سليم مراد تلميذ درزي يفوز بالجائزة الأولى في مباراة معاني عيد الميلاد 1975 في صفّ الأستاذ نعيم يزبك/بقلم لويس صليبا
وأبرز الأساتذة الذين علّموني في تلك السنة الدراسية 1975-1976 في مدرسة الفرير ماريست/جبيل وكان لهم أثرٌ في تنشئتي ثلاثة: أستاذ الرياضيّات نبيل خوري، ورئيس المدرسة الأخ فرنسوا جوزف، وأستاذ اللغة العربية نعيم يزبك.
الموضوع الفائز بالجائزة الأولى وفي الأسفل توقيع سليم مراد
صورة تذكارية من سليم مراد كتب في الخلف: ويلٌ لإنسان إذا صرخ أخي لم يجبه إلا الذين ولدتهم أمّه
الأستاذ نعيم يزبك غاضباً في الصفّ
الأستاذ نعيم يزبك (1919-2006) كتبتُ بحثاً عنه هو الآن فصل من كتاب([1])، ولا أرى ضرورة للتكرار. بيد أنّني أكتفي بذكر بعض ما لم يذكر في ذاك الكتاب، ولا سيما نشاط نظّمناه معه تلك السنة، وكان له صداه في المدرسة برمّتها. إذ عمدنا في الحركة الرسولية المريمية، فرقة سيدة لورد الآنفة الذكر، وبمناسبة حلول عيد الميلاد (25/12/1975) إلى تنظيم مباراة بين تلامذة الصفّ الرابع في الإنشاء موضوعها: “من وحي مغارة بيت لحم”. على أن نوزّع على الثلاثة الأُوَل، وبالتالي الفائزين في المباراة جوائز عبارة عن كتبٍ تولّت فرقة الحركة شراءها. وكنتُ صاحب فكرة هذه المباراة والعامل على تنظيمها، ومَن عرض على الأستاذ نعيم يزبك هذا المشروع فوافق ورحّب. كانت الحرب الطائفية في لبنان يومها في ذروة استعارها. ولم يكن تلامذة الصفّ الرابع كلّهم من المسيحيين. فجبيل كانت وستبقى نموذجاً في التعدّدية والعيش المشترك، وحتى خلال الحرب. ومن بين التلامذة صديقٌ عزيزٌ عليّ ومقرّب: سليم مراد، درزي وكان من سكّان العقيبة بلدة والدتي، وكنتُ أزوره في منزله، وأعُجبُ من صورة العذراء مريم التي يضعها في غرفته. فطفقتُ أحثّه على المشاركة في المباراة، ووعدته بمساعدته في تصحيح ما يكتب، وبالتدقيق لغويّاً فيه، وبقيتُ ألاحقه حتى اقتنع بالمشاركة.
وكانت المفاجأة أن جاء ترتيب سليم مراد الأوّل في المباراة. ففكرة الموضوع الذي طرحه كانت لافتة، وبنيته اللغوية صحيحة. ولا أزال أذكر ما قاله الأستاذ نعيم يزبك يومها عند إعلان النتائج وتوزيع الجوائز:
-إنها بادرة لا نستغربها من بني معروف.
واشتهر أمر المباراة في كل المدرسة لا سيما وأن الفائز الأوّل في مباراة عيد الميلاد 1975 هذه غير مسيحي. وكان الزمن زمن حربٍ طائفيّة ضروس. وعيّدَنا الأستاذ نعيم بدوره بقصيدة نظمها في هذا المناسبة، أوردتها في الكتاب الآنف الذكر. وجاء فيها:
قصيدة ميلادية تؤرّخ للحرب اللبنانية
1-عيدٌ بأيّة حالٍ عدتَ يا عيدُ فيكَ التهاني آهاتٌ وتنهيدُ
2-هذي كنائسُنا في العيد صامتةٌ ما للأناشيدِ ترجيعٌ وترديدُ
3-شذا البخورِ تلاشى في مباخرنا وملءُ أجوائنا نارٌ وبارودُ
4-ذاك الأمانُ الذي قد كان رائدُنا يا للخسارةِ في لبنانَ مفقودُ
5-المجدُ لله صوتُ العنفِ أخرسها أما السلامُ فتهجيرٌ وتشريدُ.
6-فليس غيرُ طريقِ القبرِ سالكةٌ وكلّ دربٍ عداها فهو مسدودُ([2])
أمّا الموضوع الفائز والذي كانت لي يدٌ في طرح فكرته وصياغته فنقلتُ نسخة منه على دفتر المطالعات المفضّلة الآنف الذكر، جاء على لسان سليم مراد ما يلي:
رأيتك في مغارة جارنا إذ لا مغارة في بيتنا، فتساءلت:
-أنت عيسى الذي ولد في مغارةٍ حقيرة في بيت لحم، هل كنتَ ترضى بأن تسكن مغارة جارنا التي فيها من مظاهر الترف والبزخ ما يجعلها مغارة بالاسم فقط؟ هل كنتَ ترضى بأن يصرف ذلك الرجل كلّ ذاك المال من أجل مغارةٍ ترفضُ أنت حتى النظر إليها، ويترك الفقير والمنكوب يقرعُ باب قلبه دون أيّ جواب؟!
لا عيسى، فرغم كوني لا أعرف عنك إلا القليل، ما أخالك راضياً عن هذا العمل!
إن عيدك الذي نحتفل به منذ خمسٍ وسبعين سنةٍ وتسعماية وألف من مجيئك فقدَ الكثير من معانيه. لقد أصبح مع التكرار فرصةً للرقص، والهرجِ والكسب.
أجل بعد مرور هذه المدّة تحجّرت قلوب الناس، وساءت نواياهم، ونسوا تعاليمك السماوية، أو تناسوها.
فعُد أيّها الطفل الصغير، وذكّرهم بما قد نسوا. عُدْ برسُلك الأبرار الذين نشروا تعاليمك في العالم. عُدْ لكي يحلّ السلام ، فتفرح أممُ الأرض، ونحتفل بعيدك بمحبّة وإيمان”. (صليبا، المطالعات، م. س، ص47).
نقلتُ الموضوع الفائز هذا بيدي على دفتري، ووقّع سليم مراد في ذيل الصفحة، ليبقى ذكراً لأخوّة وعيش مشترك أيّام الحرب.
دروس التصغير
وممّا أذكره عن الأستاذ نعيم يزبك في تلك السنة ما جرى في حصّة كان يعلّمنا فيها صيَغ التصغير، مثل صيغة التصغير على وزن فُعَيل: كلب: كليب، جبل: جُبيل. وهنا وشوش جاري و. ب. على مسمعي زميله التلميذ كسرى الهاشم:
-اسأله عن تصغير بئر.
فقام هذا الأخير، وطرح السؤال ببراءة، ودون أن يعي أبعاده!
وما كان الأستاذ نعيم الحصيف ليقع في هذا الفخّ اللغوي والتهذيبي. فبادر كسرى:
-يا أزعر([3]) شو هالسؤال. وهداك صاحبك خيّو مهذّب أكتر منّو.
وذلك علماً أن شقيق و. هو من اقترح عليه هذا السؤال.
[1] -صليبا، لويس، أضواء على الفنّ التشكيلي في لبنان: مبدعون وروائع وأشعار لا تموت، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2022، ب2/ف3: نعيم يزبك شاعر قدّ أبياته من صلابة صخور ضيعته، ص207-224.
[2]-صليبا، لويس، أضواء على الفنّ التشكيلي في لبنان: مبدعون وروائع وأشعار لا تموت، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2022، ب2/ف3، ص211.
[3] -أزعر: كلمة فصيحة آراميّة الأصل وتعني قليل التهذيب، وسيِّئ الخُلق. جمع: زعران. (المنجد في اللغة العربية المعاصرة، م. س، ص613)