مراجعة لكتاب “الحكومة العربية في دمشق 1918-1920″/المركز العربي للأبحاث، بقلم لويس صليبا

مراجعة لكتاب “الحكومة العربية في دمشق 1918-1920″/المركز العربي للأبحاث، بقلم لويس صليبا

مقالة بقلم أ. د. لويس صليبا نُشرت في مجلة الأمن الصادرة عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي/بيروت. عدد تشرين الثاني 2022

“الحكومة العربية في دمشق: التجربة المبكرة للدولة العربية: 1918-1920″، صدر مؤخّراً عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت في 820ص.

كتاب موسوعي ضخم وقيّم يضمّ 18 بحثاً قُدّمت في مؤتمر علمي في بيروت نيسان 2019. ويزعم الناشر على الغلاف أنّها اختيرت: “بعد أن بذلت لجنة علمية جهدها لاستقبال البحوث وتحكيمها بالتعاون مع باحثين آخرين وفق طريقة المركز في التحكيم التوجيهي”. فإلى أيّ مدى صدق هذا الزعم؟!

ولا يتّسع مجالنا الضيّق لتفحّص كلّ الأبحاث، لذا نكتفي بنماذج منها. ففي بحث للمؤرّخ الأردني علي محافظة نقرأ (ص85): “فشل الوفد العربي في مؤتمر الصلح في باريس في تحقيق ما كان يسعى إليه، وعاد فيصل إلى دمشق حاملاً معه عرض رئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو بقبول الانتداب الفرنسي على سوريا الشمالية ولبنان”.

كلامٌ مرسل وغير موثّق يجعلنا نستغرب كيف يلقي مؤرّخ الكلام على عواهنه. فما عاد به فيصل هو اتّفاق وقّعه مع كليمنصو توقيعاً كاملاً في 6/1/1920، وقد نشرنا صورة له ولتوقيع فيصل عليه في كتابنا “سوريا الكبرى”، ولا يزال المؤرّخون الأردنيّون والعرب يموّهون بشأن هذه الحقيقة التي لا لُبس فيها، والتي من شأنها أن تقلب مفهومنا لتلك الأحداث رأساً على عقب. وهو الخطأ عينه الذي وقع فيه الباحث التونسي فتحي ليسير في دراسته “وقعة ميسلون” يقول (ص759): “ولكن كان أهمّ اجتماعات فيصل وكليمنصو وآخرها، ذلك الاجتماع الذي عُقد يوم 6 كانون الثاني 1920، وأسفر عن مشروع اتّفاق عُرف لاحقاً باتّفاق فيصل-كليمنصو”.

وحقيقة الأمر أن ما حدث في التاريخ المذكور توقيع اتّفاق لا مشروع اتّفاق ولا مجرّد اجتماعٍ بين الجانبَين، وعرف من يومها لا لاحقاً باتّفاق فيصل-كليمنصو. ويعود هذا الباحث لينقض نفسه فيتحدّث (ص770) عن “اتّفاقية فيصل-كليمنصو”، أهو اتّفاق أم مشروع اتّفاق ؟!!

ونتابع مع هذا الباحث أغلاطه، قال (ص759): “رفض فيصل اتّفاق 15 أيلول 1919 واتّخذت الحكومة السورية موقفاً حازماً منه، ما جعل الفرنسيين يعدلون عن طلب احتلال تلك المناطق [أقضية حاصبيا وراشيا وبعلبك والبقاع]”. وحقيقة الأمر كما تبسّطنا في روايته نقلاً عن وثائق الأرشيف الفرنسي أن غورو كان قد باشر باحتلال هذه المناطق، ثم أوقف هجومه العسكري بأمرٍ حازمٍ من رئيس حكومته إثر “اتفاق بين فيصل وكليمنصو في 27/11/1919 على أن لا تحتلّ الجيوش الفرنسية البقاع مقابل أن تنسحب قوّات حكومة دمشق منه” (صليبا، لويس، لمحات من تاريخ لبنان، ص415).

ومن أغلاط هذا الباحث قوله (ص760): “الجنرال غورو الذي عيّنه كليمنصو منذ أيلول 1919”. فغورو تمّ تعيينه مفوّضاً سامياً في 8 تشرين الأوّل 1919، لا في أيلول 1919، ووصل إلى بيروت في 21/11/1919. (صليبا، م. س، 414).

أغلاط تُظهر أن هذا الباحث  يطأ أرضاً غريبة، وهو بالتالي ليس متمرّساً بتاريخ منطقة بعيدة عنه!

وتبقى غلطته الكبرى منهجية. إذ يكتفي بالاستناد إلى مراجع ومصادر منحازة مثل الحصري والعمري وأمين سعيد وأحمد قدري ممّا بينّا تهافته بالأدلّة والبراهين في دراستنا “سوريا الكبرى” (م. س). في حين أنّه يغفل تماماً الوثائق والمحفوظات كالأرشيف الفرنسي والبريطاني والعثماني وغيرها. وهي أصولٌ لا يصحّ لباحثٍ رصينٍ أن يهملها!

أمّا الباحث اللبناني سيمون عبدالمسيح فقد فنّدنا عدداً من شطحاته في دراستنا من سايكس بيكو (حلقة 30)، ونكتفي بالإشارة هنا إلى بعض هفواته كمثل حديثه (ص655) عن: “تلغراف الملك حسين ملك الحجاز بتاريخ 31 تمّوز 1920” ثم تعليقه التالي: “من المستغرب طبعاً، وبعد مرور 10 أيّام فقط على معركة ميسلون، أن يهتمّ والد فيصل بقضية مجلس الإدارة اللبناني”.

وكأن الباحث يجهل أن معركة ميسلون جرت في 24 تموز 1920!! فعملية عدّ بسيطة على الأصابع تبيّن أن التلغراف المذكور كان بعد سبعة أيّام (أسبوع) فقط من المعركة لا عشرة!!

وما ذكرناه ليس سوى نماذج من الهفوات والأخطاء. فأين التحكيم الذي يزعمه الناشر؟! أيّاً يكن فالكتاب الموسوعي هذا يبقى مرجعاً في موضوعه، لا سيما وأنّه مسألة مركزية في تاريخ لبنان وسوريا، ولم يستوفِ بعد ما يستحقّ من بحث.

 

شاهد أيضاً

인지 행동 치료(CBT)와 영적 심리학. 20/11/2024 수요일, Zoom에서 진행된 Lwiis Saliba의 화상 회의 노트

인지 행동 치료(CBT)와 영적 심리학. 20/11/2024 수요일, Zoom에서 진행된 Lwiis Saliba의 화상 회의 노트 이 …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *