نبذة في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية وخفايا دور أخوية القبر المقدس
تأليف: جرجس عبد الله العيسى
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
النوع: ورقي غلاف فني،
حجم: 21×14،
عدد الصفحات: 140 صفحة
الطبعة: 1
مجلدات: 1
اللغة: عربي
نبذة :
إن أخوته القبر المقدس اليونانية إنما هي ظاهرة غريبة في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية بل في تاريخ سائر الكنائس المسيحية وقد وصفت باليونانية هنا لأن أعضاءها مؤلفون فقط من يونان غرباء اللسان والمكان وقد اختلسوا منذ مدة لا تزيد عن ثلاثة قرون ونصف كل السلطة الروحية والإدارة الكنائسية في الكرسي البطريركي الأورشليمي من أيادي أبنائه الوطنيين وحصروهما في أنفسهم ليس إلا بحيث أن الكنيسة الأورشليمية قد فقدت بذلك استقلالها الناموسي وحريتها القانونية وأصبحت كنيسة مستقلة بالاسم فقط لا بالفعل إذ قد انقطع فيها الرباط الواجب وجوده بين الرعاة والرعية في كل كنيسة مستقلة.
فانقسمت إلى قسمين أحدهما الأكليروس البتولي المؤلف جميعه بدون استثناء من يونان غرباء اللسان والمكان ومن نسلهم الذي تسلط على جميع واردات القبر المقدس وسائر الأماكن الشريفة في أورشليم وفلسطين. والآخر الشعب الأرثوذكسي الوطني الذي قد حرم حق الدخول في سلك الرهبنة فضلاً عن أن لأزماته الكنيسية والدينية والأدبية قد تركت في زوايا الإهمال.
هذا وظهور هذه الأخوية اليونانية في الكنيسة الأرثوذكسية ليس بأقل غرابة من ظهور الأخوية الجزويتية في الكنيسة الباباوية. والأغرب منه اتفاق هاتين الأخويتين في زمن التأسيس وكذلك في اتخاذ الوسائط للحصول على غايتهما. فكما أن الأخوية الجزويتية قد تأسست عام 1534 بواسطة الراهب الإسبانيولي أغناطيوس لويلا كذلك أخويه القبر المقدس اليونانية قد تأسست في عام 1534 نفسه بواسطة الراهب اليوناني جرمانوس البيلوبونيسي.
وكما الأولى كذلك الثانية قد اتخذتا مبدئاً مناخياً لروح الدين والإنسانية لأجل الحصول على غايتهما وهو أن الغاية تبرر الواسطة. ولكن مهما هما عليه من الاتفاق في زمن التأسيس واتخاذ الوسائط محللة كانت أو محرمة للحصول على الغاية منهما تختلفان في أمرين يرجحان وجه التفضيل للجزويت على رهابين القدس اليونان من نظر ديني إنساني. لأن الأخوية الجزويتية إنما غايتها المحاماة.
عن الرئاسة الباباوية وغايتها هذه لا تمنعها عن قبول أي كان من الأمم الخاضعة لرئاسة البابا في سلك أعضائها وأما أخويه القبر المقدس اليونانية فغايتها الوحيدة هي المصلحة الذاتية تحت دعوى الجنسية اليونانية ولذلك لا تقبل في سلك أعضائها أحداً من غير اليونان. ومما ساعد مؤسسي هذه الأخوية اليونانية على اختلاس السلطة الروحية في الكنيسة الأورشليمية وحصرها في أيادي أعضائها هو ما كان لرهابين الفنار أبناء جنسهم من النفوذ العظيم في القسطنطينية نظراً لقربهم من الباب العالي.
فرهابين الفنار هؤلاء الذين كانوا في ذلك الوقت قادة النهضة الجنسية اليونانية بعد أن تمكنوا من ملاشاة استقلال الكنيستين الصربية والبلغارية بواسطة الإمتيازات العظيمة والسلطة الروحية الواسعة التي منحهم إياها السلطان محمد الثاني الفاتح على جميع الأمم الأرثوذكسية الموجودة في الممالك المحروسة العثمانية هبوا يساعدون بما لديهم من الوسائط الفعّالة أبناء جنسهم رهابين القدس لإتمام مقصدهم الجنسي وهو اختطاف السلطة الروحية في الكنيسة الأروشليمية من أيادي أبنائها الوطنيين طمعاً بواردات القبر المقدس الجسيمة ففاز بواسطتهم على تأييد اختلاسهم الكرسي البطريركي الأورشليمي وجعله وراثياً يعلوه الخلف بموجب وصية السلف حتى زمن البطريرك الأروشليمي كيرللس حينما نظرا لضعف العنصر الوطني الأوثوذكسي إلى درجة أعدته كل جسارة لإظهار حقوقه في أمر انتخاب بطريركه ألغوا إعادة الوراثة وصار يعينون البطريرك بواسطة الانتخاب المحصور منهم وفيهم.
ولما خرجت اليونان بواسطة الثورة المعلومة من سلطة الدولة العلية انتقلت حينئذ رجال قادة النهضة الجنسية اليونانية من الفنار إلى أثينا. ولكن إذا كانت أخوية القبر المقدس اليونانية قد حصلت بمساعدة رهبان الفنار على إتمام مقصدها الكنيسة الأورشليمية بحيث أنها لم تبق فيها من الأرثوذكسيين الوطنيين إلا عدداً دون اليسير فأخذت على عاتقها إتمام هذا المقصد نفسه في الكنيسة الأنطاكية أيضاً المجاورة لها مستندة على مساعدة الحكومة اليونانية لها بواسطة عمالها في سوريا.
هذا ولسوء الحظ ونظراً لعدم انتباه أبناء الكنيسة الإنطاكية في بادئ الأمر لمقصد الأخوية هذا الشنيع فلم يمض زمن طويل حتى تمكنت هذه الأخوية من الحصول على بعض مقصدها فأقامت على الكراسي البطريركي الأنطاكي من ذلك الحين حتى الآن ثلاثة أشخاص من أعضائها وهم “أيروتاوس” و”جراسيموس” و”أسبيريدون” الحالي وهي مع هذا كله لا تألوا جهداً في استعمال جميع الوسائط لاستبدال من بقي في الكنيسة الأنطاكية من المقارنة الوطنيين بمطارنة من أعضائها اليونانية.حتى إذا ما أمسى جميع المطارنة الأنطاكيين من أعضائها تسهل لديها حينئذٍ استثناء جميع الوطنيين من الوظائف الكنائسية ومنعهم من الدخول في سلك الرهبنة كما فعلت بارثوذكسيي الكنسية الأورشليمية الوطنيينن.
في هذا الإطار العام يأتي الكتاب الذي بين يدينا والذي يهتم بإفشاء سر أخويه القبر الغير المقدس اليونانية وبيان أعمالها المنافية لروح الدين والإنسانية وإزاحة الستار على إجرآتها ووارداتها ومطامعها.