موسوعة الأيورفيدا (الطب الهندي)

عنوان الكتاب : موسوعة الأيورفيدا (الطب الهندي)
دراسة علمية ودليل عملي في التداوي وحفظ العافية
المؤلّف : د. لويس صليبا
باحث وأستاذ في الدراسات الهندية والفيدية
الصور الفوتوغرافية : بعدسة المؤلّف
عدد الصفحات : 767
الصف والتصميم الداخلي: صونيا سبسبي
التجليـد الفنـي : مؤسسة علي حمصي للتجليد.
بيروت – تلفاكس: 546383/01
سنة النشر : 2006
الناشر : دار ومكتبة بيبليون
طريق المريميين – حي مار بطرس- جبيل/ بيبلوس ، لبنان
Byblion1@gmail.com
2006 – جميع الحقوق محفوظة

 

مقدّمة الموسوعة
” سل الله العافية … ما سُئل الله شيئاً أحب إليه من العافية“
حديث نبوي (رواه الترمذي 3548)

Q.J.C.S.T.B
هذا الكتاب / الموسوعة أردناه أولاً، وقبل كل شيء، شهادة للأيورفيدا. إنه خلاصة خبرة وتجربة في واحد من أعرق الأنظمة الطبية قدماً وأبرزها فاعلية. ليس كاتب هذه السطور طبيباً أيورفيديا ممارساً، ولكنه باحث في العلوم والداراسات الـﭭيدية والهندية، خَبِرَ الأيورفيدا من زاويتين:
1 – التجربة الشخصية: إذ تعالَج بالأيورفيدا. وتابع علاجات الپانشاكرما والمارما وغيرها مراراً عديدة في الهند، فرنسا، وغيرها.
واختبر بالتجربة، وهي خير برهان، فاعلية هذه العلاجات ووظائفها الشفائية والوقائية. والاختبار الذاتي أمرٌ شدّدت عليه الأيورفيدا منذ مئات السنين، بل ألوفها. فما يشترطه التحليل النفسي Psychanalyse اليوم، لِمن يريد أن يتخصّص في هذا المجال، أن يبدأ أولاً بمتابعة علاج التحليل لنفسه، أمر عرفته الممارسة الأيورفيدية، منذ القدم. فكان حكماؤها يجرّبون الأدوية والعلاجات على أنفسهم أولاً، للتيقّن من جدواها وفاعليتها، قبل وصفها للمرضى. فيختصرون في شخصهم صفة المجرّب والطبيب. والمثل اللبناني يقول: اسأل مجرّب ولا تسأل حكيم (طبيب).
2 – الدراسة الأكاديمية: والبحث. من خلال تخصّصه في الدراسات الفيدية بشكل عام. وجّه عنايته للأيورفيدا بشكل أخصّ. فتابع دروساً في هذا الطب في فرنسا والهند. كما أقام فترات طويلة في العيادات والمستشفيات الأيورفيدية في مناطق مختلفة من الهند، للتدرّب على قراءة النبض، وسائر العلاجات الأيورفيدية، ومتابعة أوضاع المرضى وتطوّر حالاتهم. وكان بذلك شاهد عيان لشفاء الكثير من الحالات التي يعتبرها الطب الحديث مستعصية. وعوناً لعديد من المرضى.
لذا فما تحويه الصفحات التالية من هذه الموسوعة، ليس مجرّد تجميع لمعلومة من هنا، ومقولة من هناك، لإصدار كتاب يتجاوب مع حاجات ”السوق“. في زمن كثر التهافت فيه على ”الطب الطبيعي“ أو التداوي بالأعشاب، والبدائل الطبية. فبتنا نرى الكتب، ينسخ الواحد عن سابقه، مع شيء من التغيير. ويُخرج المؤلّف، أو بالأحرى الناسخ والناقل، كتاباً في طب الأعشاب، أو التداوي الطبيعي… الخ.
ما شجّعنا على تصنيف هذا السفر، ودفعنا إليه، هو ما لمسنا خلال نشاطنا، في السنوات الأخيرة، في نشر الأيورفيدا في لبنان والدول العربية، عبر الندوات والمحاضرات والدروس والمقابلات الصحفية والبرامج التلفيزيونية. فهذا العمل الإعلامي والأكاديمي، جعلنا نتحسّس، عن قرب، حاجة القارئ العربي إلى مرجع في الأيورفيدا، يعرّفه على الأسس والمبادئ النظرية والعلمية لهذا الطب من ناحية، ومن أخرى، كيفية الإفادة العملية من هذا النظام العلاجي المتكامل في الحياة اليومية.
وكان المشروع بداية، إصدار مصنّف موجز، أو متوسط الحجم، يفي بهذا الغرض. ولكن جُدّة المواضيع، وافتقار العربية إلى مرجع شامل، يحوي بين دفتيه مختلف أسس ومبادئ الطب الهندي وطرق التشخيص فيه والعلاج. أغرتنا بالتوسّع في العرض والبحث. ليغدو مشروع الكتاب الموجز، أو الوسيط، الذي عملنا عليه، موسوعة تشمل أبرز حقول هذا الطب.
الجمع بين دراسة علمية ودليل عملي
وقد يلوح لقارئ العنوان الفرعي لموسوعتنا: ”دراسة علمية، ودليل عملي للتداوي وحفظ العافية“ أننا أردنا أن نصيب عصفورين بحجر واحد. بل وحتّى أننا طمحنا أن نحمل بطيختين بيد واحدة، وفق تعبير المثل اللبناني. فكيف يمكن الجمع بين دراسة علمية، وعرض منهجي وأكاديمي لنظام طبّي من ناحية. ودليل عملي للتداوي من ناحية ثانية. مع ما قد يعني هذا الأخير من تبسيط في العرض، وقَصْره على ما هو نفعي مباشر، وفي متناول مَن يبحث عن حل لمشكلة صحية معينة، متجنّباً أن ”يكسّر“ رأسه ويوجعه في فهم النظريات الطبية واستيعابها؟!
إنه تحدّ أول واجهناه في تصنيف هذه الموسوعة. إلى مَن نتوجّه؟! أَإلى قارئ عادي يريد مجرّد الإطلاع والانتفاع؟ أم إلى مَن يريد تعميق معرفته وصقلها؟ فيكون هذا الكتاب بالتالي معيناً له على التدرّب والتدرّج في حقول الأيورفيدا؟!
وهل التعمّق في عرض أسس الأيورفيدا كمفاهيم العناصر الخمسة، والمزاجات والبنية الفيزيولوجية پراكريتي…الخ. وهي مواضيع الباب الثاني. أو التوقف عند المحطّات الرئيسية في تاريخ الأيورفيدا وميزاتها كنظام طبّي، وأبرز حكمائها ومصادرها، أمرٌ قد يجد القارئ فيه إطالة وحشد من المعلومات النظرية بل حشو لها!.
أم أن التوسّع في شرح التشخيص بالنبض والسحنة واللسان الخ… والمسّاجات الذاتية، وطرق الأكل والحمية، والخصائص الشفائية للمأكولات، والجواهر والألوان والعطور.. الخ.. وهي مواضيع الأبواب الثالث والرابع والخامس، يجعل المتخصّص ينظر إلى هذه الموسوعة كعمل تعميمي تبسيطي بعيد عن الأكاديمية والتخصّص؟!
إنها في الحقيقة الإشكالية القديمة، في تقسيم الطب، بل وغالبية العلوم الأخرى، بين نظرية وعملية. وقد واجه معظم المؤلّفين في الطب، وفلاسفة العلم Epistémologues هذه المسألة. فابن سينا مثلاً، ”دافع في بداية القانون في الطب عن وحدة الطب كعلم، ورفض التمييز، الذي اضطر لمحاربته أيضاً بعده بقرون عديدة كلود برنار، بين علم للطب وفنّ للممارسة المحترفة لمهنة الطبيب“( )وفق تعبير د. محمد سلهب، الأستاذ والباحث في تاريخ العلم.
يذكر ابن سينا «ولقائل أن يقول أن الطب ينقسم إلى نظر وعمل، وأنتم قد جعلتم كله نظراً، إذ قلتم إنه علم. (…) فإذا قيل إن من الطب ما هو نظري، ومنه ما هو عملي، فلا يجب أن يظن أن مرادهم فيه هو أن أحد قسمي الطب هو تعليم العلم، والقسم الآخر هو المباشرة للعمل، كما يذهب إليه وهم كثير من الباحثين عن هذا الموضوع. بل يحقّ عليك أن تعلم أن المراد في ذلك شيء آخر: وهو أنه ليس واحد من قسمي الطب إلا علماً، لكن أحدهما علم أصول الطب، والآخر علم كيفية مباشرته( )».
والقانون لابن سينا، وهو التحفة العربية الأبرز في العلوم الطبية، يجمع بين المنحيين: النظري والعملي في الطب. فلا مفرّ برأينا لهذه الموسوعة في الطب الهندي، ولا لغيرها، من مقاربة مزدوجة: نظرية وعملية، إذا أرادت أن تكون عملاً رصيناً رزيناً.
الصحة مسؤولية ذاتية
والجانب العملي / التطبيقي من هذه الموسوعة يفصح عن أحد أبرز أهدافها وواحد من أهم مرتكزات الأيورفيدا: الصحّة مسؤولية شخصية ذاتية وفردية لكل إنسان. وعمل المعالج أو الطبيب، ليس أن يشفيك، بل أن يساعدك كي تشفي نفسك. وهذا ما أكّد عليه شراكا، أقدم وأشهر مؤلّف في الأيورفيدا. ومن أقواله، في هذا المضمار، أن الهدف من استخدام الأدوية ليس علاج الأمراض، بل دعم ومساندة جهاز الضبط والاستتباب الداخلي Homéostase. ما يلتقي مع أبرز الاكتشافات والنظريات الحديثة في الطب، تلك التي قام بها العالم الفرنسي كلود برنار (ت 1878)، صاحب نظرية ومفهوم Milieu Intérieur: الوسط الداخلي، أو الأخلاط. والذي يقول: «إن الكائن الحي يجدّد ويحيي نفسه بقوى وظائفه الخاصّة في كل حين» ويضيف الباحث د. محمد سلهب شارحاً وموجزاً نظرية برنار: «إن الوسط الداخلي Milieu Intérieur يمكّن من التعرّف على العمل المنجز داخل الكائن الحيّ، وفق مبدأ الاستتباب Homéostasie والضبط الذاتي Autorégulation (…) وبرنار يطرح أولوية الفيزيولوجيا على الپاتولوجيا ( علم الأمراض Pathologie) فالمرض يعتبر اختلالاً للوظائف الطبيعية التي تولّد الصحّة»( ).
العافية (أي الصحة التامة) هي الوضع الطبيعي للإنسان. وما المرض سوى خلل، عابر يقصر أو يطول، لهذا الوضع. والإنسان هو مَن يحدّد طوله وقصره، بغذائه، وتفاعله مع الانفعالات والأفكار السلبية ووعيه لتأثير كل ذلك على مزاجاته، وبالتالي صحته. هذا ما علّمته الأيورفيدا، وتعلّمه، منذ ألوف السنين.
«إن لم يبنِ ربّ البيت، فعبثاً يتعب البنّاؤون». يقول داود النبي( ).
وبيت الإنسان الأول بدنه، فإن لم يبنه هو، كما يجب، فعبثاً يتعب الأطبّاء والمعالجون.
بنية هذه الموسوعة
ماذا الآن عن بنية هذه الموسوعة ومنهجها؟؟
تتناول موسوعتنا علم الطب الهندي ”الأيورفيدا“ بجانبيه النظري العلمي، والعملي/ التطبيقي، كما أسلفنا. وتلافياً لجعل مجلّدنا هذا ضخماً، فقد فَصَلْنا عنه القسم الذي يتناول الأيورفيدا في علاقتها وتفاعلها مع الطب العربي، وأفردنا له كتاباً خاصّاً بعنوان:
الأيورفيدا والطب العربي
دراسة في الطب الهندي وأثره في أرض الإسلام
والمصنّف المذكور يعتبر الجزء الثاني، والمكمّل لهذه الموسوعة.
ماذا عن القسم الذي بين أيدينا الآن؟ إنه مجزّأ إلى أبواب خمسة وملحق. وتتدرّج أبواب هذه الفصول تباعاً في التعريف عن الأيورفيدا وميزاتها، ومبادئها، وأساليبها في التشخيص والعلاج، وأسس الحمية، وطرق التداوي فيها.
الباب الأول مخصّص للتعريف بالأيورفيدا: يحدّدها، ويبيّن ميزاتها وفرادتها، وسط طوفان النظم الطبية الحديثة منها والتقليدية والبديلة… وما الذي يدفع إنسان اليوم إلى اعتماد الأيورفيدا، واختيارها من بين هذه الأنظمة؟ وما هي ضمانته؟ وفصول هذا الباب الأربعة تتناول هوية الأيورفيدا وعراقتها واستمراريتها وحداثتها. ما يجعلها تنفرد عن غيرها بالجمع بين كل هذه الميزات.
الباب الثاني يعرض لأبرز المبادئ التي يقوم عليها هذا النظام. فبدون هذه الأسس / الركائز لا يمكن فهم آليات الأيورفيدا في العلاج وطرقها وأدويتها. إنها مفاهيم ضرورية للممارسة الطبية. فلا يمكن فقه سرّ تحوّل فيزيولوجيا الإنسان من الصحّة، وهو حالها الطبيعي، إلى المرض، دون الإلمام العميق بالعناصر الخمسة، المزاجات وأسباب اختلال توازنها، طبيعة البدن Prakriti: كيف نحدّدها؟ وكيف يعرف كل امرئ طبيعة بدنه ويحترمها ليُحافظ على صحته. نار المعدة ودورها الحاسم في عملية هضم كامل، أو في إفراز السموم والشوائب Ama. أنسجة الجسم السبعة، وظيفتها في تغذية الجسم وإفراز الأوجا Ojas جوهر هذه الأنسجة. وهي بالتتالي مواضيع الفصول الخمسة لهذا الباب.
الباب الثالث يتناول طرق التشخيص والعلاج في الأيورفيدا. وبه يبدأ فعلياً القسم العملي ـ التطبيقي من هذه الموسوعة. فهو يعلّم قراءة النبض وتشخيص الأمراض من خلالها. في فصله الأول. كما يعلّم في الثاني وسائل التشخيص الأخرى التي لا تقل عنه أهمية، وقد تكون أكثر سهولة منه: كفحص اللسان والبول والأظافر، والجلد والعيون والوجه. ودلالات هذه الفحوص على الوضع الصحّي للمرء. وكيف يستفيد من كل ذلك لتشخيص حاله، وحال الآخرين. وفي الفصل الثالث يبدأ الانتقال إلى علاجات الأيورفيدا. من عرض نظري وعملي لعلاجات المارما وفوائدها، وكيف ينشّط الإنسان هذه النقاط الحيوية في جسمه. إلى عرض لتقنيات المسّاجات ومنافعها في الفصل الرابع، وكيفية إجراء المسّاجات للنفس وللغير. ومن ثم في الخامس علاجات التنقية Panchakarma وأنواعها المختلفة وأهميتها. وما يمكن أن يجريه ذاتياً منها. وطرق التشخيص والعلاجات هذه، مرفقة كلها برسوم وصور توضيحية تقرّب الفهم. أما الفصل السادس، فيتناول علاج الأمراض الجلدية، والعقم، وكيفية اختيار جنس الجنين.
الباب الرابع مكرّس لعلم التغذية والطعام في الأيورفيدا. خصائصه وآدابه. وإفراد باب كامل للتغذية يعود إلى الأهمية القصوى التي توليها الأيورفيدا للغذاء. فهو ركن الصحّة الأول. وعلى الإنسان أن يعرف جيّداً ما يناسبه من أطعمة. ولكلٍّ الحمية التي تنفعه هو، وقد لا تفيد غيره، بل قد تضرّه. فمن خلال التعرّف على المذاقات وأثرها في الأمزجة وعلى خصائص الأطعمة، يستطيع الإنسان أن يركّب الحمية التي تناسبه وتفيده. وهو موضوع الفصلين الأولين. أما الفصلين الثالث والرابع فيتناولان موضوعاً قلّما ركّزت عليه الأنظمة الطبية الأخرى وهو: كيف نأكل؟! فليست نوعية الأكل وحدها مهمّة. بل كيفيته وطريقته كذلك. وهذا أمرٌ تشدّد عليه الأيورفيدا واليوغا. وقد درسنا ذلك مقارنة بآداب الطعام في التقاليد الإسلامية والمسيحية. وبينّا أوجه التشابه بينها. والفصلان المذكوران، هما في الأساس بحثان مستقلان، أُدرجا في هذه الموسوعة.
الباب الخامس وهو الأطول. يتوسّع في التداوي الذاتي وحفظ العافية. الفصل الأول منه يعرض للروتين اليومي الصحّي. ما تنصح الأيورفيدا بفعله، أو بتجنّبه، في الحياة اليومية.
والفصل الثاني معجم الفبائي لما يحويه المطبخ من أغذية، هي بالأحرى أدوية. أو أدوية مفردة كما سمّاها الأطبّاء العرب أو أدوية البيت HomeRemedies، وفق المصطلح الحديث. والمقاربة لهذه الأدوية / الأغذية أيورفيدية ترتكز على أثرها على المزاجات. ولكن، ونظراً للتقارب بين الأيورفيدا والطب العربي في هذا المجال، فقد ذكرنا أشياء مما قال ابن سينا وابن البيطار وغيرهما عن هذه ”المفردات“. أما الفصول: الثالث والرابع والخامس. فتتناول أنواعاً من التداوي قد تبدو غريبة أو غير مألوفة. وهي استخدام المعادن والجواهر والألوان والعطور، والموسيقى في العلاج والشفاء. وقد كانت الأيورفيدا سبّاقة في هذه المجالات. واليوم تتلاقى الأبحاث الطبية الحديثة مع ما علّمته الأيورفيدا ومارسته منذ القِدم. لذا تناولنا بداية في كل فصل الأسس العلمية والعملية الأيورفيدية في طرق العلاج الخاصة هذه. ثم ألحقنا بها بعض ما توصّلت إليه الأبحاث الحديثة في هذه المجالات. كما أننا لم نغفل إسهامات الأطباء العرب، لا سيما ما توافق منها، أو تأثّر، بالأيورفيدا.
والفصل السادس هو الآخر معجم ألفبائي. ليس للأدوية، كما الأول، بل للأمراض الشائعة، وكيفية التداوي لها.
وألحقنا بهذه الموسوعة مجموعة نُبَذ تعريفية بعدد من الأطبّاء الأيورفيديين الذين عرفناهم وتدرّبنا على أيديهم، ذاكرين عدداً من آرائهم الصحيّة، وأمثلة من ممارستهم الطبية.
المنهجية والمراجع
اتبعنا في هذه الموسوعة، كما في سائر كتبنا السابقة، المنهجية الأكاديمية العلمية. فبعد تحديد تصميم عام هو الهيكل العظمي الذي عليه بني الكتاب مقاطع وفصولاً وأبواباً، عمدنا إلى التدرّج في العرض من البسيط والعام إلى الأكثر دقّة أو صعوبة. وقد مهّدنا لكل باب، بل لكل فصل، بما يوضح إشكاليته وموضوعه. وجعلنا الأبواب والفصول تترابط، فما لحق يستند إلى ما سبق. وما قُدّم يمهّد ويعرض لما أخّر. فمن ميزات الأيورفيدا إلى أسسها ومبادئها. فعلاجاتها وتشخيصاتها. ثم أنظمتها الغذائية. وصولاً إلى طرق التداوي التقليدية والمبتكرة فيها: حركة تصاعدية تكاملية وتراكمية في العرض والشرح، ولكن مع حفظ شيء من الاستقلالية لكل باب، بل وفصل، إذا أمكن، بحيث لا يتطلّّب فهم ما لحق، قراءة كلّ ما سبق.
وعمدنا إلى عدم إطالة المقاطع والفقرات. فأكثرنا العناوين الداخلية في كل فصل، وميّزنا بين الرئيسية منها والفرعية باختلاف الخطوط. وذلك تسهيلاً على القارئ للعودة إلى ما يهمّه بالتحديد من مواضيع أو أفكار.
ومع أن عملنا في العرض للأيورفيدا هو، في جانب أساسي منه، موسوعي تعميمي مبسّط، فهذا لم يمنعنا من اتّباع النهج العلمي في نسبة الآراء والنظريات إلى أصحابها ومصادرها.
ويمكن أن نقسم مراجع هذه الموسوعة ومصادرها إلى فئات ثلاث:
1 – الإسهام الشخصي المتأتي من خبرتنا في الأيورفيدا دراسة وممارسة. مع ما يرفد هذا الجانب من دروس تابعنا، ومحاضرات أعطينا وندوات شاركنا فيها. أو مقابلات مسجّلة أو مدوّنة مع العديد من أطبّاء الأيورفيدا الذين عرفناهم، أو تتلمذنا عليهم.
