توما الأكويني والإسلام – بحوث في مصادره الإسلامية وردوده على الفلاسفة

ماذا كان موقف القدّيس توما الأكويني الذي أصدر أوّل مؤلّفاته وهو “في الوجود والماهيّة De Ente et Essentia” عام 1256 بعد أن عرف الغرب المسيحي أرسطو ومدرسته معرفة وثيقة، أي بعد أن ذاعت مؤلّفات أرسطو ومؤلّفات تلاميذه وشرّاحه أمثال ابن سينا وابن رشد وسائر المشائيين العرب؟ ماذا كان موقف القدّيس توما الأكويني من أرسطو وهو الذي جاء بعد أن اجتاز العقل الغربي المسيحي مرحلة اعتبار أرسطو ومدرسته تياراً غازياً يهدّد سلامة العقيدة؟ من المعروف أنّه في عام 1240 انحصر كل اهتمام أساتذة كلّيتي الآداب واللاهوت – على أثر قرارَي تحريم عام 1210 و 1215 – في منطق وأخلاق وسياسة أرسطو، إذ تحاشو التعرّض للجوانب الشائكة من فلسفته أي للجانب الطبيعي والميتافيزيقي. ولكن ممّا مهّد لاتّساع اهتمام مفكّري أوروبا بأرسطو بحيث يشمل كل جوانب فلسفته إصدار البابا غريغوريوس التاسع، قراراً في عام 1231 بتشكيل لجنة لفحص مؤلّفات “الفيلسوف” بهدف إصدار طبعة كاملة لها بعد “تنقيتها” من كل ما يتعارض والعقيدة. وصحيح أن هذه اللجنة لم تنجز المهمّة المنوطة بها- شأنها في هذا شأن كل اللجان- ولكن خطوة البابا هذه تدلّ على استعداد بعض من الطليعة المستنيرة التي تملك زمام السلطة لاستقبال الجديد. وفي الأربعينيات لجأ المفكّرون المسيحيّون إلى حيلة عرفها العقل البشري منذ القِدَم ولجأ إليها كلّما كان يعجب بجديد، ولكنّه في ذات الوقت يخشى الإقبال عليه كلّية لأن القديم ما يزال مسيطراً، وأعني بهذه الحيلة التلفيق. هؤلاء المفكّرون كانوا يختارون بعض العناصر الأرسطيّة ويحاولون التوفيق بينها وبين الأفلاطونيّة المحدثة المتمثّلة في فلسفة أغسطينوس في المقام الأوّل فضلاً عن تمثّلها في فلسفتَي ابن سينا وابن غبيرول والأوّل مسيحي والثاني مسلم والثالث يهودي! هذا التلفيق يفسّر لنا عدم نقاء الأرسطيّة في كتابات هذه المرحلة. وفي عام 1255 صدر قرار في 19 مارس “يفرض” دراسة وشرح كل المؤلّفات الأرسطيّة المعروفة وقتذاك في كلّية الآداب بالجامعات المختلفة في كل أوروبا. وفي اعتقادي أن هذا القرار كان اعترافاً بواقع أكثر منه خطوة واعية ساعية للتطوّر. وهكذا تبدّل الحال ليصبح أرسطو هو الفيلسوف المعتمد المرضي عنه بعد أن كانت مؤلّفاته تحرّم بحزم! وفي نفس الفترة كان ألبرت الكبير قد شرع في إصدار شروحه على أرسطو ممّا سيكون له أعظم الأثر على تطوّر الفلسفة الغربيّة، وممّا سيساهم في نشر الأرسطيّة. وفي هذه الشروح عُني ألبرت الكبير بفضح وكشف “أباطيل” المذهب المشّائي المتعارضة مع العقيدة. أي أن ألبرت الكبير كان يحاول تنقية أرسطو. وأهميّة عمل ألبرت هذا أنّه أرسى أسس العلوم المختلفة -التي تحتويها الفلسفة بين جوانبها- في الجهاز المعرفي الغربي. أو بمعنى آخر قدّم الأسس التي سيقوم عليها في المستقبل حلّ أزمة الفِكر الغربي المسيحي، وهي الأزمة التي خلقها الوقوف على فلسفة أرسطو وشرّاحه. وإذا كان ألبرت الكبير قد وضع أسس الحل أو مهّد له فإن القدّيس توما الأكويني تلميذ ألبرت النجيب كان هو مَن سيأخذ على عاتقه إنجاز هذه المهمّة( ).

تاريخ النشر: 03/02/2011

الناشر: دار ومكتبة بيبليون

السلسلة: مكتبة توما الأكويني معلم معلمي الكنيسة

النوع: ورقي غلاف عادي،

حجم: 21×14،

عدد الصفحات: 402 صفحة   

الطبعة: 1  

مجلدات:1

اللغة: عربي

شاهد أيضاً

رسالة الأكويني في الرد على المسلمين

مدخل إلى بحوث الكتاب ونصوصهتطرح أبحاث كتابنا هذا ونصوصه وبإلحاح إشكالية الموقف من عقائد الآخر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *