مقدمة كتاب من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير/تأليف لويس صليبا
لويس صليبا
من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير
المحفوظات الفرنسية والبريطانية تروي كيف انتزع اللبنانيون وطنهم من أحشاء الاتّفاق البريطاني الفرنسي
دار ومكتبة بيبليون
جبيل/لبنانالمؤلّف/Author: أ. د. م. لويس صليبا Lwiis Saliba
مستهند وأستاذ محاضر ومدير أبحاث في علوم الأديان والدراسات الإسلامية وتاريخ لبنان
عنوان الكتاب: من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير (1915-1920)
المحفوظات الفرنسية والبريطانية تروي كيف انتزع اللبنانيون وطنهم من أحشاء الاتّفاق البريطاني الفرنسي
Titre: De Sykes-Picot au Grand Liban: Les archives françaises racontent comment les Libanais ont arraché leur patrie aux entrailles de l’accord franco-britannique 1915-1920
عدد الصفحات: 350ص
سنة النشر : طبعة أولى: 2025.
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
طريق الفرير، حي مار بطرس، شارع 55، مبنى 53، جبيل/بيبلوس-لبنان
ت: 09540256، 03847633، ف: 09546736
Byblion1@gmail.com www.DarByblion.com
2025©-جميع الحقوق محفوظة، يُمنع تصوير هذا الكتاب، كما يُمنع وضعه للتحميل على الإنترنت تحت طائلة الملاحقة القانونية.
ديباجة الكتاب
مدخل إلى بحوثه وبنيته وطروحاته
هي دراسة نُشرت على حلقات عديدة متسلسلة([1]) في مجلّة الأمن الشهرية والصادرة في بيروت بمناسبة احتفال لبنان بمئوية لبنان الكبير 1920-2020. وقد طال انتظار القرّاء للحصول على حلقات دراسة “من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير” مجموعة بين دفّتي كتاب. إذ لقيت في حينها اهتماماً لافتاً ومتابعة ملحوظة ومستمرّة. وها هو المؤلّف، كاتب هذه السطور، يفي اليوم بوعده، ويقوم بما ألحّ عليه القرّاء، ولا يزالون، على القيام به.
ونشرُ حلقات هذه الدراسة التاريخية الأكاديمية تباعاً في مجلّة واسعة الانتشار وغير متخصّصة وتستهدف الجمهور الواسع وتعتمد الصورة الملوّنة إلى جانب النصّ المكتوب تطلّب احترام عددٍ من معايير النشر الصحفي غير المتّبعة في إعداد الكتب ونشرها. فعدد صفحات كلّ حلقة، نصّاً وصوراً، حُدّد سلفاً ب 8صفحات([2])، ثم خُفّض لاحقاً، بقرار من إدارة المجلّة، وابتداءً من ح14 إلى النصف، أي 4 صفحات. وهذا ما ألزم الكاتب أن يكون حجم الحلقات متساوياً، وذلك أحياناً على حساب وحدة الموضوع. ممّا جعل تصميم الدراسة ومخطّطها وبنيتها تختلف عمّا يمكن أن تكون عليه لو وضعت لتُنشر كاملة ودُفعة واحدة في كتاب!
وهذا ما أوقع المؤلّف في حيرة طالت وهو بصدد الإعداد لإصدار هذا السِفر. إذ تردّد بين أن يُبقي الحلقات كما هي، ببحوث كلّ منها وحجمها، أو أن يعيد النظر في تنظيمها وترتيبها وتوزيعها على أبوابٍ وفصول تبعاً لمواضيعها وكما هو متّبعٌ ومعتمدٌ في سائر مؤلّفاته. وبعد طول تفكّر آثر الخيار الأوّل، لا سيما وأن القرّاء، والباحثين عموماً، قد ألِفوا بنية هذه الدراسة ومخطّطها والشكل الذي ظهرت فيه ورجعوا إلى حلقاتها كما نشرت.
ولا يرى المؤلّف أن هذه الدراسة، بحلقاتها المجموعة بين دفّتين تحتاج إلى مقدّمة ضافية، كما كانت حال سائر مصنّفاته الآنفة، فكلّ حلقةٍ منها قد مُهّد لها بمقدّمة تضعها في سياق ما سبق وما تلا من حلقات وبحوث. فأيّة جدوى تبقى عندها للتكرار؟!
