مقابلة ثانية مع د. جاك فينيو/حاوره وترجم الحوار إلى العربية د. لويس صليبا/ مجلّة الأمن، تمّوز 2024
عنوان رئيسي:
البروفسور جاك فينيو J Vigne لمجلّة الأمن:
اليوغا والتأمل خيرُ علاجٍ للاكتئاب والأرق/حاوره لويس صليبا
زيارة العالِم الفرنسي البروفسور والطبيب النفساني جاك فينيو Prof Jacques Vigne للبنان في شهر نيسان 2024 كانت فرصة للكثيرين للإفادة من معرفة هذا العلّامة الرصين والاطّلاع على آخر الأبحاث في حقول الطبّ عموماً والطبّ النفسي على الأخصّ. وفي العدد السابق من مجلّة الأمن أجرينا حواراً معه تناول فيه آخر البحوث والعلاجات لمرض السرطان والأمراض المزمنة. ثم كانت لنا معه جلسة حوار ثانية تمحورت حول العلاجات السيكولوجية والطبيعية للأرق والاكتئاب وهي أمراض العصر، وننقل في التالي أبرز ما جاء فيها:
-د. جاك فينيو Vigne إلى أيّ مدى غدت اليوغا اليوم والتأمّل جزءاً من العلاجات النفسية المعتمدة؟
-هذا الموضوع كان يشغلني منذ دراستي للطب، أي منذ ما يقرب من نصف قرن. إنه يمثّل أحد المواضيع الرئيسية التوجيهية لكتبي، والتي يبلغ عددها ثمانية عشر كتابًا، بما في ذلك الكتاب الأخير الذي انتهيتُ من كتابته ولكنه لم ينشر بعد، وهو التأمل لتخفيف الألم والمعاناة. ولنبدأ بتناول الأساسيات حول هذا الموضوع، ثم وكي تكون مقاربتنا عملية وأكثر واقعية، فسنعرض الخطوط العامّة لتطبيق ذلك على علاج معيّن مثل: الاكتئاب والأرق.
-ماذا عن البحوث العلمية بشأن الأثر العلاجي لليوغا والتأمّل؟
-أودّ أن أشير بداية إلى قولٍ مأثور لـِ فيكتور هوغو: “ليس هناك فكرة أقوى من تلك التي حان وقتها”. وفي ما هو أبعد من موضوع اليوغا والتأمل والعلاج النفسي، فهناك فكرة الجمع والتوفيق بين العلم والروحانية. على سبيل المثال، يوجد حاليًا حوالي 8000 دراسة علمية منشورة باللغة الإنجليزية عن اليوغا وآثارها العلاجية، و9000 دراسة عن التأمل.
-وهل بمقدور اليوغا والتأمّل أن يغيّرا في فيزيولوجيا الإنسان وفي جهازه العصبي عموماً؟!
-الفكرة الأكثر ضررًا على الإطلاق هي تلك القائلة أنّنا لا نستطيع أن نتغيّر: إذا اعتمدناها، فلن يكون هناك أي أمل في التعليم أو علم النفس أو العمل. هذا ما يؤكّده العالِم الفيزيائي واليوغي الشهير ماتيو ريكارد Mathieu Ricard، وهو نفسه مثال على القدرة على التغيّر… ويسعدني أن أتحدّث عنه، لأنني التقيتُه شخصيًا في مقرّه في شانتلوب Chanteloube بالقرب من سان ليون سور فيزير. في دوردوني Dordogne.
–ماذا عن رأي العلم في هذه المسألة؟
-لحسن الحظ، أكدّ علم الأعصاب هذه القدرة على التغيّر من خلال دراسات المرونة العصبية والتأمل. والعائق الكبير هو ما نسمّيه توازن الدماغ l’homéostasie cérébrale، أي ميل الدماغ إلى العودة دائمًا إلى نفس النوع من مزيج الإثارة والاسترخاء، والسعادة والتعاسة، وتنشيط الجهاز السمبتاوي وما بعد السمبتاوي. ومن خلال العمل على التفاعل بين الجسد والعقل، يمكن للمرء أن يزيد على نحوٍ مطّرد “الخطّ الأساسي” للسعادة.
-الخلايا العصبية أي العامل الأساسي لأيّ تغيير، هل ينخفض عددها مع التقدّم في السن كما يقال؟
-منذ حوالي عشرين عامًا، ردّد أطباء الأعصاب مرارًا وتكرارًا أنه بدءًا من سن 15 عامًا تقريبًا، ينخفض عدد الخلايا العصبية على نحوٍ لا يرحم، وبالتالي فإن قدرة الإنسان على التطوّر تقلّ على نحوٍ ملحوظ. وقد تمّ بالفعل دحض هذه الفكرة الجاهزة من خلال دراسة أجريت على أدمغة سائقي سيّارات الأجرة في لندن: في الوقت الذي لم يكن فيه نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) موجودًا بعد، كان عليهم حفظ آلاف أسماء الشوارع وتحديد مواقعها. ونتيجة لذلك، بدأ مركز التوجّه المكاني في النمو، تمامًا مثل العضلة ذات الرأسين في رفع الأثقال. فالتدريب يعمل على العضلات كما يعمل على الدماغ. وقد أكدّ العديد من الدراسات هذه الحقائق.
-المرونة العصبية التي تتحدّث عنها ما هو الأساس التشريحي Anatomique لها؟
-إحدى آليات هذه المرونة العصبية هي حقيقة وجود خلايا جذعية cellules souches في الدماغ. في البداية ظنّ الباحثون أنه لا يوجد أيّ منها، لكن في النهاية وجدوا بعضها حول البطين المركزي ventricule central. ولزيادة حجم مراكز معيّنة، فهذه الخلايا الجذعية قادرة على الهجرة وبالتالي توفير ركيزة تشريحية للمرونة العصبية.
-الذاكرة عند الإنسان، والقدرة على التذكّر، هل هي محدودة ومعرّضة حتماً للتراجع مع العمر؟
-تمّت في الواقع دراسة اضطرابات فقدان الذاكرة على نطاق واسع في الطب النفسي، ولكن، في الآونة الأخيرة فقط، أصبحنا مهتمّين بإفراط الذاكرة hypermnésie، ولا سيما من خلال حالة الشابة الأمريكية جيل بيرس. فمنذ سن مبكرة إلى حدٍّ ما، بدأت تتذكّر كلّ الأيام التي عاشتها، ولم تتذكّر تواريخها فحسب، بل أيضًا يوم الأسبوع، وكل تفاصيل تلك الأيام. كان دماغها طبيعيًا من الناحية التشريحية. ومن وجهة نظر علم الأعصاب والعلوم التربوية، كانت حالة مثيرة للاهتمام للغاية: في الواقع، يشير هذا إلى أنه بدون استخدام تقنيات محددة، يتمتّع الدماغ بقدرة على الحفظ أكبر بكثير ممّا كان يُعتقد سابقًا. وتسير حالة متعدّدي اللغات أيضًا في هذا الاتجاه. وقد ظهر مقال علميّ عن جيل بيرس في العدد الأخير من مجلة Brain and Psycho.
–هذه المقدرة على التغيير التي تتحدّث عنها ما الذي يقف حائلاً دونها عند الإنسان العادي؟
-هناك عائق كبير أمام القدرة على التغيير وهو ما يسمّى بتوازن الدماغ l’homéostasie cérébrale، وهو ميل الدماغ إلى العودة دائمًا إلى نفس النوع من مزيج الإثارة والاسترخاء والسعادة والتعاسة، وتنشيط الجهاز السمبتاوي والجهاز ما بعد السمبتاوي.
-هل دُرس توازن الدماغ هذا علميّاً؟ وعمّا أسفرت هذه الدراسة؟
-قام البروفيسور دافيدسون Davidson، بدراسة هذا التوازن أثناء نمو الأطفال وقد بدأ بفحصه منذ سنّ الحضانة: الأطفال الصغار الذين لديهم نشاط كهربائي من المعاناة في قشرة الفصّ الجبهي الأيمن، وهو أكبر من نشاط الفرح في المركز المتماثل من قشرة الفصّ الجبهي الأيسر، يحتفظون بها عمومًا حتى مرحلة البلوغ، والعكس صحيح. وفي الخاتمة التي ألقاها أمام 700 مشارك في مؤتمر حول علم الأعصاب التأملي في دنفر عام 2012 (كان هذا المؤتمر هو الأكبر على الإطلاق في ذلك الوقت حول هذا الموضوع وقد شاركتُ فيه)، أكّد أن هناك صعوبة كبيرة، ليس فقط بالنسبة للتأمل، ولكن أيضًا للعلاج النفسي والتعليم، في النجاح في زيادة خطّ الأساس للسعادة بشكل ثابت.
-إلى ماذا تعود الصعوبة هذه؟!
-غالباً ما يكون لدينا نسبة ثابتة من السلام والمعاناة، فعلى سبيل المثال، إذا قمنا في دورة التأمل، فجأة بزيادة مقدار السلام من خلال الممارسة، فسيكون ردّ فعل الدماغ هو اختراع جميع أنواع الإثارة للعثور على النسبة التي اعتاد عليها. بمعنى آخر، نحن نفضّل المعاناة التي نعرفها على الفرح الذي لا نعرفه. يمكننا أن نذكر هنا إفراط التألم l’hyperazlgésie لدى الأشخاص الذين عانوا من الألم، أو حتى لدى الفئران التي تعيش بالقرب من فأر آخر يعاني من الألم.
-ما هو دور اليوغا والتأمّل في عملية التغيّر المأمول هذا؟
-تُظهر الدراسات حول التأمل واليوغا أنه يمكننا تغيير أشياء كثيرة في أنفسنا، لكن الأمر يتطلّب ممارسة منتظمة. وبهذه الطريقة، لا يختلف الأمر كثيرًا عن طرق التعلّم الأخرى، أو إتقان رياضة ما، أو التحدّث بلغة حديثة، أو العزف على آلة موسيقية. هنا، جسدنا وعقلنا الأساسي هما الآلة، والوعي هو الموسيقار. نحتاج أيضًا إلى تذكيرنا بانتظام من قبل المعلّم. بخلاف ذلك، وجدنا أنه في معظم مجالات التعلّم، إذا حصلنا على النصائح الأساسية فقط، فإننا نتقدّم لمدة 50 ساعة في المتوسّط، ثم نميل إلى الركود.
-هل يؤمل من اليوغا والتأمّل اليوم معالجة ناجعة للاكتئاب تُغْني عن الأدوية؟
-يكسب التأمل وسائر الطرق الطبيعية المزيد من الأهمّية في معالجة الاكتئاب، لا سيما وأنّه تبيّن أن مضادّات الاكتئاب التي تباع في الصيدليّات أقلّ فعالية بكثير ممّا كان يُعتقد سابقًا. ولدينا المشكلة عينها مع الحبوب المنوّمة. وبالمقابل فإن هاتين الفئتين من الأدوية تمثلان سوقًا استهلاكية هائلة: وبالتالي فهي في نهاية المطاف فضيحة صحّية أخرى.
–ألا تتوفّر بعض العلاجات الطبيعية في هذا المجال؟
-التقيتُ مؤخّراً بالدكتور باتريك لوموان Dr Patrick Lemoine، وهو من أبرز المدافعين عن استخدام الطب البديل في الطب النفسي، وقد أجرى بحثًا في بلجيكا على مزيج من الزعفران والرودوليا أسفر عن نتائج إيجابية ملحوظة. ويتمّ توزيعه اليوم بواسطة مختبرات Pilège تحت اسم Mélioran. وإنّني أوصي به في المقام الأول للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والذين يرغبون في الحصول على المساعدة بالأدوية.
–وماذا تحديداً عن العلاجات غير الدوائية؟
-الأبحاث التي أجريت على مدى السنوات العشر الماضية لمعالجة الاكتئاب من دون أدوية أفضت إلى مزيج من العلاج المعرفي والسلوكي والتأمل. في الدراسات، وكما هو الحال غالبًا، تم اختبار التأمل الذهني على نحوٍ أساسي. وفكرة هذا الارتباط بسيطة: فمن ناحية، تتيح لنا العلاجات المعرفية والسلوكية، CBT، أن نفهم فكريًا كيف يعمل هذا الاضطراب، ومعرفة ما يجب فعله للخروج منه؛ ومن ناحية أخرى، فإن التأمل القريب من إحساسات الجسد يسمح لنا بدمج هذا الفهم الفكري في أجسادنا. ولا بدّ لنا هنا من أن نتذكّر القاعدة الذهبية للتأمل: ما نحسُّ به يغيّر، وما لا نحسّ به لا يغيّر. وهو ما يذكّرنا بالنظام الرهباني التقليدي، حيث لا يتلقّى المبتدئ، على سبيل المثال، نصائح التأمل فقط، بل يراقبه الرهبان في سلوكه، وإذا انحرف سلوكه يتمّ مناقشة ذلك معه حتى يفهم أسباب هذا الانحراف ويعي أنه قادر على تصحيحه.
-ماذا تقصد بالتأمّل القريب من إحساسات الجسد؟ وكيف يساعد الجسم على إنجاح التأمّل وبالتالي التخلّص من حالة الاكتئاب؟
-من الواضح أن العمل على وضعة الجسم Posture أمر أساسي عموماً في التأمل، وخصوصاً في حالة الاكتئاب. فحتى مجرد الانتقال من وضعية الحزن إلى وضعية الفرح 50 مرة في الجلسة الواحدة يُعَدّ علاجًا أساسيًا جيدًا.
-هل التأمّل الجلوسي الثابت هو الحلّ الوحيد الذي تقترحه اليوغا لمعالجة الاكتئاب؟
-هناك أيضًا التأمل أثناء المشي، أو المشي التأمّلي Marche Méditative لا سيما ذاك المقرون بترداد صيغة إيجابية، فهي تسمح لنا بربط طاقة المشي والأُندورفين الذي ينتجه، مع الحالة المزاجية التي نحاول تحسينها. ويعتبر الأندورفين ومشتقّاته السيروتونين من مضادّات الاكتئاب الممتازة.
-ألا تقترح اليوغا تمارين معيّنة تساعد في العلاج؟
-الهاتا يوغا أو يوغا التمارين ووضعات الجسد تحفّز بدورها أيضًا الإندورفين والسيروتونين. ونجد هذا أيضًا في تقنيات وتمارين الجسد الأخرى، خاصة تلك الشرقية التقليدية. ويتمّ تفسير ذلك على أنه إعادة تشغيل الطاقة ويسمح لنا بالهروب من التثبيط الحركي النفسي للاكتئاب، والتحرك نحو تداول الطاقة في جميع أجزاء الجسم بطريقة متناغمة.
-كيف يعمل التأمّل على مداواة الاكتئاب؟
-الاكتئاب هو تقوقع على الذات. وبهذا المعنى، فإن التأمل الغيري المفهوم جيدًا والذي يتمّ إجراؤه بانتظام سيساعد بقوة على اجتياز هذه المشكلة. فمن خلال العمل على اللطف تجاه الآخرين، سنعمل على تطويره تجاه أنفسنا وسنقطع جذور النقد الذاتي الذي يؤدّي إلى عملية الاكتئاب.
-وماذا عن دور ما يُعرف بـِ علم النفس الروحي Psychologie Spirituelle؟
-إن المنظور الروحي الذي يرتبط عادة باليوغا يسمح لنا بالتعامل على نحوٍ أفضل مع حالات الاكتئاب الوجودي: فهي شائعة جدًا، خاصة مع تقدّمنا في العمر، والعلاج النفسي المعتاد عاجز إلى حد ما عن مواجهتها.
-د. فينيو قلتَ إن الأدوية المنوّمة، محدودة المفعول، فهل لليوغا مقاربة بديلة وطبيعيّة لمشكلة الأرق التي تبدو اليوم مستعصية ويعاني منها أكثر الناس؟
-لا بدّ لنا في البدء أن نعي أنّ معظم صعوبات النوم ترجع إلى إثارة في الجهاز السمبتاوي لا يمكن السيطرة عليها. ولمواجهتها، من الضروري تحفيز الجهاز ما بعد السمبتاوي بطريقة مستقرّة.
-كيف يمكننا إذاً معالجة ذلك عمليّاً؟
-إحدى الطرق التي يقترحها علم النفس الروحي Psychologie Spirituelle هي اتخاذ وضعية ملتوية مثل الطفل في بطن أمه. وهذا يسمح للمرء بالتراجع عن إثارة الانتباه التي تستمرّ حتى عندما نكون مستلقيين إذا حافظنا على وضعية مع عمود فقري منتصب ومتجمّد، أي جامد.
-وهل من نصائح أخرى في هذا المجال؟
-الفكرة العامة للنوم في التقاليد الروحية، على سبيل المثال تقليد البوذية التيبتيّة، هي إعادة امتصاص جميع تيّارات الإحساس في نور القلب. فحتى المعلم الداخلي الذي نتأمل فيه فوق الرأس نهارًا ينزل إلى القلب كما لو أنه في غرفة النوم ليلاً…
-غالباً ما تركّز اليوغا على التنفّس وتعلّم تقنيّات عديدة في هذا المجال، فهل من طريقة تنفّس ما من شأنها المساعدة في معالجة الأرق؟
-إن قبض النفَس والرئة فارغة مفيد جداً لشدّنا نحو “قاع البئر” وبالتالي النوم. وفي الواقع، فنحن بحاجة إلى ارتفاع كبير في نسبة ثاني أكسيد الكربون لكي نغفو، وللحصول عليه، فما من شيء مثل ممارسات قبض النفَس والرئة فارغة وهي ليست طويلة جدًا ولكنها متكرّرة: فإذا توقّفنا لفترة طويلة جدًا، فإن نقص الأوكسجين سوف يوقظ الدماغ بسبب القلق من الاختناق عوضاً عن الغفو.
-د. فينيو، تبدو نصيحتك هذه عملية وبسيطة، فهل من نصائح عملية أخرى في هذا المجال؟
-هناك أسلوب آخر مفيد جدًا ألا وهو وضع الإبهام في كل يد على جذر البنصر. وينتج عن ذلك حركة متدحرجة تحفز الجهاز ما بعد السمبتاوي تلقائيًا. على سبيل المثال، عندما نرى الكلاب أو حتى ديدان الأرض تستريح، فإنها تنحني على نفسها. وتساهم الرقبة التي تسترخي أيضًا في التدحرج، مما يسمح بالنوم.
-ماذا عن الأسباب النفسية للأرق؟ وكيف يمكننا التعامل معها؟
-أحدى الأسباب الشائعة للأرق هي الصراعات مع الآخرين. وبهذا المعنى، من المفيد أن نستخدم صيغة إيجابية من الغيرية، والتي يمكن تردادها على مستوى القلب، ويمكن أن تكون بسيطة مثل تلاوة “كن/سعيدًا” ومقطعين ونبض القلب عند الاستنشاق، والشيء عينه عند الزفير. أثناء الزفير، نشعر بمجال من الضوء يتوسّع من شاكرا القلب، وعند الشهيق، يتراجع. إذا قمنا بتصويب إصبع السبابة الأيمن عند الشهيق وأرخيناه عند الزفير، فسيكون التأثير أقوى، لأنه سيضيف التزامن داخل أنفسنا. وكل تزامن يعزّز التأمل العميق.
-وهل من نصيحة أخرى بشأن وضعية التمدّد خلال النوم؟
-عندما نستلقي على الظهر، فإن وضع كلتا اليدين بشكل متقاطع مباشرة على جلد الهارا، أي بمقدار 3 أو 4 أصابع تحت السرة، يساعد بفاعلية كبرى على تخفيف التوتّر في الوجه والرأس وتحويلها إلى طاقة مفيدة من الضوء والحرارة، مثل النار المشتعلة: رمزيًا، يرتبط الضوء بالانتباه، والحرارة بالغيرية. وهذا يتلّخص في عمل أساسي في التأمل: تحويل معاناتنا إلى عطف وفطنة.
-ختاماً، ما مدى فاعلية التأمّل في معالجة الأرق؟
ثمة ملاحظة منطقية جدّاً ولا بدّ منها في هذا الصدد: فحتى لو لم ينجح التأمّل في جلب النوم، فإنه سيمنحنا الشعور بأننا لم نضيّع وقتنا، وعندها فإنّنا نكاد نشكر الأرق على ذلك! والتأمّل يساعد بلا ريب على التخفيف والحدّ من الإثارة على مستوى الجهاز السمبتاوي، وكبح جماح الانفعالات السلبية، وبالتالي تحفيز الجهاز ما بعد السمبتاوي، وهذا تحديداً هو المطلوب لتسهيل وتيسير عملية النوم. وقد لا ننجح في أن نغفو في الليلة الأولى، ولكن مع المثابرة والتكرار لا بدّ أن نصل إلى ما نصبو إليه. وفي مطلق الأحوال فالتأمّل، وخلافاً للأدوية المنوّمة، لا آثار سلبية له كالإدمان وغيره، وهو علاج مجّاني خالٍ من المخاطر.
د. جاك فينيو Dr Jacques Vigne ما تقوله يحمل بلا ريب بارقة أملٍ للكثيرين. فمعظم الناس يمرّون في زمننا في حقبة ما في حياتهم يعانون فيها من الأرق. وقد ذاقوا الأمرّين من المشاكل التي تسبّبها الأدوية المنوّمة وما أكثرها وأغلى ثمنها وما أقلّ فاعليّتها. أما الاكتئاب فقد غدا داء هذا العصر Le Mal du Siècle في هذا الوطن الصغير الذي تتراكم فيه الأزمات والمصائب من مالية وسياسية واقتصادية وأمنيّة، فأكثر الناس فيه محبطون، وتراهم دوماً يبحثون عن بصيص أملٍ ونور في آخر النفق، وقد تحمله إليهم اليوغا وما تعلّمه. فشكراً لك على زيارتك للبنان وعلى تفقّد أصدقائك فيه في هذه الأوقات الصعبة.