2 – المصادر القديمة. وأبرزها ثالوث الأيورفيدا الكبير. أي مؤلّفات شراكا وسشروتا وفاغبهاتا. ومصدر واحد من الثالوث الصغير هو شارنغدهارا. وعدد آخر من المصادر الأساسية في الأيورفيدا. وقد تعمّدنا في كل فكرة، أو مفهوم، أو مبدأ، أو علاج.. الخ نعرضه، إلى العودة، ما أمكن، إلى أمّهات المصادر هذه، وترجمة ما قاله شراكا، أو غيره، في هذه المسألة. فلا يكاد فصل، أو حتى مقطع، يخلو من استشهاد بواحد من أساطين الأيورفيدا. إنها رغبتنا في العودة إلى الينابيع، لينهل القارئ المعرفة من مصادرها الأساسية والصافية.
ولا شك أن بين هذه المصادر يبرز شراكا المعلّم الأول والأقدم. إنه أبو الطب الهندي، كما أبقراط أبو الطب اليوناني. ويأتي بعده سشروتا أبو الجراحة: وقد عرّفنا بداية، في الفصل الثالث من الباب الأول، بكل هذه المصادر، قبل أن نعود إليها بشكل مستمر في مختلف الأبواب والفصول. وذلك رغبة في أن تكون موسوعتنا أقرب ما يمكن من المعرفة الصافية، والبعيدة عن التحريف والتصحيف.
3 – المراجع الحديثة. طبيعي أن لا تفي المصادر القديمة بالغرض، في عرض للأيورفيدا متوجّه لإنسان هذا العصر. فلا بد من أن نحدّثه بلغة زمنه. وتحسّس مشاكل وأمراض عصره، والتي قد تختلف عن هموم ومشاكل الأزمنة القديمة. فالأيورفيدا، إلى عراقتها، تتّصف، كما بيّنا في الفصل الرابع من الباب الأول، بالحداثة. وقد تآزرت جهود عديدة في سبيل تحديث هذا النظام الطبي. ووضع العديد من الأطبّاء والخبراء المعاصرين مؤلّفات في الأيورفيدا، تعرض لهذا الطب بلغة العلم الحديث وأساليبه ومصطلحاته. ولا نغالي إذا قلنا أننا لم نوفّر جهداً، ولا مالاً، للحصول على أي مرجع يتناول الأيورفيدا. وقد ساعدتنا سفراتنا المتعدّدة في أوروبا والهند على الحصول على العشرات من كتب الأيورفيدا بالإنكليزية أولاً والفرنسية ثانياً. فعدنا على هذه المراجع كلّها. وذكرنا حتى الذين أفدنا منهم بسطرٍ أو فكرة. وهذه المؤلّفات مذكورة في آخر الموسوعة. ولكننا ننوّه هنا، اعترافاً بالجميل، بثلاثة منها:
أ – كتاب الطبيب الأيورفيدي المعاصر Vasant LAD وعنوانه الأيورفيدا علم الشفاء الذاتي:Ayurveda the science of Self-Healing.
هذا الكتاب على صغره (175 ص) هو برأينا أبرز ما صدر عن الأيورفيدا في القرن العشرين من مؤلّفات تعميمية. ولا نغالي إذا قلنا أن لاد LAD هو شراكا القرن العشرين. فكتاباته واضحة جليّة، تنمّ عن فهم عميق وتمرّس بالأيورفيدا نظرياً وعملياً. وهو يشفع دائماً كلامه بالصور التوضيحية والجداول المفصّلة، بحيث يمكّن القارئ من الإحاطة بالموضوع، دون كثير عناء وهدر وقت. وقد استعنّا بعدد من الصور والجداول التي أوردها لاد في كتابه. ونسجّل هنا شكرنا له.
ب – كتاب الخبير الأيورفيدي اللبناني الأصل جيرار إدة Gerard Eddé. وعنوانه Traité d’Ayurveda . وهو في جزئين. وغالباً ما يعود إدّه إلى شراكا وسشروتا وغيرهما من المصادر. كما يركّز على المنافع العملية لعلاجات الأيورفيدا وتشخيصاتها وأدويتها…الخ. وكتابه أبرز ما صدر بالفرنسية عن هذا النظام الطبي.
ج – كتاب الطبيب الأيورفيدي الذائع الصيت شوپرا Deepak Chopra. وعنوانه Perfect Health. وقد ترجم إلى الفرنسية ولغات عديدة أخرى. وهو دليل عملي للتداوي بالأيورفيدا. وهذا الكتاب، وإن اتّصف أحياناً بالإطالة التي قد تبلغ حدّ الثرثرة، جليل الفائدة. ونعتبره المرجع الحديث الثالث في موسوعتنا.