وسايكس بيكو، وهي اتفّاقية التقاسم والتقسيم للمنطقة (وُقّعت بين فرنسا وبريطانيا في 16 أيار 1916) غدت اليوم جزءاً من المخيال الشعبي العام في المنطقة. ولا تزال في نظر الوحدويّين العرب ودعاة سائر القوميّات والديماغوجيين الطامة الكبرى، ومصيبة المصائب التي قسمت القميص الواحد إلى رُقع عديدة. وحتى الأغاني الشعبية الرائجة والمتداولة عبّرت عن سخطها على هذه الاتّفاقية، ومنها أغنية مرسال خليفة الذي يُنشد من كلمات المخرج اللبناني يعقوب الشدراوي (1934-2013):
قصّـتنا نـزهة ريـفيّـة ممنوعة ومش قانونيّة
من تركيا وحكم فرنسا وحكم الصيغة اللبنانية
خلصنا من التركي وتتريكو إجت فرنسا سايكس بيكو
قسمونا بيكو وشـريكـو خِلقوا الدولة الصهيونية
من هالظلم الما منريدو ماضي أسود سيفو بإيدو
كنّا نحنا من مواليدو ما منرضى التاريخ يعيدو([3])
وممّا يستوقف الباحث والمؤرّخ أن هذه الاتّفاقية التي تجاهلت تماماً لبنان، ولم تعترف له في نصوصها ولا في خرائطها المرفقة بأيّ وجود كانت هي السبب الحاسم في قيام الكيان اللبناني في أيلول 1920، وهنا تحديداً تكمن مفارقتها الكبرى بالنسبة إلى تاريخ لبنان المعاصر! فتشديد المفاوض الفرنسي فرنسوا جورج-بيكو وإصراره على أن تكون الأقضية الأربعة في البقاع جزءاً لا يتجزّأ من المنطقة الزرقاء التابعة مباشرة للنفوذ الفرنسي، ونزول المفاوض البريطاني سايكس عند رغبة زميله الفرنسي وموافقته بالتالي على هذا الطلب الملحّ كان له لاحقاً الأثر الحاسم عند تطبيق اتّفاق الإحلال المنعقد بين فرنسا وبريطانيا في 15 أيلول 1919 في إرغام الجيش العربي الشريفي على الانسحاب القسري من هذه المنطقة، ما أتاح للمنتدب الفرنسي ضمّ هذه الأقضية إلى لبنان الكبير الذي أعلن الجنرال غورو قيامه في 1 أيلول 1920.
وهكذا يستطيع الباحث تدريجيّاً أن يعاين كيف تبلورت أو أقلّه بدأت تتظهّر صورة الكيان المفترض واللاحق منذ المباحثات الأولى والمفاوضات التي أفضت إلى توقيع هذه الاتّفاقية في 16 أيار 1916.
وكانت لمعرفة جورج-بيكو العيانية بالوضع اللبناني، كونه كان قنصل فرنسا في بيروت قبل الحرب العظمى 1914، أثرها الحاسم والإيجابي في ذلك رغم أن أحداً من الأطراف اللبنانية ولا غيرها لم يقرّ له بهذه المأثرة وبُعد النظر!
وفرنسوا جورج-بيكو (1870-1951) رغم شهرته العائدة بالأخصّ إلى الاتّفاقية التي حملت اسمه لم يُدرس دوره بعد كما يستحقّ. واستأثر خلفه الجنرال الذائع الصيت غورو بجلّ الاهتمام، وذلك رغم أن عمل الأوّل كان تأسيسيّاً ولا يقلّ أهمّية عن دور الثاني. ولا يمكن أن تُفهم نشأة الكيان اللبناني بمختلف أبعادها إذا ما استمرّ إغفال هذا الدور. وهذا كان أحد أبرز الأسباب التي دفعت بالمؤلّف على الانكباب على وثائق بيكو تحديداً من برقيّات وتقارير ورسائل وروايات وأخبار وأحاديث وغيرها وتخصيص هذه الدراسة برمّتها لها وله. ووثائق بيكو هذه لم يسبق أن جُمعت بين دفّتين على ما يبدو. وكانت لا تزال منثورة هنا وهناك وهنالك! فكان لا بدّ من تجميعها أوّلاً، ثمّ تعريبها ثانياً، وتحليلها تالياً واستنباط واستخراج ما يجب منها من عناصر ومعطيات تاريخية ضرورية لفقه خلفيّات وظروف نشأة الكيان اللبناني.
وفي سبيل ذلك كانت العودة أولاً إلى الأرشيف الفرنسي أي محفوظات الخارجية الفرنسية، ولكن ليس حصراً، فهناك أيضاً الأرشيف البريطاني ثانياً والشريفي كذلك، وغيرهما. وكلّ مصدر أشير إليه بدقّة في متون الدراسة ممّا لا يحوج إلى تفصيل الحديث عنه هنا.
وفي ما يتعلّق بمنهجيّة البحث ونبرته يهمّ المؤلّف أن يكرّر ما سبق له أن شرح وأوضح وفصّل الكلام فيه بشأن الحياد الضروري توفّره عند المؤرّخ مستذكراً قول غوتاما بوذا: “الإنحياز مع أو ضدّ تعابير يجهلها الحكيم”.([4])
فالانحياز يلوّن نصّ المؤرّخ ومنهجيّته ونبرته بألوان تنأى بها عن الحدّ الأدنى الضروري من الموضوعية، ويُضفي غالباً على بحثه طابعاً ديماغوجيّاً ويقرنها بأحكامٍ مسبقة، تشوب وتجوب معظم البحوث التاريخية العربية، وهي بمجملها أشبه بضبابٍ يحجب الرؤية. ولمزيد من التوضيح، ومنعاً لأيّ التباس أو سوء فهمٍ يَحسُن بالمؤلّف أن يضيف أنّه ليس مع الانتداب ولا هو ضدّه، كما أنّه ليس مع لبنان الكبير كما رُسم وخطّط له وأُعلن، ولا هو ضدّه. بل أكثر من ذلك، فهو يرى أن ليس له أن يبدي رأياً أو موقفاً مسبقاً من كلّ هذه الأمور على أهمّيتها وخطورتها. فمهمّته الأساسية تتركّز في أن يبحث ويدوّن ويلحظَ بشيء من الحياد والاتّزان والاستواء Equanimité بعيداً عن الأحكام المسبقة والآراء والمواقف المعدّة أو المعلنة سلفاً. فكثيراً ما يقوده البحث إلى خلاف، أو حتى نقيض، ما حَسِبَ أو ظنّ في البداية!
وكان التحدّي الكبير والأبرز للمنتدب الفرنسي أن يكسب الأكثرية الإسلامية الساحقة في سوريا من دون أن يخسر حلفاءه التقليديين والتاريخيين أي المسيحيين وعلى رأسهم الموارنة، لكن لم يطُل به الوقت حتى تبيّن له وأيقن أن الجمع بين هذين الأمرين المتنافرين أشبه بعملية جمعٍ للصيف والشتاء فوق سطحٍ واحد! وما جاء إعلان لبنان الكبير إلا بنتيجة هذه التجربة الفرنسية الفاشلة وما أعقبت من يقين!
وختاماً، فها هي هذه الدراسة غير المسبوقة بما حوته من وثائق وأصول لم تنشر سابقاً أو تترجم إلى لغة الضاد توضع بتصرّف القارئ العربي، فعساها تكون فاتحة للمزيد من الدراسات عن حقبة لها الأثر الحاسم في هذا الزمن الراهن، وسيكون لها وقعٌ مماثل في الزمن الآتي.
QJCSTB
اللقلوق/جبيل في 13/9/2024
[1] -نُشرت الحلقة الأولى (ح1) في مجلة الأمن، ع341، حزيران 2020. ثمّ تتابع نشر الحلقات شهريّاً في الأعداد التالية في المجلّة وحتى ح21 المنشورة في ع361، شباط 2022. وذُكر في مطلع كلّ حلقة من هذا المصنّف عدد (ع) المجلّة الذي نشرت فيه وتاريخه. هذا علماً أن زاوية “من سايكس بيكو إلى لبنان الكبير” لم تقتصر على 21 حلقة، بل امتدّت إلى 46 حلقة شهرية، وستُنشر الحلقات الباقية في مصنّف تالٍ.
[2] -8 صفحات A4 لكلّ حلقة مع صور ملوّنة حجمٌ استثنائي قلّما يُعتمد في مجلّة واسعة الانتشار وغير متخصّصة كمجلّة الأمن الصادرة في بيروت عن المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي. وهذا لوحده دليل على ما أولته إدارتها من اهتمامٍ بهذه الدراسة. وكما ذكر في المتن فقد خُفّض هذا الحجم، مع تخفيض عدد صفحات المجلّة، بسبب الأزمة المالية والهبوط الحادّ لسعر صرف الليرة اللبنانية، إلى النصف، أي 4 صفحات ابتداء من ح14 وحتى الحلقة الأخيرة ح21. وسيلحظ القارئ هذا التفاوت في حجم حلقات هذه الدراسة ابتداءً من ح14. وهي مسألة خارجة عن رغبة المؤلف وإرادته، إذ كان عليه أن يعمل ويكتب ضمن هذه الشروط والمباني العامّة التي تحدّدها رئاسة تحرير مجلّة الأمن، وهو هنا يسجّل لها اهتمامها ورعايتها لهذه الدراسة.
[3] -وضع كلمات هذه الأغنية المخرج اللبناني الراحل يعقوب الشدراوي (1934-2013) وغنّاها مرسيل خليفة في مسرحية الشدراوي التي حملت عنوان هذه الأغنية: “نزهة ريفية غير مرخّص بها” عرض مسرحي لوقائع تاريخية، بيروت، 1984. (صليبا، لويس، المسرح المعاصر في لبنان: فنّانون وأدباء وآثار، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2022، ب1/ف2: يعقوب الشدراوي رائد المسرح التجريبي في لبنان، ص130).
[4] -صليبا، لويس، فؤاد شهاب: ما له وما عليه، قراءة في تجربة حكمٍ رائدة في تاريخ لبنان المعاصر، جبيل/لبنان، دار ومكتبة بيبليون، ط1، 2025، ص6.