مطالعة في كتاب أحمد أصفهاني “لبنان وصيف الدمّ 1958” منشورات دار كتب، بقلم لويس صليبا
مقالة بقلم أ. د. لويس صليبا نُشرت في مجلة الأمن الصادرة عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخلي/بيروت. عدد آب 2021
“لبنان وصيف الدم 1958: وثائق التنصّت على الهاتف”، إعداد وتقديم أحمد أصفهاني، صدر عن دار كتب للنشر/بيروت في 531ص.
إنه صيف أحداث 1958 الذي انتهى بإنزال بحري أميركي على شاطئ بيروت، وانتخاب قائد الجيش الجنرال فؤاد شهاب في 31/7/1958 رئيساً للجمهورية، وشعار لا غالب ولا مغلوب. ولكن وقبل الوصول إلى هذه الخاتمة كان الصراع السياسي والعسكري من ثمّ محتدماً بين اللبنانيين.
يقدّم الكتاب مجموعة من سجلّات التنصّت من أرشيف الأمير فريد شهاب (1908-1985) مدير عام الأمن العام في لبنان 1948-1958. وقد ترك الأمير بعد وفاته ثروة من الوثائق السرّية والخاصّة، حافظ عليها نجلاه الأمير حارس والسيدة يمنى، وعهدا بها إلى “مركز الشرق الأوسط” التابع لجامعة أوكسفورد البريطانية. (ص7)
إنه نوعٌ من الوثائق لم يدخل بعد عالم النشر بالعربية. وبالتالي فالاستناد عليها ليس مألوفاً في كتابة التاريخ العربي عموماً، وذلك رغم أن عمر التنصّت على الهاتف هو من عمر استعمال الهاتف في أيّ مكان في العالم. (ص9). وقد استخدمته سلطات الانتداب الفرنسي كجزء من المنظومة الأمنية التي أنشأتها. وبعد جلاء الجيش الفرنسي نيط دور التنصّت إلى الأمن العام. (ص10). ومع تأسيس جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش اللبناني في 1/10/1945، والذي عُرف باسم “المكتب الثاني” بات في لبنان جهازان أمنيّان على الأقلّ يتولّيان وضع أرقام كلّ الناس تحت المراقبة. (ص10).
وعهد الرئيس شمعون (1952-1958) كان الفترة الذهبية للأمير فريد شهاب في المديرية العامّة للأمن العام. فقد والى الرئيس في سياساته الداخلية والخارجية ووقف بقوّة إلى جانبه في مواجهة ثورة 1958. (ص11). وهكذا استهدف التنصّت يومها شخصيّات وأحزاباً معارضة، لمعرفة خفايا ما تخطّط له (ص12).
وبعد استقالته من منصب المدير العام للأمن العام في 1/9/1958 يبدو أن الأمير فريد شهاب حمل سجلّات التنصّت وغيرها من الوثائق المهمّة والسرّية معه، وصارت جزئاً من أرشيفه. وتروي ابنته يمنى أنّه في مطلع الثمانينات أحرق كمّاً هائلاً منها لحساسيّتها الشديدة (ص13).
والمهمّ أن هذا الكتاب بوثائقه المنشورة للمرّة الأولى نمطٌ مميّز وجديد وغير مألوف للتأريخ للأحداث والأزمات في لبنان والمنطقة. فرغم غزارة الدراسات التي وضعت عن الحرب الأهلية 1958، فهو يقدّم مستندات أوّلية أصيلة تسلّط الضوء على الكثير من المواقف والخفايا. وفي ذلك يقول المؤلّف أصفهاني (ص15): “قد لا تكشف سجلّات التنصّت على الهاتف عن أسرارٍ خطيرة جديدة مغايرة لما بتنا نعرفه عن تلك المرحلة. ومع ذلك فثمة تفاصيل دقيقة تضع النقاط على الحروف، وتقدّم للمؤرّخين القطع المفقودة التي تمكّنهم من الرؤية الواضحة للصورة المتكاملة”. ويؤكّد أصفهاني أنّه انتقى من سجلّات التنصّت أهمّها وأكثرها دلالة (ص33): “المختارات التي ننشرها هنا تهدف إلى تقديم الصورة الحقيقة لمآل الأحداث، والكشف عن حجم التدخّلات الإقليمية والدولية، وتعرية بعض الممارسات التي أخفاها أصحابها خلف أقنعة سياسيّة مزيّفة”.
ويطرح الكتاب، شكلاً ومضموناً ومنهجاً، إشكاليّاتٍ عديدة نذكر بإيجازٍ أبرزها:
1-الانتقائية ونشر مختارات من الوثائق دون غيرها أفلا تلعب انتماءات المنتقي السياسية أي المؤلّف دوراً حاسماً فيها، لا سيما وأنّه لا يوضح لنا المعايير المعتمدة في اختيار السجلّات المنشورة.
2-نعرف من سياق الكلام (ص8) أن الأمن العامّ لا يملك نسخة عن هذه السجلّات، فالوثائق الأصلية والوحيدة على ما يبدو هي في أرشيف فريد شهاب. فهل إن وثائق مهمّة كهذه هي ملك خاصّ للمدير العام يحملها معه عند نهاية مهمّته أم أنّها للمؤسّسة؟! وأين هي محاضر اجتماعات الطائف وكلّما برزت حاجة ماسّة وملحّة إليها قيل إنها بحوزة رئيس المجلس يومها. ومتى يدخل لبنان عصر دولة المؤسّسات؟!
3-تبقى هذه السجلّات أحادية الجانب، إذ استهدفت عموماً المعارضين يومها، في حين بقي نشاط جماعة السلطة في الظلّ.
أياً يكن فالكتاب مساهمة قيّمة ولا غنى عنها في كتابة تاريخ لبنان المعاصر والكشف عن كثير من خفاياه.