك ذنب المسلمين. ففرنسا تلاعبت بالطوائف اللبنانية وفق ما أملته عليها مصالحها.
وبناء على ذلك، يضيء الباحث صليبا على خلافات داخل الإدارة الفرنسية أسهمت في حدوث بلبلة داخل الصف الماروني. ففيما عمل الجنرال غورو على توسيع ”المتصرفية“ لتوفير الأمن الاقتصادي للكيان الجديد الذي لن يكون مسيحياً أبداً مع نمو الديموغرافيا الإسلامية، وقف معاونه روبرت دو كيه مع كيان لبناني ذي أغلبية مارونية ساحقة كضمان لبقاء لبنان مسيحي الهوية والطابع. وحاول الدبلوماسي الفرنسي فاشلاً عرقلة سياسة غورو، لأنه اعتقد أن تجزئة البلاد السورية إلى دويلات عديدة تصبّ في مصلحة بلاده وتُضعف الحركة القومية ”الإسلامية“ الناشئة. حتى بعد إنشاء “لبنان الكبير”، سعى دو كيه، من دون نجاح، إلى تخريب الكلّ (فصل طرابلس عن لبنان) لصالح صفاء الجزء ”الماروني“.
ويذهب بنا لويس صليبا إلى دهاليز السياسة في باريس، فيكشف لنا عن تخبّط رئاسة الحكومة الفرنسية بين مشروع دو كيه للبنان صغير بأغلبية مسيحية ساحقة، ومشروع غورو للبنان كبير بحدوده الواردة في الدستور اللبناني. لكن الغلبة كانت لغورو، حتى أن الفرنسيين ضمّوا جنوب البلاد إلى ”لبنان الكبير“ خشية أطماع الصهيونية العالمية بأرضه ومياهه، وقاموا مع البريطانيين بترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين ((Paulet-Newcombe Agreement في العام 1922. ولم يعبأ الفرنسيون بالاعتراضات الأرثوذكسية على ”لبنان الكبير“ ولا بمقاطعته من قبل المسلمين.
ولا يتفق الباحث صليبا كلياً (ص 129) مع قول مؤرخنا الراحل كمال صليبي حول مقاطعة إسلامية وأرثوذكسية للبنان الكبير طوال عهد الانتداب الفرنسي. فيرى أن المقاطعة الإسلامية والأرثوذكسية لم تستمرّ طويلاً، وإلا كيف نفسّر حماسة الشيخ محمد الجسر للبنان الكبير تحت الانتداب، وشغله مناصب رسمية رفيعة، ومنها رئاسة مجلس الشيوخ والمجلس النيابي وترشحه للانتخابات الرئاسية في العام 1932؟ وفي خلال العامين 1937 و1938، ترأس خير الدين الأحدب الحكومة اللبنانية مرتين. واسترضاءً للأرثوذكس (ضربة معلم)، كما يسمّيها صليبا، عيّن الفرنسيون شارل دباس رئيساً للجمهورية اللبنانية بين العامين 1926 و1934. كان تنصيب سلطات الانتداب أرثوذكسي على رأس الدولة اللبنانية يتنافى مع ما أفهمه الفرنسيون للموارنة بأن لبنان ”صنع من أجلهم“. فاحتجّ بطريرك الموارنة الياس الحويك على ذلك، وتم في العام 1934 تعيين الماروني حبيب باشا السعد رئيساً للبلاد مجاراة لرغبة سيد بكركي البطريرك أنطون عريضة.
ويخلص الزميل صليبا إلى أن الموارنة أدركوا متأخرين بأن ”تكبير لبنان“ أدى إلى ”تصغير مارون“، وأن كسب ”المساحة“ كان على حساب خسارتهم للديموغرافيا وللتوازن الداخلي الذي كانوا ينعمون به في عهد المتصرفية. من هنا، بدأت محاولات خلال الانتداب (إميل إده) وبعده (مطران بيروت مبارك) لتصحيح ”الخطأ“، عبر فصل مناطق إسلامية عن لبنان لحساب سورية وفلسطين، أو في تبادل السكان بين لبنان وسورية. حتى أن المطران أغناطيوس مبارك طالب في العام 1947 اللجنة الدولية المختصّة بفلسطين بإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، ليكون جاراً مسالماً لكيان مسيحي في لبنان. لكن الفاتيكان تمسّك بالتعايش المسيحي الإسلامي، وأعلن بطلان مقولة مبارك.
كلمة أخيرة، كتاب ”لبنان الكبير أم خطأ تاريخي“ جريء في معالجاته وتحليلاته وفي استنتاجاته، وهو يُضاف إلى سلسلة أعمال جليلة للباحث لويس صليبا. ومن يطلع على الكتاب الجديد يدرك بوضوح أن هذا ”الخطأ“ الذي حدث قبل 100 عام تقريباً، لا يزال يتفاعل حتى اليوم، لأن اللبنانيين، الطائفيين والمذهبيين بكل امتياز والخاضعين للقرار الخارجي، لم يعملوا على تطوير ميثاق تعايشهم ونظامهم السياسي، فبقوا طوائف وقبائل وعائلات متناحرة من دون وطن أو هوية وطنية. من هنا، فبدلاً من الدعوات للعودة إلى لبنان صغير أو تصحيح خطأ تاريخي، سواء عبر التقسيم أو الفدرلة، على اللبنانيين أن يتحاوروا معاً من أجل إيجاد صيغة تعايش جديدة، لا تسوية، تكون مقبولة من الجميع وتتسع للجميع. فالتجارب التي مرت بها شعوب أخرى، يمكن أن تشكل إلهاماً ومنارة لهم للانتقال بلبنان إلى مرحلة عيش مشترك جديدة، تقوم على الثقة بالآخر والرغبة في العيش معه.
د. عبدالرؤوف سنّو
باب الكتاب
مدخل إلى بحوثه وطروحاته، بقلم المؤلف
من رحم معاناة وتأمّل طويلين كانت ولادة هذا الكتاب.
معاناة حرب أهلية طاحنة… وتأمل مستمرّ وتفكّر في أسبابها ودواعيها. فكاتب هذه السطور ما كاد يفتح عينيه وتتفتح بصيرته على بعض من أمور هذه الحياة حتى صعقته الحرب اللبنانية الطويلة (1975 – 1991) بانفجارها وعنفها وويلاتها. فهو وأترابه من جيل الحرب المقيتة هذه، وكلٌّ دفع على قدّه وقَدَره ضريبتها الفاحشة الغلاء.
ويلات الحرب… ضريبتها وغير ذلك، كلّها دفعته دفعاً إلى التأمل في شؤون البلد الذي ولد فيه وشجونه.
هذا الكيان المسمّى لبنان! هل تتوفّر فيه المقوّمات الأساسية والضرورية لقيام وطن واستمراره؟!
هل ثمة غلطة ما ارتكبت في البدء حين ركّب الكيان وأسّس أو افتعل… ولا تزال ذيولها تجرجر حروباً وأزمات؟!.
ففي فترة لا تتجاوز عقوداً ثلاثة من السنين، ومنذ ما سمّي بالاستقلال (1943 – 1975) عرف لبنان سيلاً من الأزمات والحروب، وبدا الاستقرار والسلم الأهلي وكأنهما شواذ عن القاعدة.
وكان لا بدّ من العودة إلى ما قبل ظاهرة الاستقلال 1943، وهو بالحري استقلال واجب أخذه أكثر مما هو استقلال ناجز قد أخذ. والعودة تحديداً إلى الحدث الأبرز في تاريخ لبنان المعاصر، أي إعلان لبنان الكبير 01/09/1920. يقول المؤرخ كمال الصليبي (1929 – 2011):«إن الشعب الذي جمعته الظروف عام 1920 في الوطن اللبناني بحدوده الحاضرة، لم يلتقِ بعد على أسطورة تاريخية واحدة مقبولة من جميع فئاته»)[1](.
هل كنّا يومها نركّب وطناً… ونفبركه، ثم نبحث له عن تاريخ وفلسفة… وقومية؟!
ولبنان الكبير (1920) نفسه: فكل اخترع أسطورة عنه. فللروم أسطورة اسمها ”وادي النصارى“ وللموارنة أخرى عنوانها ”السعي إلى كيان متعدّد الطوائف“. وللآخرين أساطيرهم كذلك. فإذا كان عن الماضي القريب لكلِّ أسطورته، فما القول عن التاريخ القديم والوسيط؟!
ولا يرى كاتب هذا البحث مندوحة من تكرار ما يلي: هل تراني ملزماً بأن أشهر ”الشهادتين“ بلبنان وأتلو قانون إيمان به؟! أسارع إلى التأكيد أنني أردّد مع العالم والمؤرّخ الفيلسوف الفرنسي أرنست رينان قوله:«عندما يزول أرز لبنان، يزول لبنان»)[2](.
ولكن أي لبنان؟! وبأي حدود وموزاييك طوائف وسكّان؟! ذاك شأن آخر.
بحث هو وليد معاناة وتأمل.. أو نوع من المراجعة الذاتية. والباحث يوافق مفكّراً قوله:«لأننا فشلنا في القيام بمراجعة ذاتية وتطهير الضمير في 1841 و 1860 و 1958، اشتعلت الحرب عام 1975، ويجب أن نمنع ذلك من الحدوث مرّة جديدة»)[3](.
ولكن لا مَن يراجع… ولا مَن يسأل أو يحاسب.
ولا يزال هذا الوطن الصغير مسرحاً للأزمات… والحروب والويلات.
والعودة إلى الحدث المحوري والأبرز (لبنان الكبير 1920) قادت إلى وقفة عند عنصر أساسي من عناصره: الانشقاق المسيحي بشأنه والنزاع بين الموارنة والروم على الخيارات السياسية ونشأة الكيانات.
لم يكن بمقدور الباحث، في حدود دراسة موجزة كهذه، أن يحيط بمجمل أسباب أبرز حدث في تاريخ لبنان المعاصر ونتائجه وتداعياته، فاختار أن يحصر اهتمامه بجانب واحد وبدا نزاع Litige الموارنة والروم يومها فارضاً نفسه. ونستعير هنا من مفكّر ودبلوماسي لبناني هو نصري سلهب (1921 – 2007) توصيفه لهذا الحدث/النزاع:«في تلك المناسبة المصيرية بدا واضحاً أن الكثرة الساحقة من الموارنة تؤيّد إنشاء لبنان الكبير المكوّن من لبنان المتصرّفية، تضاف، أو تعاد إليه، الأقضية الأربعة والسناجق الثلاثة التي يعتبر أولئك الموارنة أنها سلخت عنه لدى إنشاء المتصرفية.
»ومن جهة مقابلة بدا واضحاً أن الكثرة الساحقة من المسلمين والروم الأرثوذكس المقيمين في المناطق السبع المتنازع عليها يؤيّدون الانضمام إلى سوريا تحت راية فيصل بن الحسين»)[4](.
ويعقّب سلهب مركَّزاً على المواجهة الحامية بين بكركي وأتباعها، من ناحية، ومحميي روسيا القيصرية التي لفظت أنفاسها، من ناحية أخرى، فيقول:«إن ما يهمّنا هنا هو الإشارة إلى الطلاق الذي تجلّى بين الموارنة من جهة، وبين إخواننا الروم الأرثوذكس من جهة ثانية: لكأن هؤلاء الآخرين لا يريدون عيشاً مشتركاً مع بني مارون، بل يؤثرون على ذلك العيش مع “الشقيق السوري المسلم“ بكثرته الكثيرة، والمعادي لفرنسا آنذاك»)[5](.
ولسنا نعصم الموارنة يومها من جشع بعد جوعهم القديم، وقد جاعوا حتى الموت في الحرب الكونية، جشع جعلهم يلتهمون كلّ ما رأوه أمامهم من مناطق، لا سيما وأنهم اعتبروا أنفسهم منتصرين بنصر الفرنسيين في الحرب. فصحّ فيهم المثل اللبناني القائل:«اللي بيكَبّر لقمتو، بيغصّ فيا»)[6](.
ولا نزعم أن النية كانت صافية من جانبهم تجاه إخوتهم في الإيمان المسيحي/الخلقدوني: الروم الأرثوذكس في حين أن هؤلاء لم يتجاوبوا معهم. فتاريخ العلاقات بينهما، لا بل تاريخ الجماعات المسيحية المشرقية تاريخ حزازات وفُرقة وانشقاقات، والمثل اللبناني يقول:«إن كان الكنافة بيدخلاّ توم، الموارني بيحبّ الروم»)[7](.
ولكننا بالمقابل لا نستطيع أن ننكر أنه، وبين الفئات والمذاهب والملل التي تؤلّف بمجموعها الشعب اللبناني، فالموارنة هم الوحيدون الذين سعوا إلى نشأة الكيان المسمّى لبنان الكبير وتثبيته، وذلك بغضّ النظر عمّا إذا كانوا في سعيهم الحثيث هذا مصيبين أم مخطئين.
يقول المؤرّخ كمال الصليبي في ذلك:«وكان في ظلّ المتصرّفية أن أخذ الموارنة ينضجون سياسياً كفئة حاكمة، ويتدرّبون في المسؤولية، فتحوّلت عصبيتهم الدينية تدريجياً إلى ولاء للبنان كوطن يجمع بينهم وبين الطوائف الأخرى في البلاد (…) وهكذا نشأت الفكرة اللبنانية وترعرعت في كنف عصبية الموارنة، فغدت الكنيسة المارونية القوام الأساسي لهذه الفكرة، والمؤسسة المجسّدة لها في غياب دولة لبنانية تقوم بهذه المهمّة»)[8](.
ويؤكّد الصليبي أن الموارنة، كنيسة وجماعة، هم الذين أمّنوا استمراراية الهوية اللبنانية ورسالتها وتمايزها في الأزمنة والعصور الصعبة وأوصلوها إلى شاطئ الأمان:«وقد شاءت الأقدار أن تكون من ضمن مسؤوليات الطائفة المارونية، مهمّة حمل الرسالة اللبنانية عبر قرون طويلة مظلمة من تاريخ الشرق، ونقلها إلى سائر أبناء البلاد عندما سمحت الظروف بذلك»)[9](.
ويخلص الصليبي إلى أن لبنان بكيانه الحالي ونظامه يستمرّ في حمل الرسالة التي حملها الموارنة: التعدّدية والانفتاح، وقد يأتي يوم تصل الرسالة هذه إلى الشعوب المجاورة فتعيها:«والجمهورية اللبنانية التي تجمع اليوم بين اللبنانيين على اختلاف مذاهبهم ونزعاتهم، تستمرّ، عن وعي، في حمل الرسالة التي حملها الموارنة في الماضي تلقائياً، وقد تأتي ظروف بعد تسمح للبنانيين بأن ينقلوا هذه الرسالة إلى غيرهم»)[10](.
وكمال الصليبي الذي كتب هذا الكلام عام 1969 ونشره في ملف النهار 1970)[11](، كان في تشديده على لبنان/الرسالة المستوحى من دور الموارنة سابقاً للبابا القديس يوحنا بولس الثاني وممهّداً له في قولته الشهيرة:«لبنان أكثر من وطن، إنه رسالة».
وكاتب هذا البحث، وإن كان لا يخالف نسيبه الصليبي في أكثر ما ذهب إليه في هذا الصدد، فهو لا يرى مناصاً من التأكيد أنه لم يصنّف دراسته تمجيداً لدور الموارنة أو افتئاتاً لدور غيرهم، ولا سيما منافسيهم الروم، وهو لم يسعَ ليبيّن مَن كان مصيباً ومَن كان مخطئاً في موقفه ومشروعه يومها. وما يهمّه ويعنيه أن جوّ التنافس والتخاصم والتحاسد الذي ساد بين الجماعتين قروناً قد تراجع تراجعاً ملحوظاً منذ المجمع الفاتيكاني الثاني (1960 – 1965) ولا سيما منذ لقاء البابا بولس السادس بالبطريرك المسكوني أتينا غوراس 1964. وقد توّج هذا التقارب الكاثوليكي-الأرثوذكسي بزيارة البطريرك إغناطيوس هزيم إلى الفاتيكان (أيار 1983) على رأس وفد من الأساقفة ولقائهم البابا يوحنا بولس الثاني.
هذه اللقاءات وغيرها من المؤتمرات المشتركة الكاثوليكية-الأرثوذكسية وآخرها لقاء البابا فرنسيس بالبطريرك المسكوني في القدس، أدخلت العلاقات بين الموارنة والروم في لبنان في طور جديد عنوانه التقارب. ومسيحيو الشرق جميعهم محكومون بالتعاون وطيّ صفحة الماضي وما سادها من نزاعات وتنافس، فهوية المسيحي المشرقي ووجوده واستمراره ليست كلّها في خطر داهم وحسب، بل هي فعلاً لا مجازاً في طور الانقراض. ويبقى أخذ العِبَر من الأمس القريب والبعيد ضرورياً إذا شاء هذا المسيحي أن يعيش على هذه الأرض الطيبة ويستمرّ.
وهذا البحث في تركيزه على نزاع الماضي وخلافاته، لم يشأ أن ينكأ الجراح، بل أن يستخلص منها الدروس.
لبنان 1920 كان تركيباً اصطناعياً: صحيح، ولكنه كان مصطنعاً بنفس القدر الذي كانت عليه الدول الأخرى مثل سوريا والأردن والعراق، وها هي تركيباتها تهتزّ كما كان شأنه هو مراراً، فإذا كان ثمّة خطأ ما، فليس لبنان موضعه الوحيد.
ولا يتيح هذا المدخل المزيد من التأمل في حال هذا الوطن العليل ومعضلته.
ولا بدّ من كلمة هنا في بنية البحث ومنهجيته وأسلوبه.
شاء الكاتب أن تكون دراسته موثقة وانسيابية/سلسة في آن. وليس هذا بالرهان السهل. فكتابة التاريخ ليست عملاً روائياً، ولكن ثمة تسلسل ما، أو خيط رفيع غير منظور غالباً ما يربط الأحداث، وإذا عرف الدارس المتأمّل أن يميّزه ويتتبّعه فرهانه قد رُبح.
والباب الأول يتناول المرحلة الانتقالية الأليمة من المتصرّفية إلى لبنان الكبير، وفي هذه المرحلة برز بطريركان ومشروعان. والفصل1/باب1 يعرض للخلاف الحادّ بين المشروعين، ويأتي الفصل المذكور بمثابة توطئة لما سيعرض من أحداث ومواقف في الفصول التالية.
فالفصل2 من باب1 يعود إلى جذور الخلاف في نظرة كل بطريرك وفريقه وموقفه من التركي/العثماني. ومسألة الفرمان ورفض البطاركة الموارنة المتعاقبين طلبه من السلطان العثماني زَرعت بذور استقلالية واضحة عندهم، وساهمت مساهمة فعلية وفعّالة في نشأة الفكرة اللبنانية وتطوّرها. أما البطريرك الملزَم والمجبر بطلب فرمان تثبيت من السلطان/خليفة المسلمين فلا مندوحة من أن يشعر بشيء من التبعية.
ونهاية الحرب الكونية (العالمية الأولى) كشفت عن عودة للتنافس الحادّ بل والنزاع بين الموارنة والروم. خرج الروم منها وقد فقدوا حاميهم الأساسي: روسيا القيصرية، فاختلّ التوازن، وضاعت البوصلة. أما الموارنة فشعروا بالفرج وشيء من النشوة مع انتصار حاميتهم التقليدية فرنسا.
وتناقض خيارات الجماعتين لا يمكن عزله عن تاريخ طويل من الكيد والحزازات بينهما، وسوابق خطيرة وعميقة الدلالة في رفض التعاون والتآخي. فبدا الموقف من لبنان الكبير، بين متحمّس بل ومستشرس ورافض، وكأنه استئناف لنزاع قديم، هذا ما يعرضه الفصل 3/باب1.
أما الفصل الرابع والأخير من الباب الأول، فيتوقّف، شارحاً وعارضاً، عند دوافع الموارنة في خيارهم للبنان الكبير، وأبرزها معاناتهم في الحرب الكونية: المجاعة التي فتكت بأكثر من ثلث سكان المتصرّفية وعدم توفّر الموانئ البحرية فيها ما ساهم في إحكام الحصار الغذائي والاقتصادي عليها.
فكان لا بدّ من التشبّث بإعادة ضمّ السهول والموانئ التي حرمت منها المتصرفية، وإلا فالوطن محكوم مجدّداً بالاختناق.
لهذه الأسباب، ولغيرها، كان خيار الموارنة واضحاً ومحسوماً: لبنان الكبير. ولعلّها المرّة الوحيدة في تاريخهم المعاصر التي كانوا فيها موحّدين حول خيار سياسي مصيري. وقد أثبتوا أنهم متى كانوا موحّدين نالوا ما يبتغون ويطلبون.
والباب الثاني يعرض لشخصيات عارضوا لبنان الكبير ومواقفهم، ولكنه يقتصر على معارضي هذا الخيار التاريخي من داخل الطرفين المؤسّسين له: أي الموارنة والفرنسيين.
واللافت هنا أن كِلا الفريقين المعارضين ومن الجانبين انقسما إلى تيارين: واحد يدعو إلى لبنان الصغير أو أصغر من الكبير يمثله سليمان البستاني عند الموارنة وروبير دوكيه عند الفرنسيين. أما التيار الثاني فيدعو إلى أن يكون لبنان جزءاً من فيدرالية سوريّة (فيدراسيون) يمثله جبران خليل جبران واللجنة المركزية السورية… في الجانب الماروني والمسيحي. وكاترو (وميلّران وغيره) في الجانب الفرنسي.
لبنان الكبير أو سوريا الفيدرالية
واللافت هنا أن الجنرال غورو معلن لبنان الكبير عاد وبعد سنة ليعمل للفيدراسيون، ما يبيّن أن التيار الفدرالي في الجانب الفرنسي لم يكن بالهامشي، ولا حتى بأقل ثقلاً وتأثيراً من التيار الداعي إلى تكبير لبنان.
سليمان البستاني حذّر البطريرك من خطأ تاريخي في تكبير لبنان ما يجعل الكيان يضمّ فئات غير متجانسة بل ومتصارعة، ولا نعلم الكثير من التفاصيل عن موقفه، ولكننا نرجّح، ومن خلال رسالة بعث بها إلى البطريرك الحويك غداة نشوب الحرب الكونية، أنه كان مؤمناً بلبنان الصغير/لبنان المتصرفية، وفي الفصل 1/باب2 نعرّف بسليمان البستاني، ونتناول موقفه وخلفيته ودوافعه.
وبالمقابل ومن الجانب الفرنسي، فقد عارض روبير دوكي عندما كان مسؤولاً في وزارة الخارجية الفرنسية ومن ثم بعد أن جاء إلى لبنان معاوناً للجنرال غورو، أن يضمّ لبنان مدينتي بيروت وخصوصاً طرابلس، وبقي يحاول فصل عاصمة الشمال عن لبنان بعد رحيل الجنرال غورو 1923. ويحذّر من مخاطر ضمّها إليه.
كان دوكيه دبلوماسياً محنّكاً، وقد أظهر في موقفه هذا حسّاً بل حدساً سياسياً واستراتيجياً صائباً. وفي فصل 2/باب2 نعرض لرأيه ونشاطه في سبيل وضعه موضع التنفيذ، وتصدّي الموارنة وعلى رأسهم بطريركهم، له وتفشيل مساعيه.
هذا بشأن التيار الاستقلالي والمعارض للبنان الكبير. ماذا عن التيار الفيدرالي المعارض؟!
اخترنا منه شخصيتين: لبنانية وفرنسية تمثلانه خير تمثيل.
فجبران خليل جبران النابغة المهجري الذائع الصيت دعا كما شكري غانم والدكتور سمنه إلى أن يكون لبنان جزءاً من سوريا فيدرالية في ظل انتداب فرنسي.
لم يكن صاحب ”النبي“ سياسياً. لكنه كان رؤيوياً فذّاً شعر بالمخاطر المحدقة بهذا اللبنان الكبير، وعلى رأسها عدم تجانس سكّانه، فحذّر من حرب طائفية ستهدّ لبنان وتحرقه:«لبنان البلد الصغير، الهادئ الآن، سيكون مسرحاً لمجزرة هائلة يذبح فيها المسلم المسيحي، والمسيحي الدرزي.
وسوف يذبح المسيحي أخاه المسيحي، ومَن يعش يرَ»)[12](.
لكأن جبران كان يستبصر بعينه الثالثة شريط الأحداث والمآسي والنكبات التي ستحلّ بلبنان.
وبعد إعلان لبنان الكبير أطلق جبران صرخته المدوية:«لكم لبنانكم ولي لبناني».
وخلفية موقف عبقري لبنان وأسبابه وحيثياته هي موضوع فصل3/باب2.
ومن الجانب الفرنسي، كان الكولونيل جورج كاترو (الجنرال لاحقاً) حاكم دمشق واليد اليمنى للجنرال غورو يرى، وخلافاً لِـ دو كيه، توحيد سوريا في فيدرالية على أن يكوّن لبنان جزءاً منها، ومن هنا معارضته للبنان الكبير. وقد اعتبره خطأ سيكولوجياً جسيماً جعل من فرنسا فريقاً من فرقاء النزاع عوض أن تكون حكماً بينهم. كل ذلك نتناوله في فصل 4/باب2.
واللافت أن كاترو المعارض للبنان الكبير 1920، عاد سنة 1943، وعندما كان مفوّضاً سامياً في بيروت، ليرفض وبشدّة أي مسّ بوحدة الأراضي اللبنانية وأية محاولة لتجزئتها.
أما جبران فكتب بخطّ يده شعاره الخالد:«لو لم يكن لبنان وطني، لاتخذت لبنان وطني».
أَفِعلُ ندامة كان ذلك تلاه مَن سبق له أن دعا إلى سوريا الفدرالية؟! أم اعتراف بلا واقعية هذا الطرح؟!
والباب الثالث من الكتاب يبحث في إعلان لبنان الكبير وردود الفعل عليه.
مؤسّسو هذا اللبنان جهتان: فرنسا والموارنة وشخصيتان: الجنرال غورو والبطريرك الحويك. كيف عمل الجنرال/المندوب السامي للوصول إلى هذا الإعلان؟ وكيف أقنع رؤساءه المعارضين، ولا سيما رئيس الحكومة ميلّران، بصواب فكرته ومشروعه.
هذا ما نرويه في فصل 1/باب 3 في قراءة للوثائق والمراسلات والخطب والصور العائدة إلى تلك الفترة.
والباب الثالث يعرض في آن لمواقف مؤسسي لبنان الكبير ونشاطهم ولمواقف معارضيه ورافضيه وردود فعلهم. فالفصل 2/باب3 يروي كيف اعتُبر إعلان 1/09/1920 نصراً للمسيحيين ولا سيما الموارنة، وكيف ردّ السنّة عليه، مدعومين من الروم.
أما الفصل 3/باب3 فخصّص لتفحّص ظهور مقولة لبنان خطأ تاريخي في الأوساط الأرثوذكسية والخلفية الاقتصادية والديموغرافية لموقفهم الرافض هذا.
في حين يتوقف الفصل 4/باب3 عند شخصية أرثوذكسية كانت، على الأرجح، أوّل مَن أطلق شعار: لبنان خطأ تاريخي. إنه نجيب سرسق أغنى أغنياء عصره الذي عاد لينتظم في سلك السياسة اللبنانية، ويكيّف طموحاته ويفصّلها على قياس الكيان الناشئ، فكان شعاره السلبي هذا العائق الذي حال بينه وبين رئاسة الجمهورية، فطوى النسيان الرجل، وبقي الشعار.
وأبرز مَن ورثه عنه الإسرائيليون الذين اشتروا منه ضياعه في فلسطين. فالشعار يدغدغ أحلامهم ويروي عطشهم إلى مياه لبنان. ومنذ بن غوربون وإلى موشي أرينز وغيره، وهم لا يتعبون من تكرار مقولة:«لبنان خطأ تاريخي وجغرافي كذلك». وهو ما نتناوله في فصل 4/باب3.
والباب الرابع يرسم صورة للبنان الكبير بين المدّ والجزر: كيان يصارع من أجل البقاء، ويبحث عن هوية في آن.
ويقارن الفصل1/باب4 بين الروم والموارنة في موقفهما من الدولة الشريفية ويبيّن أنها كانت، وفي الأساس، دولة إسلامية تسعى إلى إعادة الخلافة إلى العرب.
هل أمّن بطريرك الروم غطاءً مسيحياً لمشروع الدولة هذه؟
ولمَ هذا العداء الماروني السافر لها والحبّ الأرثوذكسي الذي لامس التبعية؟!
عودة إلى بطريركين يتواجهان، علناً حيناً وضمناً غالباً، في موقفين مصيريين.
أتجوز المقايسة؟! وإلى ماذا تفضي؟!
والفصل 2/باب4 يستأنف المقارنة بين البطريركين في خياراتهما السياسية وفي علاقتهما بالفرنسيين وحلفائهما عموماً.
إذا قابلنا بين علاقة البطريرك حدّاد بالأمير فيصل وعلاقة البطريرك الحويك بالجنرال غورو، فماذا نستنتج؟
هل كان الحويك تابعاً لغورو أم حليفاً له؟! وكيف انعكست صداقة غريغوريوس حدّاد لفيصل سوءاً على علاقته بالفرنسيين التي استمرّت سيئة حتى وفاته؟! وهل كان مصيباً في تطرّفه الحادّ في نصرة فيصل؟
وكيف تؤثر علاقات الرؤساء والزعماء على مصير شعوبهم؟
في الفصل الثاني/باب4 مسودّات أجوبة عن أسئلة محورية كهذه.
أما الفصل 3/باب4 فيتوسّع في إيراد مختلف الروايات التي حكت عن مشاريع ضمّ لوادي النصارى إلى لبنان. ويفنّد هذه الروايات، ويبيّن أنها مجرّد إشاعات أطلقت، ولا تزال تطلق، بين فينة وأخرى لذرّ الرماد في العيون والإيهام أن الموارنة ولا سيما الحويك، فضلّوا السنّة تارة والشيعة طوراً على روم وادي النصارى.
وواقع الحال أن ما من وثيقة واحدة تشير، وإن تلميحاً، إلى مشروع من هذا النوع. فلا الوادي عرضت أصلاً على بطرك الموارنة، ولا هو فكّر بهذا الموضوع سلباً أم إيجاباً. ولا أهل الوادي ولا الفرنسيون كانوا في هذا الوارد.
إشاعة أطلقت لاحقاً وانتشرت لغاية في نفس يعقوب غدت اليوم معروفة.
وبالمقابل فالفصل4/باب4 يميط اللثام عن أسطورة أخرى مقابلة تردّ على أسطورة وادي النصارى، ولا يزال العديد من زعماء الموارنة الروحيين والدنيويين يروّجونها إلى اليوم. ومفادها أن البطريرك الحويّك اختار، عن سابق تصوّر وتصميم، أن يضمّ اللبنان الذي يسعى إليه خليطاً من الطوائف والمجموعات الدينية، ولا يكون وطناً مسيحي الطابع كي لا يُنبذ في محيطه. أو بتعبير آخر لم يشأ كياناً مسيحياً على شاكلة إسرائيل اليهودية، رغم أن دولة إسرائيل لم تكن قد قامت بعد، وواقع الحال ووثائق ذاك الزمن كلاهما يظهران أنه، وببساطة، سعى إلى كسب في الجغرافيا على حساب الديموغرافيا. فالوطن في وجدانه ومفهومه كان جبلاً وسهلاً ومرافئ: إنها بمجموعها الحدّ الأدنى لقيام كيان قابل للعيش والاستمرار، ولكنه لم يُعِر في البداية عدم التجانس الديني لسكان الكيان المزمع إقامته كبير اهتمام. وتكشف وثائق الحويك ورسائله إلى المسؤولين الفرنسيين وغيرهم يومها أنه وحتى 1926 عام قيام الجمهورية اللبنانية ووضع الدستور كان يتحدّث عن لبنان المسيحي مقابل سوريا المسلمة، وعن لبنان الملجأ لكل مسيحيي الشرق. ويدعو إلى تبادل سكّاني إسلامي-مسيحي بين لبنان وسوريا.
والوثيقة هذه التي تُكشف للمرّة الأولى تكذّب كل الادعاءات والمزاعم من مارونية وغيرها والقائلة بأنه سعى إلى وطن متعدّد الانتماءات الدينية. وهنا بدا الحويك ومطارنته وإكليروسه عاملين على إدارة لبنان الكبير بذهنية لبنان الصغير، وهو مبدأ لم يكن قابلاً للتطبيق. والخلاصة كانت أن بطرك لبنان نجح في التكتيك، وفشل في الاستراتيجيا!!
وفي الحكم الأخير هذا بدا للباحث/الكاتب أنه أنصف ”بطرك العرب“ غريغوريوس حدّاد من دون أن يغبن منافسه ”بطرك لبنان“ الحويك حقه، وأثبت صدق زعمه حياداً ووقوفاً على مسافة واحدة من زعيمين… وفريقي نزاع.
فالبحث لم يكتب مدحاً لشخص ولا قدحاً لآخر. فلا التمجيد كان الهدف، ولا التحقير كذلك. ومصيبتنا في هذا الشرق تقديس الأشخاص والغلو في تعظيمهم.
هل يعني الفصلان 3 و 4 أن الروم والموارنة تساويا في إطلاق الأساطير المفخّخة لدور والمفخّمة لآخر؟
الجواب متروك للقارئ.
مصيبة هذا البلد أن أهله فالحون في اختراع الأساطير وإطلاقها، وفاشلون في البحث عن الحقائق وإقرارها. يقول المؤرخ كمال الصليبي:«أصرّ كل فريق من اللبنانيين منذ قيام دولة لبنان الكبير 1920 على اختلاق أساطير خاصة به، وعلى رسم صورة تاريخية للوطن الجديد تتلاءم مع أغراضه وأهوائه»)[13](.
وها هنا نموذجان بسيطان، ولكن جد معبّرين، عن هذه الأساطير: واحدة للروم وأخرى للموارنة. ورغم أن الزمن قريب ولبنان الكبير حدث معاصر، فذلك لم يمنع من نشر الأساطير بشأنه. إنها من فئة الأساطير الصغرى وتعكس أغراضاً معيّنة لمطلقيها، والصليبي لم يجانب الصواب عندما قال:«والواقع هو أن أصحاب الأساطير في لبنان ، على اختلاف نزعاتهم، يخادعون الناس ولا يخدعون إلا أنفسهم، وبعض المتّفقين معهم في هذا الغرض أو ذاك، إذ ما من لبناني عادي إلاّ ولديه من حسن الفطرة والإدراك ما يمكنه أن يفرّق تلقائياً بين الحقيقة والزغل، وبين الرأي الصادق المعقول والرأي المغرض المشوّش»)[14](.
أولى الخطوات نحو سلم أهلي ثابت أن نتصالح مع تاريخنا وأن نقلع عن إطلاق الأساطير وتصديقها واعتمادها كحقائق، وفي ذلك يقول الصليبي:«إن حبل الأسطورة، وهي ضرب من الكذب، قصير. ووعي الحقيقة التاريخية المجرّدة من قبل الخاصّة والعامة هو، في نهاية المطاف، أساس يبنى عليه المجتمع السليم، ولعلّ الإمعان في تزوير التاريخ اللبناني من قِبَل المتمسّكين بالأساطير على أنواعها، وجميعها تفرّق اللبنانيين ولا تجمعهم، هو أهم الأسباب التي ما زالت تعمل على تمزيق المجتمع اللبناني وتفتيته»)[15](.
دور المؤرخ الرصين الأساسي، يكمن، على الأرجح، في كشف الأساطير وإماطة اللثام عن الروايات الضعيفة والمفبركة والأخبار الآجيوغرافية التقوية والتقديسية، فهي تعمي البصر وتشوّش البصيرة الفردية والجماعية.
والفصل الأخير (فصل5/باب4) من الدراسة ينقل، وللمرّة الأولى، إلى العربية وثيقة مهمّة كتبها وقدّمها أواخر أيلول 1932 رئيس حكومة سابق ورئيس جمهورية لاحق للبنان هو إميل إده. والعنوان الأساسي لهذه الوثيقة هو النقيض لمسعى الحويك: التضحية بالجغرافيا من أجل كسب الديموغرافيا. يقترح إدّه التخلّي عن طرابلس شمالاً وجبل عامل جنوباً للتخلّص من أكثريتين خطيرتين: سنّية وشيعية في سبيل عودة إلى لبنان بأكثرية مسيحية طاغية.
ويقارن البحث بين طرحين: تبادل سكّاني اقترحه الحويك وتخلٍّ جغرافي ارتآه إدّه.
أي اقتراح كان الأقرب إلى الواقع والصواب؟! ولكن ما جدوى مقارنة افتراضية كهذه وكلا الطرحين لم يجدا طريقاً إلى التنفيذ… ولم يجديا نفعاً بالتالي؟!
هل جاء اقتراح إدّه، صحوة متأخرة، بعد أن سبق السيف العزل؟!
وهل كان طرح الحويك إقراراً ضمنياً بخلل ما في استراتيجيته وسعيه الدؤوب إلى لبنان الكبير؟!
لا يجب أن يغرب عن البال هنا أن الحويك وقد شرب كأس طرابلس المرّ حتى الثمالة، أو أبدى منذ البداية استعداداً لشربه، فقد شاء وسعى بالمقابل أن يبعد الفرنسيون عنه الكأس الآخر أي الطرف الجنوبي بأكثريته الشيعية الساحقة، ولكن المنتدب الفرنسي لم يشأ ولم يتجاوب، وكانت له أسبابه. وكل ذلك معروض في البحث. فلبنان الكبير، كما أعلن، خليط وتركيبة ليست مارونية بحتة ولا فرنسية محضة، بل أدخل الشريكان فيها كلٌّ ما يناسبه، لكأن الحويك قبل بمصيبة واحدة… فنكب باثنتين..
ووثيقة إدّه عودة إلى طروحات دوكيه، فهل هي حكم لهذا الأخير وعلى بطرك لبنان؟!
وفي خاتمة الدراسة بدت قراءة الحاضر باستخلاص العِبَر من الماضي أمراً يفرض نفسه. فإذا كان البحث قد تحاشى باستمرار القراءة الاستذكارية لوثائق الأمس وأحداثه ومواقفه، وتلافى بالتالي الوقوع في خطأ منهجي واضح، فأهمية التاريخ كعلم تبقى في ما يقدّمه لإنسان اليوم من فوائد ودروس. فتطوّر المجتمعات لا يقوم إلاّ بتراكم التجارب والخبرات.
ماذا يستفيد لبنانيو اليوم، ولا سيّما المسيحيون منهم من تجارب الأمس وأصدائه؟
ها هي طروحات المثالثة تصعقهم رغم أنها تعكس بوجه من وجوهها واقعاً ما أو جانباً منه.
هل تخيّل الموارنة أنهم سينقلبون أقلّية عددية في كيان طالما سعوا إليه، ثم تشبّثوا به؟!
وها هم اليوم وسائر مسيحيي لبنان مجرّد وقود لصراع سنّي-شيعي شرس لا ناقة لهم فيه ولا جمل سوى أنهم مرشحون ليكونوا أولى ضحاياه!!
رؤياهم الواضحة، ووحدة كلمتهم جعلتهم يكسبون لبنان الكبير.
والرؤيا هذه وزميلتها الوحدة، هما اليوم مجرّد حلم ليلة صيف من عام 1920.
والنزاع بينهم وبين أخوتهم الروم وإن كان قد خبا، فقد حلّ محلّه خلاف حادّ بين زعمائهم وداخل الطائفة نفسها ”من الدلف لتحت المزراب“ يقول المثل اللبناني… ومن السيء إلى الأسوأ، ولا يلوح في الأفق باب فرج.
هل يقيّض لهم ”حويك“ ثانٍ يعيد توحيدهم حول مشروع جدّي، وهم مذ رحيله يعيشون في انقسام حادّ؟! أم أنَّ هذا مجرّد حلم بل سراب ووهم؟!
زوال المسيحيين مصيبة للمسلمين تقول خاتمة هذا البحث. وحبذا لو يفكّر الفريقان بهذه المعادلة.
ولا رغبة للكاتب في التمادي في النعي… وهل يطيب لأي امرئ أن يكون نذير شؤم؟!
وأبناء هذا الوطن الصغير… محكومون بالحوار وقبول الآخر وتقبّل الاختلاف… والتخفيف من وطأة الأزمات… والخلاف، إذا شاءوا لوطنهم… وأنفسهم الحياة والاستمرار.
لبنان المسيحي تبخّر منذ مطلع الثلاثينات من القرن الماضي. بل غدا وهماً ومجرّد سراب مع إعلان لبنان الكبير.
ويبقى الأمل معقود أن لا يلقى لبنان التنوّع والعيش المشترك…. مصيراً مشابهاً.
ل. ص. Q.J.C.S.T.B
باريس في 05/10/2014
[1] – الصليبي، كمال، منطلق تاريخ لبنان، بيروت، مؤسسة نوفل، ط3، 2012، ص 11.
[2] – رياشي، إسكندر، قبل وبعد دمشق، دار أطلس، ط2، 2006، ص 13.
[3]– Frangié, Samir, Article in L’Orient Le Jour, 07/06/1997.
[4] – سلهب، نصري، المسألة المارونية، الأسباب التاريخية للإحباط الماروني، بيروت، بيسان للنشر، ط1، 2000، ص 46.
[5] – سلهب، م. س، ص 49.
[6] – يعقوب، إميل بديع، الأمثال الشعبية اللبنانية، طرابلس، جروس برس، ط1، 1984، ص 159.
[7] – يعقوب، م. س، ص 157.
[8] – الصليبي، كمال، الموارنة صورة تاريخية، بيروت، دار نلسن، ط1، 2011، ص 92.
[9] – الصليبي، الموارنة، م. س، ص 96.
[10] – م. ن، ص 97.
[11] – م. ن، ص 9.
[12] – جبران، جبران خليل، إقلب الصفحة يا فتى مخطوطات لم تنشر، تحقيق وهيب كيروز، بيروت، لجنة جبران الوطنية، ط1، 2010، ص 133.
[13] – الصليبي، منطلق، م. س، ص 11.
[14] – الصليبي، منطلق، م. س، ص 13.
[15] – الصليبي، منطلق، م. س، ص 13.
محتويات الكتاب
كتب للدكتور لويس صليبا……………………………….. 2
الإهداء……………………………………………………….. 5
تنويه…………………………………………………………. 6
الدكتور عبدالرؤوف سنّو………………………………….. 7
باب الكتاب، مدخل إلى بحوثه وطروحاته……………. 17
لبنان لكبير أو سوريا الفيدرالية…………………………. 28
باب1/من المتصرّفية والحرب إلى لبنان الكبير…………. 41
فصل1: بطريركان ومشروعان……………………… 43
نهاية الحرب وبداية الصراع على الكيانات……………… 45
البطريرك غريغريوس والحكم التيوقراطي……………… 47
الموارنة أبرز أعداء المشروع الفيصلي……………………. 48
فصل2: حدّاد والحويك وموقفهما من الأتراك…………… 51
غريغوريوس المواطن العثماني……………………………. 53
الحويك والوطن اللبناني…………………………………… 54
حدّاد وجمال باشا………………………………………….. 57
السفّاح يرغم الحويك على طلب الفرمان……………… 58
السفّاح يطلب صك تبرئة من الحويك………………….. 59
السفّاح يقارن بين الحويك وحدّاد………………………. 61
السفّاح يعتزم نفي الحويك………………………………. 62
غريغوريوس والوساطة المزعومة للحويك………………. 63
أسباب إحجام السفّاح عن نفي الحويك……………….. 66
لا دخل لحدّاد في إنقاذ الحويّك…………………………. 69
فصل3: الموارنة والروم: مشروعان متصارعان
بعد الحرب……………………………… 71
عودة إلى التنافس بين الموارنة والروم…………………… 73
تاريخ طويل من الحزازات والكيد……………………….. 76
الروم يسعون للقبض على بطرك الموارنة……………….. 77
الروم يشاركون في مذابح 1841…………………………. 79
روم مرجعيون يرفضون الانضمام إلى المتصرفية……….. 80
النزاع يُستأنف في لبنان الكبير…………………………… 82
فصل4: لبنان الكبير: الخيار الماروني………………… 85
المتصرّفية تُحرم من السهول والمرافئ……………………. 87
– البحث عن الأمن الغذائي بعد الهجرة والمجاعة…….. 89
– لا معنى لتوسيع الحدود من دون الاستقلال………… 90
– المهاجرون أوّل المطالبين بالاستقلال وتوسيع الحدود.. 93
باب2/معارضو خيار لبنان الكبير…………………… 95
مدخل……………………………………………………….. 97
فصل1: سليمان البستاني يحذّر الحويك من
الخطأ التاريخي…………………………….. 99
ستندم على لبنان الكبير بعد 50 سنة………………….. 101
الحويك والبستاني: علاقة وطيدة………………………… 102
البستاني يحذّر الحويك قبل الحرب……………………… 105
لبنان الكبير خطأ تاريخي…………………………………. 107
فصل2: روبير دو كيه رأس المعارضين لضمّ
المدن الساحلية………………………….. 109
دوكيه يعارض ضمّ بيروت وطرابلس…………………….. 111
دويلات صغيرة متجانسة دينياً…………………………… 114
طرابلس عقدة العقد……………………………………… 116
فصل طرابلس وفدرالية بين الجبل وبيروت والجنوب… 117
دو كيه يواصل العمل على فصل طرابلس……………… 119
الموارنة يتصدّون لمشاريع دو كيه……………………….. 121
تناقض حادّ في لبنان الكبير يمنع استمراريته…………… 121
مصلحة فرنسا والمسيحيين في لبنان مسيحيّ الطابع…….. 123
فصل3: جبران: ماذا يبقى من لبنانكم بعد مئة
سنة……………………………………. 125
نشاط جبران السياسي……………………………………… 127
مفهوم سوريا ودلالة التسمية عند المهاجرين…………. 133
جبران وسوريا الفدرالية…………………………………… 135
جبران يحذّر من مجزرة طائفية…………………………. 141
لكم لبنانكم ولي لبناني……………………………………. 143
تضحكني دولة لبنان الكبير………………………………. 145
دعاة سوريا الفدرالية يتراجعون…………………………. 146
جبران: لبنان وطني………………………………………… 149
فصل4: كاترو: لبنان الكبير خطأ سيكولوجي…………… 153
كاترو أبرز معاوني غورو…………………………………… 155
كاترو حاكم دمشق………………………………………… 157
دو كيه وكاترو يعارضان لبنان الكبير……………………. 158
دو كيه لتجزئة سوريا وكاترو لتوحيدها………………… 159
لبنان الكبير خطأ سيكولوجي……………………………. 161
كاترو يقنع غورو بإعادة توحيد سوريا…………………. 162
– كاترو ودوكيه: خلاف في الرأي والأسلوب…………….. 163
نظرية كاترو في الغربال……………………………………. 164
باب3/لبنان الكبير: مؤسّسوه ورافضوه………………… 167
فصل1: غورو يعلن لبنان الكبير…………………….. 169
– مراسلات غورو وميلّران…………………………………. 171
غورو ينجح في إقناع رئيس حكومته……………………. 172
أركان سياسة غورو………………………………………… 175
– خطاب غورو يوم إعلان لبنان الكبير…………………. 176
قراءة في خطاب غورو…………………………………….. 177
صورة الاحتفال ودلالاتها………………………………….. 178
فصل2: المواقف من لبنان الكبير…………………….. 181
ضمّ جبل عامل قرار فرنسي………………………………. 183
تكبير لبنان تصغير لمارون…………………………………. 184
كسب في المساحة مقابل خسارة التوازن………………. 186
إعلان لبنان الكبير أبرز حدث معاصر………………….. 188
لبنان الكبير اعتبر انتصاراً للمسيحيين…………………… 189
السنّة يقاطعون لبنان الكبير……………………………… 191
الروم يسايرون السُنّة……………………………………… 195
فصل3: الروم ولبنان الخطأ التاريخي…………………. 201
الخلفية الاقتصادية والديموغرافيّة لموقف الروم………. 203
آل سرسق ودورهم أيام العثمانيين………………………. 205
فصل4: نجيب سرسق القائل: لبنان خطأ………………. 209
نجيب سرسق أغنى أغنياء بيروت……………………….. 211
لبنان الكبير خطأ…………………………………………… 212
سرسق يطمح إلى رئاسة الجمهورية……………………… 213
الفرنسيون يختارون الدبّاس ويستبعدون سرسق…….. 215
فصل5: الإسرائيليون ولبنان الخطأ التاريخي…………… 217
المطامع بالمياه أساس نظرة الإسرائيليين إلى لبنان…….. 219
الحويك وفيصل وموقفهما من الصهاينة……………….. 221
بن غوريون: لبنان خطأ تاريخي وجغرافي………………. 222
باب4/كيان يصارع ويبحث عن هوية…………………. 225
فصل1: الموارنة والروم ومشروع الدولة
الإسلامية………………………………. 227
ثورة الشريف تهدف إلى خلافة إسلامية………………… 229
العرب المسلمون أكثر تعصّباً من الأتراك……………….. 232
الدولة الشريفية دولة إسلامية بنظر الموارنة…………… 233
حدّاد يؤمّن غطاء للدولة الشريفية الإسلامية………….. 235
الإنكليز سعوا إلى دولة حجازية إسلامية……………….. 237
بطريركان وموقفان متواجهان من الدولة الشريفية….. 239
موقف حداد: تسامح أم تبعية………………………….. 240
فصل2: الحويك وحدّاد والفرنسيون…………………… 243
بطريرك لبنان وبطريرك العرب…………………………… 245
حداد والفرنسيون علاقة استمرّت سيئة………………… 246
حدّاد والخيار السياسي الفاشل…………………………… 247
الحويك وغورو: علاقة ندّية………………………………. 248
– الحويك يهدّد غورو بالثورة…………………………….. 251
غورو يحاول تمرير مشروع اتّحاد لبناني-سوري………… 252
غورو يعرض مشروع الاتحاد……………………………… 254
خطاب ناري للحويك بحضور غورو…………………….. 256
غورو يتراجع عن مشروع الاتحاد………………………… 257
الحويك رجل المواجهات………………………………….. 258
الحويك يهدّد الفرنسيين بالثورة 1926…………………. 259
الحويك حليف غير مرتهن………………………………… 261
الحويك: كبير في مواقفه وعلاقاته……………………….. 262
فصل3: وادي النصارى ولبنان الكبير………………… 265
– وادي النصارى: الجغرافية والسكان…………………… 267
أشهر قرى وادي النصارى…………………………………. 268
– إشاعة محاولة ضمّ الوادي إلى لبنان الكبير………….. 269
خرائط الحملة الفرنسية وتقاريرها……………………… 270
حدود لبنان في تصوّر البطريركية المارونية……………… 272
الحويك يطالب بالحدور وفق التصوّر الفرنسي-الماروني 275
ليس في الوثائق أي إشارة لوادي النصارى……………… 276
لم تعرض على الحويك ولا هو رفضها……………………. 280
تفنيد أقوال المؤرّخين عن وادي النصارى………………. 281
حكي الجرائد كلام مُرسل………………………………….. 284
روم وادي النصارى لم يفكّروا أصلاً بالانضمام………….. 288
لا الفرنسيون ولا الحويك ولا أهل الوادي فكّروا بضمّها 289
فصل4: الحويك: ماروني أم وطني لبناني؟!……………. 291
بطريرك لكل اللبنانيين…………………………………….. 293
يهمّني عدل المسؤول لا مذهبه…………………………. 296
الحويك عاش لوطنه لا لنفسه…………………………… 297
الوطن: جبل وسهل ومرافئ………………………………. 299
كسب الجغرافيا وخسارة الديموغرافيا………………….. 302
لبنان الملجأ في فكر الحويك………………………………. 303
إدارة لبنان الكبير بذهنية لبنان الصغير………………… 306
نجاح في التكتيك… وفشل في الستراتيجيا؟!……………. 308
فصل5: إميل إدّه يطلب العودة
إلى لبنان المسيحي……………………….. 309
وثيقة إدّه غير الموقّعة…………………………………….. 311
– نصّ مذكّرة إدّه…………………………………………… 314
ملاحظة بشأن لبنان……………………………………….. 314
– ظروف المذكّرة……………………………………………. 316
إحصاء 1932 أظهر أكثرية مسيحية هشّة……………… 317
أسباب دعم إدّه لترشيح الجسر………………………….. 319
– الوثيقة ونسبتها إلى إميل إدّه………………………….. 320
إدّه ودو كيه………………………………………………… 321
إدّه ودوجوفنيل……………………………………………. 324
إدّه يؤيّد فصل طرابلس عن لبنان………………………. 325
إدّه يعاود الكرّة مع المفوّض بونسو…………………….. 327
لبنان أصغر من الكبير وأكبر من الصغير………………… 329
إدّه والوطن القومي المسيحي بعد الاستقلال………….. 330
قراءة نقدية لوثيقة إدّه…………………………………… 332
تقاطع المصالح اللبنانية والفرنسية……………………… 332
خسارة الجغرافيا لكسب الديموغرافيا………………….. 333
خاتمة: نظرة إلى يومنا على ضوء الأمس……………… 339
السنّة والروم: تقاطع مواقف ومصالح…………………. 341
– الرؤية الواضحة عند الموارنة جعلتهم يكسبون……… 343
– التماهي بين الهويّتين اللبنانية والمارونية…………….. 345
تقديس الأشخاص والحدود مصيبة……………………… 348
شراهة الموارنة أوقعتهم في عسر هضم…………………. 349
مصيبة الموارنة: ذهنية الاستقواء وفقدان التضامن…… 351
زوال المسيحيين مصيبة للمسلمين………………………. 353
لبنان وخطر العرقنة……………………………………….. 356
ذيــل: جبيل مدينة السِلم الأهلي والتنوّع الثقافي-الديني……………… 359
– جبيل مدينة السِلم الأهلي والتنوّع الثقافي والديني… 361
أولاً: جبيل المدينة المقدّسة في العصور القديمة……….. 361
جبيل مكّة الفينيقيين وكعبتهم…………………….. 361
جبيل بيت إيل……………………………………….. 362
التعدّدية الدينية والثقافية………………………….. 364
أثر موقع جبيل في تنوّعها الثقافي………………….. 366
تعدّد اللغات في جبيل……………………………….. 368
ثانياً: جبيل حاضرة مزدهرة في عصر الصليبيين……….. 370
استقرار أمني وازدهار……………………………….. 370
تنوّع النسيج السكاني……………………………….. 371
جبيل مدينة العِلم واللغات………………………… 372
الرحّالة يصفون جبيل……………………………….. 372
المماليك يدمّرون جبيل……………………………… 373
ثالثاً: جبيل في العصر الحديث…………………………… 374
مسيحيّو جبيل يحمون مسلميها عام 1860…….. 376
مارون عبّود: أبو محمد……………………………… 377
الشاعر عقل الجرّ رائد المحذرين من الطائفية….. 380
السِلم والتنوّع أبرز ثوابت تاريخ جبيل…………… 383
مراجع الذيل………………………………………………… 386
مكتبة البحث………………………………………………. 391
Biblioghraphie………………………………… 400
فهرس التراجم وسائر الحواشي……………………………. 403
فهرس الصور………………………………………………… 406
محتويات الكتاب………………………………………….. 408