وثمّة أطبّاء أيورفيديين آخرين أفدنا من كتاباتهم أمثال Frawly و Svoboda وغيرهما. وكلٌّ ذكر في موضعه.

نشير أننا عملنا دائماً على ذكر المصطلحات والتعابير الطبية والأيورفيدية بلغاتها السنسكريتية أو الفرنسية أو الإنكليزية وما يرادفها بالعربية.
ظاهرة الطب التلفيزيوني
وهذا النمو والانتشار، بل الطفرة التي تشهدها البدائل الطبية، وأنظمة الطب الطبيعي والتداوي بالأعشاب، سيف ذو حدّين. وقد تناولنا جانبها الإيجابي في مواضع عديدة من هذه الموسوعة. يبقى جانب مظلم لا بد من التحذير منه.
وأبرز ما في هذه الظاهرة ابتكار لبناني ـ على الأرجح ـ وهو ما نسمّيه نحن ”الطب التلفيزيوني“. فهذا يظهر على التلفيزيون معرّفاً عن نفسه بأنه ”خبير أعشاب“، وذاك مجاز في الدكتوراه في الطب الطبيعي. مع ما يظهر هذا التعبير من جهل مطبق بالأنظمة الجامعية والشهادات. فمَن كانت لديه ”دكتوراه“ يكون قد حصل مسبقاً وحكماً على الإجازة. وكلٌّ يتبرّع بوصفات طبية ”مجّانية“ عبر الشاشة الصغيرة. ”فيُفتح الهواء“ لهؤلاء ”الأطبّاء أو الخبراء“. ويتّصل المرضى. فيصفون لهم مباشرة، ودون معاينة، الأعشاب والأدوية التي يروّجون لها. ويدّعون أن مستحضراتهم تشفي جميع الأمراض …الخ.
إنهم غالباً مدّعو ألقاب وعلوم لا يمتلكون منها سوى النذر اليسير. وفي الإنكليزية مثل يقول:
A little knowledge is a very dangerous thing
”قليل من المعرفة أمر خطير للغاية“
فصاحب المعرفة المبتورة خطره أساساً عظيم. فكم بالحري إذا كان همّه منصبّاً، ليس على ما في جسمك من أسقام، بل على ما في جيبك من أموال..؟!
إنها برامج دعائية، يدفع أصحابها أموالاً طائلة للظهور على الشاشة لتسويق منتجاتهم. هدفهم التجارة والربح، لا التوعية الصحية. فالحذر واجب. إذ إن العواقب قد تكون وخيمة، ليس على الجيوب فحسب، بل وعلى الصحة أيضاً.
فحذاري من ظاهرة، بل صرعة، ”الطب التلفيزيوني“.
أختم بقول للطبيب العالم كلود برنار Claude Bernard:
Nous ne sommes que les précurseurs d’une science médicale de l’avenir, mais que nous ne verrons pas( ).
”لسنا سوى السبّاقين لعلم الطب الآتي. ولكنّنا لن نعاينه أبداً“.
ولسنا ندّعي معرفة، أو توقّع، علم الطب المستقبلي الذي تنبّأ به برنار. ولكننا نكتفي بطرح التساؤل: ألا يكون طب المستقبل الناجع هو في الوقت عينه نظرة إلى الوراء، أي عودة إلى الينابيع من ناحية بحيث ننتهي من التجزئة وتشييء الإنسان بين جسد وفكر ونفس. بل وتجزئة وتفريق بدنه إلى أجهزة وأعضاء… ما أوقعتنا فيه الممارسة الطبية الحديثة وتشعّب الاختصاصات.
وتطلّع إلى الأمام من ناحية أخرى يستوعب ما أثرى التطوّر التكنولوجي النظرية والممارسة الطبية؟.
عسى الغد يحمل بشرى وفاق، لا طلاق، بين أمس الطب وحاضره والغد.
Q.J.C.S.T.B د. لويس صليبا
باريس 15/11/2005
 

شاهد أيضاً

الصمـت فـي الهندوسيـة واليوغـا

نبذة :الهندوسية بالمعنى الواسع، ليست إنتماءً دينياً عقائدياً أو عرقياً، فهي ليست ديانة بالمفهوم السامي/الإبراهيمي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *