الفكر اليهودي بين الخصوصية والشمولية

دراسة ومدخل إلى كتاب
”خلاصة الفكر اليهودي عبر العصور“

ها هي حلقة جديدة ونفيسة تنضم إلى سلسلة ”اليهودية بأقلام يهودية“. هذه السلسلة التي لم يمضِ بعد على إصدارها سنة، وقد عرفت بسرعة طريقها إلى مكتبة القارئ العربي، وشهدت منه إقبالاً وتجاوباً. ما شجّعنا على المضي قدماً في إصدار عناوين جديدة تغطّي جوانب ونواحي أخرى من الثقافة اليهودية، في مقاربة ونظرة ”من الداخل“.
وواقع الأمر أن التعرّف إلى الآخر، كما يعرف هو نفسه، ويحيا إيمانه وتقاليده، لا كما نعرفه عنه، من خلال مورثنا الفكري والصراعي وأحكامنا المسبقة، أمرٌ بتنا نحن، في هذا الشرق، بحاجة حيوية إليه. يقول أستاذ الديانة اليهودية في جامعة الكسليك أ. إميل عقيقي، في تأكيد على هذه الحاجة: «في هذه الظروف المعقّدة، التي يمرّ بها الشرق العربي في صراعه مع دولة إسرائيل، لا بد من إيجاد مناخات إيجابية تهيئ لمستقبل يسود فيه العقل والمنطق والمعرفة المتبادلة، مما يخفف من وطأة التباعد والتخاصم، والتجاهل المؤدّي إلى الجهل الذي يملأ أرجاءنا، في غياب فكر موضوعي يوصل الذات إلى الآخر، من خلال مصادر تعبّر عن هذه الذات، في حقيقتها المجرّدة، بعيداً عن أي لبس يزيد الجهل جهلاً، والغموض غموضاً، والتباعد تباعداً. فتزول كل فرصة لقاء، ولو فكري، من أمامنا نحن الذين ننشد المعرفة، كرديف للسلام الخارجي والداخلي على السواء( )».
واللقاء الفكري الذي يتحدّث عنه هذا الباحث أمر أساسي وضروري، بغضّ النظر عن الصراع السياسي – العسكري الدائر وموقفنا منه، ورغبتنا في استمراره أو توقفه.
ونحن نتفق تماماً معه في ضرورة توفّر مصادر تعبّر عن ذات الآخر في حقيقتها المجرّدة، بعيداً عن أي لبس يزيد الجهل جهلاً. فطالما عانينا من الجهل والتجهيل وتسلّط الجهلاء، أو مشجّعي التجهيل.
وتوفير المصادر هذه هو هدف سلسلتنا ”اليهودية بأقلام يهودية“، التي تفسح المجال لكتّاب يهود للحديث عن ديانتهم، من شتّى الجوانب العقائدية والتاريخية والفلسفية الخ.
والمؤلَّف الذي نقدّمه اليوم إلى المكتبة العربية، يسدّ فراغاً في هذه الأخيرة. وقد صدر بالعربية، في طبعته الأولى، في القاهرة عام 1938، تحت عنوان ”في الفكر اليهودي“. ويقدّم مصنَّفنا ما لم تحوه عشرات، بل مئات، الكتب العربية التي تناولت اليهودية وفكرها بالدراسة والبحث. إنه، وبحق، خلاصة مكثّفة للفكر اليهودي، ليس عبر دراسة تاريخية أو نقدية أو نقضية، بل من خلال نصوص أساسية من التراث اليهودي، جمعت من التلمود والمشناة، ومن كتابات كبار أحبار اليهود وفلاسفتهم ومفكريهم، بحيث تشكّل، وفقاً لتعبير مقدّم الكتاب الحاخام حايم ناحوم: ”دائرة معارف موجزة وافية، تحوي زبدة العقائدة اليهودية في الدين والأخلاق والإجتماع“، (ص أ).
Q.J.C.S.T.B
د. لويس صليبا
باريس 09/03/2006