مراجعة لكتاب د. مصطفى الحلوة “مطارحات في أروقة المعرفة”/منتدى شاعر الكورة الخضراء، بقلم لويس صليبا
مقالة بقلم أ. د. لويس صليبا نُشرت في مجلة الأمن الصادرة عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي/بيروت. عدد كانون الثاني 2023
“مطارحات في أروقة المعرفة: مراجعات وبحوث في الفكر العربي المعاصر”، تأليف د. مصطفى الحلوة، صدر عن منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي في 702 ص من القطع الكبير وتجليد فاخر.
كتابٌ موسوعيّ ضخم جمع فيه مؤلّفه في الباب الأوّل 29 مراجعة نقدية لـِ 29 كتاباً، وفي الثاني 17 دراسة تندرج تحت الفلسفة والأديان وعلمَي الاجتماع والنفس والتراث.
وبشأن منهجه النقدي يتحدّث المؤلّف عن (ص11): “حالة عشقٍ نعيشها كنقّاد مع النصوص الإبداعية”. في حين رأى زميله عالِم الاجتماع المأسوف عليه عبدالغني عماد أن الحلوة نجح في (ص11): “المزاوجة بين البُعد العقلي والتفاعل الروحي، وهو يُخضع ما يقرأ من مساحات النصوص إلى رهافة الحسّ، وبالوقت نفسه إلى تساؤلات العقل”.
وفي مراجعته لكتاب “الفكر الديني من خلال الشعر 1250-1800″، يرى الحلوة (ص267): “أن الإنسان إلى كونه كائناً عاقلاً، أو ناطقاً، فهو كائن ديني. ذلك أن وراء كينونته العقلانية، تتوارى كينونة ذات سمة دينية مترسّخة فيه، ونافذة حتى العظم”.
وما نخاله قد جافى حقيقة واقع الإنسان وطبيعته في ما ذهب إليه.
ويقرأ المؤلّف دراسة زميله عبد الغني عماد “سوسيولوجيا الهويّة/جدليّات الوعي والتفكّك وإعادة البناء” فيرى (ص381) أن هذا الأخير يغلّب وقائع السوسيولوجيا ويطّرح أوهام الإيديولوجيا، ويثني على هذه الميزة المنهجية والرؤيويّة عنده، ويضيف (ص384): “فالباحث عماد، عِبر رؤيا ثاقبة، لا سيما من زاوية المنهج، ما فتئ يردّد، في معرض مقاربته أيّة ظاهرة مجتمعية، أن كلّ ظاهرة تغتذي من السوسيولوجيا أكثر ممّا تغتذي من الإيديولوجيا وسواها من عوامل ومشغّلات”
ونحن نرى أنّه أصاب كبد الحقيقة ملخّصاً جوهر نظرية عماد السوسيولوجية.
ومن بين دراسات الحلوة العديدة والقيّمة في الباب الثاني استوقفتنا تلك المعنونة “تأمّلات في البعد العلائقي للدين عبر خبرة معيوشة” وفيها يعرض لتجربة وتاريخ مدينة (ص457): “ما كانت إلا مدينة العيش الواحد، ومدينة الاعتراف بالآخر المختلف دينيّاً وفكريّاً. (…) هي طرابلس الموضوعة من قِبل البروباغندا الصفراء الظالمة على لائحة المدن الموسومة بالتطرّف والإرهاب”.
وعلى خطى زميله السوسيولوجي الراحل عبدالغني عماد يرى الحلوة (ص461): “أن بعض المؤرّخين ذهب إلى التركيز عمداً على إبراز تاريخ بلدنا الحديث على أنّه حافل بالأحداث الطائفية، صادرين في ذلك عن منطق لا يتّفق مع الواقع التاريخي الذي عاشه أجدادنا”.
ويستنطق الحلوة محفوظات المحكمة الشرعية في طرابلس دليلاً على ما يقول، فهي تبيّن أنّه لم يكن في هذه المدينة مناطق مغلقة صافية لطائفة دون أخرى. (ص461)، كما تدلّ على حاجة كلّ طائفةٍ إلى الأخرى (ص462).
ويعلن الحلوة بالفم الملآن (ص472): “أنا الطرابلسي المسلم يقلقني أن يكون المسيحي الآخر في مدينتي، وفي أيّة بقعةٍ من لبنان، على ضعف. فحال الضعف ستدفع به عاجلاً أم آجلاً إلى ترك الساحة لي وحيداً حارماً إيّاي العيش المشترك ونِعَمه. وبذا يفقد إسلامي الشيء الجميل الذي تُضْفيه المسيحية عليّ، ويروح منّي ما لا يعوَّض من بُعدٍ حداثي وحواري أَغتني به من هذه المسيحية”.
ويمضي الحلوة في تحليله الثاقب وتصريحه الجريء الجامع (ص472): “وكان لي أن أُدرك أنّه لا معنى لإسلامي من دون مسيحيّة تعمّدني، ولا معنى لمسيحية مواطني الآخر من دون الإسلام يحضنه ويعمّق تجذّره في هذه المنطقة. وقد سبقني إلى الإقامة فيها عدّة قرون”.
ويؤكّد أن التسامح غير كافٍ فالمطلوب المساواة لا التسامح فقط، والمساواة في كلّ شيء واجباتٍ وحقوقاً. (ص471)، ويضيف: “وأدركتُ أيضاً أن العيش المشترك بما هو عقد اجتماعي لا يصحّ إلا بين متكافئين عرضاً وقبولاً، وأن يكونا بكامل قدرتهما على التقرير وتحرّي الإرادة، وإلا شاب العقد عيبٌ، والعيب يؤدّي إلى بطلانه”.
ومن ناحيتنا نرى أن د. مصطفى الحلوة أصاب كبد الحقيقة في الكثير ممّا أعلنه وذهب إليه في العيش المشترك والحوار. لذا نشدّ على يده قائلين: لا فضّ فوك يا صاحب الكلمة الحلوة ولا عاش من يألوك.