الأيورفيدا والطب العربي

عنوان الكتاب : الأيورفيدا والطب العربي
دراسة في الطب الهندي وأثره في أرض الإٍسلام
المؤلّف : د. لويس صليبا
باحث وأستاذ في الدراسات الفيدية
جامعة السوربون – باريس
عنوان المخطوط المنشور: مقالة من جوامع كتب الهند
مؤلّف المخطوط : ابن ربّن الطبري (ت 235 ﻫ)
عدد الصفحات : 362
الصف والتصميم الداخلي: صونيا سبسبي
التجليـد الفنـي : مؤسسة علي حمصي للتجليد.
بيروت – تلفاكس: 546383/01
سنة النشر : 2006
الناشر : دار ومكتبة بيبليون
طريق المريميين – حي مار بطرس- جبيل/ بيبلوس ، لبنان
Byblion1@gmail.com
2006 – جميع الحقوق محفوظة

مقدّمة

يندرج هذا الكتاب في إطارِ مشروعٍ طَموح يهدف إلى تعريف الجمهور العربي بواحد من أعرق النظم الطبية وأهمّها: الأيورفيدا. وما يقدّمه للإنسان المعاصر من حلول لمشاكل طبيّة صعُبت، أو استعصت، أحياناً على الأنظمة الأخرى. وقد نُفّذ في إطار هذا المشروع عدد كبير من الندوات والمحاضرات والمقابلات الإذاعية والتلفيزيونية. ويجد القارئ عرضاً لها في الفصل الأخير من هذا الكتاب. وبعد تنفيذ هذه الأنشطة شعرنا بمدى حاجة المكتبة العربية لعمل موسوعي يتناول بالعرض والشرح الأيورفيدا من مختلف جوانبها. فكان كتابنا الأول: موسوعة الأيورفيدا (الطب الهندي) دراسة علمية ودليل عملي للتداوي وحفظ العافية.
وها هو الكتاب الثاني. والذي يعتبر جزءاً آخر من هذه الموسوعة، ومكمّلاً لها.
وميزة هذا الكتاب، ضمن المشروع التعريفي بالأيورفيدا، أنه يهدف لإيصال الرسالة التالية إلى الإنسان العربي المعاصر: أن الطب الهندي ـ الأيورفيدا ـ ليس غريباً عن ثقافته وحضارته. فقد عرفت أرض العرب، منذ ما قبل الإسلام نشاطاً وتواصلاً مع الثقافة الهندية، ولا سيما في جانبها الطبي.
تلك هي الإشكالية الأولى والأساسية التي يحاول هذا المصنّف الإجابة عليها. لهذا توسّع في الباب الأول منه في عرض ووصف المراحل التاريخية للعلاقات بين العرب والهند، ولا سيما من الناحية الطبية. وأبرز ما واجهنا من مصاعب في هذا المجال، هو ندرة المصادر العربية والمراجع الأجنبية التي تناولت هذا الموضوع. ففي عصرَيْ الجاهلية وصدر الإسلام، لا نغالي إذا قلنا، أن المصادر هنا شبه معدومة. باستثناء ما نقله لنا بعض المؤرّخين عن علاقات تجارية وطيدة بين العرب والهند. وما حفظه الشعر الجاهلي والقرآن من تعابير ذات أصل هندي. وكذلك ما ذكرته كتب الأحاديث النبويّة، والطب النبويّ عن استخدام الرسول ـ صلعم ـ لأدوية وعقاقير هندية. فكان علينا أن نَلُمّ ونجمع هذا الشتات سطراً من هنا، وجملة من هناك، لتتّضح الصورة عن العمق التاريخي للطب الهندي في الحضارة العربية ـ الإسلامية.
أما العصر العبّاسي الأول، وهو كما سيأتي، العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، والعصر الذهبي للحضور الأيورفيدي في أرض الإسلام في الوقت عينه،. فتكاد المصادر العربية عن الأيورفيدا تنحصر في كتابين هما: ”الفهرست“ للنديم، ”وطبقات الأطبّاء“ لابن أبي أصيبعة.
وما خلا ذلك فنتف منثورة، هنا وهناك، في بعض المصادر التاريخية ﮔ ”مروج الذهب“ للمسعودي، والأدبية ﮔ ”عيون الأخبار“ لابن قتيبة. وقد عمدنا إلى دراسة تفصيلية لكل ما ورد في هذه المصادر عن الطب الهندي والأطبّاء الهنود في بغداد. وبينَّا مراحل ظهور الأيورفيدا وتطوّرها، ومن ثم أسباب انحسارها. ولم نتردّد في إيراد كل التفاصيل التي أوردتها هذه المصادر بغية جمع شتاتها. ولاحظنا كذلك ضياع عشرات الكتب الهندية في الطب، والتي نقلت إلى العربية. وما يستتبع ذلك من صعوبة في الحكم على مدى التأثير الذي أحدثته الأيورفيدا في الطب العربي.
بعدها انتقلنا إلى عرض الأثر العربي الوحيد المتبقّي عن طب الهنود، ألا وهو ”مقالة من جوامع كتب الهند “ لابن ربّن الطبري، في كتابه فردوس الحكمة. ووضعنا الكتاب والكاتب في إطارهما التاريخي. ثمّ أجّلنا الحديث التفصيلي عن هذا الأثر الفريد إلى باب خاص من الكتاب نظراً لأهميته.
وانتقلنا في الفصل الرابع إلى تناول الأثر الأيورفيدي في مؤلّفات أساطين الطب العربي وروّاده. فرأينا ملامح لها في طب ثابت بن قرّة، وآثار أكثر وضوحاً في مؤلّفات الرازي، لا سيما منها الحاوي. ولعلّ هذا الأخير هو الطبيب العربي الأكثر تناولاً لطب الهنود، واستشهاداً بهم. بعدها فصّلنا الحديث فيما أورده ابن سينا في ”القانون“ من عقاقير هنديّة. لننتقل، من ثمّ، إلى عرض ما ذكره البيروني عن طب الهند.
أما الفصل الخامس، ولعلّ فيه مساهمتنا الأبرز، فقد أفردناه للإجابة على إشكالية أساسية: هل كان الأثر الهندي في الطب العربي عابراً ومؤقتاً، أم أنه استطاع أن يستمر ويبقى ؟. وعرضنا لمختلف الآراء في هذا الموضوع. كما بينّا صعوبة فصل المقال في هذا المجال، بسبب ضياع الكتب الهندية المنقولة إلى العربية. ولاحظنا، أنه على الرغم من هذا الضياع، تبقى حقيقة أكيدة، وهي ثبات واستمرار استخدام المؤلّفين والأطباء العرب للعقاقير، والسموم والترياق الهندية، مثل: ابن سينا، وابن ميمون، وابن وحشية، وغيرهما. عندها طرحنا السؤال، إذا كان طب العرب يونانياً في بنيته ومصادره، فكيف يتناغم مع استخدام عقاقير هندية؟ وللإجابة على سؤال رئيسي كهذا، كان لا بدّ من إجراء مقارنة بين النظامين، الهندي، واليوناني، بيّنت لنا مدى التقارب بينهما، والذي وصل إلى حدّ فرضية أن اليونان قد تأثروا في طبهم بالهنود وأخذوا عنهم. وناقشنا هذه الفرضية ومدى قربها من الوقائع التاريخية والعلمية. لنصل إلى استنتاج أن ما بين النظامين الهندي واليوناني، من تشابه وتفاعل، يشكّل أرضية صلبة للتنافذ والتداخل بينهما. وهذا على الأرجح ما فعله الأطبّاء العرب، إذ استفادوا من مبادئ هذا وأدوية ذاك، ودمجوا بطريقة مبتكرة النظامين، ليخرجوا بثالث طبعوه بشخصيتهم ومساهماتهم الخاصة.
وقد بادل العرب الهنود جميلاً بجميل. فمع هجرة الطب اليوناني ـ العربي إلى الهند، إثر الغزو الإسلامي لها أولاً، واجتياح التتار للبلاد الإسلامية تالياً، تأسّس نظام الطب اليوناني ـ العربي Unani Tibb الذي تفاعل مع الأيورفيدا. وكانت له فيها مؤثرات عديدة، أبرزها وسيلة التشخيص بالنبض أو قراءة النبض Pulse Diagnosis أو Pulsologie. هذه الطريقة التي تعتبر اليوم مفخرة الأيورفيدا ورمزها الأول، كان من المهم أن نُبرز أنها عربية الأصل. وأن نترجم آراء ونظريات عدد من الباحثين الغربيين والهنود التي تؤكّد هذه الحقيقة التاريخية.
وسجّلنا هنا للهند فضل الحفاظ على الطب العربي، نظرية وممارسة، إلى يومنا الحاضر. في حين أنه في دنيا العرب والإسلام لا يعدو كونه مجرّد علم ”محنّط“ بأوراق المخطوطات. يصدق فيه قول الحكيم مهاريشي ماهش يوغي:
«المعرفة التي في الكتب، تبقى فيها»
Knowledge of the books remain in the books
أما الباب الثاني، فقد خصّصناه، كما أشرنا، لمقالة ابن ربّن الطبري ”في جوامع كتب الهند“. وتوسُّعُنا في تحليل وشرح عدد من مضامين وفصول هذه المقالة، يعود لكونها الدرّة الوحيدة التي وصلتنا من كنوز المعرفة الهندية المترجمة إلى العربية.
وقد اجتهدنا في تفسير هذه المقالة، وإجلاء معانيها بلغة الأيورفيدا الحديثة. وحلّ العديد من خفايا معانيها وألغازها. ولا ندّعي أننا قلنا الكلمة الفصل في هذا النص البالغ خطراً والبليغ تعبيراً. وإنّما هي بداية البحث والتنقيب فيه.
أما الباب الثالث، فقد أردنا أن نُظهر فيه جهود إعادة إحياء الأيورفيدا في دنيا العرب، بعد غياب طال قروناً. وذلك لنبيّن أن الأيورفيدا طبٌّ للحاضر والمستقبل، في عالم العرب والإسلام، كما في العالم أجمع. فسلّطنا الأضواء على جهود، وإسهامات، ونظريات أطبّاء أيورفيديين عرب معاصرين لنا، كانت لي شخصياً معرفة بهم. من هنا، يأتي حديثي عنهم شهادة لهم لا مجرّد مدح وثناء. فقد عرفت عن قرب البروفسور العالمي الشهرة د. أنطوان أبو ناضر، وتتلمذت عليه في التأمّل وغيره. فما أفردته له ليس سوى مجرّد تحية من تلميذ. كما رافقت الأخصّائي موريس غانم، وتيقّنت من نجاح العديد من علاجاته. فأحبَبت أن يكون كتابي هذا تسجيلاً وتأريخاً لنجاحاته، لا سيما وأنه كان من أوائل المتمرّسين في الأيورفيدا، في لبنان والعالَم العربي، في الزمن الحاضر.
هذا أبرز ما حواه كتابي من مساهمات، أتمنى أن توضح جوانب من مآثر وأثر الطبّ الهندي في المشرق وأرض الإسلام.
فعسى أمجاد هذا الماضي تضيء على الحاضر والآتي، وتكون دعامة لإنسان اليوم في صراعه مع العلّة. هذا الصراع العنيف الذي احتدم مذ وعى الإنسان مصيره، وما يختلجه في الداخل من مشاعر سلبية وانفعالات.
Q.J.C.S.T.B.
د. لويس صليبا
باريس في 15/10/2005

شاهد أيضاً

الصمـت فـي الهندوسيـة واليوغـا

نبذة :الهندوسية بالمعنى الواسع، ليست إنتماءً دينياً عقائدياً أو عرقياً، فهي ليست ديانة بالمفهوم السامي/الإبراهيمي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *